ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 5281 - 2016 / 9 / 10 - 22:34
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
جرت انتخابات عام 1936البرلمانية ، وكانت اساساً بين تحالف اليمين بكل اطيافه، وبين تحالف اليسار و كل تنظيماته و احزابه . و في الوقت نفسه كان قد طرأ تحول مفاجئ في سياسة الكومنترن و نهجه من النقيض الى النقيض ! من اقصى اليسار الى اقصى اليمين !. والكومنترن بعد لينين و تروتسكي كان اداة طيعة و ذليلة بيد ستالين و بيروقراطيته و بالتالي كان الحزب الشيوعي الاسباني ايضا اداة تابعة و خانعة و منصاعة لسياسة الكومنترن دون ان تأخذ بالحسبان ظروف اسبانيا و التعقيد السياسي و الطبقي السائد !. فلم يدعم الحزب الشيوعي الاسباني حكومة الجمهورية الاولى لان الكومنترن في تلك الفترة كان ضد اي تعاون خارج دائرة الاحزاب الشيوعية!، و في مرحلته اليسارية الستالينية المتطرفة !( تلك المرحلة التي امتدت من عام 1928 الى عام 1934 و كانت سببا رئيسيا في صعود الفاشية الالمانية فقد حرم على الشيوعيين الالمان التحالف أو ادنى درجات التعاون مع الاشتراكيين الديمقراطيين الالمان) ! فقد كان الخط السياسي الستاليني يعتبر الاشتراكيين الديمقراطيين اكثر فاشية من الفاشية نفسها ! و بالتالي كان ضد التنسيق مع الحكومات البرجوازية و الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية أو مشاركتهم الحكم. فقد رفضوا العمل باي شكل من اشكال العمل مع الاحزاب العمالية غير الشيوعية! . لكن الجوق الستاليني البيروقراطي داخل الكومنترن بعد انعطافتهم بعكس الاتجاه السابق لم يعودوا الى التكتيك اللينيني الصائب و المتمثل بالجبهة الموحدة للطبقة العاملة بكل توجهاتها السياسية و النقابية ، بل مضوا بعيدا الى اقصى اليمين الانتهازي ، و دعوا الى دعم الحكومات الرأسمالية الامبريالية (الديمقراطية) تحت شعار " الجبهة الشعبية المضادة للفاشية" !. فقد دعا الكومنترن و تحت هيمنة ستالين ، و بهدف كسب بريطانيا و فرنسا الى جانب الاتحاد السوفييتي في مواجهة هتلر الى اقامة الجبهات والتحالف مع احزاب وحكومات البرجوازية ! . لذا اقدم الحزب الشيوعي الاسباني على التعاون مع بارونات البرجوازية الصناعية و الطبقة المتوسطة و فعلا خضع الحزب الشيوعي الاسباني لهذه السياسة و هذا التوجه المضاد لتياسره السابق!... ومع ظهور نتائج الانتخابات تحرك فرنكو و حث رئيس الوزراء على اعلان حالة الطوارئ و فرض الاحكام العرفية لمنع الجبهة الشعبية من الوصول للسلطة !. و قد رد فرنكو عندما قيل له : ان ذلك سيؤدي الى ثورة؟ قائلا :" نعم لكن بمساعدة الحكومة ستكون هناك قوة للقضاء عليها"! . و رغم ذلك فقد تسلم الحكم من جديد " ازانا " الجمهوري ، و عمت تظاهرات الترحيب و التأييد بذلك حيث اطلق سراح السجناء السياسيين ، و تم طرد فرنكو و غودد من منصبيهما في وزارة الدفاع ، و اعيد العمل بقانون الاصلاح الزراعي المجمد ، و عاد "كومبيني" الى الحكم في كاتالونيا .. كان اليسار العمالي و الاشتراكي مازال مشتتاً و متنافساً حتى تلك اللحظة ، و ان كان يعتقد ، بل هو واثق بأن المستقبل له!. فالفوضويين الاوسع و الاقوى و الاصلب كفاحيا و نقابيا في اوساط العمال ظلوا منعزلين عن تحالف الجبهة الشعبية ، و نتيجة لتيارهم الجارف و الرافض لكل اشكال السلطة ، والدولة ( منذ وصول اتباع باكونين في الاممية الاولى و رابطة الشغيلة العالمية الى اسبانيا عام ١٨٦٨ وجدت الفوضوية تربة خصبة لها في اسبانيا فبنت قواعدها و مدت جذورها في تربة العمال الزراعيين الذين لا ارض لهم ، و بين العمال الذين يؤيدون الانفصال القومي ، و المضادين لكل سلطة في مصانع برشلونة والباسك فقد كانوا ضد كل عمل سياسي و تنظيمي للعمال ، و يعتبرونه اجراءا برجوازياً مرفوضاً ، و يشجعون على القيام بأعمال ارهابية ضد ممثلي السلطة الحاكمة ، وكانت تنظيماتهم نقابية سنديكالية و ليست سياسية حزبية ، وكان سقوط الجمهورية يسعدهم بلا شك كما يسعد الفاشست )! .. و في المقابل كان اليمين الفاشي قد شرع و منذ ربيع 1936 بتوحيد صفوفه و جهده للتعاون مع القوى البرجوازية . و في الوقت نفسه كانت مخططات الجنرالات الفاشست قيد الرسم و الاعداد فهم كانوا مدركين جيدا أن الكلمة الفصل لحكم اسبانيا ستتم لا من خلال الخطب و الترهات البرلمانية العقيمة ، بل من خلال فوهات البنادق و الحسم المسلح ! . هذا ما قرره اليمين الفاشي المتحد و سعى من اجل تحقيقه . و كان وضعه أفضل بكثير من التيار اليساري و صراعاته من اجل الحظوة الجماهيرية. فقد كان اليسار و بلا استثناء ممزقاً و مغلباً للتناقضات الثانوية على الهدف الرئيسي و هو الثورة و تحقيق الانتصار . كان اليمين الفاشي قد قرر القيام بحركة عسكرية مضادة في حالة تسلم "لارغو كاباليرو" زعيم الحزب الاشتراكي الحكم ، أو في حالة حدوث الفوضى و ضعف النظام !. و بالفعل قام فرنكو بتحذير " ازانا " من اخطار الشيوعية الملحدة!. و كان الجنرال " مولا" هو العقل المدبر للمؤامرة الهادفة لتحقيق ماسمي بالنظام و العدالة و السلام " للجميع باستثناء اولئك الذين يتلقون الوحي من الخارج من : اشتراكيين ، و ماسونيين ، و فوضويين ، و شيوعيين . تتابعت الاحداث صوب الكارثة و نهاية الجمهورية ، فقد اغلق مركز " الفالانج" الكتائب في مدريد و اعتقل زعيمهم " خوزيه انطونيو" ، و قام الفلاحون المعدمون بالاستيلاء على الاراضي في مناطق متعددة من البلاد . وسادت اسبانيا موجة عالية من العنف و الغليان و الاضطرابات بحيث بات من العسير استمرار الحياة العادية وسط ذلك الذعر و الصراعات الدموية تلك . فأقصي رئيس الجمهورية خشية ان يستغل مركزه للقيام بمساعدة اي انقلاب يميني على السلطة . أنتخب " ازانا" في العاشر من ايار عام 1936 ليحل محله كرئيس للجمهورية. أثار المؤرخ هيو توماس سؤالا مقتضبا عن دور الاوضاع الاقتصادية في سقوط الجمهورية فذكر :" أن الحكومات المتعاقبة لم تفعل مايكفي من اجراءات في سبيل تطور الاقتصاد الاسباني ، لاسيما و ان العالم كان يجتاز الازمة الاقتصادية الكبرى. . فقد هبط الانتاج الى حدوده الدنيا في صناعات المناجم المتعددة ، و جرى ذلك دون ان يبدو على المسؤولين مايشير الى ادراكهم الحجم و طبيعة الازمة