سرمد السرمدي
الحوار المتمدن-العدد: 5251 - 2016 / 8 / 11 - 00:45
المحور:
الادب والفن
حينما تسمع انها أفضل طريقة لتعلم التمثيل, وتجد انه يقول تسعة أشهر حتى يتقمص الممثل؟, ويقول باللانجومية في التمثيل حيث لا يوجد دور صغير ودور كبير بل يوجد ممثل صغير وممثل كبير؟, هذا كله يؤشر إلى ان ستانسلافسكي ليس لديه طريقة في التمثيل!, انتهى ستانسلافسكي من كتابة سيرة حياته واذا بها اصبحت اسطورة التمثيل التي تحكى لطلبة المسرح كل ليلة ما قبل النوم ومن فاته سطر منها اصبح يقال عنه جاهل بفن التمثيل، مع انه نفسه يعترف بفشل تجربته على نفسه وعلى الآخرين من حوله في حياته !، اسمه الحقيقي هو اليكسييف، واتخذ له اسما مسرحيا هو ستانسلافسكي حتى يبعد اسم العائلة حينما يظهر في ادوار لا تشرف وضعية والده الاجتماعية. بدأ حياته مخرجا متسلطا وانتهى بالأعتراف بالوضع الفريد للممثل على خشبة المسرح وهو وضع لا يجب ان بتهدده فرض المخرج لتفسير غريب عن الممثل لدوره. انتهى إلى ان تدريب الممثل غير ممكن، ان تدريب الممثل غير ممكن الا في مسرح من المسارح ولا يمكن تصور وجود ممثل لا يشكل جزأ من فرقة مسرحية، ولا يمكن تدريب الممثل حسب منهج او طريقة ستانسلافسكي او أي انسان اخر خارج المسرح ( أي بمعزل عن التحضير لتمثيل مسرحية معينة يتم التدريب على أداء ادوارها )، قال ستانسلافسكي ( يجب خلق فرقة مسرحية حتى يتوفر لديك مسرح ). استنكر أية محاولة لتقنين منهجه وذلك في حديث له مع ممثلي ومخرجي فرقته ( فرقة مسرح الفن في موسكو ) عام 1938م قبل موته بسنتين، ( ليس ثمة محل للسؤال عن منهجي ومنهجك، وانما هناك منهج واحد فقط : الطبـيعة الأصلية الحية الخلاقة، يجب أن نتذكر ان هذا الذي يسمى بالمنهج، لا يستمر في حالة ثبات، بل يتغير كلّ يوم ). لقد وقع نقاد ستانسلافسكي في خطا اساسي اذ نسبوا اليه جمودا في المنهج هو نفسه كان يستنكره، وهذا يرجع إلى ان اتباع ستانسلافسكي عند تدريسهم منهجه لم يروا الغابة لوجودهم بين اشجارها ( أي لم يفهموا المنهج بصورته النهائية واكتفوا بتطبيق اجزاء منه لأن المنهج لم يكتمل عند ستانسلافسكي نفسه ). من غير العدل ان يحمل ستانسلافسكي اخطاء اتباعه التي استنكرها مرارا وتكرارا، ( كما استنكر تدريس ميشيل تشيخوف لمنهجه في امريكا كما لو ان منهج ستانسلافسكي اكتمل)، لقد كان ستانسلافسكي يرتاع من الكتب التعليمية ويقول ان كتاب ( الفن الخلاق هو الأنسان نفسه )، ويرمي إلى دور الذاكرة العاطفية التي لا يمكن ان تقنن لأختلافها من انسان لآخر. ان المبالغة في ما يطلبه ستانسلافسكي من الممثل هو الشيء الوحيد الذي يمكن الأعتراض عليه عند توجيه النقد، لمنهجه، ولكنها نبعت من ذهن ممثل ومخرج مسرحي ناجح.
