أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - سلالة باتريك موديانو النقيّة















المزيد.....

سلالة باتريك موديانو النقيّة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5271 - 2016 / 8 / 31 - 18:32
المحور: الادب والفن
    


لم تكن شهرة الروائي الفرنسي باتريك موديانو واسعة النطاق خارح حدود بلده قبل أن يفوز بجائزة نوبل للآداب عام 2014 على الرغم من تتويجه بعدة جوائز مهمة ومعروفة مثل "الغونكور"، و "الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية للرواية"،وجائزة "مارغريت دوراس" وغيرها من الجوائز التي تُشِيد بأعماله الروائية التي اتخذت من باريس فضاءً لها خلال حقبة الاحتلال النازي لفرنسا.
بعد فوز موديانو بجائزة نوبل تُرجمت رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة عالمية. كما أقدمَ مشروع "كلمة" على ترجمة ست روايات من بينها "سلالة" التي ترجمتها الشاعرة اللبنانية دانيال صالح وذيّلتها بعبارة "رواية في السيرة الذاتية" لتضع القارئ في إشكال تجنيسي يتوزع بين الرواية من جهة والسيرة الذاتية من جهة أخرى. وسوف يتضاعف هذا الإشكال حين يقتبس المُراجِع الأكاديمي كاظم جهاد في تقديمه للكتاب مُقتطَفًا من حوارٍ سابق لموديانو يقول فيه: "لا تنفع السيرة الذاتية في الأدب ما لم تقُم المخيّلة بتهويّتها". غير أن هذه التهوية لم تمسّ، في الحقيقة، جوهر السيرة الذاتية ومصداقيتها الأمر الذي أنقذها من التصحيف والتحريف والكذب.
لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذه السيرة الذاتية تغطي زمنيًا طفولة باتريك وصباه وشبابه حتى سن الحادية والعشرين وهو العام الذي بدأ فيه بكتابة روايته الأولى "ساحة النجمة" التي ستُتوج بجائزتي روجيه نيميه وفينيون. وفي عام الكتابة الأدبية التي يعتبرها امتدادًا طبيعيًا لسيرته الذاتية والإبداعية توقف عن كتابة أي سيرة ذاتية لاحقة لأنها موجودة بشكل من الأشكال في رواياته التي بلغت الثلاثين حتى الآن.
أسهب موديانو في الحديث عن والديه اللذين يُشكِّلان لُحمة النص وسَداته، فوالده ألبير موديانو من مواليد باريس 1912، إيطالي الأصل ومنحدر من عائلة يهودية. وأمه لويزا كولبين، بلجيكية فلامنكية مولودة عام 1918، تمارس التمثيل المسرحي والسينمائي. وقد التقيا في باريس في ظل الاحتلال الألماني، وأنجبا طفلين وهما باتريك ورودي الذي سيموت في سن العاشرة نتيجة إصابته باللّوكيميا ويترك أثرًا كبيرًا في حياة شقيقه الأكبر الذي سوف يُهدي إليه رواياته الثماني الأولى. يمكن اعتبار هذا الشقيق الذي غاب مبكرًا علامة فارقة أو بيت القصيد في هذه السيرة. يقول موديانو: "إذا ما استثنيتُ شقيقي رودي ووفاته،أعتقد ليس ثمة بين كل ما سأنقلهُ، ما يعنيني في الصميم، أكتب هذه الصفحات كمن يحرر مَحضرًا أو سيرة شخصية بصفة توثيقية، ربّما للانتهاء من حياة لم تكن تخصني"(ص56). فالأب الذي يكتب عنه غائب على الدوام، ومنهمكٌ في السوق السوداء، وغارق في عالمٍ سرّي، مشبوه لم يتعرّف على بعض تفاصيله حتى الآن. أما الأم فقد كانت ممثلة مسرحية كثيرة الأسفار تلهث وراء سراب الشهرة وبعض النقود التي تسدّ رمقها من خلال تجسيد بعض الأدوار في مسرحيات "عقدة فيلمون"، "إشارة كيكوتا"، "الأبواب تصطفق" وغيرها من الأعمال الدرامية لكنها كانت تقف دائمًا على حافة الإفلاس ولا تستطيع أن تسدد فواتير الماء والكهرباء فكيف لها أن تساعد ابنها الذي يتنقل بين المدارس الداخلية القذرة التي لا تقيه من برد الشتاء، ولا تقدم له مايسدّ الرمق من الطعام؟ لم تكن علاقة الأب والأم طيبة فسرعان ما انفصلا حيث تعرّف الأب على ناتالي الشقراء أول الأمر، ثم ارتبط بميلين دومنجو المزيّفة تاركًا زوجته لويزا تتنقل بين أحضان المعجبين. كانت أمه جميلة لكنها متحجرة القلب ولم ينمّ عنها أي عطف أو حنان أو رعاية ومع ذلك فقد كان موديانو يذهب إلى صفوف التعليم الديني ويصلي عسى أن يغفر لها الرب.
