كمال عبود
الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 21:16
المحور:
الادب والفن
للمرّة العاشرةِ أصبرُ عليه ، ربّما أكثر بكثير ، قلتُ لَهُ :
لا توتُّر أعصابي ، الله يرضى عليك ، انتبهْ عا الدرس جيّداً!
قَالَ لي : حاضر أستاذ.
قلتُ لَهُ : تعال إلى الخارج ، هناك تحت شجرةِ الزيتون يكونُ مجلسنا.
جلسنا في ظلّ الشجره ، قرب الجذعِ ، قلتُ لَهُ :
درسُنا في قواعد اللغةِ العربيّةِ سهلٌ جدّاً ، متى تُكسَرُ همزة إِنَّ ، ومتى تُفتَح؟
همزةُ إِنَّ تُكسَرُ في الحالاتِ التالية :
أولاً إذا وقعت أولَ الكلام ...
ثانياً إذا وقعت بعد القولِ ...
ثالثاً إذا وقعت في جواب الشرط ...
رابعاً .....
كان جابر الطالب مُطرِقَ الرأسِ ، حسبتُهُ مُنتبِهاً ، فقلت:
سأعيد هذا الجزءَ مِنَ الدرسِ مع الأمثِلة ، وبدأتُ بالشرح ، أطلتُ وأسهبتْ ، أعيدُ الفقرةَ مرّاتٍ والأمثلةَ مرّات ، وجابرٌ ما زالَ مُطرِق الرأسِ...
حسناً ، هل فهمتَ الدرسَ؟ هل أُعيدُهُ ؟
عدّدْ يا جابر متى تُكسَرُ همزةُ إِنَّ وأعطني مثالاً لها؟
رفع جابر رأسهُ وقال لي وهو يُشيرُ بإصبعهِ :
أستاذ ، هل ترى هذا الجُحْر للنمل؟ هل تعرف كم نملةً دخلتْ بهِ؟
قلتُ وأنا أعضّ على لساني كاتماً غيظي : كم؟
قال: 276 نملة تماماً ..!
قلتُ وأنا أهوي بِكَفّي على وجهه: ولَك ، الله لا يجبرك يا جابر ، نشف ريقي ، جفَّ حلقي ... أنهكني التعب ... أنا اشرح وأنت تعدُّ النمل يا...
تملَّصَ جابرٌ وهرب ، رجعتُ خائباً وأنا أتمتمُ وأحوقلْ...؟
*****
بعد سنوات ، في أحدِ الأيامِ القائظة ، كنتُ أنتَظِرُ السرفيس كي أصِلَ المدينة ، وقفت جانبي سيّارةّ حديثة ، وجّهَ سائقها رأسهُ إليَّ قائلاً :
أستاذ كمال ، بتعرف كم نملة كانت تحت الزيتونة ..؟
كان السائقُ هو نَفْسَهُ جابر ، يلبسُ نظّارةَ رجلِ أمن ويقود سيّارةً لوحتها خضراءَ اللون!
*****
اللاذقية، القنجرة، 2016
#كمال_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