|
مفاهيم التطرف والاعتدال في منظومة القيم الفلسفية
كرم خليل
كاتب
(Karam Khalil)
الحوار المتمدن-العدد: 5263 - 2016 / 8 / 23 - 16:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعيش المجتمع السوري، بشكل عام، جملة من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، بسبب أهوال الحرب الطاحنة، و التحولات المحلية والعالمية، في منظومة القيم والأساليب والسلوكيات، التي جعلت الانسان السوري، يعيش حالة من عدم الرضا واللاشعور بواقعه المرير. علماً أن غالبية المجتمع السوري، هو من فئة الشباب، وبناء عليه، فإن تأثرهم بهذا الواقع المأساوي، سيكون الأكبر والأكثر على الإطلاق. أصبح الإنسان السوري اليوم، يعيش في بيئات مشحونة بالتوترات، وتموج بالخلافات والصراعات الأيديولوجية، ولعل من أبرز أخطارها، الغلو والتطرف، اللذين ظهرت آثارهما، من خلال انتشار الفكر التكفيري في رحم المجتمعات المسلمة . إن أصحاب الفكر التكفيري، يسرفون في تضليل الناس وتكفيرهم، بل ويستبيحون دمائهم وأموالهم. إنهم يقتلون المسلمين الأبرياء، لمجرد الاختلاف معهم في الرأي، ويتوعدون كل من يخالفهم أو يحاججهم في الدين بالإبادة. وضمن هؤلاء التكفيريين، مَن يكفر الحكومات والأنظمة، التي تحكم بالقوانين الوضعية، ويفرضون على جميع العاملين في قطاعات الدولة ومؤسساتها الدستورية والسيادية كالقضاء والبرلمان، فضلا عن الإدارات الحكومية والخدمية والجيش والشرطة، بارتداء الأزياء البالية، التي لا تتماشى مع هذا العصر . كما يبرّر التكفيريين، سفكهم للدماء، إذا ما قرر الأفراد، اللجوء إلى المحاكم المدنية، التي تحكم بالقوانين الوضعية المعاصرة، ويعتبرون تحاكم الأفراد فيها، تحاكماً إلى الطاغوت، وهنا لا نقصد حكومة النظام السوري المجرم، بل حكومات أخرى في هذا العالم الرحيب. إن الإسلام، دين الرحمة والتسامح والوسطية، وقد تميزت أمته عن غيرها من الأمم، بكونها أمة الوسطية، كما قال عز وجل: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدا على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” أي خيارا عدولا قد بلغتم الذرى في السمو والشرف. أما الدلالة الاصطلاحية، لمدلول الوسطية، فهي تعني التوازن والاعتدال والسمو والرفعة، بين طرفي الغلو والتقصير. فالوسطية منزلة بين طرفين، كلاهما مذموم. ومما لا شك فيه، أن ظاهرة التطرف، هي ظاهرة عالمية، تشمل العالم أجمع، ولا تقتصر على دولة أو دين بعينه، كما ان هذه الظاهرة، قديمة قدم الإنسانية ذاتها، فما ظهر دين أو مذهب أو نظام، إلا وكان من بين أعضائه أو أنصاره متطرفين ومعتدلين. تتمثل خطورة التطرف، في قواعده الفكرية والاقتصادية، التي ينطلق منها، ودرجة اتساعها، ومدى التعاطف والتشجيع، الذي يلقاه هؤلاء المتطرفين في بداية نشاطهم، باعتبارهم مظهراً حياً من مظاهر الاحياء الديني، أو الصحوة الدينية. كما أن ظاهرة التطرف، ظاهرة مركبة ومعقدة ومتشابهة الجوانب، ومن ثم، لا يمكن تشخيصها وعلاجها، في إطار منظور واحد فقط، مهما كانت أهميته، بل لا بد من مراعاة مختلف الجوانب معاً، في إطار النظرة الشمولية المتكاملة. وتعد مشكلة التطرف، من القضايا الرئيسة، التي تهتم بها الكثير من المجتمعات المعاصرة، فهي قضية يومية حياتية، تمتد جذورها في التكوين الهيكلي، للأفكار والمثل والأيديولوجية، التي يرتضيها المجتمع . فالفكر المتطرف، شأنه شأن أي نسق معرفي، وهو بمثابة ظاهرة اجتماعية، تتأثر وتؤثر في غيرها من الظواهر، وترتبط إلى حد كبير بالظروف التاريخية و السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من الظروف التي يتعرض لها المجتمع. يعد مفهوم التطرف، من المفاهيم الكبرى، التي يصعب تحديدها او إطلاق تعميمات بشأنها، نظراً لما يشير إليه المعنى اللغوي، فالتطرف هو تجاوز لحد الاعتدال، وحد الاعتدال نسبي، وهو يختلف من مجتمع إلى آخر، وفقاً لنسق القيم السائدة في كل مجتمع، فما يعتبره مجتمع من المجتمعات، سلوكاً متطرفاً، من الممكن أن يكون مألوفا في مجتمع آخر . الاعتدال والتطرف، مرهونان بالمتغيرات البيئية والحضارية والثقافية والدينية والسياسية، التي يمر بها المجتمع . كما يتفاوت حد الاعتدال والتطرف، من زمن لآخر، فما كان يعد تطرفاً في الماضي، قد لا يكون كذلك في الوقت الحاضر.
#كرم_خليل (هاشتاغ)
Karam_Khalil#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|