|
باريس وتفجيرات نيس والخدمة العربية
سندس القيسي
الحوار المتمدن-العدد: 5272 - 2016 / 9 / 1 - 22:30
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
باريس وتفجيرات نيس والخدمة العربية
أكاد أفتح فمي مشدوهة، لبعض ما سمعت في باريس. تناقض العربي المسلم على الأخص جد كبير. فنحن نسمع أنه لولا الجزائري في فرنسا، لما رفع العرب رؤوسهم في أوروبا. وحين أشير إلى العربي في باريس، فإني أقصد شمال إفريقيا، بحسب الصورة النمطية. بينما هو الشرق أوسطي في لندن. وربما تكون هناك بعض التناقضات المشتركة مع شعوب الشرق الأوسط. وقد نستطيع القول بأننا مزدوجين جميعًا، لأننا في الواقع ننقسم إلى ثقافتين، ثقافة نظمنا التعليمية المترجمة، وثقافتنا المحلية السائدة. ثقافة لغتنا الأم في البيت والثقافة الأجنبية التي نتعلمها في المدرسة.
لقد جلست في مقهى وحصل أن سمعت حوارًا بين شاب وأقرانه. كان يشرح لهم معنى العلمانية الكافرة. رغبت بأن أرفع صوتي بالحديث دفاعًا عن العلمانية لكني خفت. لم أخف من الشباب ومن تهمة التكفير ولا من أفكاري الجريئة بل خفت أن يخافوا مني ولا أصل إلى آخر الحديث الشيق. مما لا شك فيه أن شبابنا ذكي ومندفع ويحب ثقافته رغم أنها آيلة للسقوط ونظرياته وإن نحن اختلفنا معه قد تكون صحيحة. فأنا من أوائل الناس المؤمنين بنظرية المؤامرة، ونحن جميعنا نعلم أن هناك شبكات سرية تعمل تحت الأرض. ولذلك فكل شيء ممكن. وأنا لا أستبعد أن تكون العلمانية مؤامرة من المؤامرات الكثيرة التي تحاك ضدنا. من باب كلمة حق أريد بها باطل. لكن علينا أن نجد الأدلة، إن أمكن وإن استطعنا. وهذا وحده ليس مدعاة لنبذ العلمانية، التي هي في النهاية أداة قد تستخدم في الخير وفي الشر، مثلها مثل أي شيء كالدين على سبيل المقارنة.
وحين نراقب هؤلاء الشباب ذاتهم بتناقضاتهم، وكيف يتعاملون مع المرأة، نجد أنهم يعاملون الأوروبية معاملة من الطراز الرفيع بما فيها من وومانسية وتحضر واستيعاب، بينما حين يتعامل ذات الأشخاص مع المرأة العربية، تلقائيًا يعتبرونها إمرأة من الدرجة الثانية، حيث أن على الرجل أن يحاصرها بأحكامه القاسية، ويتحكم فيها قدر الإمكان! وجميعنا نصبح كوول عندما نتحدث بلغة إنجليزية أو فرنسية، وتقنيًا نتحول إلى أشخاص مهذبين، نقول لطفًا وشكرًا وأسف، وكأن لا داعي لهذه المصطلحات عندما نتحدث بالعربية.
هناك من الأشخاص من يستطيع أن يعيش مع نفسه، وَمِمَّا لا شك أن هذا يتحتم علينا أحيانًا كجزءٍ من طبيعة الحياة الأوروبية. إلا أن الحياة العربية تفرض عليك أن لا خيار إلا الزواج. ثم نقع في مطب آخر رغم أن حياتنا مريحة نسبيًا في الغرب، والفرد هنا ليس بحاجة أن يعرض نفسه لضغوطات إجتماعية، هو في غنى عنها أصلاً. أقصد أن يسترخي المرء، فإذا أتي الزواج أتى، وإذا لم يأتِ ، ها نحن هنا. وعندما تختار الأجيال العربية زيجاتها في الغربة، فهي قد تأتي متأخرة، وقد تنجح وقد تفشل، وقد تكون عن حب وعلاقة، أو تقليدية، وغالبًا ما يريد كثير من الشباب الأختيار من بلدانهم الأصلية. وهناك من يتزوج الأوروبية. لكن في أوروبا، العلاقات الإنسانية ليست خاتمة طريق، بل هي عمل دؤوب مستمر على مدار سنوات لكي يستوعب المرء الآخر في حياته سواء كان زوجًا أو صديقًا أو حبيبًا لكي يصلا معًا إلى حلٍ وسط ولكي يقفا سويةً على أرضية مشتركة.
