حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 5267 - 2016 / 8 / 27 - 20:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
غالبا بعد الثلاثين_ ولبقية العمر_ تفاجئك عبارة ( هذا العم_ او يا خالة) والقصد أنت.....بشكل دوري ومتكرر. والغاية منها تكبيرك في السن _ لوضعك في موقع الأب أو الأم_ ودفعك للقيام بدور (المسؤولية بدون سلطة) بما يتضمنه موقع المسؤولية نظريا على الأقل من رعاية ونضج وخلق كريم.
مرات يكون المنادي (رجل أو امرأة) اأكبر منك عمرا.
والعكس موجود أيضا, البعض يعطي لغيره الأفضلية والدور والاهتمام الايجابي_ حتى في بلادنا لم تندثر أخلاق البطولة (القيام بالدور الثانوي والتافه مع القبول بالحصة الصغرى وبدون تذمر).
درجة استخدام كلمة, عم أو خالة, تصلح كمعيار مزدوج للنضج, الشخصي (التقدير الذاتي المناسب_ الموضوعي) أيضا لدرجة تطور المجتمع (القانون المدني والحقوقي_ وضع المرأة والمختلف).
تزايد الكلمات المرادفة (اللطيفة) أستاذ, سيد, جار, زميل....دلالة على حيوية المجتمع ودرجات ابتعاده عن عتبة الفاشية (الأحادية الشاملة).
هذا موضوع الحلقة القادمة_ العلاقة بين السعادة والتوقع
* * *
ما تزال العلاقة بين المستوى المعرفي _الأخلاقي وبين الصحة النفسية, خصوصا بدلالة مستوى الطاقة النفسية " الايجابية أو السلبية" غير واضحة بدقة....علميا وتجريبيا.
بدورها النظرية الأخلاقية " الدينامية بطبيعتها" ما تزال أقرب إلى مرجعياتها_ ومصادرها القديمة في الفلسفة والآداب والفنون (المسرح والشعر) وحديثا الرواية والسينما والتلفزيون_ منها إلى البحث العلمي بمناهجه ومعاييره المحددة والمضبوطة عبر المفاهيم والمصطلحات الدقيقة.
لكن في الخطوط العريضة والأساسية, حدثت نقلة ظاهرة على مستوى ( الأخلاق المشتركة) في النظرية, أيضا عبر أنماط العيش للإنسان الحالي.
صارت مبادئ حقوق الانسان المرجع الأخلاقي العالمي, وهي تنافس بشكل فعلي الأخلاق القديمة المحلية "العنصرية"_ التي ما تزال للأسف سائدة في الدول والمجتمعات المختلفة والمتخلفة أكثر.
عبر مستويات متعددة, ترتبط السعادة بالأخلاق الاجتماعية والفردية, التي تشكل الضمير والقيم العميقة للشخصية الانسانية _ التي بدورها تحدد مستويات ودرجات الرضا والسرور أو الضغينة والغيظ.....وجها السعادة أو الشقاء في مختلف الثقافات والعصور.
* * *
نعرف اليوم_ بشكل عام وتقريبي_ أن الأخلاق الحالية السائدة في مجتمع ما, كانت نفس قوانين السلطة (الدينية, السياسية, الاجتماعية) للجيل السابق. وبالمثل أيضا تتحول قوانين الأسرة والمجتمع _خلال المدرسة ومعها_ إلى ضمير وقيم أخلاقية لا شعورية للأطفال.
....اليوم, وغدا, ومع الماضي الذي نصنعه بحياتنا ثم نتركه للأجيال....
حياة الانسان سلسلة متصلة من القرارات (بالمعنى الايجابي الواعي والارادي الفاعل_ أو السلبي عبر الانكار ومن خلال السلوك غير الواعي واللاشعوري).
يوجد معيار بسيط ودقيق أيضا, يساعد على التبصر ومعرفة نوع القرار (الحل) الذي يسلكه المرء في موقف جديد وطارئ أو منعطف....ويصلح للحياة الفردية والاجتماعية العابرة بين الأجيال.
القرار الجيد والايجابي يتضمن عنصرين (شرطين) هما معيار أيضا
1_ يحقق الحل والقرار الجيد بعد تنفيذه معادلة النمو والنضج المتكامل " اليوم أفضل من الأمس, والغد أفضل من اليوم_ والعكس تماما للقرار السلبي (الخاطئ): الأمس أفضل من اليوم, والغد هو الأسوأ.
2_ القرار الجيد يتضمن إمكانية العودة إلى الوضع السابق. وتفسير ذلك أن الحل الجيد إبداعي وتطوري, ويقوم على الجهد والمبادرة الشخصية الفاعلة, وهي انتقال بالشخص إلى درجة أو مستوى أعلى في المعرفة والسلوك, أيضا في الدرجة الأخلاقية (الطاقة النفسية الايجابية).
يضاف إلى ذلك, تمييز آخر عرضته في نص سابق: القرار الجيد صعب في البداية دوما وسهل جدا في النهاية وممتع ( شعور بالرضا تجاه الماضي). على العكس تماما من القرار الخاطئ (السلبي)...سهل في البداية, لكن يتعذر التخلص من نتائجه والخروج منه بسهولة وهدوء. (يشبه القرار الجيد إضافة مصدر جديد للدخل, بينما يشبه القرار الخاطئ الافتراض بفائدة مرتفعة جدا).
