|
برلمان الهراوات والعمائم!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 11:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تناول الكثيرون انتخابات برلمان 2005 بالرصد والتقييم والتحليل. لكن الأغلبية الساحقة من الكتابات التى تعرضت لهذا الحدث المهم .. كانت أقرب إلى "الانطباعات" المرصعة بقدر كبير من "أحكام القيمة" التى لا تمثل تقييما موضوعيا بقدر ما تعبر عن أهواء ذاتية. ومن هنا تأتى الأهمية الاستثنائية للدراسة "الكمية" التى قام بها المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية. وهى دراسة علمية ممتازة تستحق التحية، وتستحق تسليط الأضواء على محتواها الذى يقدم خدمة عظيمة للباحثين والكتاب. تبدأ هذه الدراسة بتقديم بانوراما رقمية للمشهد العام الذى جرت فى ظله الانتخابات البرلمانية الأخيرة. أولاً: الناخبون: 1. من لهم حق التصويت فى مصر (من 18 فأكثر) حوالى 45 مليون، (58% من عدد السكان 77.5 مليون طبقاً لتقديرات يوليو 2005 CIA World Fact Book). 2. المقيدون فى جداول الانتخابات 70% ممن لهم حق الانتخاب ( حوالى 32 مليون). 3. المشاركون فى الانتخابات 26.2% من المقيدين تعادل 26.1% ممن لهم حق الإنتخاب. ثانياً: المرشحون: 1. إجمالى عدد المرشحين (5177). 2. المستقلون (4423). 3. القوى السياسية: - الحزب الوطنى (444). - الاخوان المسلمين (150). - أحزاب المعارضة (160). بواقع 13 مرشحاً لكل مقعد بالبرلمان، وهو ما أدى إلى تفتيت الأصوات فى الجولات الأولى والإعادة فى معظم الدوائر. ثالثاً: القراءة الموضوعية للنتيجة: 1. النتيجة لا تعبر عن القوة التصويتية الحقيقية للشعب المصرى والتى تمثل حوالى 45 مليون مواطن ولا تعبر عن القوة التصويتية للمواطنين المقيدين فى جداول الانتخابات (حوالى 32 مليون). 2. الحزب الوطنى: رغم حصوله على نسبة 72% من مقاعد المجلس إلا أن تلك النسبة تعبر عن إرادة 18.6% من المقيدين فقط و71% من الناخبين المشاركين. 3. الأخوان المسلمين: صوت لصالح مرشحى الجماعة أعضاء الجماعة + المتعاطفين معها + نسبة من التصويت العقابى (نتيجة رفض باقى المرشحين) ومن المستبعد تخلف أى عضو بالجماعة عن الانتخابات. والنسب تعبر عن إرادة 6% من المقيدين فى جداول الانتخابات، وإرادة 32% من الناخبين المشاركين. 4. المستقلون : التصويت تم على أساس الاعتبارات والمكانة الشخصية فقط. والنتيجة تعبر عن إرادة 1.4% من المقيدين فى الجداول، وإرادة 5.3% من الناخبين المشاركين. 5. الأحزاب السياسية: التصويت لمرشحى الأحزاب تم على أساس الإعتبارات الشخصية للمرشح وليس على أساس مبادئ أو برامج الأحزاب. والنتيجة تعبر عن إرادة 0.6% من المقيدين في الجداول، وإرادة 2.4% من الناخبين المشاركين. رابعاً: الأوزان النسبية للقوى المختلفة فى برلمان 2005، ودلالتها: 1. الأوزان النسبية للقوى السياسية فى برلمان 2005: · منتسبو الحزب الوطنى (311). · منتسبو جماعة الأخوان المسلمين (88). · المستقلون (24). · منتسبو الأحزاب السياسية الصغيرة (9). لا تعبر تعبيراً واقعياً وموضوعياً عن الإرادة السياسية للقوى الإجتماعية والسياسية فى الشارع المصرى، ولكنها تعبر فقط عن إرادة نسبة حوالى 65% من إجمالى الناخبين الذين