إن ما يلفت الانتباه في هذه السيرة هو كمّ الكتب المهمة التي قرأها باتريك في طفولته وشبابه منها "آخر الموهيكييّن" للأميركي جيمس فينيمور، الذي لم يفقه منه شيئا، و "كتاب الأدغال" لكيبلينغ، و "حكايات القط الجاثم" لمارسيل إيميه. كما شاهد في الثامنة من عمره فيلم "أعظم استعراض في العالم" الذي ترك أثرًا شديدًا في نفسه وسوف تلعب السينما لاحقًا دورًا مهماً في تعميق خبرته البصرية. إزداد رصيده من القراءات التي امتدت إلى جول فيرن، الكسندر دوما، جوزيف بيريه، كونان دويل، دو سيغور، جاك لندن حتى وصلت إلى ألف ليلة وليلة. تعمّقت قراءاته حتى أنها طبعته بميسمها مثل "مجرد امرأة"، "مارغريت الليل" و "شارع بلا اسم". لم تكن القراءة حرّة في المدارس الداخلية ففي العام 1962 طُرد لبضعة أيام لأنه قرأ "السنابل الخضراء" لكوليت من دون إذن لكنه سيحصل على الموافقة من أستاذه أكامبريه لقراءة "دروب البحر" لمورياك التي أعجبته نهايتها ولا يزال يتذكر جملتها الأخيرة حتى الآن، ثم سمح له بقراءة كتب أخرى مهمة مثل "المُقتلعون من جذورهم"، "مهنة العيش"، "مرتفعات ويذرينغ"، "بنات النار" و "يوميات كاهن في الريف" إضافة إلى كتب أخرى سوف تغيّر ذائقته الأدبية.
الأب يحثُّه عبر الرسائل على أن لا ينسى التفاصيل وأن يكرّس حياته للدراسة والكتابة مثل سارتر، وكلوديل ورومان غاري. أما أمه فكانت تشجعه على قراءة كتاب "الصبايا" لمونترلان وتريده أن يصبح مُرشده في الحياة الجنسية وهو موقن تمامًا بأنها لم تقرأ سطرًا واحدًا من كتاب مونترلان!
لم تطق ميلين زيارات باتريك المتباعدة ولم تقبل أن يتحول إلى طالب خارجي يتردد على منزل والده وقتما يشاء لذلك سجله أبوه في ثانوية هنري الرابع بباريس لبعض الوقت، ثم نقله إلى بوردو كي يدرس في القسم التحضيري للدراسات الأدبية في ثانوية ميشال مونتاني.
عمل موديانو في بيع الكتب لبعض الوقت لكن إفلاس والدته المتواصل كان يضغط عليه ويضعه في مواقف محرجة جدًا. يعترف موديانو بأنه سرق كتباً وبعض أطقم دوفيلز الأنيقة، وعلبة موسيقية وباعها لتاجر خردة في كليشي. كما قامت أمه ببعض السرقات لكنها لم تُضبَط متلبسة بالجرم المشهود.
حاول والده للمرة الأخيرة إبعاده من باريس عن طريق تشجيعه للالتحاق بالخدمة العسكرية وأعطاه 300 فرنك كأول مصروف جيب وهي النفقه الوحيدة التي حصل عليها موديانو من والده طوال حياته فراح يفكر بالأسباب الغامضة التي كانت تدفع والده لإبعاده من البيت والعاصمة برمتها.
كان موديانو قد وضع اللمسات الأخيرة على روايته الأولى "ساحة النجمة"، وفي ربيع 1967 وعَلِم بموافقة دار غاليمار على نشر روايته الأولى وكان وراء هذه الموافقة الروائي الفرنسي ريمون كونو الذي عرف بحدس المبدع أن باتريك موديانو كاتب متميز ينتقي ثيمات حساسة تتمحور في الأعم الأغلب على الهامشيين، والمختفين، والمحرومين من الأوراق الثبوتية.
يمكن القول باطمئنان كبير بأن "سلالة" هي سيرة ذاتية بامتياز كما يذهب المُنظِّر فيليب لوجون لأنها "حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية، وعلى تاريخ شخصيته، بصفة عامة". كما يعزز هذه القناعة التطابق التام بين المؤلف، والسارد، والشخصية. أما تهوية النص السردي فيكمن في المفاجآت التي أقدمَت عليها الشخصيات الثلاث الرئيسة، الأب، الأم والابن، ومنحت السيرة مصداقيتها التامة التي لا يرقى إليها الشك.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لُغز أُذن فان كَوخ: الحادثة الأشهر في تاريخ الفن المعاصر
- جورجيا أوكَيف . . .أيقونة الفن التشكيلي الأميركي
- -وصية لأجل الملك- وتنميط الشخصية العربية المسلمة
- الفن الأرضي الزائل الذي توثِّقه العين الثالثة
- أسرار القدّيس يوحنا بولص الثاني وحُبِّه لآنا تيريزا تمنيسكا
- الحياة ما بعد تشرنوبل
- أغنية الغروب . . . قوّة المرأة في مواجهة المصائر المُفجعة
- تسعة فنانين عراقيين يحتفون بزَها حديد
- نبوءة السقّا . . . بطولة جماعية في مكانٍ افتراضي
- سمكة الأمازون الكهربائية. . .صعقتها تشلّ التمساح وتطرح الحصا ...
- حنوّ الغوريلا وميولها العاطفية تجاه الإنسان
- مخرج على الطريق: الخشية من تحجيب الأفلام (3-3)
- مخرج على الطريق: أفلامي واقعية جديدة مُبهجة (2-3)
- مُخرج على الطريق: الشخصية أهم من الحدّوتة (1-3)
- الماركسية والشِعر: الوحي المنبثق من لحظة النشوة والغيبوبة
- التقنية المُراوِغة في -مصائر- ربعي المدهون
- الفتنة. . نصٌ وثائقي ببناء معماري ركيك
- الفيلم الوثائقي الاستقصائي (نوري المالكي. . . الصورة الكاملة ...
- الفن المفهومي في السينما والتصوير الفوتوغرافي
- أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - سلالة باتريك موديانو النقيّة