|
الثابت والمتحرك في القضية السورية
وليد الحلبي
الحوار المتمدن-العدد: 5249 - 2016 / 8 / 9 - 11:13
المحور:
كتابات ساخرة
يعيب الغربيون على أبناء العالم الثالث – ونحن منهم - جملة من الممارسات السلبية، بعضها يرونها حكراً على العرب دون غيرهم، كالاستبداد واختلال الذمة والواسطة، غير أنهم في قرارة أنفسهم يتمنون لو كانت لديهم هذه المواصفات، لكنهم، ولسوء حظهم، قد نشأوا في مجتمعات تطورت وترقت إلى الحد الذي انعدمت عندهم سلبيات، إلى حد كبير، بينما استمرت عند الآخرين: فمن حيث الاستبداد: لنا أن نتخيل أحلام الرؤساء الغربيين وتمنياتهم لو أنهم كانوا رؤساء جمهوريات عربية، إذن لامتدت سنوات حكمهم إلى عقود طوال من السنين، بدلاً من طردهم صاغرين من قصور الرئاسة بعد دورتين رئاسيتين على أقصى حد. أفلم يكن جورج بوش يتمنى لو كان رئيساً لجمهورية مصر العربية؟، وألم يكن ساركوزي يتوق إلى ترؤس الجمهورية العربية السورية؟، وهل كان أقرب إلى أحلام طوني بلير من أن يكون رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ أليسوا بشراً مثل رؤساء مصر وسوريا ومنظمة التحرير، فتكون لديهم نفس تمنيات أؤلئك الرؤساء وطموحاتهم؟، لكن دساتير بلدانهم ونظامهم السياسي كبلت أيديهم، فخرجوا من قصور الرئاسة صاغرين. ومن حيث اختلال الذمة: فحدث ولا حرج عن السرقات التي تقوم بها شخصيات عامة في الغرب كما في الشرق، وهل مثال برلسكوني الإيطالي غائب عن الأذهان؟، وألا يقدم لنا نموذجاً متطابقاً مع رفيق الحريري؟، فكلاهما قد جمع المال والسلطة بشكل مشبوه، وكلاهما سيطر على القضاء، فنجى من تهم بالفساد. المهم أن يسرق المسؤول بشكل مهني محترف يحول دون القبض عليه بالجرم المشهود. أما الواسطة: فقد برع العرب في استخدامها وتطبيقها بشكل فاق الآخرين، الذين عجزوا عن مجاراتهم فيها. ففي الواسطة يحصل المرء - نتيجة واسطة ودعم من قريب أو نسيب، أو لتنفيذ مصلحة مشتركة - على مواقع وظيفية لا تمت إلى تخصصه بصلة من قريب أو بعيد، وذلك تحقيقاً لمنفعة مادية محضة، أو للتخلص من بعض العناصر الغير مرغوب فيها، أو للسيطرة على موقع معين عن طريق التعيين القسري، فوضع الرجل في غير مكانه المناسب يعتبر خيانة عظمى في الدول المحترمة، يعاقب عليها القانون، أما عندنا فهي أمر واقع، اعتاده الناس كأنه هو الجوهر وما عداه هو الزيف. غير أن المؤيدين لفكرة الواسطة عندنا يرون إيجابياتها دون السلبيات، فهم يصرون على أن عمل المرء في غير مجال تخصصه هو دليل قدرات خارقة، وإرادة صلبة، حيث يكون عليه بذل جهد كبير لإثبات وجوده، كما أنه يُقبِلُ على تعلم مهارات جديدة أكثر من الموظف الذي يعمل في مجال تخصصه فحسب، فمثلاً: هذا المتخصص في الزراعة المدارية يعمل مديراً لمصنع نسيج لأن وزير الصناعة والد زوجته، وذاك الألمعي في الفيزياء النووية يعمل مديراً لإحدى شركات البناءالحكومية لأن رئيس الوزراء خاله، أما الطبيب البيطري المختص بمعالجة البعوض من الملاريا!!!