يقول ستانسلافسكي : ( أن على الممثل أن يتوسل الخارج من الداخل، بعبارة أوضح، ملامح الشخصية،حركاتها، أفعالها، تنطلق من الداخل ), لكن نتساءل بدورنا !! , ان الشخصية التي يؤديها الممثل تتكون من حوارات المؤلف وتوجيهات المخرج, اذن هي في الاصل خارج الممثل, ويتلقاها كما القارىء فيما يتعلق بنص المؤلف وكما الجمهور فيما يتعلق بخطة المخرج., يقول ستانسلافسكي: (يجب أن يكون الممثل بسيطاً وتلقائيا), كيف ؟! كيف يكون على تلقائيته وهو مطالب بان يكون شخصية اخرى يتقمصها ويؤديها.يقول ستانسلافسكي :(عدم فهم ما يناسب الممثل من أدوار، يعد بحق من أقوى كوابح تطور الممثل ونموه), طيب, ماذا عن مطالبتك لهم بالتقمص؟!, ان مطالبة الممثل بالاندماج تجعله مناسبا لكل الادوار, وهذا دليل على ان التقمص له شروط يجب ان يستوفيها الممثل لكي يمارسه فن التمثيل, منها ان يكون قد مر بتجارب الشخصية الممثلة, وهذا مالايصلح له كل الممثلين, يقول ستانسلافسكي: (أن على الممثل أن لا يكون ممثلاً فحسب، وإنما مؤلف تجارب جديد), لكن, هل سيبقى ممثل ؟!
قد يكون هذا من باب التعويض عن عدم وجود تجارب مماثلة في ذاكرة الممثل للشخصية التي يمثلها, لكن هذا الامر سيجعله يذهب بعيدا عن نص المؤلف وخطة المخرج, فلا يمكن لخياله ان يتماثل مع المؤلف والمخرج والشخصية في وقت واحد حينما يؤلف تجربة ويخزنها في ذاكرته لتعينه على تجسيد الشخصية.
يقول ستانسلافسكي :( أن العمل برمته غير ضروري، في حال غياب الشخصية الرئيسية في المسرح، الفنان الموهوب), طيب, ما الفائدة من تدريس طريقتك للتمثيل ؟!, تفضل اجلس معنا ننتظر ولادة ممثل موهوب !!, ان افتراض الموهبة كبديل عن اعداد الممثل لفن التمثيل بشكل عام او لدور تمثيلي بشكل خاص ليس منطقيا, فأي انسان يمكن ان يكون ممثلا ومن تاريخ حياة الممثلين المشهورين امثلة كثيرة, حتى ان اغلبهم لم يكونوا معدين لفن التمثيل وكانوا يدرسون ويمارسون مهنا اخرى بعيدة كل البعد حتى عن الفن بشكله العام او التمثيل بوصفه فنا قائم بحد ذاته., يقول ستانسلافسكي : ( من الخطورة والأذى أيضاً ، أن يأخذ الممثل الأدوار التي تفوق طاقته من دون أن يكون قد استعد لها تقنياً وتدرب عليها ), طيب, ماهي طاقة الممثل بالضبط ؟!, سوبرمان !
ان التحضير للدور التمثيلي يختلف حسب اختلاف الدور بحد ذاته, فليس مطلوبا من الممثل ان يتعلم السباحة ودوره يتطلب ان يمارس العزف على الة موسيقية, وفكرة ان يكون للممثل جميع هذه الامكانيات اشبه بفكرة ايجاد السوبرمان او الممثل الشامل الذي يجيد كل شيء من الفنون إلى الرياضة إلى القاء الشعر والغناء والرقص والخ, وهذا سبب لا جدوى مفهوم اعداد الممثل كممثل وليس اعداد الممثل للدور التمثيلي بحد ذاته. يقول ستانسلافسكي : ( لا يمكن للممثل أن يتعلم جيداً مما يراه أمامه معروضاً على خشبة المسرح, العرض لايعّلم الممثل لأنه سيدفعه إلى النسخ والتقليد، نسخ وتقليد الممثل الذي يؤدي الدور ), يعني, لايجب على الممثل مشاهدة المسرحيات والأفلام ؟!, كيف يمحو من ذاكرته ما قد شاهده طوال حياته قبل ان يقرر ان يصبح ممثل ؟!, اين سيعيش حيث لا وجود لشاشة تعرض فيلما ومسرحية.. في الصحراء؟!, يقول ستانسلافسكي: ( لا فرق بين الجيد والسيئ في عمل الممثل الذي يقف على خشبة المسرح، منضبط النفس، كل ما في الأمر، أنهما يزدادان حسناً أو سوءاً ), طيب, بالتالي لا يوجد ممثل سيء من وجهة نظره هو, كل ما عليه ان ينضبط النفس ويصفق لنفسه ؟!, ان انضباط النفس لن ينقذ الممثل من القياس العام للتمثيل الجيد الذي يشمل حفظ الممثل لسطور المؤلف وقدرته على التعبير عنها من خلال التزام بخطة المخرج بالطريقة التي لا يكون فيها الممثل عائقا امام سير العمل بشكل عام., يقول ستانسلافسكي: ( أنا نمطي، وأنا أعترف أن الممثلين كلهم، يجب أن يكونوا نمطيين ), بمعنى, لا يمكن للممثل ان يؤدي ادوار مختلفة.. خير .. شر.. كبير .. صغير ؟!, والمعروف عن الممثل النمطي هو ذلك الذي يلزم بنوع محدد من الأدوار وهنا يتناقض ستانسلافسكي مع طرحه بضرورة ان يتقمص الممثل الشخصية لأن هذا يعني ان هنالك ضمان وجود نوع من القدرة قد وضعت في يد الممثل تتيح تمثيل أي نوع من الأدوار بما لا يجعله نمطيا.
