|
للغة مكرها الفضَّاح يادعاة التأسلم
محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 5257 - 2016 / 8 / 17 - 09:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المعروف عن اللغة أنها وسيلة من بين عدة وسائل يستعملها الإنسان للتعبير، شفاهيا أو كتابة، عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه وحاجاته... فهي، إذن، أداة من أدوات التواصل بمفهومه الواسع؛ أي الذي يشمل كل وظائف اللغة- بما في ذلك اللغة الرياضية ولغة الإشارة- التي من خصائصها أن تكون رهن إشارة الفكر الذي يستعملها كأداة للإفصاح عن نفسه؛ ومن هذه الوظائف الوظيفة الاجتماعية والوظيفة النفسية (أو الجمالية) والوظيفة الثقافية والوظيفة الفكرية... وفيما يخص هذه الوظيفة بالذات (الوظيفة الفكرية)، فاللغة هي الوسيلة المثلى لإنجازها على أحسن وجه وأكمله؛ إذ تسمح بالتعبير، بشكل دقيق، عن فكر وتفكير مستعمليها. وبما أننا نفكر، حسب الفيلسوف"هيجل"، من خلال الكلمات (c’est dans les mots que nous pensons)، فإن ذلك يعني أن كل كلمة أو عبارة نستعملها إلا وهي تعبير عنا فكرا وتفكيرا. وبمعنى آخر، فإن لغتنا تكشف حقيقتنا للآخر وتعكس هويتنا الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها. كما أنها تُفصِح عن نوايانا وتفضحها و"تعريها"، سواء كانت هذه النوايا حسنة أو سيئة. وحتى نُمثِّل لهذا الأمر(فضح النوايا وتعريتها)، سوف نتناول، بشكل قصري، بعض ردود الفعل، داخل حزب العدالة والتنمية، على الزوبعة التي أحدثتها الفضيحة الأخيرة لـ"الشوباني" - مع الإشارة إلى أن فضائح هذا الأخير لا تنتهي حتى استحق اسم "الشوهاني" أو "الشوبوهاتي ("نيني"). ولنبدأ بما قالته زوجته، السيدة "سمية بنخلدون"(أو "سوسو")، الوزيرة المنتدبة السابقة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وبطلة "الكوبل الحكومي". فبعد انفجار فضيحة ما يعرف بقضية كراء 200 هكتار من الأراضي السلالية لإقامة مشروع فلاحي، انبرت "بنخلدون"، في تدوينة على صفحتها الاجتماعية، للدفاع عن زوجها بإقحام آية قرآنية لشرعنة الفضيحة بإلباسها لباس التقوى وتحويلها إلى منفعة عامة (خدمة الصالح العام)، حيث كتبت تقول: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب..مشروع أراد أصحابه به خدمة الساكنة..حاولوا كراء أرض سلالية بثمن السوق..واستثمار نتائج البحث العلمي بما يعود بالنفع"؛ مضيفة " لم يتجهوا للاستيلاء على أرض دولة بثمن بخس دراهم معدودة...لم يستعملوا نفوذهم ولم يرغموا السكان السلاليين لكراء أرضهم..فوضوا الأمر لله .فإذا بالطلب يخرج خلسة في حلة مغايرة تماما لحلته النظيفة..فجاء الفرج من حيث لم يحتسبوا..". لن نناقش هذا الكلام، لأن هذا ليس هدفنا؛ ولو أردنا فعل ذلك، للزمنا كتابة صفحات وصفحات؛ ذلك أن كل كلمة يمكن أن تذهب بنا بعيدا في الشرح والتأويل والاستنتاج ودحض ما بها من حكم قيمة أو حجة واهية أو غير ذلك. لكن، لا بد أن نشير إلى أن الذين يوظفون الدين في السياسة لا يتورعون عن قلب الحقائق وتأويل النصوص حسب هواهم ومصالحهم الذاتية والحزبية؛ وبذلك، فهم يسيئون للدين والسياسة معا. فأن تقحم السيدة "بنخلدون" آية قرآنية لتجعل من أطماع ونهم زوجها الساعي إلى الاستثمار في الجهة التي يرأسها (جهة درعة تافيلالت)علامة من علامات التقوى وأمارة من أمارات الرضا الرباني (ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، فهذا منتهى البهتان والضلال والتضليل...