|
المدرسة العقلانية التجريبية ودورها في كشف ماهية المعرفة
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 02:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من جديد نعود للعقل والعقلانية وحقيقة دور المعرفة في نظامها الفلسفي، طبعا المعرفة هنا ليست المنتج فقط بل الأدوات والمنهج والأليات وأصالة العنوان مقارنة بالمدرسة التجريبية المنافسة، التي تستكثر على العقل الإنساني قيمة ودور المقدمات الفطرية التي يتبناها كأس أولي وضروري في بناء التجربة المعرفية، وهنا يصف ويتهم الفكر العقلاني بأنه فكر مطاط ومهلل وقد يكون مشوشا في تبني قضية المعرفة أصلا، يقول الفيلسوف جان لوك مثلا ((العقل نفسه لا يشكل جزءاً في عملية تكوين الأفكار البسيطة فهي أُحدِثَت من قبل الأشياء نفسها))، المشكلة التي يثيرها دعاة التجريبة من خلال قراءة فلسفية نقدية خالصة أنهم وقعوا في فخ الوجود الأول الناشئ وتباينه من حيث الماهية عن الوجود الثاني المكتشف، فحتى التجربة الحسية في نفس هذا المنظار لا تشكل جزأ في عملية التكوين الأول بل هي جزء من ألية أنتاج الوجود الثاني والعقل هو من يتحقق ولو خارجا من القضيتين منفردا، وبناء على معيار المطابقة التكرارية أو اليقين المتكرر حين يثبت هذا وينكر ذلك وهذا هو الأهم. التجربة ضرورية وركن مهم من أركان التعقل كعملية وظيفية للإنسان في أكتشاف التساؤل المحيط به ليس فقط في أكتشاف المعرفة بل بعلاقة المعرفة في الوجود وهو ما يسمى بالمعرفة الكونية المركبة، والحسية هي الطريق الطبيعي لتبلور الإدراك العقلي بصورته النهائية كمنجز خام قابل للهضم والتداول، وهما من ضمن سلسلة الفعل العقلي في سيرورته الطبيعية ولكن وصفها كجزء مستقل أو فاعل بمعزل عن قدرة التحكم والفرز والتصنيف والتوظيف والخزن والأسترجاع لا يمكن القول به، التجربة الحسية في الأخر تجربة العقل ذاته وبدون وجوده وسيطرته على المسار التطبيقي لا يمكن أن تولد تجربة، حتى في عالم الحيوان نشاهد بعض نماذج التجربة ولكنها أما تجربة غريزية تنم عن وعي فطري أو تجربة أنية تتوافق مع مقدار ما للحيوان من قدرة للفهم. قادت تجريبية “جون لوك” إلى المساعدة أيضاً في وضع أساسيات المنهج العلمي التجريبي ولكنها أيضا أخطأت بتقدير التفريق بين المعرفة والواقع، فقد فتح “جون لوك” باباً للمشككين سيصارع التجريبيون اللاحقون لإغلاقه لأنه يتناقض مع المنطق العلمي وقانون العلية والسبب، فلا معرفة حسية يتبناها الواقع دون أن تمتحن بالبرهان العقلي وحده، قد تنجح التجربة مختبريا ولكن السؤال هنا من يقدر النجاح والفشل، هل هناك معيار أو ناطق باسم الحقيقة غير العقل؟، أم هل هناك محدد أخر يمكننا أو يمكنه أن يخبرنا أن التجربة الحسية قد أكتشفت وتبنى المعرفة؟، سؤال أخر أساسي هو من يفترض مقدمة التجربة ومن يضع منهاج البرهان؟، هل هي المعرفة المختزنة أساسا وهنا العقل يقر ويؤكد أن كل المعارف والقوانين العلمية موجود وقديمة لكن الإشكال ليس في وجودها بقدر ما يكتشفه الإنسان منها، لولا هذه الحقيقة العقلية لا يستطيع جون لوك أن يخوض التجربة دون الأعتماد على هذه الفكرة العقلية فكرة الأكتشاف. النقطة التي لا يرفضها العقلانيون بمختلف تفرعاتهم أن التجربة مهما كانت متواضعة فهي في الأخر طريق ضروري ومهم للعقل ونظامه العام، فمن خلال الحواس يمكنه التغلغل بين المجهول الواقعي وبين الواقع المعلوم، وبالتالي كل تجربة هي طريق يؤدي للتراكم في مصفوفات العقل المخزنة والمنسقة في مضمور ما، فهو يهضم الفكرة أولا ويتقبلها ومن ثم يحولها إلى قيم رمزية أو قيم مرمزة يمكن للمعرفة أن تتخذها أساسا للتجديد والبناء