جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 5283 - 2016 / 9 / 12 - 09:35
المحور:
كتابات ساخرة
لملمت أوراقي وما تبقى في جعبتي من أحزان, ودخلت الآن للاستحمام استعدادا لاستقبال عيد الأضحى المبارك ستبدأ الطقوس الدينية بعد عدة ساعات وبعدها ستبدأ طقوسنا وعاداتنا الاجتماعية وهي لا تختلف في شيء عن عادات المسيحيين أو اليهود أو كافة الديانات المختلفة والمتشابهة والمتقاربة في العالم كله, سيزور الجيران بعضهم بعضا, ستلقاني الناس بالشوارع وسيسلمون عليّ كعادتهم ويأخذونني بالأحضان, ولكن لن يقول لي أحدهم (قام المسيح) لأرد عليه (حقا قام) سيقولون لي: كل عام وأنت بخير وأضحى مبارك, وسيذبح كل رجل عن نفسه خروفا بلديا أو نيوزلنديا أو رومانيا أو جورجيا وهو الأقرب في الشكل والمظهر للخروف البلدي, وذلك لكي يكفر كل إنسان عن خطيئته معي ومعك طوال السنة, وسيذبح الطيبون عن أرواح الموتى, وتخيلوا معي مثلا: خروف قادم عبر البحار من السودان أو الصين لكي يكفر عن خطايا الإنسان الآسيوي أو الأفريقي الذي لم يؤمن بعد بأن المسيح افتداه بدمه وخلصه من خطيئته!! وهذا ليس موضوع بحثنا أما الموضوع المهم والأهم هو الساعات القليلة التي سنمارس فيها الحب أو الدهلزة أو النفاق أو الخبث أو لنقل العهر الاجتماعي, سيقبلونني على وجهي من اليمين ومن اليسار, بعضهم سيبدي لي حبه العظيم والطاهر ومن شدة محبته لي سيعضني عضا في وجهي سنمارس القُبل في الشوارع على طريقة العضائيات, سنعض بعضنا بعضا من شدة المحبة, شفاه البعض ستترك على وجهي بعض العلامات الدالة على أنني منذ سنة لم أتلقَ أي قُبلة , وستترك بعض العلامات نُدبا على خدي الأيسر لتدل على أن جاري أو أخي أحبني هذا اليوم حبا عظيما وقبلني حتى ظننتُ من شدة التقبيل والتمطيق أنه سيمص دمي على عادة بعض الرأسماليين , والتمطيق وأصوات القبل على المقابر وفي الأزقة ستسمع أنت صوتها لو مررت من الشارع المقابل أو المجاور, سنتقابل على الأرصفة وفي الطرقات الضيقة وعلى المقابر مهنئين بعضنا بالعيد السعيد وجيراني سوف يدخل بعضهم منزلي وسأقدم لهم واجب الضيافة وسأقول لأحدهم: ( لم أرك منذ سنة!!) وهو سيقول: لم أرك أنا أيضا منذ سنين, وسيقول لي آخر عندما أدخل بيته: منذ عدة سنين ما شفتك دخلت بيتي, وسأرد عليه بابتسامة عريضة: يعني هو إنت عمرك دخلت بيتي!!سأقولها هكذا بأسلوب استنكاري بليغ.., القهوة السادة وكعك العيد الذي عجنته زوجتي وخبزته بيديها سوف نقدمه كواجبٍ للضيافة على عادة بعض المهوسين بصناعة الجمال فقط في يوم العيد, سوف نمارس بعد عدة ساعات جنون الحب أو جنون العيد..سنمارس الحب بشكل رهيب جدا, سنتصافح في الشوارع ممسكين بأيدينا وهي نرتجف والأصدقاء يهزونها هزا من حرارة وقوة السلام, وأنا أعرف من هم الذين سيخلعون لي كتفي كل عام وهم يسلمون عليّ بحرارة لذلك أتجنب مصافحة أغلبهم وقلة منهم سيركضون خلفي من شارع إلى شارع أو سيلتفون ورائي من خلف شجرة الزيتون لكي يصافحونني ويخلعون لي كتفي من قوة المحبة أو النفاق أو العهر الاجتماعي, وسيسألونني: وينك يا زلمه تعال خليني أحبك, وسيشدني شدا ويتعبطني وكأنه رجل فرنسي رومنسي يعانق معشوقته تحت برج إيفل, وسأقترب منه وأنا أعرف بأنه سيعضني في وجهي من شدة التمطيق وسيكسر أغلبهم أصابع يدي, سأمشي في الشوارع ووجهي ضاحك ومبتسم بشكل غير اعتيادي سأقابل الناس بالابتسامات العريضة والشفافة.