الاقتصادية التي كانت تواجههم هذا بالاضافة الى ان الطبقة الوسطى كانت تعزو أنخفاض قيمة الاسهم الى حكم " ازانا" و الوضع السياسي الخطير في كافة انحاء البلاد . و في الوقت ذاته ساهم انخفاض مستوى المعيشة في المدينة و الريف لمستوى الفقر المدقع بدفع العمال و الفلاحين للوقوف ضد حكومة الجمهورية و القاء تبعة اوضاعهم البائسة عليها. لقد سقطت الجمهورية الثانية لانها و منذ البداية لم تلق قبولا من القوى السياسية الفعالة لا من اليمين ولا من اليسار على حد سواء . فاليبراليين فشلوا بعد عام 1931 في خلق الديمقراطية القوية و الحقيقية و التي ترضي طموح العمال و الفلاحين و لا الشرائح الطبقية الفقيرة ، و لا الطبقات الحاكمة القديمة و الكنيسة . و من هنا كان اليمين الفاشي المتطرف يلجأ للانقلابات العسكرية لتغطية هزيمته في الانتخابات البرلمانية الشرعية ، و لجوء جزء من اليسار الفوضوي ايضا في عام 1934 الى الثورة للتغلب على هزيمته في الانتخابات ، و لمواجهة اخطار الفاشية . و هكذا بات التوجس و الخوف المتبادل لدى الفريقان من اقدام احدهما على توجيه الضربة الاولى الاستباقية و الحاسمة . فأسياد القوة الاقتصادية يقودهم الجيش و تسندهم الكنيسة رمز المجد الغابر لاسبانيا الماضي الكاثوليكي . و في المقابل كان هناك الطبقة العاملة التي خضعت و لاجيال عديدة من البؤس و الاستغلال و مهانة العيش . لذا لم يعد ممكنا تجنب الصدام و حتمية حلول كارثة الاحتراب الاهلي . ففي مطلع تموز اصبحت الاغتيالات السياسية طقسا يوميا و ممارسة عادية !. فقد قتل "كالفوسوتيللو" زعيم المعارضة البرلمانية و قائد الملكيين ، ردا على اغتيال احد زعماء الجمهوريين. كما اغلقت الحكومة مراكز احزاب الملكيين و الكارليست و الفوضويين في العاصمة مدريد. و اعلن الاشتراكيون و الشيوعيون تأيدهم للحكومة ، و طالبوها بتوزيع الاسلحة على الاتحادات النقابية العمالية ، في حين اعرب زعماء اليمين المتطرف عن يأسهم من النظام البرلماني . و غدا واضحا للحكومة الجمهورية ان اليمين هو العدو الاول و لكن دون ان تعتبر اليسار حليفا لها ، ان لم يكن عدواً ثانياً متخفيا !. كان الاعداد للانقلاب العسكري قد تم بالاتفاق بين العسكر مع الفالانج و الكارلسيت ، الذين اصروا على قيامه تحت العلم الملكي ، والدعوة لألغاء جميع الاحزاب بعد النصر !. و حدد"مولا" يوم السابع والعشرين من تموز موعدا لبدء الحركة من مراكش حيث يطير فرنكو الى هناك لتسلم قيادة جيش افريقيا و لأن المتأمرون كانوا يدركون صعوبة السيطرة على مدريد في تلك المرحلة . و كانت " سيفيك" و ليست " برشلونة" هي الهدف الاول على الارض الاسبانية فالخطة كانت تقضي بتحرك " مولا" من الشمال و " غودد" من الشمال الشرقي و " فرنكو" من الجنوب ، و جنرالات الحاميات الاخرى بأتجاه العاصمة ، على ان يطير " سينفورو" من البرتغال الى المكان المناسب لتمركزه. و تجمعت السحب السوداء لتنذر بالحرب الاهلية الوشيكة في افق اسبانيا المدلهم!..
...............................
يتبع
وعلى الاخاء نلتقي...
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