عمار عكاش
الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 09:15
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
1- مقدمة.
2- في مفهوم الإرهاب.
3- الإرهاب رداً على الكارثة المعنوية.
4- الاغتراب.
5- ثقافة الانتحاري (الفكر المثنوي).
6- دوافع الإرهاب (العنف و العنف المضاد).
احتل مفهوم الإرهاب حيزاً واسعاً في السنوات الأخيرة بعد أن تنامت ظاهرة العمليات الإرهابية أو الانتحارية أو الاستـشهادية على امتداد العالم, فعُقدت العديد من المؤتمرات و الندوات الثقافية و السياسية في محاولة لتعريف الظاهرة و تحديد أسبابها.
إلا أن هذه المفهوم ظل في معظم التناولات التي طالته بعيداً عن الحيادية العلمية و خاضعاً للمصالح السياسية و مراكز نفوذ القوى العالمية الرأسمالية بإمبراطوريتها الإعلامية, و هذا ما تجلى في:
إطلاق صفة الإرهاب على كل حركات المقاومة على امتداد العالم من قبل منظري رأس المال العالمي, و المروجين لهم من مثقفين استـشراقيين و أشباه مثـقفين, و بغض النظر عن هذا الاستـثمار السياسي لمفهوم الإرهاب, فإن الإرهاب أو العمليات الانتحارية أو الاستشهادية هي في نهاية المطاف ظاهرة اجتماعية, يجب إدراجها في إطار النسق الاقتصادي الاجتماعي بتلاحمه العضوي مع النسق الثقافي و السياسي ، و بذلك فقط يمكننا فهم هذه التركيبة السيكولوجية التي تجعل إنساناً ما يسترخص الحياة و يختار الموت , و فيما يلي سنحاول الوصول إلى مقاربة أولية سيكولوجية للإرهاب و سنبدأ أولاً بمناقشة المفهوم:
1- في مفهوم الإرهاب:
يمكن تعريف الإرهاب تعريفاً فضفاضاً جداً يقوم على التركيز على مسألة استخدام العنف من قبل طرف ما للحصول على ما يعتبره حقاً له تجاه الطرف الآخر, بينما يعتبره الطرف الواقع عليه العنف إرهاباً ، و هذا التعريف يمكن سحبه على الجماعات و الأفراد.
و لعل أكثر أنواع الإرهاب شيوعاً هو ما نجده أثناء الحروب, فعلى الرغم من وصول الحضارة البشرية إلى ضوابط إنسانية عامة ( تحييد المدنيين, منع قصف المؤسسات الإنسانية و المحايدة, سن قوانين تحاكم مجرمي الحرب...), إلا أن هذه الضوابط التي أصبحت قيماً كونية دفعت مراكز القوى العالمية إلى التحايل عليها تحت تسميات مختلفة و ذرائع مختلفة, ( نشر الديمقراطية, مكافحة الإرهاب, اقتلاع منابع الأصولية, تمدين العالم...).
غير أنه يمكن لنا رغم ضبابية مفهوم الإرهاب التمييز بين نوعين من الإرهاب :
1) الإرهاب التابع للجريمة: و هو إرهاب يوقع ضحايا لأغراض فردية إجرامية أو جماعية بعيداً عن الأغراض السياسية.
2) الإرهاب المثالي: و نقصد بالمثالي المنطلق من فلسفة معينة أو ديانة معينة أو مثل أخلاقية معينة لدى شعب ما أو فرد و ما إلى ذلك, و هذا الإرهاب له أنواع و درجات.
فهناك الإرهاب الذي يتم بهدف التعجيل في الوصول إلى الحقوق مع وجود وسائل أخرى يمكن استخدامها عندها يمكن أن نسمي هذا النوع من الإرهاب اعتداءً, و هناك الإرهاب الذي يأتي رداً على الكارثة معنوية تصيب شعوباً بأكملها و يتوجه مباشرة إلى المعتدي المتسبب بهذه الكارثة, و بهذا المعنى يمكن أن نصل إلى اعتبار هذا النوع من الإرهاب مشروعاً كما هو الحال في حركات المقاومة.
