أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 39















المزيد.....

سيرَة أُخرى 39


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5262 - 2016 / 8 / 22 - 11:04
المحور: الادب والفن
    


1
ذات مرة، دعوت الأصدقاء إلى أكلة " الطنجية بالدجاج "؛ هم من كانوا قد عزموني عليها في شهر رمضان. بحدود التاسعة والنصف ليلاً، وصلت على موتور قريبي إلى " مول المنارة "، هناك حيث اتفقنا أن نجتمع كما في المرة الأولى. ثم تتابع وصول الأصدقاء سواء على الموتور أو بالتكسي أو سيراً على الأقدام. وكان أحدهم هو المكلف بجلب الأكلة من فرن حمّام السوق، بعدما أمضت أربع ساعات تحت الرماد الساخن. كانت ليلة لطيفة الهواء، على عكس النهار الملتهب بحرارة شبيهة بالفرن نفسه.
كنا عندئذٍ على رصيف شارع محمد السادس، الممتد لأكثر من ست كيلومترات، مقتعدين على بطانية خفيفة تغمرنا الأضواءُ وظلال الأشجار. بمقابلنا وسط الشارع، أينَ الإفريز النباتيّ العريض المزيّن بالورد الجوري ومختلف الأزهار ، كان المتنزهون يجلسون بدّورهم متحلقين حول البحرات العديدة ذات النوافير الضاجّة بصخب مياهها وأنوارها الملوّنة. الناس، كانوا يتدفقون للمكان راجلين أو راكبين السيارات والموتورات. وهيَ ذي سيارة من أحدث موديل، تقودها فتاة، تبدأ بالركون إزاءنا تماماً. فتنزل منها صبية حسناء شقراء، لتقف منتظرة أن تنتهي مرافقتها من إخراج عدّة التنزه من صندوق السيارة. قبل هجومنا على الطنجية، دعوناهن لمشاركتنا بالوليمة. فلبّت الحسناء الدعوة، فتناولت معنا بضع لقيمات ثم شكرتنا وعادت إلى رفيقتها. على الأثر، أنهينا طعامنا ثم اتجهنا إلى المقهى في غيليز. إلا أنني لم أجلس أكثر من نصف ساعة، فاستأذنت من الشباب بضرورة التمشي قليلاً في الهواء الطلق. يبدو أن الطنجية المغربية قد لبّكت معدتي الرقيقة، الشامية.

2
مع عودة قريبي من زيارة لبيت حميه في أغادير، عادت مشاويرنا الأثيرة على دراجته النارية. مساءً، أنطلقنا من أمام الدار في جوّ حار يُذكّر بحمّام السوق. ثم أنعطفنا إلى جهة دوّار كَراوة، المؤدية لمركز المدينة القديمة. عند مدخل الطريق، إذا بجمهور كبير يسدّ المكان وجلّهم من الفتية: " إنهم طلبة الثانوية وقد ظهرت نتائجهم "، قال لي قريبي. جاهدنا هناك في الزحام مع باقي المركبات، وكلّ يريد الأسبقية ولا يدع مجالاً للآخر في المرور. فلم نتمكن من الخروج إلا بشق النفس، وبعد أن ترجلنا من على الموتور مثل فرسان يفرون من ميدان المعركة.
دروب المدينة القديمة، الشديدة التشابك، صارت أليفة لي بفضل الدراجة النارية. ذلك أنني حينما أجوب في تلك الدروب مشياً، لا أستطيع تركيز فكري سوى على مشاهدها الفريدة؛ مما يجعلني أفوّت الإنتباه لمداخلها ومخارجها وعناوينها. بسبب منع دخول الدراجات النارية عبرَ ساحة جامع الفنا، فإننا كنا نأخذ هذا الطريق الطويل الذاخر بالمحلات من كلّ نوع والمتجوّل فيه المواطنون والسياح بكثافة. الزحام يعود ليواجهنا عند مدخل البرنس، حيث يتبدى السوق وكأنه في ليلة عيد. ولكنها ليلة عطلة، وفيها يقدم الكثير من مواطني المدن القريبة والبعيدة إلى مراكش. في المقهى، أشعر بالضجر على الرغم من قرقرة الأركيلة ( الشيشة ) ووجود أصدقاء أعزاء. بعد نحو ساعة، أنهض معتذراً منهم لكي أغادر المكان. ولا ألبث أن أتمشى على رصيف شارع محمد الخامس، حيث الهواء الطلق والنوافير والخضرة والوجه الحسن.

