|
ربنا يطمنك عليهم !!!
زاهر زمان
الحوار المتمدن-العدد: 5261 - 2016 / 8 / 21 - 02:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى آخر حوار تليفونى مطول بينى وبين اللبيب المفكر والفيلسوف الرائع سامى لبيب ، سألته عن أحوال أبنائه وبناته للاطمئنان عليه وعليهم ، فأجابنى أنه وأنهم بخير وفى أحسن حال ، فما كان منى الا أن عبرت عن تمنياتى لأبنائه وبناته بكل الخير قائلاً بالنص : ( ربنا يطمنك عليهم ) !!! خرجت العبارة منى عفوية تلقائية كتعبير عن تمنياتى له ولأبنائه وبناته بالصحة والخير وطيب الأحوال ! ولكن هل كنت أقصد بالفعل أن هناك رباً سوف يقوم بطمأنة الصديق سامى لبيب على أبنائه ويقوم بالتواصل معه مباشرةً بواسطة إحدى وسائل الاتصال التى نستخدمها نحن البشر وابلاغه بأن أبنائه وبناته محفوظين بواسطته مباشرةً أو بواسطة بعض أدواته التى يزعم أتباع الإله الابراهيمى أنها تسهر على حفظ البشر من أن تتخطفهم الشياطين ، أو تهوى بهم الريح فى مكان سحيق ؟! أم أن العبارة كانت تلقائية كنوع من التعبير عن التمنيات الطيبة بتلك النوعية من المصطلحات التى غرستها فى عقولنا ووجداننا البيئة التى ولدنا وتربينا فيها وتشربنا قيمها ومصطلحاتها وتعبيراتها، تلبية لمختلف المواقف الحياتية التى نمر بها فى حياتنا اليومية ، بغض النظر عن مدلولها أو مغزاها ؟! بالطبع هى البيئة التى نولد ونترعرع فيها ، تطبع خلايانا المخية بشيفرات كيميائية خاصة بمواصفات ودقائق وتفصيلات كل همسة أو لمسة أو صورة أو طعم لذة أو احساس ألم ناتج عن أى مؤثر خارجى تتفاعل معه المكونات العضوية لخلايانا الجسدية سواء سلباً أو ايجاباً ، ثم تقوم تلك الخلايا المخية باستحضار تلك الشيفرات كفعل أو كرد فعل مطابق لنفس الموقف الحياتى الذى مررنا به من قبل ، وقد يكون ذلك بطريقة شعورية مقصودة، لوكان الموقف جديداً على المرء ومتضمنا العديد من المعطيات التى تحتاج الى الاختيار من عديد من الشيفرات الكيميائبة المختزنة فى الخلايا المخية، كقيامك بحل مسألة رياضية معقدة أو اجراء تجربة تفاعلية على عدة عناصر كيميائية فى معملك ، تتوقع منها عدة نتائج ، أو بطريقة عفوية لاشعورية ناجمة عن عمق ترسخ شيفرة هذا الموقف أو ذاك فى شيفرات خلايانا المخية ، كاستنتاجك لحاصل جمع 1 + 1 = 2 ، والتى لا تحتاج فى الوصول الى نتيجتها لفيمتو ثانية من فيمتوثوانى الراحل أحمد زويل ! هكذا هو الأمر إذن ! ابحث عن البيئة التى نشأ فيها الانسان وتشرب جميع مفرداتها ممن حوله من الأهل والجيران والمدرسة ودور العبادة والاعلام وغيرهم من وسائل وأدوات التواصل بين البشر وبعضهم البعض ! هكذا هم البشر .. عقولهم مرايا تعكس ماهو سائد فى البيئة التى ولدوا وترعرعوا فيها ، بغض النظر عن التدبر أو التفكير فى مدى معقولية أو واقعية أو منطقية مايتوارثونه جيلاً بعد جيل ، خاصة فى مايتصل بمنظومة الإله الابراهيمى المسيطر والمستعبد لعقول أغلب شعوب الدول الشرق - أوسطية ! من هنا بدأ مؤسسو الديانات الابراهيمية وتجارها فى الحرص على انشاء دور العبادة الخاصة بنشر وترسيخ المنظومات النظرية والعملية لتلك الديانات المسماة بالسماوية ، والتى يحرص القائمون عليها كل الحرص على ربط حياة الأفراد والجماعات بكل دقائقها وتفصيلاتها ، وفى جميع أوجهها -حتى كيفية دخول الحمام - برؤى وأطروحات مؤسسى تلك الديانات ، وكذلك ربط كل تلك الرؤى والأطروحات النظرية بطقوس وسلوكيات وأفعال تعبدية يتوهمون أنها تجعلهم على تواصل تام مع هذا الرب أو ذاك الإله الذى يجعلونه محوراً لحياتهم من لحظة بزوغ الوعى والادراك فى خلاياهم المخية وحتى لحظة توقف العمليات الحيوية فى تلك الخلايا المخية وانهيارها الذى يؤدى الى انهيار كل الوظائف الحيوية فى جميع خلايا البنيان المادى للكائن الحى سواء انسان أو حيوان أو نبات ، كنتيجة حتمية لفقدان الطاقة التفاعلية الناجمة عن التفاعلات الكيميائية للعناصر الأولية الداخلة فى تركيب مايطلق عليه الخلية الحية ! فترى اليهود يحرصون على اقامة المعابد التى يمارسون فيها طقوس ديانتهم ويمررون تلك الطقوس من جيل الى جيل ، وكذلك المسيحيون يحرصون على بناء الكنائس التى يقوم فيها رجال الدين المسيحى ببرمجة عقول أتباعهم جيلاً بعد جيل ، والمسلمون أيضاً يتفانون فى بناء ونشر الجوامع التى يقوم فيها