|
حوار حاد في خرم الرأس _ قصة قصيرة
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5267 - 2016 / 8 / 27 - 04:51
المحور:
الادب والفن
حوار حاد في خرم الرأس
في كأسه الأخير تمنى يوسف جلال أن يخرم رأسه بمثقب كهربائي ليخرج تلك الأفكار الحبيسة من سجنها ويرقص معها على أطلال قبره البالي مثل رقصة زوربا ولكن بلحن جديد، يا لها من رؤية سوداوية للوجود .... يردد مع نفسه قصة كل يوم.... _ ماذا لو منحني الله القدرة أن أتقمص شخصية مهبولة أو غبية؟ ..... لربما كان الحل سيكون منطقيا بدل أن تخرب رأسك الذي تحتاجه في الصباح لتضع عليه قبعتك الروسية المميزة. _ ما الفائدة أذن أن يكثر في هذا العالم عدد الأغبياء والمهبولين دون أن نحاول أن نفسر سر هذا التزايد اللا منطقي للجنون في عالم مجنون بالأصل؟ ... قد يكون الجنون أحد خيارات شديدوا العقلانية للتخلص من الترف الذهني؟ .. لربما لا شيء من هذا الوهم قادر أن يسوق حمار إلى المزرعة !!! .. _ كلما أتذكر الحمير أتحسس ظهري هل ما زال مستقيما منذ أخر مرة حاول أحدهم أن يمتطيه. _ عجبا .... !!!!، وهل ينفع أن يكون كذلك في زمن لم تعد الحمير تجد لها فرصة عمل إلا مع كبار الساسة وأحيانا موديل لبعض المصورين الفوتوغرافيين؟ ... هذا موضوع معرفي جميل جدا يحتاج إلى قدرة على تحويل الأفكار المجردة إلى صور وبالعكس. _ يمكنك أن تجرب من السهل أن تكون حمار فقط أبحث في جيوب معطفك القديم عن أوراق تالفة لا قيمة لها لنستخرج منها أفكار عظيمة، هههههههههه. _ ستتحول أفتراضيا إلى كائن وسط بين الحمار والإنسان وسيكون لك كامل الحرية في أن تستحمر أو تستأنس. _ مثلا هذا النادل الغريب يظن أنني حمار حين غشني أو غشش البعض بالخمرة، أو ربما فعل ذلك بتوجيه من حمار أكثر ذكاء منه، بالنسبة لي أنا أظنه حمار بل أجزم أنه حمار حين يغش وفائض القيمة كما يقول الرفيق العزيز مستر ماركس يذهب لأيهم أكثر حمرنه هناك فوق في الطابق الأعلى أو في الأعلى منه في هذه البناية الشاهقة. _ يا صديقي نعود للقضية الأهم. _ وهل هناك قضية أهم من أن يجعلك البعض حمارا وأنت في كامل قواك العقلية. _ لا أحد يستطيع أن يركب ظهرك ما لم يكن عقلك الحبيس متواطئ معه. _ لذا يا صديقي أولا أريد أن أخرج هذا الكائن من قفصه كي أقبله، فقد رفض أن يعط ظهري للبعض مجانا، وأيضا أريد أن أتكلم معه بحديث سري لا يجوز لأحد أن يطلع عليه كحديث الزوج والزوجة في مخدع دافئ في ليلة باردة. _ جميل جدا والأمر في غاية البساطة، لم يعد الأمر صعبا كما تتصور أيها الثمل الشقي. _ اهااااااااااااااااا يا صديقي أدركني الآن بحل وسأكون لك كما تريد..... _ حتى لو طلبت منك أن تكون حماري؟ ...... كان يخاطب ضميره وعندما أكتشف أن طلب الأخير أن يستحمره عنوة مقابل خدمة تأكد أنه كان يخاطب شخصا أخر ... مختلف ربما أو موهوم ولكنه أيضا حقيقي، ربما كان يخاطب عقله وهو في غمرة الثمالة ... بالنسبة لي أنا الذي أكتب الحوار أظنه كان يخاطب ظله، أو ربما كان يخاطب ربه الذي لا يعبده، المهم حاولت قدر الإمكان أن أنتظر من صديقي أن يشرح لي ما الذي حدث هناك في دائرة العقل الخروم، منذ أن تركته يغفو على الطاولة وأنا أتفرس بوجهه الملائكي وهو يتلون بإشراقة كأنه قطعة من قوس قزح. كان على أنا أيضا أن أخرم رأسي بألة أقل إيلاما من المزرف الكهربائي، ربما تصلح أشياء صغيرة في فعل ذلك بدون خسائر موجعة، هدفي ليس كصاحبي المثقف العضوي الذي يردد هذه التسمية كثيرا على بعض أصدقائه من باب السخرية، لكنه وفقا لمعيار غرامشي مثقف عضوي من طراز خاص، أهتديت وأنا سريع التقلب في كل مرة أن أتناول حبة كبتاغون بعد أن يأس الويسكي من أن ينجح معي في فعل ما كنت قد قررته منذ الصباح الباكر، لا بد لي أن أخرج هذا الذي لا أعرف أين يسكن من مخدعه لأحاكمه على جرائمي التي يتبناها في كل مرة وهو راض. _ أحيانا يكون العقل مجرد وهم زرعه بعض المترفين الذين يحتسون الجعة بكأس أشبه بجمجمة كبيرة، ليقنعوا أنفسهم أنهم طبقة مميزة من الحيوانات الأكثر غباء في الوجود. _ ولكن ليس هؤلاء وحدهم من يتبنى وجود العقل داخل جسد الإنسان حتى الذين لا يشربون الجعة يؤمنون بذلك، صحيح أيضا أنهم يشربون من شراب أخر أخطر من كل ما يتنعم به البرجوازيون الصغار وبعض المتثاقفين، حين يرددون كلماتهم العقيمة عن العقل وهو لا يستطيع أن يعط تصور بسيط وعاقل عن ماهية .... اللعنة .... ما بي الآن الظاهر أن تأثير هذه الحبوب قد أشعل حب الاطلاع في أم رأسي. _ وأعود كثيرا إلى ربما وأحيانا لأنني لا أجزم ولا يصح لي أن أتفلسف وأنا ثمل .... صدقني أستحي من كل الفلاسفة حتى الفاشلين منهم خاصة أولئك الكبار من أفلاطون حتى سارتر بالرغم من أن أبي كان يقول عنهم أنهم مجرد مجانين ... أعترضت فصفعني مرة وقال لا تستعجل بالرد حتى أنتهي، إنهم مجانين بحب العقل وحقه أن يخرق الواقع والممكن. _ كم كان جميلا ذلك الحوار مع صفعه تنبه في داخل جسدك كل المستشعرات التي تحاول أن تسرق وقتا ما لتمارس هوايتها بالقيلولة. _ لا أظن أن العقل يقبل أن تهان الحواس ولو بصفعة أبوية كلها رقة وحنان. _ يا صديقي لو كان بمقدوري أن أعد الصفعات التي تلقيتها منذ أن أصبح جسدي يقبل تلك الهدايا لأتهمتني بأني أشد تحملا من الحمار ولكن ما يفرحني أنني ما زلت مسجلا في قيود البشر أدمي ولديه وثيقة أنني أفكر لأنني موجود فعلا وهذا يكفي. _ نعم هذا يكفي أنت أيها الصاح عليك أن تتوقف عن النوم على طاولتي المستأجرة بمالي وأنت ضيفي الذي من المتفق عليه أن تشاركني حوارا مدفوع الثمن سلفا .... هيا يا صاح أنتبه نحن في الزحام والعيون تنظر إليك، وقد يتهمونك بأنك حمار لا تحترم قواعد المجتمع الراقي. هو_ ما دهاك أنا أسمع كل ما يدور بينك وبين عقلك المعتوه لقد كنت أنا من يرد عليك وليس هو، ألا تعرف أن عقلك أصم وأبكم ولا ينطق في الهوى. أنا_ ومن يقول إنك كنت حياديا بيني وبين عقلي؟ هو_ يمكنك أن تسأله! لن تجد صادقا معك وحياديا ومجردا غيري في هذا الوجود، هلاوسك هذه يمكنك أيضا أن تستخدمها في الطبخ عندما تعود وتجد زوجتك قد هجرتك لنوم عميق فأنت بالنسبة لها مجرد حمار.... في النهار للحمل والتحمل ومحمل للخطايا وفي الليل مركبا للصمت العقيم. أنا_ هل يمكنني أن أقول إن الأستحمار واحدا من طبيعيات الإنسان ولا عيب أن يكون أحدنا حمارا بصورة ما؟ ...... أنا أشك أن يتحول كل الناس إلى حمير فالبعض لا يمكنه أن يتحول ويبقى على النموذج المثالي منذ الخلق، يبقى على حمرنته الطبيعية التي لا يمكن أن تتطور أكثر، تعرف أني أكثر فرد في هذا المجتمع يعارض السيد دارون والدليل أنني منذ أن عاشرت مجتمع الحمير لم ألحظ أي تطور بأتجاه ما يثبت لي أن دارون لم يكن أكثر من مبشر بدين أسمه الأستحمار الطبيعي. هو_ الآن فقط أيقنت .... ليس من حقي أن أكون مثلك وعليك أت تلق خطابك الأخير وتنصرف.. أنا_ تبا لك سأنصرف طالما أنك لا تقبل أن تكون حماري الجميل... هو_ ليس كل الحمير قبيحة..... ولا أقبح منها إلا من يؤمن بها أنها كائنات غير جميلة بمعيار الجمال المادي، أنا أرى أن الحمير الأصيلة التي تمتلك ذنب طويل وأذان كأنها رادارات عسكرية وظهر متين ومستوي وقابل للإستمطاء بطبيعتها حيوانات تملك مفردات من الجمال وأيضا ذكية بذاتها، لأنها أنتهت إلى ما لم تنتهي له الحمير المزيفة أمثال الكثير مما نعرف، الحمير التي تتكلم بلسان طويل ومبين ولكنها لا تتكلم مع من يستمطيها إلا بلغة الصمت هي الأكثر قباحة في مفردات الجمال الحقيقي.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة نقدية فقهية وقانونية في محتويات قانون العفو الذي تم ال
...
-
قراءة نقدية فقهية وقانونية في محتويات قانون العفو الذي تم ال
...
-
الواقع العربي اليوم وقبل ربيعه الأسود ح2
-
الواقع العربي اليوم وقبل ربيعه الأسود ح1
-
ظهور الإسلام السياسي هو أزمة دين أم أزمة سياسة؟.ح2
-
ظهور الإسلام السياسي هو أزمة دين أم أزمة سياسة؟.ح1
-
مدخل نظري لمفهوم إعادة تدعيم المجتمع
-
نظرية الدولة الدينية بين حكم النص وبين دور الوعي الديني
-
من قضايا التنوير الفكري وأصول العمل فيها
-
الخوف والقسوة والإرهاب الفكري والسياسي ودوره في بسط ثقافة ال
...
-
مقهى عبد ننه ... قراءة في تأريخ مدينة يسكنها وهج السياسة ويت
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
الحاكمية السياسية في الإسلام ... وهم القراءة وتخريج بلا مخرج
...
-
قالها ومضى
-
الحق بين الله ورجل الدين
-
المعرفة الدينية وإشكالياتها التأريخية وأثرها في فشل الإنسان
...
-
العرب والأعراب وتاريخهم المتناقض
-
أنا ورائحة البحر
-
رجالٌ هُويتُهم وَطَن ... قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عبد الج
...
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|