، فيرأس لجنة حكماء للفصل في النزاعات الحدودية العربية – العربية لأنه شقيق وزير الداخلية،،، هؤلاء جميعهم اكتسبوا إلى جانب تخصصاتهم الرئيسية مجالات تخصص أخرى، ولئن لم يبرعوا فيها على الفور، فإن الزمن كفيل بمنحهم فرصة للتعلم، لكن الإبداع يبدو بشكل أوضح عندما ينتقل الطبيب البيطري للعمل كمدير لمصنع النسيج، وإخصائي الفيزياء النووية لكي يرأس لجنة حكماء الحدود، وصاحب الدكتوراة في الزراعات المدارية لكي يرأس شركة البناء الحكومية. هذه أمثلة واضحة على الجَيَشان والتحدي الإيجابي الذي يسود بين الأخصائيين العرب!، أما في الغرب، وخاصة في اليابان - مع أنها في أقصى الشرق - فيبدأ الأخصائي العمل في مجال تخصصه ويبقى فيه حتى آخر يوم في حياته العملية قبل الإحالة على التقاعد، دون أن تكون أمامه فرصة الاطلاع على مجالات أخرى سوى مجاله، وفي هذا قتل لمواهبه الدفينة!. جميع التخصصات المذكورة يستطيع المرء الربط بينها بطريقة ما، حتى بليّ عنق الحقيقة، غير أن المجال الذي لا يمكن للمرء أن يتصور تنوع العمل فيه، فهو طب الأسنان، فطبيب الأسنان - وقد أهمل سائر الجسد وركز اهتمامه على هذا الجزء المليء بالأسنان في أسفل الوجه - لو أسندت إليه مهمة معالجة اللسان أو اللوزتين أو الأنف أو حتى الرئتين، لقلنا نعم، ولحمدنا الله على أن الذي أسندت إليه هذه المهمة قد اطلع على هذه الأعضاء ولو عن بعد وبشكل سريع، أما أن تسند إلى طبيب الأسنان مهمة دبلوماسية، يمثل فيها قضية شعب سلبت أرضه، وتشتت أبناؤه في قارات العالم جميعها، فهو أمر خاضع للنقاش، فما بالك لو كان هذا الطبيب قد أصبح عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني ولما يتجاوز عمره الاثنين والعشرين عاماً، ثم عين مساعداً لمدير البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة وعمره 33 سنة، ثم رئيساً لها وعمره 38 سنة. نحن نفهم أن الدبلوماسي المحنك، والذي يمكن ائتمانه على قضية شعب، ينبغي أن يكون دارساً لعلم السياسة والدبلوماسية، وله فيها من المؤلفات ما تعد مراجع هامة في كبرى الجامعات العالمية، أما أن يكون طبيب أسنان، فلا بد في هذه الحالة أن يكون: إما عبقرياً فلتة عصره، أو ابن شقيقة المرحوم ياسر عرفات، وهنا ينجلي السر في تسلم المذكور هذا المنصب الهام والحساس، ولكن الأروع من كل هذا أن تسند لنفس الدكتور ناصر القدوة - بعد أن نجح في حل مشاكل القضية الفلسطينية ونجح في مفاوضات الحل النهائي وأقام الدولة الفلسطينية العتيدة على أقل من 20% من أرض فلسطين التاريخية – أن تسند له مهمة مساعد لكوفي عنان، المبعوث الدولي والعربي! للقضية السورية. ولعل من إبداعات الدكتور القدوة، في منصبه هذا، أنه صرح من مكتبه في الأمم المتحدة، وقبل أن يرى سوريا سوى على الخارطة، وبعد أقل من شهر من تسلمه منصبه، بأن هناك عناصر من تنظيم القاعدة تتواجد على الأراضي السورية، وتحارب ضد كتائب الأسد، ولعل هذا التصريح يذكرنا بتصريح مماثل لرئيس السلطة المنتهية صلاحيته (وصلاحية سلطته) محمود عباس، عندما استعدى العالم بأجمعه على قطاع غزة بقوله أن هناك عناصر من تنظيم القاعدة في القطاع. لو كان عرفات ما زال حياً