شاركوا فى الإنتخابات حيث ذهب أصوات حوالى 35% منهم إلى ما بين مرشحين لم يحققوا الفوز وأصوات باطلة أى تعبر عن إرادة حوالى 4.5 مليون مواطن مصرى فقط يمثلون حوالى 12% من القوة التصويتية للشعب المصرى وحوالى 16% من المواطنين المصريين المقيدين بجدول الإنتخابات، وأيضاً عن مدى قدرة التنظيمات السياسية القائمة (الحزب الوطنى/ أحزاب المعارضة)، وجماعة الإخوان المسلمين كتيار إجتماعى دينى سياسى قائم وإن كان نشاطه كجماعة منظمة محظوراً، وعدد من المستقلين المعتمدين على مكانة شخصية فى دوائرهم ... على حشد وتعبئة أكبر عدد ممكن من الناخبين المقيدين في جداول الإنتخاب ودفعهم إلى التصويت لصالح كل منهم .. ورغم ما بذل من جهود إلا أنها لم تسفر سوى عن دفع 26% من المقيدين للمشاركة .. ناهيك عمن لهم حق التصويت. 2. إنخفاض الوزن النسبي لمرشحي الحزب الوطنى على قائمته الرئيسية .. مع إرتفاع الوزن النسبي لمن ترشحو كمستقلين من منتسبي الحزب .. وهو ما يدعو إلى إعادة النظر فى آليات الحزب لإختيار مرشحيه، وهو ما ينطبق على مرشحى باقي الأحزاب المعارضة. 3. إرتفاع الوزن النسبى للإخوان المسلمين في برلمان 2005 (حوالى20%) يرتبط بعدد الأصوات التي تمكنوا من حشدها وتعبئتها (وهى في الغالب من أعضاء الجماعة، والمتعاطفين معها) ولم يتخلف منهم أحد. فى حالة تغير المناخ السياسي العام بما يزيد من نسب المشاركة من القوى الإجتماعية العازفة عن الإنتخابات فى حدود 40-50% على الأقل سيكون لذلك تأثير حاد ومباشر على الأوزان النسبية للقوى المختلفة داخل البرلمان. 4. تغير المناخ الإقتصادى والثقافي والاجتماعي خاصة في المناطق الشعبية كثيفة السكان وفي الأقاليم (المناطق الريفية في الصعيد والدلتا) سيكون له تأثير إيجابي على نسب المشاركة وأيضاً على معايير الإختيار حيث تلاحظ إرتفاع نسبة التصويت لمرشحي الأخوان، وبعض مرشحي الأحزاب والمستقلين بما فيهم من انضم إلى الحزب الوطني بعد النتيجة في المناطق الشعبية والفقيرة وفي مناطق العصبيات العائلية والقبلية. كل هذا الدلالات رغم ما فيها من بعض الإيجابيات تؤكد الحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة والتقييم والتقويم .. سعياً للوصول إلى تشخيص وتوصيف دقيق للحالة المصرية. فلا يمكن الحديث عن تحولات ديمقراطية وسياسية في غياب العملية السياسية نفسها أو قصورها خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنتخابات التشريعية التى تفرز البرلمان .. والمنوط به التشريع للحياة السياسية والرقابة والمحاسبة فى إطار الشفافية. *** انتهى التعقيب الرئيسى للمركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية على نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، ويفتح هذا التعقيب الزاخر بالأرقام الموثقة الباب أمام عدد من الاستنتاجات الأساسية: أولاً- رغم عودة الروح إلى السياسة فى أعقاب تعديل المادة 76 من الدستور، ورغم الصخب الذى نسمعه فى الساحة السياسية، فان هذا الجدل وتلك الضوضاء مازالا يدوران بمعزل عن الأغلبية الساحقة من المصريين الذين مازالوا مصرين على الاستقالة شبه الجماعية من الاهتمام بالشأن العام. والدليل على ذلك أنه من بين 45 مليون مصرى لهم حق التصويت