، تفضحه الوقائع والحيثيات ومجريات الأمور... كما يفضحه، أيضا، أسلوبها المتهافت. وليست "سوسو" وحدها من استغلت القرآن الكريم للدفاع عن فضائح "الشوباني". فالسيد "محمد يتيم"، القيادي بحزب العدالة والتنمية، لم يتورع، بدوره - بعد أن هاجم شبيبة حزبه، في تدوينة له بحسابه الخاص على "الفايسبوك"، بسبب مطالبتها بمحاسبة "الحبيب الشوباني"، على خلفية الطلب الذي تقدم به من أجل الحصول على قطعة أرضية بغرض إقامة مشروع فلاحي (مشروع الأعلاف)- لم يتورع عن الاستشهاد بالآية الكريمة ("وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم") التي تشير إلى أن في الأمور الطارئة والدقيقة يجب الرجوع إلى أولي الاختصاص، معتبرا ما صدر عن بعض شباب الحزب وبعض قياداته الشابة من تصريحات، بمثابة خطأ منهجي وتجاوز أخلاقي لا يقل عن التجاوز المنهجي والأخلاقي الذي قد يكون في تصرف "الشوباني". وهذا التصرف هو، بالضبط، ما دفع "خالد الرحموني"، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إلى التوجه لرئيس أفقر جهة بالمغرب، دون ذكره بالاسم، في تدوينة على حائط حسابه الخاص بموقع "الفايسبوك"، بالقول: "ليس لنا الوقت والطاقة والمروءة للدفاع عن نزواتكم...ارتقوا ولو لحين". وكم هي بليغة هذه العبارة ("ارتقوا ولو لحين") لكونها تخبرنا، من جهة، عن طبيعة صاحب الفضائح المتسلسلة الذي لم يعرف للرقي الأخلاقي طريقا؛ إذ تطارده الفضائح منذ توليه حقيبة المجتمع المدني في حكومة بنكيران وحتى بعد أن أقيل من الحكومة وتولى رئاسة جهة درعة تافيلالت؛ ومن جهة أخرى، تخبرنا عن طبيعة الفكر الانتهازي الذي يحرك دعاة التأسلم !!! ولن نجد عبارة فضَّاحة لهذا الفكر أفصح من هذه. فقد كان كافيا أن يضيف "الرحموني"، في نصائحه لـ"الشوباني"، لفظة "ولو لحين" ليتضح المستور في فكر "الإخوان" وفي موقفهم ويفتضح زيف شعاراتهم؛ ولهذا، بدا كلامه، في تدوينته المشار إليها أعلاه، على "الزهد والحكمة والوفاء والتجرد والنباهة..."، بدا فاقدا للصدق والمصداقية والعمق الأخلاقي. فهو مجرد كلام للاستهلاك وفخ منصوب للسذج والمغفلين من أجل اصطياد أصواتهم في الانتخابات المقبلة. ويتضح، من خلال نصائح "الرحموني" وأسلوبه، أن ما يزعج قادة العدالة والتنمية ليس فساد "الشوباني" وجشعه وطمعه، بل التوقيت (قرب الانتخابات) الذي تتفجر فيه فضائحه؛ خاصة وأنه، منذ توليه رئاسة أفقر جهة بالمغرب، لا تكاد تخمد جذوة فضيحة حتى تنفجر أخرى أكبر من سابقتها. لذالك، نرى أن منطوق نصيحة "الرحموني" لا يتعدى مسألة طلب تأجيل الأطماع والنزوات والفساد إلى ما بعد الانتخابات؛ وفي انتظار ذلك، عليه بالانخراط في تمثيل التقوى والزهد لخداع العامة واستغفالهم، طمعا في أصواتهم. وكم كانت "سهيلة الريكي"، القيادية بحزب "البام"، محقة في تساؤلها، في ختام تعليقها على نصائح "الرحموني": "لا أعرف أيهما أكثر وقاحة من الثاني: الشوباني أم الناصح؟"