|
من مواطن سوري إلى الأكثرية النيابية في لبنان
إبراهيم إستنبولي
الحوار المتمدن-العدد: 1408 - 2005 / 12 / 23 - 07:57
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
أولاً ، تحية الأخوّة ... في الإنسانية و تحية الجوار . لا أكثر . إذ لا أكترث بمدى عروبتكم . و بدرجة أكبر لا تهمني انتماءاتكم الطائفية . ثانياً ، أعلن كمواطن سوري ليس مسؤولاً ، ليس بعثياً و ليس رأسمالياً ، عن إدانتنا الشديدة للجريمة البشعة التي أودت بحياة الصحفي و الكاتب المرحوم جبران تويني . و أعبّر ، أنا المعجب أشد الإعجاب بفكر و بثقافة والده الأستاذ الكبير غسان تويني ، عن أخلص التعازي لوالد الفقيد و لجميع أفراد العائلة . أما بعد . إنني واحد من السوريين الكثيرين ، مئات الآلاف ، الذين لا يوافقون على مجمل سياسة السلطة في مجال الديموقراطية و حقوق الإنسان و سيادة القانون و غياب التوزيع العادل للسلطة و للثروة ؛ و بالتأكيد نحن غير راضين عن مجمل ما قامت عليه السياسة السورية إزاء لبنان ، و عن طريقة التعاطي السوري مع الشعب اللبناني و قواه السياسية على مدى ثلاثين عاماً . بل أقول أكثر من ذلك : لقد كنا ممن قال لا لدخول القوات السورية إلى لبنان في تلك الفترة من منتصف السبعينيات عندما طالب الكثير منكم بدخولها إلى لبنان . ليس اكتشافاً ، كما لا يحتاج الأمر إلى مواهب سياسية لكي نخمّن أنه ستتشكل مع الزمن قاعدة شعبية معارضة بين مواطني أي بلد يتم احتلاله من قبل جيش بلد آخر ، حتى و لو كان البلد المحتل شقيقاً ، أو مهما كانت الأعذار التي تتواجد القوات العسكرية تحت يافطتها ( ولنا في تجارب الجيش السوفييت في بلدان أوروبا الشرقية خير مثال ) . هذا من صميم الطبيعة البشرية ، فكيف إذا كان هذا الجيش و ما يرتبط به من أجهزة مخابرات يتدخل في كل شاردة و واردة من حياة الناس في ذلك البلد الثاني . و لا داعي للقول أن ما فعله السوريون في لبنان قد تجاوز كل الحدود . و هذا إن دلَّ على شيء ، فإنما يدلّ على غياب أي فهم علمي لـ " فن " السياسة من قبل المسؤولين السوريين . بل أجزم بأنه ليس لديهم أي تصور حول أصول علم الصراعات بشكل عام . و كيف لهم أن يعرفوا ذلك طالما أنه لا توجد لا مراكز أبحاث و لا مؤسسات بالمعنى الأكاديمي لتقوم بمهمة الإشراف على آلية اتخاذ القرارات ، خصوصاً الحاسمة و في مراحل الأزمات . كم كان الأمر مختلفاً لو أن السوريين قاموا بالانسحاب من لبنان بعد انتصار المقاومة اللبنانية عام 2000 . لكانوا وفرّوا على الشعبين اللبناني و السوري كل هذه المشاكل و الأخطار ، التي تتهدد أمن كل منهما و مستقبل شعبه ، و التي تنذر بتغيير جوهري في الجغرافيا السياسية القائمة بينهما . لكانوا سجلوا أكبر هزيمة للمخطط الصهيوني في المنطقة . و لكن دهاليز السياسة القائمة على ضيق الأفق و على المصالح الشخصية للمسؤولين ، على حساب مصالح الأوطان و الشعوب ، قد انتصرت على سلامة الرؤيا . و ربما ساعد في ذلك أهداف استراتيجية إقليمية أخرى لم يتم التعامل معها بحكمة و ثقب نظر . و من يدري ، ربما كان الراحل حافظ الأسد سيقوم بهذه الخطوة لو بقي على قيد الحياة . لقد بالغ السوريون في ثقتهم بالنفس و بالآخرين . و من هؤلاء الآخرين بعض اللبنانيين ، الذين بالغوا في إغراق الدور السوري في أوحال السياسة اللبنانية . و كان ما كان من إصرار خاطئ على التمديد و ما تبعه من غباء سياسي سوري يتمثل في إسناد دور يفوق طاقات الضابط مهما علت رتبته . كم كنت أتمنى لو أن السوريين انتبهوا إلى رفض الزعيم وليد جنبلاط التعامل مع سوريا من خلال ضابط . لقد كان محقاً في ذلك . و لكـن مرة أخرى ، وقفـت حائلاً العنجهية و قصـر النظر . و ضعف شديد في الثقافة السياسية . و جاء اغتيال الشهيد رفيق الحريري . بعد أن سبقته محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة و عدم الكشف عن المجرمين ، بل و التستر عليهم و محاولة إخفاء آثارهم ( حسب ما طالعتنا به وسائل الإعلام ) . لقد تطلب الأمر وقوع جريمة مدوية لكي يصحو السوريون من غرورهم . و كان قد تأخر الوقت إذ دخلت على الخط قوى النظام الدولي الجديد . إلى هنا كان يمكنني أن أتفهم أو أن أبرر الاتهامات ، التي