النوعي، وحتى المعرفة التي يقسمها لوك إلى ثلاثة أصناف هي مرتبطة بالعقل أولا ومقدمة ونتيجة، المعرفة البديهية هي المصفوفة المتكررة والثابتة، والمعرفة البرهانية هي التي يقررها العقل ويشترط لها منهج منطقي ويخضعها للتدقيق، والمعرفة الحساسة التي لا تبدأ إلا من خيال العقل حين يتحرر من أسره لينفذ إلى مدارات خارجه عن واقعه هو، حتى الحس أحيانا وتجريديا لا يدركها بالمباشر ودون تدخل العقل في رسم ماهية ذهنية لها تكون حساسة بشكل صوري أيضا. هنا يمكننا أن نقر وبعيدا عن التنازع الشكلي في أساسيات المدرستين التجريبة والعقلانية أن العقل هو مالك وصاحب التجربة وأن من يفعلها ليست المعرفة خارجا بل المعرفة ذاتيا وفرديا في الوعي الإنساني الذي هو وعي عقلي وليس إحساس منفصل عنه، وننحاز للواقع العملي والعلمي من أن المدرسة الواقعية والحقيقية هي المدرسة العقلانية التجريبية بصيغتها المتكاملة، حين يتداخل الفعل التجريبي بشكله العقلي وبمنظومة العمل التفصيلي في رسم وإرشاد الحس في طريقه لأكتشاف المعرفة، هذا الترابط ليس ضروريا فقط بل هو أساسي وطبيعي ولا حقيقة هناك غير ما هو مطروح هنا، أن التبادلية الجدلية في الأدوار بين المعارف الفطرية التكوينية التي تستمر في ثرائها كلما خاضت تجربة وكلما كانت التجربة هذه تستجيب لشروط العقل وتماهييه في نظامه وبين العلم والمعرفة كمنتج نهائي قادر على البقاء والتواصل مجددا في رحلة لا تتوقف عن الخوض في كل المواضيع والأشياء، فلا يمكن عزل الطريق عن نقطتي البداية والنهاية وننكر أنه هكذا هو في الواقع غير محدد، وأيضا لا يمكن عزل هذه النقاط عن حقيقة وجود رابط بينهما يسمى طريق لأن وجود النقطة على سطح ما هو دلالة بداية لشي أو نهايته حتما.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحيل شاعر البلاط ...... من مأتم الشعر
-
توظيف علاقة القيمة الدينية في الأقتصاد المجتمعي.
-
تداعيات الانهيار ومرحلة ما بعد السقوط
-
القيامة والنار وعبيد الصنم
-
القضية الأخلاقية والإنسان المستبعد منها
-
صورة البطل في المخيال الشعبي الديني. ح2
-
صورة البطل في المخيال الشعبي الديني. ح1
-
إحياء الوعي أم تفعيل العقل ح1
-
الحقية والرأي ومديات مفهوم التجربة بينهما
-
لماذا ننحاز للعقل ونتهمه دوما بالتقصير
-
الأقتصاد الريعي والمدنية الأجتماعية.
-
الدين الإنساني اليوم بين اتقليد والتجديد
-
مذكرات رجل ... كان ح4
-
مذكرات رجل ... كان ح3
-
مذكرات رجل ... كان ح2
-
مذكرات رجل ... كان ح1
-
مديح الحروف المسافرة .... لك أنت وحدك يكون المديح فرضا
-
جرائم السلطة وجرائم السياسيين
-
الياسمين ينزع لونه ليوزعه عشقا للناس _ دراسة نقدية لشعر السي
...
-
وهم المرجعيات وسقوط نظرية الطاعة الولائية لرجل الدين
المزيد.....
-
شاهد ما كشفته صور حطام طائرة ركاب ومروحية في نهر شبه متجمد ب
...
-
حماس تعلن مقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف ونائبه مروان ع
...
-
ترامب: -لا ناجين- من حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية ف
...
-
أبو عبيدة يُعلن مقتل محمد الضيف وعدد من القيادات العسكرية لـ
...
-
واشنطن.. لحظة اصطدام طائرة أمريكية بمروحية عسكرية ومقتل 64 ش
...
-
مقابلة الكلب -رامبو- بمصر
-
من قائد -تنظيم إرهابي- إلى رئيس انتقالي.. احتفالات في دمشق ب
...
-
خلال لقاء مع حماس.. إردوغان يأمل في نجاح المرحلتين الثانية و
...
-
-حياتي ليست أقل قيمة-.. غضب في الأرجنتين من خطط ميلي لإلغاء
...
-
مقتل 6 أشخاص بهجوم روسي بمسيرة على بناية سكنية في سومي شمال
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|