يقول ستانسلافسكي: ( الممثل الموهوب وحده، هو الذي يستطيع أن يصبح شخصية فنية ), مرة اخرى, تفضل اجلس معنا ننتظر ولادة ممثل موهوب ؟!, لايوجد تحديد واضح لمعنى الشخصية الفنية التي يقصدها ستانسلافسكي انما هنالك ادعاء كون الموهبة هي القياس لعمل الممثل مما يجعل عمل تنظير ستانسلافسكي في فن التمثيل غير ذي جدوى., يقول ستانسلافسكي: ( وحده الممثل غير الموهوب، يضطر المخرج إلى تشكيله كما يشاء، من ناحية الذوق والملابس وإرغامه على أن يتحرك على خشبة المسرح، طبقاً لإدارته ), يعني, على الممثل ان لا ينفذ تعليمات المخرج ؟!, حينما يكون الممثل ملتزما بخطة الاخراج يساهم في انجاح مجمل عناصر العمل الفنية الاخرى من النص إلى السينوغرافيا بالتالي لا يمكن للممثل ان يذهب بعيدا عن خط العمل ليؤكد وجوده الفني بشكل فردي., يقول ستانسلافسكي: ( راقبت الممثلين أثناء أدائهم، وأنا في الصالة، استفدت من التجارب الممكنة كلها التي مررت بها شخصياً أو التي مروا هم بها، لقد عذبتهم، وأغضبتهم حتى إنهم قالوا إنني أحول البروفة إلى تجارب مخبرية، وإن الممثلين ليسوا أرانب أو فئران مخابر تُجرى التجارب عليها، والواقع أنهم كانوا محقين فيما ذهبوا إليه ), يعني, لا توجد دراسات وبحوث وتجارب ومختبرات تستطيع صناعة ممثل ؟!, ان محاولة استخراج مفهوم بديهي عن عمل الممثل لا تتطلب كل هذا الجهد من البحث والمتابعة فالممثل يؤدي عمله بشكل يتيح لهذا العمل ان يحرز النجاح الفني ولن يتوقف العمل على ممثل يفكر في فرديته بوصفها الدليل على ابداعه الفني, ان ما ينقله ستانسلافسكي عن العمل المضني الذي قام به على صعيد البحث المختبري للممثلين لم يخرج من تصنيف فرض وجهة نظر شخصية على الصعيد النظري, تنتهي كالعادة إلى واقع عملي يفرض عناصر نجاح مهنة الممثل ويعرف فن التمثيل على انه قدرة انسان على ان يحفظ سطور المؤلف ويلتزم بخطة المخرج, فلم ياتي ستانسلافسكي باي دراسة مختبرية تقترب من الصفة العلمية سواء اكان على صعيد علم النفس او الاجتماع كخلاصة لدراسته الممثلين وعملهم, بل هي اراءه الشخصية التي لم تنجح حتى معه في اثبات صحتها.
يقول ستانسلافسكي:( أن الممثل كلما أراد أن يمّتع جمهوره، استجاب له هذا الجمهور ), يعني, يتقمص الممثل مثلا شخصية تدخل إلى غرفة النوم لتنام وفجأة من انتم !.. نحن الجمهور؟, سيبقى متقمصا !, ان استجابة الممثل للجمهور تتناقض مع متطلبات التقمص التي يطالب ستانسلافسكي بها الممثل في اداءه للشخصية, كما ان تجاهل وجود الجمهور لن يكون هو الضمان للوصول إلى التقمص., يقول ستانسلافسكي :( أتمسك بتجاربي السابقة، على الرغم من أنها غالباً كانت خاطئة، وعلى الرغم من أنني وبسببها، فقدت سمعتي كمخرج وممثل ), ما الفائدة إذن ؟!, ستانسلافسكي ليس لديه طريقة في التمثيل!.
#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