|
- البريكسيت - .. هل هي الدرجة الصفرللإتحاد الأوروبي ؟
أحمد زوبدي
الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 21:14
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
" البريكسيت " .. هل هي الدرجة الصفر للإتحاد الأوروبي ؟
بقلم : د. أحمد زوبدي باحث في الاقتصاد السياسي من المغرب
بعد تصويت البريطانيين لصالح خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي والمعبر عنه باالانجليزية ب" البركسيت " ، ستبدأ انجلترا في التفاوض مع المجلس الأوروبي حول السبل السلسة لتوديع الكتلة الأوروبية كما تنص على ذلك اتفاقيات الاتحاد. انفصال انجلترا عن الاتحاد الأوروبي سوف لن يكون أوطوماتيكيا بل سيمتد على فترة مابين سنتين إلى عشر سنوات كما تنص على ذلك اتفاقيات الاتحاد. اندماج ابريطانيا أوروبيا بقي غير مكتمل لأنها بقيت خارجة عن منطقة الأورو أي خارج الاتحاد النقدي إذ احتفظت بعملتها أي الجنيه الاسترليني . بمعنى أنها بقيت مكتفية بالاندماج في ما يتعلق فقط بالمبادلات التجارية بما فيها طبعا الشق المالي . للتذكير فالتفوق الاقتصادي لابريطانيا منذ الثورة الصناعية مرورا بالأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 حتى الحرب العالمية الثانية مكن الجنيه الاسترليني من أن يتبوأ الصف الأول من بين العملات المهيمنة آنذاك كالدولار والفرنك الفرنسي واليين الياباني في النظام النقدي العالمي الذي أخذ من الجنيه مرجعا للتداول النقدي العالمي وهو ما يعرف بمرجعية الجنيه ( Etalon-stérling). من ناحية أخرى، اندماج ابريطانيا في الاتحاد الأوروبي كان دائما اندماجا محتشما كون الاتحاد يعرف صراعا مريرا بين فرنسا و ألمانيا ثارة مكشوف و ثارة أخرى غير مرئي مما جعل الأولى تأخذ مسافة من هذا الصراع . ألمانيا منذ بسمارك مرورا بالفاشستي هتلر تعتبر نفسها أقوى دولة في الكتلة الأوروبية وهو ما لم تستسيغه فرنسا التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي للثقافة الأوروبية بحكم عطائها في الفكر والسياسة بدءا من طوكفيل و ديكارت و روسو وهوجو حتى سارتر وفوكو و أرون ( ولو أن ألمانيا أعطت هي كذلك كانط وهيجل و ماركس وفيبير وآخرين). الاتحاد الأوروبي غير منسجم خاصة أنه لم يتمكن من تحقيق الاتحاد السياسي للدول الأعضاء، وهذا وحده يشكل عرقلة للمجموعة الأوروبية جعلته يتخبط في مشاكل قادت أعضاءه إلى رفض الانتداب الذي تفرضه ألمانيا وفرنسا والذي يمس سيادتها الوطنية. في هذا الصدد، هناك الكثير من الأبحاث الأكاديمية والفكرية التي تؤكد على أن مفهوم الدولة الوطنية يحيل إلى أن الدول تبحث باستمرارعن تحصين استقلاليتها إزاء العالم الخارجي وإن كانت تسعى إلى تطوير وتوطيد علاقاتها الخارجية من خلال إقامة تكتلات إقليمية والدليل أن العديد من الدول التي تمكنت من بناء تجمعات إقليمية بالغة الأهمية ومنه الاتحاد الأوروبي لم تفلح في الاندماج السياسي الذي يقول فيه الكثير من المفكرين الكبار بدءا بماركس ولينين أن المسألة الوطنية تبقى عويصة للغاية وإن كان هذان المفكران المتميزان تجاوزا ذلك لأجل أممية اشتراكية، وهذا موضوع آخر. صحيح أن خروج المملكة المتحدة وهشاشة هذه الأخيرة لما تعانيه من مواقف اسكتلندا وإيرلندا الداعيتان إلى الانفصال عنها رغم تمتعهما بحكم ذاتي، سيكون له مخلفات آنية ظرفية لها طابع نفسي أكثر من العواقب الاقتصادية التي أزعم أن أوروبا تسعى دائما إلى تجاوزها بحكم توفرها على آليات الضبط الظرفي . العامل النفسي سيؤثرإذن لا محالة على البنوك والبورصات والمقاولات والشركات العابرة للقارات والسبب هو عدم استقرار الاقتصاد الرأسمالي لكن السياسات الاحترازية تمكن الحكومات الغربية من تجاوز الصعاب ولو ظرفيا كما أشرت وذلك بتصدير الأزمات إلى دول الجنوب . من جهة أخرى لا أظن أن انسحاب المملكة المتحدة أو قل ابريطانيا (بحكم أن اسكتلندا وإيرلندا صوتتا (بالإضافة إلى منطقة لندن) للبقاء داخل ستار الكتلة الأوروبية) سيكون مكلفا، عكس ما كما كتب بعض المحللين الذين اعتبروا "البريكسيت" بمثابة زلزال، مثل الأزمات البنيوية التي تعصف بأروربا وأمريكا واليابان والتي رغم ذلك تم تجاوزها . المثال هو أزمة الرهون العقارية التي