3
شوفيرية التكسي في مراكش، بعضهم شفّارة ( حرامية ) على قول المغاربة. بسبب موجة الحر مؤخراً، صرتُ أستخدم سيارة الأجرة في طريقي لمركز المدينة القديمة. قبل بضعة أيام، ما أن هممتُ بركوب التكسي من أمام منزل العائلة، حتى بادرني السائق مستأذناً إشعال سيكارة. كانت تجلس بقربي امرأة شابة، راحت تثرثر كل الطريق مع السائق. الأخ، فاجأني عندما أردت النزول بأنه لا يملك صرف الخمسين درهم. سأل المرأة، ولكنها أعتذرت. فقلت له، خذ عشرة دراهم وأرجع لي الأربعين. فشكرني الرجل على كرمي وهو يناولني ورقة عشرين وفكّة العشرتين، اللتين تبين لي فيما بعد بالمقهى أنهما فكة خمستين.
أول أمس عصراً، رأيتُ عن بعد سيارة أجرة متوقفة في آخر الزقاق. لما دنوت منها، إذا بشاب يجلس في المؤخرة مع آخر، يقول لي أنّ الطلبَ محجوز. السائق، سألني عن وجهتي. ثم ما لبث أن أستأذن الشابين في أمر ركوبي، فلم يردا عليه سلباً أو ايجاباً. خلال الطريق، راح أحدهما يتكلم كل الوقت بالموبايل بعصبية، فيما الآخر يلحّ على السائق بلجاجة أن يزيد السرعة: " لدينا كَروب أجانب يجب إيصالهم إلى مركز التدليك! ". عندما وصلنا إلى مدخل قصر البديع، طلبا من السائق التوقف. كانت سيارة كبيرة بانتظارهما، فنزلا وصارا يتكلمان مع ركابها. عدة دقائق، والسائق يتوسل إليهما أن ينقداه الحساب. لما علمتُ أنها ثمانية دراهم، طلبت من المسكين أن يواصل السير متكفلاً بدفعها. ولكنه رفضَ، مغمغماً بأن هذا ليس عدلاً. إذاك، خرجت عن طوري صارخاً بهما أن ينهيا هذه المهزلة. فالتفت إليّ أحدهما، قائلاً وهوَ يدفع المبلغ ببطء: " مسيو..! نحن أيضاً على عجلة من أمرنا!! ".

4
عادةً، كنتُ أتابع طريقي من ناحية فندق " السعدي " العريق، وصولاً إلى شارع محمد السادس. لقد كتبت مراراً عن هذا الشارع الرائع، الممتد لحوالي ست كيلومترات مفروشة بالورود ومزينة بالنوافير. ناهيك عن جانبي الشارع، اللتين تحدق بهما أفخم العمارات ( غالبيتها أوتيلات الدرجة الأولى )، بأسوارها المسيجة بعرائش المجنونة والياسمين والبوكسيا، والمظللتين بأشجار النخيل الجميلة. هذا الشارع، الذاخر بأرقى المقاهي، يضم أيضاً معالم بارزة تفتخر بها مراكش؛ كدار الأوبرا وقاعة المؤتمرات ومول المنارة ( مالكه رجل أعمال مصري )، الذي أفتتح مؤخراً ويمكن هناك الاستمتاع مساءً بمنظر النوافير الساحرة وهي تتراقص على أنغام أم كلثوم.
إلا أنني كنتُ قد أكتشفت طريقاً آخر، يؤدي إلى حيّ غيليز. فبدلاً عن الاتجاه شمالاً من أمام فندق " السعدي " إلى شارع محمد السادس، يستمر المرءُ بالسير شرقاً إلى غيليز. هذه الجهة، تفتتح بدربٍ مظلل بأشجار مثمرة كثيفة، تنبثق من حدائق الفيلات، المترامية على الجانبين. ثمة، أرفع نظارتي الشمسية لكي أستمتع بمرأى المجنونة بألوانها الفاتنة وهيَ تتسلق هامات النخيل، الشوكيات النادرة، شجيرات الدفلى والورد الجوري، أشجار الأكيدنيا والتين والتوت والبرتقال والزيتون. أمرّ من ثم بمدرسة ثانوية مختلطة، هناك حيث الشبان والصبايا يتبادلون الأحاديث. وعليّ التوقف بعد ذلك أمام الطريق العام، الذي يتوسطه شريط أخضر من أشجار الزيتون. قبيل وصولي إلى حديقة " جنان الحارثي " في ساحة غيليز، أجتاز سلسلة من العمارات الشاهقة والمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي. ثمة أشعر بالعطش، فأدخل محل بيع خمور أصحابه فرنسيين. تبتسم الموظفة المغربية، عندما ناولتها ثمن زجاجة الماء المعدنيّ!