أما تفجيراتِ نيس. فقد صحوت عليها، وكان في صحبتي فرنسيين وأوروبيين، ولم تكن هناك ردود فعلٍ، أو مجادلات. كان هناك صمت وما بدا لي بأنه تعود . لم يبدو أحد غاضبًا، ومر كأنه يوم عادي في الرقعة الباريسية التي أنا فيها. تحدثت مع بعض أقراني الفرنسيين الذين لاموا العنصرية على الإرهاب. لماذا لا نسمع أكثر من هؤلاء؟ وآخرون اتهموا الدولة الفرنسية بتدبير الحادثة، لأنه لا يعقل لانتحاري أن يحمل أوراقه الثبوتية معه، وهو ذاهب لتنفيذ عملية. أما مسألة كونه غير مسلم، يشرب الخمر ويأكل الخنزير، فلم أفهم ما علاقة هذا بالأمر، أم هل هذا يعني أنه ليس المتطرفين هم المطلوبون، بل جميع العرب. هل هذا يعني أن دائرة الإتهام ستتسع؟
وفي وسط كل هذا، ناقشت مع زميلي الممثل الفرنسي فكرة أن أكتب مسرحية كوميدية للسوق الفرنسية، عنوانها (أنا إرهابية) ، وقال لي: "وقد تكون مواضيعها صعبة. " لكني أجبته: "بأننا بحاجة لأن نضحك." فهر رأسه وقال: "بالفعل، نحن بحاجة لأن نضحك." ً ولو أني أعتقد أن هكذا موضوع لا يمكن أن يطرح في بريطانيا. وقد أوشكت أن أخسر صديقتي السوداء الفرنسية، من ساحل العاج بسبب حادثة إرهابية حصلت قبل أقل من عام بقليل، حيث كتبت لي مصرة على "أنهم لن يطفئوا أضواء باريس وأنهم لن يغيروا نمط الحياة الفرنسية وعادة ارتياد المقاهي والإستمتاع بالحياة". وقد شعرت وكأنها تلومني على الإرهاب برمته، كما أن المسافة بدأت تتسع بيننا، رغم أن صديقتي مناهضة للعنصرية من الطراز الرفيع. لكنها يبدو قد وقفت أمام شيء مرعب، لا تعرف كنهه. وأخافها مني وَمِمَّا أمثل. والمغزى الذي يمكن أن نتعلمه من تلك التجربة، هو أن العنف ومحاربة العنف بالعنف لا يستجدي نفعًا ولا يستقطب متعاطفين من الدول الأوروبية، لأنهم يفضلون الحوار والنقاش على الدموية.
وكأن صورتنا المنوطة بالإرهاب لا تكفي، فهناك مصطلح يستخدم في فرنسا واسمه خدمة عربية، أو خدمة العرب، وهي تسمية سلبية طبعًا ولأشرح ما المقصود أصلاً، سأقص ما حدث معي هذا الصباح، كنت في طريقي لمغادرة باريس، وقد خرجت من سكني وأنا أتدحرج بحقيبتن ثقيلتين، وكان الوقت باكرًا صباحًا، فلم يمر ولا تاكسي، مما عنى أني سآمشي مسافة لا بأس بها لأصل إلى الشارع الرئيسي، حتى وجدت تكاسي على الدور، وكان حظي مع شفير عربي، لكني لم أتكلم معه بالعربية، فأنا مستعجلة وليس هذا وقت النستالجيا العربية! كما أن معرفته بأني عربية قد لا تزيد ولا تنقص! بل قد تعود بالوبال علي. وأعتقد أن علي أن انتهج مزيدًا من سياسة تجاهل أصلي العربي مع نماذج من نوع هذا السائق، الذي قد "ينصب" علي إذا علم أني عربية.