2- الإرهاب رداً على الكارثة المعنوية:
للكارثة المعنوية تأثير يفوق في كثير من الأحيان الكارثة المادية, فهي عند وقوعها تؤدي إلى تحطيم شخصية الفرد عبر خلخلة توازنه النفسي و سحق المُثُل التي تربى عليها كونها تمثل خطوطاً دفاعية تحمي الإنسان و تحقق وجوده, و بذلك فالكارثة المعنوية تهدد الإنسان وجودياً و تحوله إلى إنسان بيولوجي, إن صح التعبير فيسترخص الحياة و يستسهل الموت, فيجيء الرد بأشكال مختلفة وفقاً لثقافة الأفراد أو الجماعات, و هنا نورد بعضاً من الأنماط الثقافية التي تتمظهر عبرها الكارثة المعنوية:
1) نمط الانتحار الاحتجاجي: و هو موجود في اليابان و يتمثل بانتحار الفرد للتعبير عن رفضه لموقف معين, و لدينا هنا مثال معروف عن الأديب الياباني الشهير ميشيما يوكيو الذي انتحر على طريقة محاربي الساموراي بالسيف احتجاجاً على غزو القيم الغربية للمجتمع الياباني و هذه الحالة مهمة كونها تعبر عن عدة مسائل:
أ) شعور الأديب الياباني باللاجدوى و العبثية, حين وجد أن هوية اليابان الثقافية مهددة أمام الغزو الغربي.
ب) إن طريقة الانتحار بالـسيف كانت تمثل طريقة الأديب في التعبير عن تمسكه بثـقافته الوطنية بل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك بأن نقول بأن انتحاره كان محاولة لإنعاش القيم اليابانية في ذاكرة قرائه و محبيه لذلك علق البعض بأن انتحار ميشيما جاء أشبه بقفلة فنية لمسيرته الأدبية.
2) الانتحار الجماعي: و هو ما حدث كثيراً في التاريخ عند سقوط مدينة أو الهزيمة خوفاً من انتقام المعتدي و تنكيله.
3) انتحار القادة الكبار: (عسكريين أو سياسيين) عقب الهزائم الكبرى كما هو الحال في انتحار القائد الألماني النازي أودلف هتلر.
4) الانتحار الاكتئابي: الذي ارتفعت معدلاته بشكل مريع في الغرب نتيجة تسارع إيقاعات الحياة و تحول الإنسان إلى مجرد رقم في زحمة الحياة, و تشييئه و تسليعه و اغترابه.
5) الانتحار الذي يكون الغرض منه إيقاع الضرر بطرف آخر معتدي: و هذا ما يبدو بشكل خاص في حالة الاحتلال, فكما ذكرنا الاحتلال يحدث صدمة معنوية تخلق شعوراً علماً بالعبثية و اللا جدوى, تجعل الإنسان يحس نفسه مهدداً بالزوال, فيستسهل الموت, و هذا ما يبرز بشكل خاص في العمليات الاستشهادية لمقاومة الاحتلال.
3- الاغتراب:
لن نتحدث عن مفهوم الاغتراب الهيجلي الذي طوره ماركس و أكسبه مضموناً اقتصادياً كونه يخص المجتمعات الغربية , فما يهمنا هو رصد الظاهرة بشكل خاص في مجتمعاتنا العربية.
إن الإرهابيين في أغلب الأحيان ينتمون إلى أوساط اجتماعية فقيرة, يعانون القهر الاجتماعي و الاغتراب, أضف إلى ذلك غياب تبلور هوية اجتماعية ينتمون إليها, فيكون الحل إزاء هذا الوضع باللجوء إلى مخزون الوعي الجمعي حيث يحتل الدين حيزاً واسعاً من هذا الوعي, فيتم إعادة إنتاجه و صبه بما يشبه طبقة بازلتية على العقل تحميه من خطر الذوبان, لذلك فإن الكثير من الإرهابيين الإسلاميين يكونون شباباً في مقتبل العمر يعانون الانكسار و عدم اكتمال مقومات الشخصية و العزلة عن القوى الاجتماعية المحيطة بهم, فتراهم عاجزين عن الالتحام في نسيج العلاقات الاجتماعية مما يحدث انفصاماً بين الأنا الفردية و الأنا الجماعية علماً أنهما متصلان منذ لحظة الولادة, هذا الفُصام يحدث زلزالاً في الشخصية يشتد شيئاً فشيئاً و ينعكس بفراغ نفسي هائل و عُصاب خفي لا يلبث أن يتفجر على شكل حزام ناسف ليفاجئ به أصدقاءه و أهله و معارفه فنجدهم يرددون... لقد كان إنساناً بسيطاً خجولاً مسالماً, فكيف قام بهذا الفعل الإجرامي, دون أن يدركوا أن نفسية الإرهابي كانت أشبه بالماء الذي طال ركوده فأسِنَ, و حين أراد الخروج من هذا العفن النفسي, خرج على هيئة إعصار هادر عاصف تجاه نفسه و تجاه مجموعة من الأبرياء الذين لا ذنب لهم.
4- ثقافة الانتحاري (الفكر المثنوي):
سننطلق بداية من تحليل سيكولوجية النص الديني .
