أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل هلال هلال - لو كان محمد (صلى الله عليه وسلم ) بين ظهرانينا اليوم , ما قوله فيمن نهبوا قمح الصوامع وسرقوا الأراضي ؟















المزيد.....

لو كان محمد (صلى الله عليه وسلم ) بين ظهرانينا اليوم , ما قوله فيمن نهبوا قمح الصوامع وسرقوا الأراضي ؟


نبيل هلال هلال

الحوار المتمدن-العدد: 5273 - 2016 / 9 / 2 - 21:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


آيات القرآن التي تتحدث عن العبادات قليلة ¸على العكس من آيات التعامل بين الناس التي تحذر من السحت وأكل أموال الناس بالباطل . فالقرآن الذي أجمل في ذكر العبادة , فصَّل في أمر المعاملات المالية , فلم يفصل أمر الصلاة مثلا كما فصل كتابة الديْن . ذلك هو الله الذي يحمي حقوق الناس من الناس , فقرر حدودا وعقوبات للجرائم التي تلحق الضرر بالفرد كالسرقة والزنا مثلا , ولكنه يولي عناية قصوى للجرائم التي تلحق الأذى والضرر بالمجموع , فهي جرائم مركَّبة الأثر , ضخمة المردود , جسيمة الضرر , فاقتضت حكمة الله سن عقوبات خاصة لها تختلف عن الجرائم التي ترتكب في حق الأفراد كل على حدة . فمن يسرق مال الفرد غير من ينهب مال الأمة , ومن يقتل شخصا غير من يتسبب في قتل الآلاف , ولو استوى الأمران لانتفى عدل الله وميزانه الذي يقوم عليه أمر الدنيا والدين .
والله تعالى يقول :" {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . وهذه هي الآية 33 من سورة المائدة وهي مدنية , ومن أواخر ما نزل من القرآن . أي لا يجوز لمزايد أن يزعم أنها منسوخة بآيات لاحقة , فترتيب نزولها بين سور القرآن هو 112 , أي بعد معالجة القرآن لكل أشكال الانحرافات الفردية ولم يبق غير التحدث عن التصدي للانحرافات الشاملة التي تصيب مجموع الناس وهو الفساد المذكور في القرآن مميزا بشموله , فهو" فساد في الأرض" , ومفسدينه هم "المفسدون في الأرض" , لتمييزه - أي الفساد - عن ما سواه من الجرائم الأخرى .
وفي كل المجتمعات الإنسانية يقترف الناس عادة جرائم نمطية كالسرقة والزنا والقتل , وهي جرائم لن يَحُول دون حدوثها أي دين , بل قد يرتكبها حتى المؤمنون .وقد قررت الأديان عقوبات محددة لهذه الجرائم , بل ووُضع في الاعتبار درء الحدود بالشبهات في مثل تلك الجرائم من باب الرحمة والتخفيف . ولكن تأمل معي هذه الآية التي نجح فقيه السلطان في تجميدها تماما وأسدل عليها أستار التمويه والتضليل , فهي لا تتحدث عن جرائم نمطية مما يحدث عادة بين الناس ولكنها جرائم من نوع خاص , ففيها – أولا - محاربة لله ورسوله , ومَن يحارب الله ورسوله ابتداء ليس بمؤمن حقيقى , وهو مجترئ غشوم غبي إذ يناصب اللهَ العداوة والمحاربة , وهو غباء ليس حتى لأخس الحيوانات , فما ترى مثلا ضبا يناصب أسدا العداء – قياس مع الفارق – ومحاربة الله تكون بالانتهاك الصارخ لتعاليم الله والاجتراء الفاجر على أوامره دون خشية منه .
وثانيا "السعي"في الأرض بالفساد , أي بذل الجهد القاصد للإفساد وانعقاد العزم عليه , وهو ليس إفسادا محدودا بل شاملا عاما يعود بالضرر ليس على أفراد قلائل بل على جماعات من الناس أو على الأمة . فالفساد هو انتهاك لحق المجتمع والجماعة والأمة وهو أي نشاط أو فعل يلحق الضرر بمصالح الناس أو ينال من قيم المجتمع وسلامته . وتصوير جرائم الحرابة على أنها جرائم فردية وانتهاكات يرتكبها بعض الأفراد في حق بعض الأفراد , يؤدي إلى عدم النظر إلى جرائم الفساد بوصفها انتهاكا يتهدد المجتمع ويقوض مصالح عموم الناس . ولكل "ثقافة" سياسية "وتراث" ديني طريقته في التستر على جرائم الحرابة تجنبا لإدانة المفسدين - وهم عادة من أصحاب النفوذ السياسي أو الديني أو الاقتصادي – أو لإظهار الفساد العام على أنه أمر يستوجب مجرد التنديد . وإذا كان المقصود بآية الحرابة عقوبة السرقة فلماذا جاءت الآية 38 بعدها بخمس آيات فقط بحد السرقة : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " , ذلك معناه أن حد الحرابة ليس للسرقة العادية الفردية , بل للفساد والإفساد . وفي الآية 32 من سورة المائدة يذكر الله :" من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " , أي أن القتل هو عقوبة الإفساد وليس السرقة , فلا قتل للسارق , وإنما القطع. والفساد رأسه وعماده فساد اقتصادي وأكل أموال الناس بالباطل ,تلك هي الغاية النهائية للفساد والإفساد .تأمل الآيتين الكريمتين :
"واوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين , وزنوا بالقسط المستقيم ,ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين" الشعراء 183 ,"وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها "الأعراف 85 .
ولم تغب هذه المعاني عن فِطنة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان , ولعله أدرك المعانى الحقيقية للآية - أو ساوره القلق والمخاوف فهو ممن حكموا المسلمين ونهبوا أموالهم وظلموهم , والسلطة الغاشمة مسكونة بمخاوفها دائما, فكَتب إلى أنس يسأله عن آية الحرابة " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " فكتب إليه أنس يخبره أنها نزلت في العُرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الأبل . وإذا كان حد الحرابة واجب التطبيق على من يعادى الله ورسوله ويحدث الفساد في الأرض , لوجب محاسبة سارقي أموال الأمة من كبار اللصوص بدءا من ناهبي أموال البنوك , ومختلسي أموال الشركات والمؤسسات , وانتهاء بالسلاطين اللصوص لأن ما يترتب على ما يقترفونه من إفساد للأمة يتراوح بين نهب أموالها أو تقليص فرص العمل للناس والتسبب في البطالة وإبطاء عجلة التنمية وتقويض اقتصادها . فإذا كان النبي - حسب الروايات - قد طبَّق حد الحرابة على سارقي إبل الصدقة – وهي مال عام - فإن ما ارتكبوه من إفساد يقل بكثير عما يقترفه مختلسو المال العام في هذه الأيام من أموال البنوك والاستيلاء على أراضي الدولة وما أشبه ذلك , على اعتبار أن ذلك إضرار بالأمة , وبالمشابهة يكون من الواجب تطبيق حد الحرابة أيضا على من يوقع أي ضرر جسيم عمدا على الناس - كمن يستورد الأسمدة المسرطنة أو الأطعمة منتهية الصلاحية , أو يستورد القمح الفاسد, أو يسرقه من صوامعه ,أو يفر بأموال الناس,أو يغش الأدوية , أو يبيع لحوم الحمير وماشابه , ومثل ذلك مما يثبت أن ضرره أكيد على الناس الذين تعاقدوا بالعقد الاجتماعي مع الحاكم على أن يحميهم من كل خطر . والسلطان قديما كان وراء تجميد وتعطيل تطبيق حد الحرابة لأنه أدرك أن المعنِي به هو الإفساد العام الشامل الذي يطال مجموع الناس , وهو فساد لا يقدر عليه -عادة- الفرد العادي ولكنه فساد شامل وعام لا يمكن اقترافه إلا مِن موقع السلطة والنفوذ .
بتصرف من كتابنا "المسكوت عنه في الإسلام بين التقديس والتدليس" لنبيل هلال هلال البنا