لكنه عندما أنرلني، لم يوصلني إلى داخل المحطة، بل حواليها. فطلبت منه أن ينزلني في المحطة ذاتها بسبب حقائبي، وإلا فلماذا أستقليت سيارة أجرة؟ فكانت ردة فعله أن تظاهر بالغباء، وقال أن علي أن أسرع كي ألحق بحافلتي. ثم سألته: أين مكان المحطة، فوجهني وجهة خطأً. وقلت في نفسي: " لو أخذت تكسي سائقه فرنسي" كان أفضل. وأخذت بالتدحرج ثانية أنا وحقائبي، قلقة بشأن موعد السفر وكيف أجد المكان وأنا أتصبب من العرق، ومشيت مسافة لا بأس بها وأنا حانقة على سائق التاكسي! فهل عرفتم ما المقصود بالخدمة العربية، التي يستخدمها الفرنسيون ضد العرب؟ وهذه قد تكون صورة نمطية، منها الصحيح، ومنها الباطل. وسبب تطرقي لهذا الأمر هو ليس لأَنِّي أؤمن بالصور النمطية، بل بالعكس، لأَنِّي أحب أن أتحداها. ولكن ما أجمل أن يتقن الإنسان عمله، ويصبح علامة ثقة.
والحقيقة هي أني لا أفهم لماذا يجب أن يكون هناك مبررات عقائدية، لقتل أبرياء عزل، هم لم يختاروا أن يكونوا طرفًا في الصراع. والذي لا أفهمه هو لماذا لا يستطيعون استخدام الحوار والنقاش والإقناع، لفرض الحجة والدليل، وبالتالي كل واحد حر بقناعاته، وما معنى الجهاد في سبيل الله، الموت، فالجنة؟ ما معنى كافر وزنديق وديوث؟ ما هي هذه الكلمات التي يصرخون بها في وجوهنا ليلاً نهارًا؟ هل يعتقدون أن هكذا تبنى الثقة بيننا وبينهم، إنهم ينفروننا.
#سندس_القيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باريس وتفجيرات نيس والتطرف
-
لماذا لا يتعاطف العالم مع الإستشهادي الفلسطيني؟
-
لمن يكره الفلسطينيين: حلوا عنا
-
فلسطين وحواراتي مع اليهود
-
فلسطين: اللاسلم واللاحرب
-
فلسطين وطن وليست أرض ميعاد
-
فلسطين أول مرة
-
بريطانيا والإتحاد الأوروبي 2: الأجندة الداخلية والخارجية
-
بريطانيا والإتحاد الأوروبي 1: بريطانيا، هل هي صاحبة الحق؟
-
بريطانيا تقف وحيدة والصليبيون الجدد عائدون
-
الشرطة العربية 4: التلفيق والتصديق
-
الشرطة العربية 3 : العرف العشائري أقوى من القانون المدني
-
الشرطة العربية 2: القانون والقضاء أم الواسطة والعشيرة؟
-
الشرطة العربية 2: القانون والقضاء أم الواسطة والعشيرة
-
الشرطة العربية: إضرب، فليس غيرك مستبد!
-
المرأة العربية 10: حرية المرأة بين مطرقة التحرر وسندان الذكو
...
-
عزيز لعمارتي : الصالون الأدبي ببروكسل الواجهة الثقافية للمنت
...
-
المرأة العربية 9: علياء المهدي، كابوس مصر
-
مداخلتي عن الهجرة في الصالون الأدبي ببروكسل
-
باريس وأضواؤها الساطعة وزقاقها المرعبة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|