أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - مولد سيدي عبد القادر














المزيد.....

مولد سيدي عبد القادر


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1404 - 2005 / 12 / 19 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


أصيب المنزل بالعدوى وخفت أضواؤه. الضوء الذي كان ينير الغرفة في الليل... لماذا الليل؟ وأنا أقول لها دوري كي لا يراني أحد. تخبئني خلفها وتلبس عباية ديرية حَبَرْ متينة. هي مثل العباءة التي يغني فيها ناظم الغزالي: يا أم العباية حلوة عباتك. عباءة سوداء تظهرها كاميرات التصوير في الصحف والتلفزة ذلك حين تذهب إلى العراق.
نسوة العراق اللواتي نرى كيف يرقد في وجوههن القدر الغاشم كما لم يرقد منذ ألف عام. يلبسن العباءات ويفتحنها هكذا نحو الأمام. فتظهر النسوة وهن في حالة لباس فائض. وكثير من الناس الأجانب يتساءلون لماذا "البلانكيت" الأسود خلف ظهورهن هل لها علاقة مع مقتل الحسين؟
دوما سواد. يحبون هذا اللون! السلاسل التي تستخدم لغرض غامض، تمسك بحديد بعضها بقوة ذات مقدار أسود وليس أبيض سهل الفك والكسر.
أصيب المنزل بالعدوى ولفتني خلفها تلبس عباءة أهل الدير الذين تعلمنا منهم كلمة "شكون السالفة؟" أي ما هي القصة، القصة التونسية؟ وهي تجيب "فقط أصبر" وأنا أسأل: شكون السالفة؟
السالفة الديرية التي هبطت أو أنها عادت من هناك، مثل السيل. ومن يعود ومن يهبط سوى السيول الجارفة؟! سيول تأكل بيوت الطين والخشب، ثم تزجر قائلة: لماذا تعمرون في أرضي بيوتا موبوءة؟!
ذلك كي لا يعمروا مرة أخرى مثل هذه البيوت. السيول الجارفة تلقن الدرس. لقد جاءت وحان وقت الاحتماء. لكنها لن توفر زاوية إلا وتصلها وتقلبها. هل تعرفون ماذا تعني "عن بكرة أبيها؟"
هل يعني كلها؟
البكرة التي تعلق في رأس البئر لاستجلاب الماء، ليست هي البكرة في بكرة أبيها، لكنها بكرة تسحب ماء البئر كله.
لقد كانت الأيام قريبة متراصة، جاءت فوق بعضها. الأيام التي كنا نسميها يوما بيوم صارت الآن يوما واحدا لا أسم له. لقد اجتمعت كلها عند عتبة الباب وهمت بالدخول. أضواء الليل الخافتة تتهادى الآن مع موسيقى النهر البعيد، تأتي من مقاهي مقامة على شواطئه. مقهى "عذاب" مثلا أو مقهى حاج "رزوق" الذي صار شراديق يمس ضلع النهر على طول المدينة. تأتي الموسيقى. كيف يمكن أن أعبر عن الموسيقى بالكتابة؟ مالها هذه الأحرف الهزيلة المرصوفة على أسطر فارغة لا تقدر على تقليد روح الموسيقى؟ لعلها خواء وغثاء يطوف على السطح! تصل إلى أذني وأنا لا أزال خلفها وهي تغطيني بغناء عراقي وتقول "أصبر قليلا" فالدوران بحاله له معنى أيضا، المعنى هو بكرة مشدودة إلى قاع بئر توه فتح على ماء بكر يتكدر قليلا ويجب أن نسَكنه في منزل صامت لبرهة كي يصفى ويهجد.

ملاحظة طويلة:
نعم لقد خَفَ الضوء وأمسى بصيصا لا يكاد يرى. والنوافذ، النوافذ القديمة ذات الحديد الصدئ مشرعة مفتوحة نحو الأمام وهي تدور وتخبئني خلفها. كنت أفكر أنهم سيأتون على حين غرة، يداهمون المكان مثلما يداهمه السيل.
يلبسون الطواقي الغريبة ويضعون في شفاههم السيجار، يدخنون أنواعه التي لا أعرفها، ملفوفة بورق بني ثخين.
لقد كان الخوف... ليس الخوف..لقد كانت المشاعر تملأ كياني حيث أن العقل معطل والأحاسيس التي لم أعرفها قط حاضرة. لماذا لكل إنسان قصة؟ لماذا لكل جماعة خوفها؟ فتقول: ابق ورائي بينما أنا أظل أدور.
هكذا سوف تحميني.
الهواء قديم في المنزل له رائحته الغريبة. وجاءت قليلا فقليلا الرياح التي ستحمل المنزل وتشعله في الفضاء. إن الذين لا يحتمون سيذهبون تحت الأرجل، يصرخون ويجرون طلبا للنجاة، ففي هذا الوقت الأم لن تعرف ابنها، وهم لن يكونوا سكارى لكنهم يترنحون من الرعب. رعب مم؟
إنه مشهد الفيضان، فيضان نوح. والرعب الآن هو ليس رعب الموت بل هو رعب الحياة. فالفيضان لن يقف والحياة لن تقدم أشياءها للموت. لذلك هناك عذاب لا يصل إلى حد الموت، عذاب أسود، يلبس عباءته ويجري.
دوري كي لا يراني أحد. الخوف والجزع لا يتركاني. وتربت على كتفي: أن أقوى في وجه المجهول القادم الذي لا يعرفه أحد.
ماذا سيكون المجهول الذي يحمل رياحه الساكنة معه؟
ومثلما كانت أول خطوة فوق هذه الأرض لإنسان تائه يفكر في أن القادم المجهول قاس لا يؤتمن جانبه كانت خطواتي أيضا تقول وتشعر بشعور لم يتغير ومر عليه أزمنة وسنوات.
ماذا كان شكل الأرض حين نزل عليها الإنسان؟
فتجيبني أن شكلها كان عراقيا، عليها عباءة، كما كان يغني فيها ناظم الغزالي.
أهمس فيها، أهمس في شعرها الأسود الساخن، أهمس في براريها: دوري الدوران الصوفي.
فتدور!
حين جاؤوا كانت تدور. وعلى حين غرة، كما في أفلام "الآكشن" يدخلون فيرونها مع العباءة وشيء ما معها، شيء منتفخ. فيسلطون الكاميرا كي يصوروا العباءة. كي يصوروا الأرض. كي يصوروا ..
ماذا يصورون؟



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليليت العامرية
- قراءة نقدية في رواية دابادا
- ققنس- غيابات القلب - للقاص المغربي أحمد بوزفور
- الشفاطات -الهوى- حمص وحماة .... الى منذر المصري
- ثمة أرض أخرى هناك لا تشبه الكرة التي دوّرها جاليلو
- مطر القامشلي- مقطع من رواية همسات المدن البعيدة
- الجد محمد الآلوسي
- إلى الأخت ريتا
- تجميع المياه
- سحر المسافة
- الأدب والحلم في أمريكا- رسالة الى اكرم قطريب
- المشهد السفلي
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر- الحلقة الأخيرة
- بعين التكنولوجية الى الأدب العربي المعاصر -2
- سعدي يوسف- يطرق ما تجمعه النافذة من فضاء
- تــداخل أمكنــــة - إلى فاطمة ناعوت
- تخفيف اللحظة
- ربما سحر
- تسخين الشمس- فاعلات ليلية للشاعر المصري اشرف عامر
- النبي المسافر


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - مولد سيدي عبد القادر