وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5264 - 2016 / 8 / 24 - 11:11
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
استكمالا للجزء الاول من مقالنا والمنشور على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=528533
استعرض في مقالتي وجهة نظر فالديمار غالمان سفير الولايات المتحدة في العراق عن شخصية نوري السعيد وسياساته في كتاب :
(عراق نوري السعيد :انطباعاتي عن نوري السعيد بين سنة 1954 – 1958 ) – دراسة وتقديم وتحقيق البروفيسور سيار الجميل – ط 1 -1965 – ط1 المحققة 2015- الناشر : دار ميزوبوتاميا – بغداد – شارع المتنبي.
يقول فالديمار غالمان عن نوري السعيد بانه ولد نوري السعيد سنة 1889 في بغداد من اصول كردية ومن عائلة تعرف اسلافها الذين استوطنوا بغداد منذ 300 سنة , الى ان صار رئيس العائلة الرجل المعروف بالملا لولو وهو من السنة.
انهى تعليمه الابتدائي عند الملا في الثامنة من عمره . وكان ذلك التعليم يركز على الحفظ .وهذا يفسر حافظة نوري السعيد القوية والخارقة .كان ابوه السيد طه (الصحيح هو سعيد بن صالح ابن الملا طه الموصلي )احد الموظفين المدنيين في خدمة الحكومة العثمانية .يقول عن نوري السعيد البروفيسور سيار الجميل انه بقي طوال حياته يحن للموصل وربيعيها .كان يجيد التكلم باللغة التركية والالمانية والفرنسية والانكليزية .
في سنة 1903 ونوري السعيد لم يكمل الرابعة عشرة بعد سافر الى الكلية العسكرية في استانبول .بعد وصوله بفترة قصيرة توفي والده .وكانت امه في بغداد منشغلة بالعناية باخواته .لذلك تركت نوري يتدبر اموره بنفسه .في ايلول 1906 تخرج وحصل على رتبة ضابط وهو في الثامنة عشر من عمره .
وعاد الى بغداد حيث عين في احدى وحدات المشاة وكانت مكلفة بجمع الضرائب على المواشي من العشائر الرحالة .وبقي في هذه الوحدة اربع سنوات تعرف من خلالها على مناطق العراق كافة ,ثم تعرف على طريقة حياة الشيوخ وعشائرهم .
في هذه الاثناء تزوج نوري بفتاة من بيت العائلة العراقيةالمعروفة بعائلة ( العسكري ).في سنة 1910 استدعي نوري الى استنبول لاكمال دراسته , اذ وقع الاختيار عليه ليدخل كلية الاركان .في سنة1913 اثناء حرب البلقان بدات خدمته العسكرية الفعالة ( الحركات العسكرية). فلقد اشترك في الحرب ضد البلغاريين .
خلال خدمة نوري في استانبول بدات الحملة الاصلاحية المعروفة بحركة ( تركيا الفتاة )بين سنتي 1913 – 1914 . اشترك نوري السعيد مع جماعة (العهد ). وكان من بين اعضائها بعض الضباط العرب .بعد فترة ادرك نوري ان جماعة تركيا الفتاة لن يتنازلوا عن اية امتيازات للعرب اذا استلموا الحكم .
منذ عام 1914ادرك نوري ان عليه ان يعمل على استقلال العرب .وبذلك قطع علاقته بالماضي . في ربيع 1914 اشتبه سادته الاتراك بما كان يفكر فيه واستعدوا لالقاء القبض عليه , الا ان نوري ترك استانبول وذهب الى القاهرة ومنها الى البصرة .
اتصل بالسيد طالب النقيب ثم اصيب بمرض فادخل مستشفى البعثة التبشيرية الامريكية . بعد احتلال بريطانيا للبصرة نقلوه الى دار نقاهة في الهند بجوار مدينة بومبي,حيث بقي مدة تزيد على السنة كاسير حرب تركي , ولكن مع بعض الامتيازات .
عام 1915 نقل من الهند الى مصر ففرح كثيرا, وهنالك اشترك بحماسة مع العرب والبريطانيين الذين كانوا يضعون الخطط للثورة العربية .
في العام 1916 اعلن الشريف حسين استقلال العرب وهو امير مكة .واستجاب لهذه الدعوة . ترك نوري القاهرة الى جدة في تموز 1916 ومن هنالك التحق بالثورة.في سنتي 1918 – 1919 راح نوري كرئيس اركان الامير فيصل بن الحسين ينتقل بين لندن وباريس.
في خريف 1920 وبطلب من عديله جعفر باشا العسكري الذي عين وزيرا للدفاع عاد نوري الى بغداد ليكون رئيس لاركان جعفر العسكري وهنالك التقى بالمس بل . تقول المس بل عن نوري السعيد (وفي اللحظة التي رايته ادركت بان امامنا قوة متينة مرنة.فاما ان نستعملها او نشغل انفسنا بخصومات صعبة معها ) وفي السنوات التي تلت ثبت بان تقديرها كان صحيحا وبان مشورتها كانت صائبة.
في 23 آب 1921تم تتويج فيصل الاول ملكا على العراق .في سنة 1921 – 1922 اخذ نوري اجازة من الجيش ليتفرغ في العمل على تنظيم الشرطة .وفي السنوات التسع اللاحقة ركز على انشاء الجيش وتنظيم وزارة الدفاع . وكان خلال بعض السنوات يشغل منصب وزير الدفاع ووزير الخارجية .