إن النص الديني منذ الديانة المانوية يقوم غالباً على تقسيم العالم إلى قوى إلهية و قوى شيطانية شريرة, و هذا الثنائية الغيبية الما ورائية لا بد أن يعكسها معتنق النص الديني بشكل أو بآخر على العالم الأرضي من خلال تقسيم البشر: إلى أخيار و أشرار دون وجود مساحات وسطى.
و في الحالات التي يكون فيها الدين راسخاً في الوعي الجمعي لشعب من الشعوب, فإن هذه الثنائية لا تكون حكراً على الفكر الديني, بل تنسحب على أنماط التفكير الأخرى, كما هو الحال في المجتمع العربي, حيث تتلون أشكال التفكير بين ماركسية و علمانية و قومية, و حداثية لكن نظراً لعدم وجود جذور راسخة للعقلانية أو على حد تعبير ياسين الحافظ: العقل العربي لا يقبع فيه ليبتنز ما أو هيغل ما لذلك, فالإلحادية العربية إلحادية دينية, و من هنا فالكثير من معتنقي الإيديولوجية يحملون كل آليات التحليل الديني و أنماط تعامله مع الواقع (الذات/الموضوع) ويشتركون معه في غيبيته, لذلك نجد أن ثنائية الخير و الشر تتجلى بالصور التالية في عالمنا العربي :
الإيديولوجية القوة الخيرة القوة الشريرة الهدف
الإسلام الله-حاملها الأرضي جنود الله على الأرض المؤمنون الشيطان - ممثلها أمريكة الشيطان الأكبر وإمبراطورية الكفر الحصول على الجنة
الماركسية العدالة-حاملها قوى التقدم الاستغلال – ممثـلها الرأسمالية و القوى الرجعية الاشتراكية ( جنة الله على الأرض )
القومية ( الوحدة العربية –حاملها المناضلون في سبيل الوحدة ) قوة التفرقة - ممثلها الاستعمار عملاؤه من أعداء الوحدة (الجنة) الأمة العربية
هذه الثنائية تجعل صاحبها مصاباً بما يشبه عمى الألوان فلا يرى إلا بالأسود و الأبيض, و ينصب نفسه حاميةً للخير و يبيح لنفسه إزالة كل ما يعتبره شريراً... طبعاً هذا يقودنا إلى مسألة هامة و هي أن العمليات الاستشهادية ليست صنيعة الفكر الإسلامي بقدر ما هي مسألة لها شروطها المجتمعية و نعني بالشروط المجتمعية الشروط الناتجة عن تفاعل الأنساق الاقتصادية مع الاجتماعية و السياسية, فالآن يُنظَر إلى العمليات الاستشهادية على أنها نتيجة الفكر الجهادي في الإسلام و بالتالي فلاجتثاث الإرهاب لا بد من اجتثاث الإسلام , و لكن أصحاب هذه الفكرة يتجاهلون حقائق التاريخ, فلو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن أول استشهادي عربي كان قومياً من الطائفة المسيحية و هو جول جمال في عمليته الشهيرة أثناء العدوان الثلاثي على مصر ( حتى في أوربة نفسها في القرن التاسع عشر كانت العمليات الانتحارية للعدميين تعكر صفو هذه المجتمعات التي من المفتـرض ألا توجد فيها العمليات الانتحارية على اعتبار أنها صنيعة الفكر الجهادي الإسلامي ) , كما أن المقاومة في جنوب لبنان انطلقت على يد قوى علمانية كان عمودها الفقري الشيوعيون و القوميون السوريون و هم أول من اتبعوا أسلوب العمليات الاستشهادية ( سناء محيدلي, بلال فحص, لولا عبود, نضال آل رشي ) و فيما بعد انتقلت راية المقاومة إلى حزب الله الذي يعتمد أيضاً العمليات الاستشهادية, لذلك ننصح كل المروجين لثقافة النظام العالمي الجديد ألا يبحثوا في ثنايا النص الديني عن شواهد لآرائهم المسبقة , بل الأَوْلى بهم أن يدرسوا مجمل أوضاع الوطن العربي الاقتصادية, الاجتماعية, السياسية و يزاوجوها طبعاً مع الوضع العالمي الذي يقوم على التـفرد المطلق لقوى رأس المال العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حتى يفهموا سبب العمليات الاستشهادية التي ينعتونها بالإرهاب .