* * *
ترددت سابقا في مناقشة هذه الموضوعات (الأفكار)_ بسبب الحرج من الظهور بموقف الحماقة والادعاء...فقد خطر ببالي أن اضع العنوان لهذه الحلقة السعادة....والوجه المعتم للقمر
لكنني غيرت رأي بسرعة, وعدت للتفكير في هذا المنظور البسيط
* * *
لنتخيل قبل مئة سنة؟
سنة 1916...كان الناس ( وكلهم موتى اليوم) يثقون_بل يوقنون بحواسهم ورغباتهم ومشاعرهم " مثلي مثلك ....", كانوا واثقين إلى درجة صراع القاتل أو القتيل....وأغرقوا العالم بالدم والخوف والجهل....لماذا؟ السبب, الغاية, المبررات والدوافع؟!!!!!
........
بماذا نختلف عنهم نحن الأحياء 2016 _ بعدما ينظر إلى تجربتنا وتركاتنا الأحفاد...‘بر سنة 2116؟
هل سنخطو مع الانسانية والعالم درجة أعلى بالمعرفة والأخلاق والصحة والسعادة؟
أم نغرق أنفسنا ومن يأتون بعدنا....بالدم والجهل والخوف؟
* * *
خاولت وما أزال أحاول..... التمييز بين مستويين للطاقة النفسية (الشخصية).
الأول" مستوى الشعور بالسعادة" والثاني (الحالة الموضوعية_ غير المؤقتة والقابلة للتعميم عبر مستويات مختلفة) للشخص نفسه, منظورا إليه من خلال هذه المعايير والمقاييس الموضوعية...
مثال قريب_ ربما يوضح الصورة: الصحة الجسدية بدلالة درجة حرارة الجسم وقياس الضغط؟؟
ألا يوجد ما يشابهها للصحة النفسية؟!
هل يتوقف هذا الطريق مع فرويد وويلهام رايش؟!
لنتخيل قبل أن تصير تلك العلامتان ( الحرارة والضغط) المعيار الأساسي الموحد والعالمي للتمييز بين الصحة والمرض أو بين جسم سليم وآخر مريض...
الطاقة النفسية مرادف لحالة السعادة أو الشقاء الانساني (الفردي و الاجتماعي).
تتميز الطاقة النفسية من خلال تعبيراتها بسهولة, ايضا يمكن قياسها من الخارج_ وهو ما تقوم به الأنشطة النفسية المختلفة (سواء للمعالجة أو للدراسة والفهم).
" الحالة الموضوعية" مفهوم فلسفي_ ديني بالأصل, تطور إلى مصطلح حديث عبر الدراسات النفسية والاجتماعية المتنوعة في عالمنا المعاصر.
أعتقد أن _ أنها حصيلة تطور عبر مراحل وأشكال متعاقبة للطاقة النفسية أو انماط الشخصية المتعاقبة...
1_ النرجسية, الحالة الأولية والبدائية للكائن الحي, الطفيلي والمنغلق على ذاته وحاجاته الفردية (الفيزيولوجية بالأساس).
2_ الدغمائية (مصدر الثنائيات والتعصب الأولي), الدرجة الثانية في تطور الانسان, وهي تتضمن النرجسية وتتمايز عنها بالبعدين الاجتماعي والثقافي....نحن_ هم, بدلا عن أنا_ أنت
لا تدرك الشخصية الدوغمائية الآخر كإنسان شبيه(له حقوق وأفكار ومصالح وحاجات مختلفة....هو مجرد (عدو, كافر, خائن)
الدوغمائية موقف الصراع الدائم وعلاقات الخوف المتكررة.
3_الأنانية, الدرجة الثالثة في التطور الانساني, تتضمن الذكاء العقلي والاجتماعي لجهة العتبة أو الحد الأدنى.
يتميز الأناني عن الدغمائي بالفهم والمقدرة على التمييز بين الآخرين, ويشترك معه باللامبالاة المطلقة بالآخر والعالم....الآخر موضوع للرغبة فقط.
4_ الانتهازية, وحالة اللامبالاة سوى بما هو موجود للاستعمال بشكل مباشر الآن_ هنا, تعبيراتها السائدة....تكافؤ الضدين, المعايير المزدوجة, التعارض الوجداني.... وهي ذروة ما بلغه الانسان القديم_ وما يزال النموذج العام والسائد في زمننا.
الانتهازية والتكيف والمرونة القصوى (عدم الثبات) موقف وإيديولوجيا علم النفس العام.
5_ هل الموضوعية ممكنة؟....باشلار والفكر العلمي الجديد_ الجواب بالايجاب
* * *
منذ عشرات القرون ربطت فلسفة الأخلاق بين اللذة والفضيلة وبين الحكمة والسعادة, وأضاف علم النفس الحديث_ خصوصا التيار الانساني_ الصحة النفسية إلى مائدة المعرفة_ السعادة.....المفتوحة بفضل العلم والتقنية الحديثة "امل الانسان" القديم والمتجدد_ ,الد أعداء نظم التسلط والغيان_ منذ ان انتصب على قائمتين واستخدم يديه, ثم الحجارة واللغة وأدوات التواصل,...ليتكون بعدها ومعها وعبرها الضمير الاجتماعي (القومي) بوجهيه (الشقي أو السعيد_ الضمير المذنب أو الضمير الانسناني...
هل تغير الانسان في الجوهر_ هل تغيرت الطبيعة الانسانية؟
أم ما يزال المجهول يحيطنا ويحكمنا من الداخل أيضا....؟
هل معرفتنا اليوم (أنت_ أنا)_ خصوصا الفكرية والعاطفية والاجتماعية تتجاوز سقراط وبوذا وأبيقور والمعري والخيام وسبينوزا....وبقية شاعرات_ وعشاق العالم!؟
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