|
اليابان في مدرسة الصين
أيوب الرويفي
الحوار المتمدن-العدد: 5280 - 2016 / 9 / 9 - 01:22
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
1- البدايات الأولى في علاقات اليابان و الصين
يمكن أن نعتبر بداية التاريخ الياباني منذ اليوم الأول الذي بلغت فيه للمرة الأولى موجة الحضارة القادمة من شواطئ الأرخبيل ، و في إطار جديد دخلت منتجاة الثقافة الصينية المعدة إعدادا غالبا على التقاليد الغير مصقولة لدولة ياماتو. منذ القرن الأول تردد سفراء و تجار بشكل مستمر بين اليابان و الصين ، و في نحو القرن الخامس كانت أنماط الكتابة الصينية معروفة على نطاق واسع من اليابانيين ، كما أن كل الإستعارات الحضارية كانت قد تمت رويدا رويدا بشكل غير محسوس و بطريقة متمادية ، و لم تتسارع حركة الإقتباس إلا انطلاقا من النصف الثاني من القرن 6 ، حيث قرروا أن يسلموا زمامهم للمدرسة الصينية ، لأن بريق الحضارة أصبح يشدهم . سنة 552 هو العام الذي اعتنق فيه بلاط ياماتوا رسميا البوذية ، هذه الديانة التي دخلت على يد سفراء كوريون ، و من المحتمل أن تكون البوذية قد دخلت قبل ذلك التاريخ الذي لا ينبغي أن نسند إليه إلا أهمية حجر صوى على قارعة الطريق ، و يبقى أن البوذية ستستخدم كدعامة لدخول الثقافة الصينية ، و كانت البوذية قد قدمت من الهند و استقرت في الصين أثناء اضطرابات طارئة بين الإمبراطوريتين الأوليتين ، بعد أن أولاها اهتمامهم وزراء متحمسون بلغت كورية و من هنالك إلى اليابان . ما بين القرنين السادس و الثامن قام رهبان كوريون ،صينيون و هنود يمارسون في اليابان أعمال تبشير نشيط ، في الوقت نفسه توجه إلى الصين مئات من اليابانيين الذين اهتدوا إلى الدين الجديد لتعميق إيمانهم و معارفهم الدينية ، و عادوا إلى الأرخبيل أكثر حماسة من المبشرين الأجانب في نشر المذهب الجديد ، و قد كانوا روادا بحق ، فأدخلوا الفنون و المؤسسات و الأفكار السائدة في الصين . خلال النصف الثاني من القرن السادس نفذت البوذية و ثقافة القارة إلى بلاط ياماتوا لدرجة أن اتجاهين ظهرا في البلاط ، أحدهما يحبذ الأفكار الجديدة ، و الثاني معاد غير منفك عن الديانة الشنتوية ، بعد أن تم القضاء على الإتجاه المحافظ عام 587 تضاعفت معطيات القارة في جميع المجالات ، خاصة على يد الوصي و ولي العهد شوتوكو ، و في عام 704 أعلن شوتوكو عن مواد الدستور السبع عشرة التي هي محصول تعاليم مستمدة من البوذية و من الحكمة الكونفوشوسية . في عام 704 أرسلت اليابان إلى الصين سفارة رسمية بقيت مستمرة بانتضام خلال قرنين و نصف القرن ، عين اليابانيون مراقبين لمرافقة السفراء و الإنتهال من المعارف الصينية ، اختيروا إنتقاءًا تبعا لمعارفهم في الأدب أو الفلسفة أو التاريخ الصيني ، بينما اختير آخرون بفضل كفاءتهم في مادة الطقوس و الاهوت البوذي ، أو بفضل مواهبهم الفنية ، و قد كلفوا فور وصولهم أثناء العام الذي تبقى فيه السفارة ، و يمكن تمديد الإقامة خلال السنوات التي تفصل بين رحيل سفارة و مجيئ سفارات أخرى . و عندما يعودون إلى اليابان يصبحون روادا في اختصاصاتهم و يكلفون بنقل المعارف المكتسبة في مدرسة الصين ، و بما أنهم رجال التحديث الوحيدون في البلاد فقد أحسنوا إعدلد انقلاب و قلبوا موازين القوى في بلاط ياماتوا ، و دشنو عصر تايكا .
