|
شئ عن الماركسية والدين
زهدي الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 5275 - 2016 / 9 / 4 - 12:13
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
حذر لينين الاشتراكيين – الديمقراطيين الروس من الانجرار وراء محاربة الدين بصورة فوضوية، منبها أياهم بأن لا ينسوا أوضاع الغرب التاريخية. ومن هذا المنطلق نرى مدى حساسية الدين في المجتمعات الشرقية ولا سيما الاسلامية منها. ولعل خير معالجة لهذه المشكلة، ولا سيما في بلداننا، هي العودة إلى رأي ماركس الذي بلوره في أربعينات القرن الماضي، حيث رأى أن الانشغال بنقد الدين والدعوة إلى الالحاد بصورة مجردة مسألة غير ضرورية بقدر ضرورة تفسير التاريخ في ضوء المفهوم المادي وتحويل هذا المفهوم إلى قوة مادية بيد الجماهير. وإذا كانت كل الطبقات المستغلة لها مصلحة في الدين، فإن طبقة البروليتاريا ذو الرسالة التاريخية، ليست لها أية مصلحة فيه، ذلك لأنها بحكم وضعها التاريخي لا تقوم باستغلال أية طبقة أخرى. وعندما تنتصر البروليتاريا وتستأصل جذور الاستغلال والخوف من المصير المجهول والحروب والاوبئة، عند ذلك ينتهي دور الدين. إذا ينبغي النظر إلى دور الدين من وجهة نظر التطور التاريخي في البلد المعني، ومدى التأثير الذي يمارسه على القوى المحركة ونسبة القوى في ذلك المجتمع في إطار الصراع الطبقي. وفي هذا المجال ينبغي أخذ الظروف الموضوعية والذاتية وعملية التطور التاريخي في البلدان الاسلامية بنظر الاعتبار. ولأسباب تاريخية اندلعت الانتفاضات الاجتماعية والسياسية في البلدان الاسلامية "قبل عصر الامبريالية" في إطار ديني ووجدت التعبير عنها في ظهور العديد من "البدع" والتشيع دون أن تمس وحدة الاسلام. إن جزءا كبيرا من السكان في هذه البلدان، يرتبط على نحو مباشر أو غير مباشر بنمط عيش ما قبل رأسمالي. والغالبية من السكان أميون. كما أن التقاليد والعادات والمؤسسات والمعتقدات الاسلامية جزء من حياتهم اليومية، بل أنها في الغالب، الأشكال الوحيدة من الوجود والوعي الاجتماعيين، لذا يبدو طبيعيا بالنسبة لهم، التعبير عن مطامحم واحتياجاتهم الاجتماعية والسياسية ضد القمع الاستعماري والامبريالي بصيغ وأشكال دينية.
إن المنحى السياسي للحركات الاسلامية الراهنة معقدة وعرضة للتغيرات. كما أن التركيب الاجتماعي لبعض البلدان الاسلامية غير متبلورة بعد والتمايزات الطبقية هلامية والمجتمعات متعددة البنى. وتؤلف فئات الفلاحين والبورجوازية الصغيرة وأشباه البرليتاريا الغالبية العظمى من السكان. وتشكل هذه الفئات العمود الفقري الاجتماعي للوعي التقليدي "السلفي" والمشاعر الدينية القوية. وتتراوح النظم السياسية في البلدان الاسلامية من أنظمة تقدمية إلى نظم اقطاعية ثيوقراطية. وقد أصبح الاسلام راية ترتفع على يد مكافحين ضد الامبريالية والاقطاع أو على يد محافظين رجعيين أقحاح. وأشارت وثائق المؤتمر السادس والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي إلى أن "راية الاسلام يمكن أن تقود إلى النضال من أجل التحرر. وهذا أمر يثبته التاريخ. بما في ذلك التاريخ القريب جدا. بيد أن التاريخ يبين الرجعية هي الاخرى تتلاعب بالشعارات الاسلامية لاثارة التمردات المضادة للثورة. وعليه فإن الامر كله يتوقف على المحتوى الفعلي لأية حركة. وإذا كانت الكاثوليكية هي مذهب الاقطاع والبروتستانتية مذهب البورجوازية في العصور الوسطى وفي مرحلة الانتقال إلى الرأسمالية بالنسبة إلى العالم الاوروبي، فإن المذهب السني كان ولا يزال في إطاره العام، مذهب الاقطاع والطبقات الحاكمة وأما المذهب الشيعي فهو مذهب البورجوازية التجارية والوطنية الصغيرة والملاكين الصغار والكادحين، بيد أن نضال القوى السياسية، ينبغي في مجرى السياسه اليومية أن يكون أشد الحذر من إعطاء الصراع الطبقي صبغة دينية ولو طفيفة، إن المسألة معكوسة تماما، إذ أن أي صراع ديني، سواء أكان قديما قدم التاريخ أم راهنا إنما هي بالاساس صراع سياسي. لقد تقاتل البابليون والآشوريون حوالي ثلاثة آلاف سنة للحصول على نصب الاله مردوخ. وكان الفرس ينازعهم أيضا في هذا الصراع. إن طابع الصراع كان دينيا كما نرى، ولكن حقيقة الامر هي أن الجهة التي كانت تستولي على نصب الاله مردوخ تكون السلطة السياسية المركزية بيدها. وهكذا كان نصب الأله المسكين يتنقل بين بابل ونينوى إلى أن أبيدت الأمبراطوريتان وتم العثور على نصب الآله المركزي مردوخ في بلاد الفرس. وهكذا كانت المسألة بالنسبة إلى الحروب الصليبية التي أرادت الاستيلاء على القدس. إن الدين يجب أن يتحول إلى أداة لخدمة الصراع الطبقي وتعميقه ودفعه إلى الأمام، ويخدم التقدم والتحولات الإجتماعية وليس إلى أداة لتمييع الصراع الطبقي وتعميق التخلف وعرقلة التطور الاجتماعي بحجة أن الدين هو فوق السياسة. وهذه مسألة دقيقة وصعبة يحتاج معالجتها إلى معرفة كاملة لظروف وتاريخ وواقع المجتمع المعني. وإلى الهدوء والتروي البعيدين عن الانفعالات والمعالجات الارتجالية.
#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بقعة سوداء في جبين البعثث
-
حكاية جيجو و محو
-
إنتظار في المقهى
-
إسمه به زوه نه
-
صلاة بلا وضوء
-
ليس دفاعا عن البارزاني
-
الحياة بين الحقيقة والموت
-
مؤيد..
-
موضوعات للمناقشة الحرب الأهلية في العالم القديم العراق نموذج
...
-
من أجل وحدة حقيقية
-
الشهيد كامل شياع / من أرشيف زهدي الداوودي
-
ماركسية لينينية أم ستالينية؟
-
سياسة القرصنة، إلى أين؟
-
تجربتي الروائية
-
يوم الشهيد الشيوعي
-
الثقافة العراقية في ظل الفساد
-
صياد الصقور
-
فرياد راوندوزي كاتب يستحق موقعه
-
إنفصال أم إستقلال
-
إرادة المرأة
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|