أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - قتلة وشكوك














المزيد.....

قتلة وشكوك


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 13:42
المحور: الادب والفن
    


قتلة وشكوك
سلام إبراهيم
انحدرتُ في سِنَةٍ، فوجدتني أزحف خلال شقٍ بخاصرة الجبل، مموه بصخرة تلاصق السفح في وادٍ أجرد مهجور. عدتُ بأرغفة خبز وزمزميه ماء وحبات طماطم تسولتها من رعاة مخيَّمينَ على قمة الجبل. غمرتني عتمة المغارة العميقة، تريثتُ جوار الثلم المنخفض أغرزُ عيني في الجوف المظلم البارد، وصدى احتكاك جسدي بالصخر يضيع في صمتٍ وجدتهُ غريباً. ناديت بصوتٍ منخفضٍ وَجِلٍ قبل أن تتلامح كتلة في منتصف الفسحة الطولية المشكلة مدخل متاهة المغاور الضائعة في أحشاء السلسلة الجبلية. أنعمتُ التحديق فاستبان هيكل مقاتل واحد فقط من المجموعة التي كانت تحقق مع فلاحين كرديين شَكتْ المفرزة بأمرهما في اغتيال رفيق قبل أيام أثناء قضائه أجازه في قريته المتناثرة بيوتها على رابية تحت سلسلة ـ كارا ـ. رأيته يلوذ بجدار المغارة الرطب ويحملق بذعرٍ مزدرياً ريقه الجاف، وغير قادرٍ على الإجابة على أسئلتي:
ـ أين بقية الرفاق؟.. ما بكِ؟.. ما الذي حدثَ؟.
تركته متجهاً إلى حيث يشخص نحو مصدر أنين مصحوب بشخير. فوجدت الفلاحين مقيدين في أقصى المستطيل المفضي إلى تجويف ممرٍ غائر في بطن الجبل. كانا ممددين على ظهريهما، داميي الوجه، محتقني القسمات، يقلبان أعينهم في دورة تنقطعُ باختفاء البؤبؤين، وتتواصل بعودتهما. هرولت نحوه. أمسكته من تلابيبه ورحتُ أهزّهُ صارخاً:
ـ ماذا فعلتم؟..ليش.. ليش.. ليش؟!.
أنفلتَ من بين أصابعي التي وهنت. قفز نحو الشق وأنسل منهُ. هرعتُ نحوهما ثانيةً. حللتُ وثاقيهما. رحتُ أتنقل مضطرباً بينهما. أسقيهما ماءً. أمسح بمنديلٍ مبلول قسماتهما المشوهة بالكدمات والجروح. كانا يحتضران، فألقى بيّ جسداهما المنتفضان في باطن ظهيرة باحة بيت الجيران المكتظة بالنسوة المتحلقات حول أمي المنكبة على رأس المحتضرة تسقيها أخر قطرات العمر. بللتُ منديلي بالماء وجعلتُ أقطره قطرة.. قطرة داخل تجويف الفمين المختلجين إلى أن أنتفض الأول وكأنه يبغي الانتصاب بجذعه العلوي رافعاً ذراعيه صوب الضوء المتسرب من فتحة المغارة ثم هوى ساكن الأنفاس بين ذراعي. لحقهُ الثاني بعد دقائق. تجننتُ. أزحت القميص الملوث بالعرق والدم عند موضع القلبين وألصقتُ أذني.. ليس غير نبضي الضاج. اعتدلتُ ساحباً أنفاساً عميقة، ثم ركعت ثانية لصق القلبين. أيقنتُ من اندمالهما بالمطلق الساكن، فانفجرتُ بصراخ أجرد هزَّ أركان المغارة. صراخٌ مبهمٌ متصل رجّ بي الظلام والصخور. عويتُ عواءً أملس بوجه الضوء المتسرب من الشق الضيق الذي أنسدَ بأجساد المقاتلين المتدفقة صوبي. دار بي السقف والضوء والجثتان والقادمون الذين أحاطوني وأمسكوا بيديّ وساقيّ وخصري إلى أن وهنت قواي وكففتُ عن الرفس، منحدراً نحو فضاء فارغ، رماني إلى عدمٍ أظلم. لا أدري كم أستمر. إذ انتشلتني من خوائه ضجة حفرٍ، فتحتُ عيني لأحرز ظلال الجسدين المسكينين الساكنين وهم يحملوهما بمستوى الركبة، لِيُلقى بهما في باطن حفرة ضحلة، ثم تنهال الأيدي المرتبكة بالصخور والتراب. ومن يومها أنسدل ستارٌ بيني وبين رفاقي، فأحجموا دون تصريح عن تكليفي بمفارز قتالية أو مهام خطف مشبوهين من مراكز المدن الكبيرة ليلاً. أمسوا يرمقونني وفي عيونهم سخريةٌ، وعلى شفاههم لغطٌ. وجوه هازئة تحاصرني منذُ بكرة الصباح وحتى لحظة الإياب إلى الفراش مع تكليفٍ بأشق الأعمال الجسدية كحمل الصخور من عمق الوادي لبناء غرف القواعد الجديدة، تكسير الحطب، تحميل أكياس الرز والسكر من القرى التركية الحدودية البعيدة، العناية بالبغال ومستلزماتها من علفٍ ومواد تخص التحميل. ذقتُ عذاباً دفيناً متصلاً هزَّ ثقتي بنفسي من الأعماق، وجعلني مضطرباً لا أقوى على مواجهة نظرات المقاتلين الأشداء الحازمة الواثقة من عدالة قضيتها التي تبرر كل ذلك الكم من القسوة. كنتُ أشرد بعيني من الوجوه عند الكلام إلى غابة السفح والسماء، صخور الأرض وجدران الغرف، النهر والقمم العالية، الجوانب والخلف. وهكذا ألتحم عذاب يوم الجبل بخزين عذاب تفاصيل الطفولة والصبا والمراهقة.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سحر السينما
- نوافذ مغلقة
- الجنس في الرواية -5- المثقف العراقي والجنس
- أصناف النقاد زمن الخراب 1- الناقد الدراغ
- ضحك
- أمي
- الرفيق
- الرواية والجنس -4- الجنس بين الثوار
- الجنس في الرواية -2- العراقي والجنس
- الجنس في الرواية -1-
- المصور إحسان الجيزاني والسياب
- لست سوى ظل
- الوقت والجسد
- في الوسط الأدبي العراقي -4- نزعة إبادة الآخر
- بمناسبة عيد العمال 1 أيار 2016 شبيه فهد
- في الوسط الأدبي العراقي -3- الكلام والحط من شأن الأخر
- في الوسط الأدبي العراقي -2- ماذا لو بيده سلطة؟!.
- حفيد علي بن أبي طالب
- في الوسط الأدبي العراقي عن الصراحة والرأي الآخر -1-
- حارس الموتى من روايات قائمة البوكر القصيرة 2016


المزيد.....




- جيمس كاميرون يشتري حقوق كتاب تشارلز بيليغريمو لتصوير فيلم عن ...
- كأنها خرجت من أفلام الخيال العلمي.. ألق نظرة على مباني العصر ...
- شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير ...
- وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح ...
- مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد ...
- أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه ...
- وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا ...
- عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب ...
- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - قتلة وشكوك