(جريدة "آخر ساعة"، السبت ـ الأحد، 13-14 غشت 2016). وقد تنضاف إلى هذه الوقاحة "وقاحات" أخرى بطعم "كراء الحنك" من قبيل تقديم فتوى أو مرافعة مجانية أو غير ذلك من الخدمات "التجميلية" والتبريرية و"التبريئية"...التي تهدف، من بين ما تهدف إليه، إلى إخفاء النفاق "الإخواني" وفساد أقطابه (حتى وإن كان البعض منهم قد عبر عن غضبه من "الشوباني" بسبب "مشروع الأعلاف"). ويحضرني، في هذا الصدد، عنوان معبر(" الفقيه حسن طارق يُفتي بتبييض ذنوب الشوباني!")، فيه الكثير من السخرية والتهكم على أحد أقطاب هذا النوع من الخدمات؛ وهو عنوان لمقال كتبه السيد"سعيد زريوح" (انظر الجريدة الإليكترونية "أخبركم"، الثلاثاء 16 غشت 2016) تعليقا على ما كتبه "حسن طارق" بجريدة "تلفيق بوعشرين"، "أخبار اليوم" التي أصبحت ملحقة إعلامية لـ"بنكيران". ويتضح من الأمثلة التي أوردناها أن اللغة ماكرة وخدَّاعة؛ فهي تفضح مستعمليها وتكشفهم أمام المتلقي. ويكفي المرء أن يعبر، كتابة أو قولا، حتى تنكشف شخصيته للقارئ أو المستمع. ولنا في الأمثلة أعلاه ما يكفي من الدلائل على النفاق والانتهازية والتقية والخداع والجشع والتلفيق وغير ذلك من الصفات التي تميز أتباع الإسلام السياسي. وبفعل مكر اللغة، فأنت تكشفهم بمجرد ما يتكلمون؛ الشيء الذي يبرز أهمية الكلمة التي يختبئ وراءها الإنسان. أليس هذا ما جعل التاريخ يخلد جملة شهيرة للحكيم "سقراط"، التي أصبحت مَثَلا: "تكلم حتى أراك"؟ ونفس الشيء يصدق على قولة الإمام "علي بن أبي طالب":"الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام".
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب العدالة والتنمية وتمييع الخطاب السياسي
-
فتاوى مثيرة للقرف: أحمد الريسوني نموذجا
-
حصيلة حكومة بنكيران : وكان أمرها فُرُطًا !!!
-
عن آفة ردم التاريخ الشخصي ودكِّه
-
العدالة والتنمية وتدبير الشأن العام بمنطق السَّفه
-
تجار الدين والاستثمار في الغفلة
-
الاتحاد الاشتراكي واستعادة المبادرة في الفكر و الثقافة
-
من وحي التعاطي مع مستجدات القضية الوطنية: النحل، حتى وإن قل
...
-
في رياضة القفز على التاريخ
-
الانتقال الديمقراطي في المغرب بين التناوب المغدور و التناوب
...
-
-هاذْ بنكيراااان، فْرااااااااااسو شي حاجة !!!-
-
ما أخوفني على مستقبل بلادي في ظل حكومة رئيسها لا يرى أبعد من
...
-
ما سر صمت شيوخ الفتنة على دعوة -أبو زيد- إلى مراجعة أحكام ال
...
-
وصفة -بنكيران- لحل مشاكل المغرب
-
من أجل الوطن واستقراره، الحاجة إلى ثورة ثقافية متعددة الأبعا
...
-
رئيس الحكومة وملف الأساتذة المتدربين: تعنت غير مفهوم !!
-
قراءة في المشهد السياسي المغربي على ضوء الانتخابات الأخيرة:
...
-
بنكيران ومحاربة الفساد أو حين يصبح الكذب منظومة سياسة وأخلاق
...
-
إلى رئيس الحكومة وإلى كل من يهمه الأمر
-
فتاوى التكفير إنكار لمشيئة الله وتهديد لاستقرار المجتمع
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|