وأعلن نفس تصريح عباس، لقلنا إن هذا الشبل (ناصر)من خاله الأسد (عرفات)، أما أن يتطوع القدوة لاستعداء العالم ضد الثوار السوريين، فأمر مستهجن ومستغرب، إلا إذا كان عذره أنه صادر عن دبلوماسي هاوٍ وطبيب أسنان محترف. سعادة مساعد المبعوث الدولي للقضية السورية لم يزر سوريا ولا مرة حتى الآن، وأتمنى على مسؤول أي في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أن ينير أذهاننا بتوضيح مهمة هذا المساعد المحترم. الإبداع الآخر في قضية طبيب الأسنان د.ناصر القدوة أنه هو الثابت الوحيد في مجال دبلوماسية الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية السورية، والباقون متحركون، فهو قد عين مساعداً لعنان، ولكن رغم أن مديره عنان قد استقال من مهمته في معالجة القضية السورية بعد فشله في حلحلة عقدتها، إلا أن الاستقالة لم تنسحب على المساعد د. ناصر، بل استمر في منصبه كمساعد للمبعوث الجديد، والمتوقع فشله قريباً بالتأكيد، الأخضر الإبراهيمي، وسيكون إنشاء الله مساعداً للمبعوث الذي سيعين بعد الأخضر الإبراهيمي، بعد فشله هو الآخر، وبعد الذي يليه أيضاً،،، بالطبع لأنه الثابت الوحيد، والباقون متحركون. هل هناك إبداع وعبقرية في الإنجاز الدبلوماسي لطبيب الأسنان الدكتور ناصر قصرت أفهامنا عن إدراكها، فساورنا الشك فيها؟، أم أن واسطته كونه ابن شقيقة الراحل عرفات، ما زالت صالحة حتى الآن؟، أم أن أنسباءه، أهل زوجته - سكرتيرته الفرنسية - لهم دور في ذلك؟، الله وحده يعلم، أما نحن، غلابى ومساكين الشعب الفلسطيني المشرد، فعلينا الإقرار، إلى أن يثبت العكس، بأن عبقرية الرجل هي التي تقف وراء كل ما أنعم الله به عليه، ومنها نجاحه الباهر منذ أصبح في سن الثانية والعشرين عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني الموقر، ولغاية بلوغه عامه الستين وقد عين مساعداً لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. نعم هي العبقرية، وليست الواسطة، التي نتوهمها نحن الخبثاء، كونه ابن شقيقة الراحل عرفات، أو أنه صهر مقرب من أهل زوجته الفرنسية.لا شك يا سادة أن بعض الظن إثم، نعم، فقط بعضه إثم، ولكن ليس كله.
#وليد_الحلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل هي بالفعل أدوات تواصل؟
-
دردشة في السياسة السعودية
-
حاولت جهدي أن أكون حماراً ... ونجحت
-
الكلمة الطيبة
-
مشاهد منسية، من أيام دمشقية +60
-
حوثيو العراق!، ودواعش اليمن!
-
صدق من قال: الكونغرس الأمريكي أرض إسرائيلية
-
جاري صاحب الكيف: علاقة آثمة مع الخليفة البغدادي
-
عنجهية فرنسية فارغة
-
لا أحد يستطيع معاندة الحكومة،،، يا بُني
-
جاري صاحب الكيف تاجر كراسٍ
-
الحمار الفلسطيني، وجزرة الدولة الوهمية
-
سائق القطار
-
اللاشيء
-
جاري صاحب الكيف تاجر سيارات مستعملة
-
جاري صاحب الكيف يتاجر بالمسؤولين العرب
-
جاري صاحب الكيف، طائفي ماكر
-
جاري صاحب الكيف يكشف سر داعش
-
-روديو أنغولا-
-
جاري صاحب الكيف ينضم إلى مشاة البحرية
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|