5- تقييم إجمالي لأسباب الإرهاب (العنف و العنف المضاد):
إذا أردنا أن نبحث في أسباب الإرهاب فإن أول ما سنلاحظ أن كافة المنظرين على اختلاف مشاربهم و توجهاتهم و تناولهم للظاهرة (انتحار, استشهاد, إرهاب) يتفقون على أن العنف هو أهم ما يميز هذه الظاهرة, و بالتالي لا بد أن نقوم بتحليل دوافع العنف و لنبدأ أولاً باستعراض بعض التعريفات:
إن التعريف التوصيفي للعنف يقول بأنه: ((السلوك المشوب بالقسوة و العدوان و القهر و الإكراه, هو عادةً سلوك بعيد عن التحضر و التمدن, تُستثمَر فيه الدوافع و الطاقات العدوانية استثماراً صريحاً بدائياً, كالضرب و التقتيل للأفراد, و التكسير و التدمير للممتلكات و استخدام القوة لإكراه الخصم و قهره, و يمكن أن يكون العنف فردياً (يصدر عن فرد واحد) كما يمكن أن يكون جماعياً (يصدر عن جماعة) أو عن هيئة أو مؤسسة تستخدم جماعات و أعداداً كبيرة على نحو ما يحدث في التظاهرات السلمية التي تتحول إلى عنف و تدمير و اعتداء أو استخدام الشرطة للعنف في فضها للتظاهرات و الاضطرابات)). (1)
إلا أن مصطفى حجازي يعرف العنف تعريفاً يمكن أن نقول عنه بأنه تعريف سببي حيث يعرف العنف بأنه: ((لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع و مع الآخرين, حيث يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي, و حين تترسخ القناعة لديه بالفشل في إقناعهم بالاعتراف بكيانه و قيمته, و العنف هو الوسيلة الأكثر شيوعاً لتجنب العدوانية التي تدين الذات الفاشلة بشدة, من خلال توجيه هذه العدوانية إلى الخارج بشكل مستمر, أو دوري و كلما تجاوزت حدود احتمال الشخص)) ( 2 ) كما يمكن أن نضيف رأي ألبرت باندورا الذي يقول بأن ((السلوك العدواني و العنف و الهياج الاجتماعي يأتي من محاكاة الناس المحيطين به)) .
إذا للعنف مثل أي سلوك دوافع محددة, و برأيي فإنه للعنف دوافع سياسية و اجتماعية و اقتصادية, فاجتماعياً يمكن القول أن الفرد في المجتمعات العربية يبدأ بتشرب معاييره و أفكاره من المؤسسة الأولى للتنشئة الاجتماعية و هي الأسرة قبل الانطلاق إلى المجتمع الكبير, و نموذج الأسرة في المجتمعات العربية هو نموذج أبوي بطريريكي ذكوري, يشكل العنف إحدى أهم وسائله التربوية, و يتميز بالتمييز الواضح بين الذكر و الأنثى من خلال منح الأول دوماً وضعاً متميزاً ، و هذا ما يبرر أن النسبة الساحقة من الإرهابيين هم من الذكور, كما يشكل العنف في المجتمع الأكبر أيضاً إحدى آليات تسييره من خلال كبت الكثير من الاتجاهات النفسية للإنسان لأنها لا تتلاءم مع النظام الأبوي البطريريكي, لذلك فإن مثل هذه البيئة المجتمعية تمارس عنفاً مادياً و نفسياً على أفرادها فيكون ردهم عليها عاجلاً أم آجلاً بعنف مضاد.
أما بالنسبة للدوافع الاقتصادية : فقد اتفق الكثير من الباحثين الاجتماعيين على أن الحاجة الاقتصادية لا يمكن لأي بديل آخر أن يشبعها حيث أن الحاجة الجنسية مثلاً يمكن أن تُكبت ( رغم أن الكبت لا يمثل حلاً ) أما الحاجة الاقتصادية فهي شيء يومي بيولوجي لا يمكن كبته , لذلك فإن المشكلات الاقتصادية مثل (البطالة, التفاوت الطبقي العالي,...) تترك آثاراً كبيرة على مجمل الأوضاع الاجتماعية ، و تحدث أمراضاً اجتماعية و نفسية لا حد لها.
و في وطننا العربي نجد هذه المسألة حيث استولت على مقدرات الشعوب نظم حاكمة جعلت من ثروات الشعوب بقرة حلوب لإرواء عطشها الذي لا ينتهي لمراكمة الثروات, لنتأمل صورة المدن العربية, إنها متشابهة إلى أبعد الحدود ففي كل المدن نجد مركزاً غنياً محاطاً بضواحي فقيرة و بأحزمة الفقر أو بمدن من الصفيح كما في القاهرة و الدار البيضاء, يعيش فيها أناس هم بحق أشباه بشر محرومون من الحد الأدنى من الشروط الإنسانية يعانون القهر و البشاعة و الانحطاط , فيشكلون بؤرة للعنف بكافة أشكاله (الجريمة و السطو و الاغتصاب...) أو في كثير من الأحيان يوجهون عنفهم تجاه المؤسسات الاقتصادية العامة لأنها بالنسبة لهم رموز للقائمين على النظام الاقتصادي و المستفيدين منه و ذلك عبر التفجيرات و الأعمال العدوانية.