#نبيل_هلال_هلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآن ونظرية النسبية العامة لآينشتين - هل تصدق أن القرآن كت ...
- خدعوك فقالوا بتدمير الكون يوم القيامة - ج52 -عودة إلى سلسلة ...
- هل يجوز تدمير مدينة كبيرة بقصد إهلاك بعض النمل بها ؟ - من سل ...
- السبب الخفي لقرار السيسي بشراء حاملة الطائرات الفرنسية (المي ...
- الآيات القرآنية المؤسِّسة للإرهاب , بين جهل الفقيه وعمالة ال ...
- (واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) : المقال الثالث من سلسلة القتل في ا ...
- القتل والقتال في الإسلام - ج1
- القتل والقتال في الإسلام - المقا ل الثاني:
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول) الجن والعفاريت - ج51
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول) - الأناسي في الأراضين ا ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول) - نحن مجرد أشباه للفيرو ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول)- كم هي بعيدة المرأةالمس ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول) - يوم قيامة الكون أو ال ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول) - دليل قرآني على أن الج ...
- عودة إلى كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول) -يوم- قيامة وح ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول ) - نحن كمجموعة من النمل ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول ) - حرب نووية فيما قبل ا ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول ) - -الكاشطا- - ج41
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول) - هل زوار الفضاء أتوا م ...
- كتاب (القرآن بين المعقول واللامعقول ) - زوار من الفضاء أم مد ...


المزيد.....




- “فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور ...
- المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل هلال هلال - لو كان محمد (صلى الله عليه وسلم ) بين ظهرانينا اليوم , ما قوله فيمن نهبوا قمح الصوامع وسرقوا الأراضي ؟