لم يشارك فى الانتخابات الأخيرة سوى ثمانية ملايين، الأمر الذى يعنى أن حوالى 37 مليون مصرى ما يزالون عازفين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ومحجمين عن المشاركة السياسية. ثانياً- هذا يعنى من جانب آخر أن الصراع المحتدم الذى جرت الانتخابات فى ظله، والذى راح ضحيته 15 قتيلاً وألف جريح وأكثر من ألف معتقل بتهمة اثارة الشغب والعنف، كان يدور حول شريحة صغيرة ممن لهم حق التصويت، وأن هذه الحقيقة تضع علامات استفهام كثيرة حول مدى تمثيل برلمان 2005 للمجتمع المصرى، وبالتالى مدى شرعيته. ثالثا- الأرقام الواردة فى هذه الدراسة الكمية المهمة يجب ربطها بالظواهر الأساسية التى ميزت الانتخابات النيابية الأخيرة، وبخاصة فساد الكشوف الانتخابية، ودور اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات البرلمانية، ودور الإدارة الذى تراوح بين "الحياد السلبى" والتدخل "الايجابى"، ودور المال والرشاوى الانتخابية وشراء وبيع الأصوات، وأعمال العنف والبلطجة على نطاق واسع لم تشهده البلاد من قبل، ورفع شعارات دينية، ودور القضاء فى الإشراف على الانتخابات بما له وما عليه، والرقابة الدولية والمحلية على العملية الانتخابية. كل هذه الظواهر يجب دراستها دراسة متأنية – جنبا إلى جنب مع دلالات الأرقام التى توفرها لنا الدراسة الكمية للمركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية – من أجل تقييم "النظام" الانتخابى ذاته، وبحث ما اذا كان من الأفضل تغييره تغييرا جذرياً من أسلوب الانتخابات الفردية إلى نظام الانتخاب بالقوائم، وابتكار آلية جديدة للاشراف على العملية الانتخابية من الألف إلى الياء عن طريق جهاز مستقل ومتمتع بالحصانة ( كالمعمول به فى الهند مثلاً) وذلك من أجل قطع الطريق على الرشاوى الانتخابية والبلطجة وغلبة الاعتبارات العصبية والقبلية والعائلية والخدمية على الاحتكام إلى "البرامج" التى لم يكن لها اى وجود فى انتخابات برلمان 2005. فالأهم من البكاء على اللبن المسكوب .. والدم المراق فى هذه الانتخابات العجيبة .. هو التطلع إلى المستقبل واستخلاص الدروس اللازمة لتصويب نظامنا الانتخابى المختل، والحفاظ على "فكرة" الانتخابات ذاتها.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أخيراً.. جامعة في أرض الفيروز
-
هل الأزهر فوق القانون ؟!
-
احتفال -تحت الأرض- لجماعة -الأخوان-!
-
فقر العرب!
-
نريد المعرفة.. والحرية
-
أطاح بالملك فاروق .. وهزمه إخوانى -فرز ثالث-
-
-الاخوان- و-الأمريكان-
-
المواطنة.. لا تعني مساواة المسيحيين بالمسلمين
-
من الذي حول -طحينة- البحر الأبيض إلى -خل أسود-؟!
-
السحل فى أرض الكنانة .. ياللعار
-
»فتح مصر«.. يا حفيظ!!
-
مطلوب إعادة الاعتبار إلي «فكرة» الانتخابات
-
رسالة »الإخوان« للحزب الوطني: وجب الشكر علينا
-
-أبانا- الذى فى البيت الأبيض!
-
صدق أو لا تصدق: إسرائيل أخضعت -السادات- لاختبارات كشف الكذب!
-
!أبو الغيط يؤذن فى المنامة
-
السودانيون يتدخلون فى الشئون الداخلية ل -جمهورية المهندسين-!
-
اغتيال -الحرية والإخاء والمساواة- فى عقر دار الثورة الفرنسية
-
برنامج الثلاث كلمات
-
اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|