2- فشل تطبيق االنظام الصيني في اليابان
عانى اليابانيون صعوبات في تطبيق أساليب الحكم الصيني في إدارتهم للأقاليم ، و قد إنتهت كل محاولة قام بها موظفوا البلاط لتحقيق المركزية إلى الإخفاق ، بسبب عدم كفاية المواصلات أولا ثم بسبب الخصائص المحلية الموجودة في اللإقليم ، فوجب الإكتفاء بواجهة النظام البيوقراطي الصيني ، و قسم الأرخبيل إلى مقاطعات و كونتيات يديرها موظفون أطلقت عليهم الألقاب الطنانة ، و بين رفض هؤلاء المديرين التخلي عن ملذات البلاط ، و بين اعتيادهم على أن يعهدوا بسلطاتهم لأتباع أشبعوا بالروح الإقليمية ، غدا من المستحيل على الحكومة المركزية منذ ذلك الوقت أن تسيطر عمن الناحية العملية على المقاطعات . و المعروف أنه رغم تاريخ الصين في المركزية و تقاليدهم البيوقراطية الراسخة فإنهم عجزوا عن تأمين نجاحا مقبولا ، و مع أن اليابانيون أصدروا مبادئ الصين على شكل قوانين دقيقة إلا أنهم لم يتوصلوا إلى وضعها موضع التنفيذ في بلاد مجزءة إلى قبائل و عائلات ، و لم يعرف النظام إلا قرنا واحدا من التطبيق حول العاصمة حصرا و بعض المقاطعات التي مورست فيها سلطة الحكومة المركزية ، أما في باقي البلاد فقد بقيت حبرا على ورق . في نظام التجنيد استلهم هو الآخر من الصين ، لكن لم يستخدم في اليابان إلا في أعمال البنى التحتية من طرقات و جسور و سدود و خلق جيش للمشاة ما كاد يبدأحتى فشل تحقيقه ، ليبقى الفراس المحارب النبيل مدة يجسد الدفاع الياباني .
3- البوذية و الحياة الثقافية
انطلاقا من إنتصار البوذيون الأوائل في البلاط في النصف الثاني من القرن السادس ، غدت الديانة الصينية العبادة الرسمية للأواسط الحاكمة ، و أنشئت فوق الأملاك العامة معابد جميلة تجري فيها احتفالات مدهشة بحضور البلاط و العائلات الأرستقراطية ، و قد شوهد عدد من الأباطرة هجروا وظائفهم الرسمية ليعيشوا حياة الدير الهادئة ، و ككل ما أتى من الصين فإن الوذية ترسخت جذورها في العاصمة و ضواحيها أكثر مما ترسخت في المقاطعات المختلفة التي حافظت على الشنتوية . مع البوذية نفذت المفاهيم الفنية و التقنية الحرفية الصينية إلى اليابان ، فالمعابد البوذية روائع معمارية ضمت أعمالا فنية أنيقة عليها بصمات روحانية عميقة ، إضافة إلى العمارات المشادة في منطقة نارا من أمثال هوروآيجي و شوشوان - دار المخزن الرسمية - هي شواهد الكمال التشكيلي العمراني الذي استقطبه اليابانيون من الصين ، لكن النفوذ الصيني كان أقل توفيقا في مجال الكتابة ، فاليابانية لغة بسيطة تتشكل من كلمات متعددة المقاطع غنية بالإنقلابات ، أما الصينية فهي مختلفة إذ لا تعرف إلا القليل من القلب ، ومن أجل حل مشكلة التدوين لجأ اليابانيون إلى الكتابة الصينية رغم عدم ملائمتها لهم على الإطلاق ، و بذلك وجب على أجيال من الفتية اليابانيين أن يرغموا على بذل مجهود في حصر الذكرة لتعلم العناصر الضرورية للكتابة . و النوع الأدبي الأكثر إجلالا و هو التاريخ ، و قد أراد اليابانيون المتأثرون بموهبة المؤرخين الصينيين تاريخهم القومي الخاص بهم ، فوصل إلينا كتابين ، النيوهنجي الذي تم تأليفه باللغة الصينية عام 720 ، و الكوجيكي و كتب بخليط من الصينية و اليابانية عام 712 ، و هذان الكتابان هما بمثابة شهادة حقيقية على حقبة تلك الفترة ، بالرغم من أنهما ضما عناصر أسطورية لتمجيد الأسرة الحاكمة على غرار ملوك الصين ، فإنهما يحتلان مكانة أساسية في التسجيل التاريخي لليابان . _______________________ 1- أدوين أودفاذر ، تاريخ اليابان من الجذور إلى الهيروشيما 2- الأمير الإمبراطوري تونري ، تاريخ اليابان 3- عبدالفتاح شبانة ، اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق 4- رادوين رايشاور ، اليابانيون
#أيوب_الرويفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد تصريحاته عن -التهجير-.. الملك عبدالله سيلتقي ترامب بواشن
...
-
جورجيا: احتجاجات في تبليسي بعد تشديد العقوبات على عرقلة الطر
...
-
بدل نقل الأسماك.. تحقيق يفضح تهريب بقايا النمور المهددة بالا
...
-
الكبد الدهني.. خضار وفاكهة تساعد في العلاج والوقاية من الإصا
...
-
تحديد هوية المسؤول عن جريمة سودجا
-
غزة.. إسرائيل تخلف معدات عسكرية مدمرة
-
بيان من الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعود
...
-
أسير إسرائيلي أمريكي محرر يوجه رسالة شكر إلى مقاتلين في -الق
...
-
النيابة الإسرائيلية تفتح تحقيقا جنائيا ضد سارة نتنياهو في أع
...
-
خامنئي: الشعب الإيراني لديه الشجاعة ليقول -الموت لأمريكا-
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|