ولكن بعد نهاية أول يوم من أيام العيد ستعود الحياة إلى طبيعتها, والذي كسر أصابع يدي سيسلم عليّ بعد انتهاء العيد ويديه مرتخيتين من الملل, وكأن الحب والمحبة في مجتمعاتنا لا يمكن أن نظهرها إلا يوم العيد.. سنمارس حياتنا الطبيعية بعد أن ينتهي أول يوم من أيام العيد, والذي كان قد ترك على وجهي نُدبة حمراء أو خضراء من شدة التبويس والتمطيق سيقرف بعد العيد من من أن تلامس شفاهه وجهي.. لن يدخل جيراني إلى بيتي ولن يعضني أحدهم في وجهي ولن يترك أحدهم ولو ندبة واحدة في وجهي كعلامة دالة على أنني تلقيت قُبلة حارة على حين غرة منه ومني, سأشتهي القبلة أو مثل تلك القُبلة طوال السنة وسأعد الأيام والساعات والأسابيع والشهور لكي يعود العيد وأمارس المحبة ساعة أو ساعتين من الزمان ولن يسلم عليّ أحدهم ويهز كتفي من حرارة السلام الذي أنشده بين الأمم والشعوب والجيران, السلام الذي كنت أتلقاه في العيد لن أتلقى مثله ثاني أيام العيد, والذين مدوا أياديهم إلى جيوبهم من أبناء عمي ليعطوا ابني وبناتي دينارا أو نصف دينار لن يعودوا إلى هذه العادة بعد انتهاء العيد حتى ولو رأوني أنا وأولادي نموت من شدة الجوع والفقر والعازة.. والجيران المتخاصمون مع بعضهم في أول ساعة من العيد والإخوة الأعداء في الساعات الأولى من العيد سيدخلون على بيوت بعضهم وسيسلمون على بعضهم متناسين كل الخلافات ستشعر وكأنهم ملائكة نزلت على بعضها من السماء, ولكن بعد أن ينتهي العيد وبعد أن تغيب شمس أول يوم من أيام العيد ستغادر الملائكة آخر معاقلها تاركة المجال للشياطين, سيعود الجيران إلى مخاصمة بعضهم البعض وسيتذكرون في ثاني يوم من أيام العيد كل الخلافات التي تناسوها في الساعات الأولى من العيد سنعود لممارسة حرب العصابات في الشوارع وسنلاحق بعضنا بالاسلحة النارية, سنشتري بمليارات اللدولارات الكثير الكثير من أنواع الأسلحة المختلفة وسيعتلي القناصون أسطح العمارات المرتفعة, العيد بالنسبة لنا هدنا اجتماعية تدوم يوما أو ساعتين أو 10 ساعات..وسيعود كل عربي مسلم إلى اصله ,سيتصل كل مواطن بمحاميه ليذكره بموعد الجلسة في المحكمة وسيعطيه نقودا إضافية من أجل المطالبة بتوقيع أقصى العقوبات بحق أخيه أو جاره أو ابن عمه, سنعود لنمارس جميعنا حياتنا الطبيعية التي اعتدنا عليها وهي البغض والكراهية والرغبة الجامحة بالانتقام, سنكفر بعض وسنشتم بعضنا بعضا, سنهدم جسور المحبة التي بنيناها في الساعات الأولى من العيد وبعد أن ينتهي العيد سنبني كثيرا من الحواجز والأسوار والسناسل والشرائط الحدودية بيننا, سنقدم أنفسنا إلى الآخرين على أساس أننا لا نعرف بعضنا وعلى أساس أننا لم نكن في الساعات الأولى من العيد إخوة متحابين.
في أول يوم من أيام العيد سيعتبرني الغرباء قريبهم وسيعتبرني الأقرباء ابن عمهم وابن خالهم, ولكن في ثاني يوم من أيام العيد سيتنكر لي الجميع وسأعود لأمارس الحزن والاكتئاب والخوف من غدر الأهل والاصدقاء, صحيح أنني من عائلة مسلمة ومحافظة جدا جدا على الدين والعادات والتقاليد, ولكن أغلبية عاداتنا وتقاليدنا هي العداء والكراهية والعهر والقودنه, الأخ يرفع على أخيه دعوة قضائية في المحكمة والأب يقتل الفرح في أعين أبنائه, ولكن فقط يوم العيد جميعنا سيمارس النفاق أو ما اعتدنا عليه, أنا أعرف كل الذين يكرهونني وأعرف كل الذين يبغضونني ومع ذلك سأسمح لنفسي بتصديقهم في الساعات الأولى من العيد, لأنني محتاج جدا للفرح, طوال السنة لا أحد من أقربائي يعضني في وجهي عضا وهو يقبلني ولا أحد من أبناء عمي يكسر يدي من حرارة الروح والمحبة وهو يسلم عليّ, طوال السنة لا أشعر بالفرح, وفقط في أول ساعة من العيد أخرج للشارع والكل يمارس معي النفاق, وأنا بصراحة محتاج جدا للنفاق أو للتمثيل, أنا أحتاج إلى حضن يأخذني بحنان محتاج لأي عاشقة تعشقني حتى لو كانت تؤدي دورا تمثيليا, محتاج إلى يد حرارتها مرتفعة وهي تصافحني, محتاج لأن أرى الأسنان البيض, لذلك سأمارس التمثيل, سأمثل عليهم وسيمثلون عليّ.
يوم واحد وساعات قليلة نمارس فيها الحب والتسامح وبعد ذلك سيعود كل شيء إلى حالته الطبيعية..ستعود المياه إلى مجاريها والذئاب للتخفي ليلا والفهود للتخفي بين الأعشاب لاصطياد فرائسها
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