كانت توجه من قبلكم إلى سوريا بارتكاب هذه الجرائم البشعة . إلا أنني تدريجياً رحت أرتاب في نوايا البعض ، الذين يصرون على تحميل سوريا المسؤولية عن الجرائم ، التي تلت جريمة اغتيال الحريري ، و التي ذهب ضحيتها كل من سمير القصير و جورج حاوي ، بما فيها تلك التي استهدفت الياس المر و مي شدياق ، وصولاً إلى الجريمة البشعة التي أودت بحياة جبران تويني . إن إسراعكم ، أيها السادة ، إلى اتهام سوريا باغتيال الشهيد تويني و إصراركم على تركيز الحملة عليها و القيام بأكبر حرب نفسية تجاهها – بدأ يثير لدي المخاوف و القلق ، مثلي مثل جميع المواطنين السوريين ، من أن هناك من لا يريد فقط إسقاط النظام في سوريا ، بل و يصر على نشر و تعميق ثقافة الكراهية بين اللبنانيين و السوريين . و باعتباري أنتمي إلى تيار معارض واسع ، غير المتحزب و غير المنضوي ضمن أطر سياسية منظمة ، إنني أعبر عن نبض قسم مهم من الشارع السوري العادي ، و أجزم بأنه بدأت تتسرب إلى نفوس السوريين شكوك قوية في نوايا بعض السياسيين و بعض القوى اللبنانية ، و في أنهم مستعدون للقيام بأي شيء يساعد في قلب الطاولة على النظام في سوريا ، حتى و لو ألحق ذلك الأذى و الخراب بالشعب السوري . بل و يمكنني القول بأن الحملة النفسية و الإعلامية ، التي يقودها بعض اللبنانيين ضد سوريا ، كادت تتجاوز النظام لتثير الريبة في شكوك القوى المعارضة بشدة للنظام السوري . و ما يؤكد ذلك هو ذلك الحذر و ذلك الخطاب المحايد ، اللذين رشحا من بيانات المثقفين و القوى المعارضة السورية حول اغتيال الشهيد جبران تويني . إذ تفصح لغة البيانات ، و منها بيان عدد من المثقفين السوريين المعارضين ، عن حيادية كبيرة ، مع الابتعاد تماماً عن الموافقة على توجيه الاتهام إلى سوريا في جريمة اغتيال الشهيد جبران تويني. و إذا ما صحت هذه الملاحظة ، فإن بالإمكان القول بأن خوف الشعب السوري من نوايا البعض في لبنان دفع سوريا نحو " الصفر الاستعماري " على الطريقة العراقية ، قد يصل " حد التراخي " عند البعض في الداخل السوري في تكثيف الضغوط على النظام ، هذا من ناحية ، و من ناحية ثانية ، إن هذا يُكسب النظام السوري بعض المصداقية عند الكثيرين بمن فيهم المواطنين اللبنانيين ، التي فقدها بعد اغتيال رفيق الحريري . إذ ، لعل المراقب سيرفض تحميل سوريا وزر كل تلك الجرائم . و تجدر الإشارة إلى أن البعض في سوريا يجد و كأن المسألة قد تحولت إلى صراع شخصي بين النظام السوري و بين قيادات لبنانية . و لربما يذكرنا هذا بما كان قائماً بين حافظ الأسد و صدام حسين منذ نهاية السبعينيات . و ما تصريحات جنبلاط الأخيرة سوى تأكيد لهذه الفكرة . ثم إنني أرى أن مسلسل الجرائم في لبنان ، الذي يطال شخصيات معينة معروفة بمواقفها المعلنة من النظام السوري ، إنما يهدف إلى ما هو أبعد من رأس النظام السوري – المقاومة الإسلامية بداية ، و من ثم تقع المنطقة ككل في فخ الحروب الأهلية على أساس طائفي ، كما هو حاصل في العراق . فهل هناك مَن هو قادر على إخماد نار الحرب بين القادة إنقاذاً لمستقبل الشعبين ؟
#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بؤس الإعلام الشمولي
-
الحوار المتمدن ما بين الواقع و الطموح
-
أفكار تستحق البوح
-
Osip Mandelshtam - قبر مجهول في معسكر اعتقال
-
من القصائد الأخيرة لرسول حمزاتوف( بمناسبة الذكرى الثانية لرح
...
-
ليرمنتوف : الشاعر – النبي
-
- ضريح لينين في موسكو : صنم من - لحم و دم
-
نشيد الخلود
-
سحر الشرق في الأدب الروسي - ايفان بونين في الأراضي المقدسة
-
من مظاهر ... العهرلمة - نعم العهرلمة و ليس العولمة
-
من هموم المعارضة السورية : مشاركة هادئة في موضوع ساخن
-
شجرة الماس العتيقة ! أو هل ينتصر الغباء ؟
-
تفجيرات لندن : حلقة في - حرب باردة جديدة - ؟
-
الرواية التاريخية و العولمة
-
فارس آخر يترجل : الشيوعي الشهيد جورج حاوي - وداعاً
-
عذراً ، لقمان ديركي : نحن أيضا سوريون
-
موضوع الوحدة عند تشيخوف
-
الحسن يُظهر ضدَه الحسن : عن حوار الطرشان في بلاد العربان
-
من الشعر الروسي المعاصر
-
- قصص من سوريا - بــتجنن
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|