5
لليوم الثالث على التوالي، أسلكُ طريقاً أليفاً كنتُ قد حُرمت منه طوال شهر رمضان وما أعقبه من موجة الحر غير المسبوقة. إنه طريقٌ أخضر، مرطّبٌ بالظلال، مُشبعٌ بعبق أشجار التوت الشامي والتين والرمان والبرتقال والصبّار؛ طريقٌ، يخترق أولاً حدائق منارة " الكتبية "، ومن ثمّ يمرّ حَذاء فندق " المأمونية " الشهير. هذا الأخير، هوَ في الواقع مجمع هائل من النُزُل يُعادل مساحة حيّ سكنيّ، تطوّقه أسوار المدينة الأنيقة من الناحية الشمالية الشرقية؛ ثمة، حيث تبدو بجلاء قمم جبال الأطلس المكللة بالثلوج طوال معظم أيام السنة. وقد بلغت أهمية الفندق، أنّ عملين من أشهر الأفلام الكلاسيكية العربية قد مثلت مشاهد فيه؛ " الحب الضائع "، " دمي ودموعي وابتسامتي ".
شلالات من أشتال الياسمين الأبيض والأزرق والأصفر، تنهمرُ من جدران الفندق وقد ظللتها أشجار الزيتون المُعمّرة، المغروسة على طول رصيف الشارع المؤدي إلى خارج سور المدينة القديمة. بوابات الفندق، مشكّلة من أقواس سامقة ومزخرفة بأسلوب النقش المغربي الأندلسي البديع، هناك أين يقف حراسها يتبادلون الحديث مع سائقي التكسي أو حوذيي الكوتشي ( الحنطور ). أجتازُ المجمعَ، المنتهي بدوّار تتوسطه بحرة رائعة بنوافيرها المضاءة مساء، لأجدني على مفترق الطرق المؤدية إلى شوارع غيليز ومولاي رشيد. أسير بإزاء هذا الأخير، متوغلاً بالدرب الأكثر تمتعاً بالأفياء بفضل جدران الفنادق والنُزُل والمطاعم والمقاهي والنوادي ومحلات التجميل والأكسسوار وغيرها. هناك، في مبتدأ الدرب المؤدي إلى فندق " السعدي " العريق، أقف أمامَ عمارة ضخمة تضمّ أجنحة فندقية فخمة. وكالعادة، ألقي نظرة ملية عبرَ الباب المعدنيّ الكبير، المشبّك بالقضبان المصبوغة بالأخضر، علّني أعثر على ملمحٍ من إحدى شخصيات روايتي الأخيرة، التي تجري وقائعها في المدينة الحمراء.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الرابع من الرواية: 7
- الفصل الرابع من الرواية: 6
- الفصل الرابع من الرواية: 5
- الفصل الرابع من الرواية: 4
- الفصل الرابع من الرواية: 3
- الفصل الرابع من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الرابع
- سيرَة أُخرى 38
- الفصل الثالث من الرواية: 7
- الفصل الثالث من الرواية: 6
- الفصل الثالث من الرواية: 5
- الفصل الثالث من الرواية: 4
- الفصل الثالث من الرواية: 3
- الفصل الثالث من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الثالث
- سيرَة أُخرى 37
- الفصل الثاني من الرواية: 7
- الفصل الثاني من الرواية: 6
- الفصل الثاني من الرواية: 5
- الفصل الثاني من الرواية: 4


المزيد.....




- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 39