في 23 آيار 1930 اصبح نوري السعيد رئيسا للوزراء في العراق للمرة الاولى .ثم تولى هذاالمنصب 13 مرة قبل ان يكون رئيس وزراء الاتحاد العربي .وفي الاوقات العصيبة استلم رئاسة الحكومة عندما كان يستدعيه الملك او ولي العهد .يرجع الفضل الى نوري السعيد في تاسيس كلية الاركان.
مثل نوري السعيد في المباحثات التي ادت الى انهاء الانتداب البريطاني والى دخول العراق عصبة الامم .وكان هو المسؤول عن انهاء المعاهدة العراقية البريطامية سنة 1930 . ونظم علاقات البلدين في اتفاقية خاصة سنة 1930 على اسس اكثر واقعية.
راى نوري الفوائد من بقائه قريبا من البريطانيين فيما يتعلق بوظيفته العامة .فالملكية في العراق هي من صنع البريطانيين ,وفي الظاهر كان الملك يعين رؤساءالوزارات ويقيلهم . ولكن البريطانيين كانوا يديرون الرواية من وراء الستار.فالتقرب من القصر لم يكن كافيا . ولا بد للنجاح من ان يكون عن طريق البريطانيين .هذا مافهمه نوري فهما جيدا.
يقول السفير الامريكي (والولاء لم يدخل في حساب نوري في علاقاته مع الولايات المتحدة .لقد كان يحترمنا . ولكن احترامه هذا كان مبنيا على تقدير ثروتنا وقوتنا . وكان يعترض احيانا على حكمتنا في التردد باستعمال القوة , ويشعر باننا نتمسك بالمباديء ودقائق السلوك الدولي اكثر مايلزم ..
ومع انه قام بزيارتين قصيرتين الى الولايات المتحدة الا انه كان يفهم سجايانا وسياساتنا فهما جيدا ).كان نوري على صلة كبيرة بالشيوخ في العراق . وقف ضد المطالبين بتطبيق الاصلاح الزراعي .
( ولما بدا المستقبل قاتما , وزاد استياء نوري من تبدل الحوادث ,واجه الوقائع مرة اخرى ووضع خطة جديدة . وبعكس القادة العرب الاخرين الذين كانوا يقفون مواقف سلبية صرفة ,قبل نوري بالامر الواقع القائل بان اسرائيل كدولة اتت لتبقى ,فوضع اسس خطة للمفاوضات على الحدود واللاجئين . وكان يامل ان تؤدي الى اتفاق يعد كل من الطرفين بعض الضمانات للسلام والرخاء .وفي ذلك كان نوري معتدلا واقعيا , ومستعدا للمساومة,فكانت وفاته خسارةكبيرة لاسرائيل .
كان يقظا مع صلابة في معتقداته . وقد بدا هذا واضحا في الاساليب التي سلكها في سياسته الخارجية . وكان يعتقد اعتقادا راسخا بان الاتحاد السوفييتي والشيوعية يشكلان تهديدا مستمرا للشرق الاوسط . ولذلك قام بكل جهده لجعل العراق بمامن منها على قدر المستطاع.ونوري رجل الدولة كان رجل عقيدة , ولكن انتهازه للفرص السياسية يبرر قبول بعض المرائين في حاشيته , بالرغم من ان نزاهته الشخصية كانت فوق الشبهات .
وطبيعته في انجاز الاعمال لم تكن علمية , ولا يوجد مايدل على ان نوري كان يدون مايقال له , او مايقوله هو .حتى في اشد الامور الخطيرة .ولم يحتفظ بمذكرات تساعده في البحث على التفاصيل , بل كان يعتمد على ذاكرته الخارقة . ويحفظ ماكان يقال له , وما كان يقوله دون خيبة او خطا .
كان نوري يحب الحيوانات وكانت توجد بعض الكلاب دائما في بيته وحديقته . ويحتفظ بقطعان من البط والاوز . وكان يعلم اني مغرم بالطيور ولذلك كان يقترح علي بعد ان ننتهي من حديثنا في عمله ان نخرج الى النهر لاطعام الطيور . ويعد سلفا انائين مليئين بالخبز احدهما لي والاخر له .فنخرج من اليت الى الحديقة لنقترب من الضفة .وينادي نوري بنداء خاص , فنجد عند وصولنا النهر البط والوز العراقي تنتظر الطعام .وفي احد الايام انتهى حديثنا في غرفة مطالعته فقال نوري ان لديه شيئا خاصا يريدني ان اراه .فذهبنا الى النهر وعلى الضفة وبين الحشائش وفي ارض مجاورة اراني عشا كان يعده الوز .وكان يعرضه علي بحماسة الصبيان .ووعد ان يعطيني واحدة منها عندما تفقس البيضات.
واذا صح ان نوري كان قاسيا غليظا كما يتهمه البعض ,فانه كان قداصبح رقيقا جدا في الوقت الذي اعرفه . كان يعالج مشاكله اليومية ببرودة , ويناقشها دون هياج . وكانت نظرته الى الحياة نظرة انعزالية فلسفية . وكانت علاقات الود تمثل تمثل دورها الكبير في سنيه الاخيرة ).
يتبع..
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