رجال الدين الاسلامى ببرمجة وتطويع عقول أتباع الديانة الاسلامية على اعتناق الرؤى والأطروحات العقائدية التى وضع لبناتها محمد بن عبدالله مؤسس الديانة الاسلامية ! الغرض من بناء ونشر دور العبادة الخاصة بتلك الديانات هو الاستمرار فى السيطرة والتسلط على عقول الأتباع واستغلالهم فى الحشد والتحشيد ضد الآخر المخالف لهم فى العقيدة والاعتقاد عند بوادر أول صدام يهدد نفوذ وسيطرة وتسلط المهيمنين على شئون هذا الدين أو ذاك ، وكذلك السلطة التنفيذية للنظام الذى يدعمهم ويدعمونه ! لكن العجيب فى كل هذا هو سلوك القائمين على شئون الشعوب الاسلامية سواء أكانوا أنظمة أو مؤسسات أهلية ! فجميع هؤلاء مازالوا يعتقدون اعتقاداً راسخاً أنهم لن يكون لهم تواجد على خريطة العالم مالم يبذلوا كل غالٍ ورخيص فى سبيل الحفاظ على التراث الاسلامى وتفعيله وغرسه فى عقول ووجدان الأجيال جيلاً بعد جيل ، حتى ولو كان ذلك بواسطة القوى الناعمة كالهبات والمساعدات المالية ودور تحفيظ القرءآن ونشر السنة النبوية بواسطة الأفلام والمسلسلات والفضائيات وغيرها من وسائل النشر والترويج أو بواسطة الاجبار عن طريق السلاح الذى تستخدمه التنظيمات الارهابية كداعش والقاعدة وبوكو حرام وطالبان وغيرهم ، دون أن ينتبهوا الى أن ذلك التراث وخاصة القرءآن يحتوى على نصوص كثيرة تتعارض مع متطلبات الحياة الانسانية المعاصرة ، وخاصة تلك التى تتعلق بحقوق المرأة والطفل وحق الآخر الغير مسلم فى التمتع بكل حقوقه فى المواطنه حتى ولو كان يعيش بمفرده فى مجتمع كل أفراده من المسلمين ! كل ذلك التخبط بين الماضى والحاضر يجتاح الأنظمة والهيئات المخول لها الاهتمام بحاضر ومستقبل الشعوب الاسلامية ، نراه حاضراً وبقوة فى تصرفات الأنظمة والهيئات والأفراد ، بينما فى دول العالم المتحضر ، لا نرى أى تفعيل للمفهوم الدينى سواء كان نصاً يقدسه أتباعه أو فكراً فلسفياً لأحد مؤسسى هذه الديانة أو تلك ، على حساب مواد الدساتير المدنية التى صاغتها برلمانات تلك الشعوب المتقدمة وأقسم الجميع على تفعيلها وجعلها أساساً ينطلقون منه الى تحقيق الحياة الحرة الكريمة لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو العقيدة أو الطائفة ، مع التكفل بحماية جميع حقوق المواطن كإنسان حر وعلى رأس تلك الحقوق حرية التفكير وحرية النشر وحرية التعبير وحرية الاعتقاد ! خلاصة القول : أنهم هناك يحرصون كل الحرص على تشكيل العقل الجمعى البشرى على احترام الانسان وحقوقه وحرياته كمواطن صالح يساهم بنزاهة وشرف وضمير فى بناء المجتمع بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو طائفته ، بينما فى بلادنا المنكوبة ، لا قيمة لأى فرد لا يدين بديننا ولا يسلم لنا بصحة معتقداتنا ، فما بالنا لو عبر عن نقده أو انتقاده لأىٍ من القيم أو الرموز التى نقدسها سواء من الماضى أو الحاضر ! دول تحاكم وتسجن وتقتل مفكريها ومبدعيها ، بشرها بالخراب ، مهما طال الزمن، حتى ولو امتلكت كل كنوز الأرض والبحر والجو ! بقلم / زاهر زمان
#زاهر_زمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رداً على مقال : اسرائيل تضرب الإرهاب فى مصر !
-
الفطرة لا دين لها ياعرفة !
-
أنا لستُ مُلحداً
-
هل هى مُتعة أم دعارة يا رسول الله ؟ !!!
-
أيهما أسبق : الأقصى أم الهيكل ؟
-
دورة المادة الحية فى الكون تكذب وجود حياة بعد الموت !
-
التأثير اليهودى فى المشروع السيادينى المحمدى
-
الصحوة الاسلامية وماأدراك ماالصحوة الاسلامية ؟
-
حتى الصلاة .. أخذها محمد عن اليهود !!!
-
لن أبيع انسانيتى - ولو مقابل كل مُلك محمد وورثته من العرب !
-
خواطر حول المشروع السياسى المحمدى !!!
-
يجادلون فى الالحاد وهو شديد المِحال !!!
-
حد السرقة دليل اختراع محمد للدين الاسلامى !!
-
وأمرهم شورى لكن اقتلوا من يعارض !!
-
خواطر متدين سابق ( 5 ) – الانسان ربيب بيئته
-
يدنين عليهن من جلابيبهن - رؤية حداثية لنص قديم
-
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى - رؤية سياسية حداثية
-
التجارة الدينية لأغراض سياسية - دعوى قضائية لتجريم الرقص ومع
...
-
رؤية نقدية لمقال شاهر الشرقاوى [اللبس الشيطانى ..ما بين الفك
...
-
فى زمن الاخوان .. لا أمن ولا أمان !
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|