فجرت أزمة 2007 في الولايات المتحدة والتي واجهتها بضخ ملايير الدولارات في القطاع البنكي لإخماد أزمة السيولة. للإشارة تجاوز الأزمات لا يعني أن ذلك لا يدعو للقلق بل العكس فالاقتصاد الأمريكي أو الأوربي أو الياباني يعاني باستمرار من تقلبات بنيوية لكن السياسات الظرفية تساعده على تجاوز محنه التي تصدرها الدول الصناعية إلى الدول الفقيرة كما أشرت أعلاه. بعض المحللين أثاروا مشكل الهجرة والمسألة الأمنية اللذان ستكون لهما عوقب وخيمة في حالة إذا غادرت ابريطانيا فعلا الاتحاد الأوروبي . في ما يتعلق بالهجرة أزعم أن حركة البشر أمر طبيعي وأن المشكل في السياسات التي تنهجها الدول الغربية أو قل في الرأسمالية القائمة بالفعل التي تسمح بتنقل رؤوس الأموال والبضائع لكن تضع الحواجز أمام تنقل اليد العاملة.وهو ما يجعل الاندماج الذي يروج له إيديولوجيو النيوليبرالية اندماجا مبتورا لأن سوق العمل مقيدة بسياسات حمائية تخدم مصالح الدول الصناعية الكبرى في حين أنها تفرض الانفتاح على دول الجنوب. وهو ما يجعل التقسيم الدولي للعمل غير متكافئ ينجم عنه توزيع غير متكافئ كذلك لليد العاملة التي تقصى بموجبه من الاستفادة من ثمار النمو على مستوى المعمور. نفس الأمر يهم المسألة الأمنية التي تبقي الدول الغربية مسؤولة عن المشاكل التي تتولد عنها . فسياسات الكيل بمكيالين التي تقوم بها حكومات الدول الامبريالية إلى حد نهج سياسة الحرب المدمرة هي التي تخلق لشعوبها متاعب بالجملة. مما يعني أن معضلة الهجرة والأمن سوف لا تطرح مشكلا إلى هذه الدرجة القصوى إذا غيرت الدول الغربية من سياساتها في اتجاه نهج ينبني على احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا إضافة إلى سن سياسات التعاون والشراكة حقيقية لأجل عالم متعدد الأقطاب مكان الأحادية القطبية المهيمنة ... من جانب آخر تعتبر التكتلات الاقتصادية والجيوستراتيجية جزءا لا يتجزأ من السياسات التي يجب توظيفها بشكل ذكي لإغناء ودعم السياسات الخارجية للأمم . في ما يخص تأثير "البريكسيت" على الاقتصاد المغربي ، أقول بعجالة أن هذا الأخير لن يتأثر بهذا التحول لأن مبادلات المغرب مع ابريطانيا ضعيفة مقارنة مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا التي تمتص نصيب الأسد داخل الكتلة الأوروبية دون استثناء مبادلات المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تقل أهمية إضافة للصين وبعض الدول الإفريقية في الآونة الأخيرة . من ناحية أخرى ليس المشكل هنا في حجم المبادلات بين المغرب و ابريطانيا أو في تأثيرخروج ابريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد المغربي لكن في طبيعة العلاقات التي تربط الاقتصاد المغربي بابريطانيا خصوصا والكتلة الأوروبية عموما التي تستدعي النظر فيها حتى يتحول المغرب من بلد تابع إلى قطر يتمتع بالسيادة الاقتصادية بشكل خاص والسيادة الوطنية بشكل عام. انجلترا انسحبت أم لم تنسحب سوف لا يغير ذلك شيئا في المعادلة للخارطة الجيوستراتجية للمنطقة لأنها من جهة أخرى هي دائما مندمجة إيديولوجيا و ثقافيا (اللغة) بشكل مكشوف مع الولايات المتحدة الأمريكية. في الختام، "البريكسيت" يبقى ضجة إعلامية يسوقها صحافيو السوق لأن الاتحاد الأوربي هو جزء لا يتجزأ من الثالوث ( الولايات المتحدة الأمريكية،الإتحاد الأوروبي، اليابان) إضافة إلى إسرئيل ، لطمس الأسرار الخفية للإمبريالية الجماعية التي تقودها أمريكا لهدف السيطرة على العالم و لو بالحرب المدمرة.
#أحمد_زوبدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة الرأسمالية ومستقبل الاشتراكية .. عناصر أولية
-
- البريكسيت- .. هل هي الدرجة الصفر للاتحاد الأوروبي ؟
-
عزيز بلال .. مناضل في الحياة وشهيد في الموت
-
لغة الأرقام
-
هل بلور الربيع العربي شروط بناء الدولة الوطنية المستقلة بدول
...
-
عزيز بلال وبعض أنصار التغيير
-
أي انكماش اقتصادي يعرفه المغرب ؟
-
- السكتة القلبية - للاقتصاد المغربي في قاموس المركز المغربي
...
-
بؤس الاقتصاد المغربي وبؤس الاقتصاديين المغاربة
-
على هامش جائزة نوبل للاقتصاد 2014 : قوة الأسواق في ضبط الاقت
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|