إن تحليلنا لأسباب العنف الاقتصادية يقودنا بشكل مباشر إلى أسباب العنف السياسية,... لنتأمل المشهد السياسي العربي, فمنذ الاستقلال استولت على الحكم أنظمة مختلفة انقسمت إلى معسكرين (معسكر البداوة النفطية في الخليج و أتباعه, و معسكر تبنى التوجه الاشتراكي...) لكن القاسم المشترك بين المعسكرين هو استخدام الاستبداد وسيلةً للحكم و توجيه الفعاليات المجتمعية , و هذا أمر تستدعيه طبيعة الأنظمة العربية التي أقامت عروشها على أنقاض شعوبها, فكان هو الملمح المميز لكافة الأنظمة العربية, عنف فظيع تجاه كل المعارضين و كل المعترضين على آلية تسيير المجتمعات العربية... فمن العنف المباشر من قبل أجهزة الأمن في سراديب التعذيب.... إلى دعم العنف الاجتماعي عبر أحياء القيم البالية و بنى المجتمع التقليدي و الانقسامات العمودية (الطائفية – العشائرية...) و الأفظع حرمان الإنسان من حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه, و هذا الحق اعترف به الفلاسفة الأوائل من أرسطو (حين قال الإنسان حيوان سياسي...) , هو أحد أبرز مظاهر العنف و أقساها.
إن هذه الصورة المرزية البائسة جعلت ملاييناً في الوطن العربي تفقد إحساسها بالهوية و بالوطن و تتهمش و تقف خارج إطار الحضارة و الفعل التاريخي, فالوطن العربي على حد تعبير مظفر النواب: (سجون متلاصقة سجان يمسك سجان).
إذاً تتفاعل العوامل الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية معاً في وحدة عضوية مشكلة منظومة للقهر في الوطن العربي, تجعل الإرهاب و العنف ملمحاً مميزاً لهذه المنظومة, لذلك فإن معالجة أسباب الإرهاب لا تكون بتوجيه الأنظار إلى قوى رأس المال العالمي (التي تلعب دوراً فقط في نزع فتيل الألغام المزروعة) أما من زرعها فهو الوضع التاريخي المتخلف للشعوب العربية الذي تزاوج مع أنظمة القهر لذلك فحل مشكلة الإرهاب يقتضي تحقيق شروط إنسانية للمواطنين العرب, فالإنسان لا يولد مجرماً, ففي هذا الزمن العبثي الرديء من الصعب الالتزام بمقولة السيد المسيح: (من ضربك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر...) لأن العنف لا يولد إلا العنف عاجلاً أم آجلاً .
إعداد : عمار عكاش [email protected]
الهوامش و الإحالات :
1 – الكرخي ، سمير : العنف ( المفاهيم – المصطلحات – الدوافع و الأسباب ) . www.alnnbaa.org
2 – م . س . ن .
المصادر و المراجع :
1 – الإمام ، غسان : سيكولوجية الانتحار . www.asharqalawsat.com
2 – الحافظ : ياسين : الإيديولوجية و الإيديولوجية المهزومة . ط1 . ( دار الحصاد ، دمشق : 1996 ) .
3 – السباعي ، د . هاني : تعريف الإرهاب في المنظومة الغربية . www.almakreze.com
4 – الطريفي ، عادل زيد : سيكولوجية الجماعات الإرهابية . WWW.ALWATAN.COM
5 –– الكرخي ، سمير : العنف ( المفاهيم – المصطلحات – الدوافع و الأسباب ) . www.alnnbaa.org
6 – المركز العربي للدراسات المستقبلية : سيكولوجية الاستشهادي .WWW.MOSTAKBALIAT.COM
7 – المركز العربي للدارسات المستقبلية : سيكولوجية الإرهاب و متغيرات عصر النهايات .WWW.MOSTAKBALIAT.COM
8 – المغربي : إقبال : ثقافة الموت تصنع الإرهاب .WWW.METRANSPARENT.COM
9 – شبكة النبأ المعلوماتية : الإرهاب العقائدي أشد أنواع الإرهاب . www.alnnbaa.org
10 – نقاشات مع الكاتب باسل ديوب .
#عمار_عكاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