أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - عشرسنوات من التقدّم العاصف – الفصل الأوّل من كتاب - الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة















المزيد.....



عشرسنوات من التقدّم العاصف – الفصل الأوّل من كتاب - الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5248 - 2016 / 8 / 8 - 03:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


عشرسنوات من التقدّم العاصف – الفصل الأوّل من كتاب - الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة


الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 24 / ماي 2016
شادي الشماوي


بمناسبة الذكرى الخمسين للثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى التى ألهمت و لا تزال تُلهم عبر العالم قاطبة ملايين الشيوعيين الثوريين و الجماهير الشعبيّة التوّاقين لتحرير الإنسانيّة و تشييد عالم آخر ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ، و مساهمة منّا فى مزيد التعريف بهذه الثورة و رفع رايتها الحمراء ، أتممنا صياغة فصول أضفناها إلى أخرى سبق نشرها لتأليف هذا الكتاب الذى ننشر اليوم.

فهرس كتاب :

" الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا :
الثورة الثقافيّة البروليتاريا الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقدّمها صوب الشيوعيّة "

تمهيد

الفصل الأوّل :

عشر سنوات من التقدم العاصف ( مجلّة " عالم نربحه " عدد 7 ).

الفصل الثانى :

تعميقا لفهم بعض القضايا الحيوية المتعلّقة بالثورة الثقافية.( شادي الشماوي )

الفصل الثالث :


فهم الخطوط التحريفية التي واجهها الشيوعيون الماويون إبّان الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى

1- لمزيد فهم الخط اللين بياوي كأحد الخطين التحريفيين الذين هزمهما الخط الثوري الماوي أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى .( شادي الشماوي)

2- من صين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية: برنامج دنك الذى طبق فى الصين بعد إنقلاب 1976 يميط اللثام حتى أكثر عن الخطّ التحريفي الذى ناضل ضدّه الشيوعيو ن الماويون.( شادي الشماوي)

الفصل الرابع :

مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ بصدد الثورة الثقافية . (شادي الشماوي)
الفصل الخامس :

الثورة الثقافية فى الصين...الفنّ والثقافة...المعارضة والصراع...والمضيّ بالثورة نحو الشيوعية (بوب أفاكيان)
خاتمة الكتاب
ملاحق (3) : 1- قرار ال16 نقطة.
2 - ماو تسى تونغ يحلّل الثورة الثقافية .
3- الرئيس ماو تسى تونغ يناقش مظاهر البيروقراطية.

المراجع الأساسية المعتمد
أدبيات إضافية متوفّرة على الأنترنت
فهارس كتب شادي الشماوي
تمهيد :


فى المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية و فى ظل دكتاتورية البروليتاريا و فى ظروف علم خمسينات القرن العشرين و ستيناته و الردّة التحريفية فى الإتحاد السوفياتي و عقب دراسة تجارب دكتاتورية البروليتاريا العالمية ، كان الشيوعيّون الماويون يجتهدون لتجنيب الصين المصير الذى آل إليه الإتحاد السوفياتي و يخطّون طريقا جديدا لبناء الإشتراكية مستفيدين من التجارب السابقة و كانوا يتوقّعون أن : " فى مثل هذه المرحلة ، علينا أن نكون على استعداد لخوض صراعات عظيمة فى جوانب عدّة ستختلف فيها أشكال الصراع عن تلك التى استعملت فى الماضى."( ماو تسى تونغ )

ومثلما شرح ذلك ماو تسى تونغ فى خطاب له أمام البعثة العسكرية الألبانية فى غرّة ماي 1967 ، سعى الشيوعيون الماويون منذ أواخر الخمسينات و بداية الستّينات لإيجاد طريقة و وسيلة فعالة بما فيه الكفاية لمكافحة الجانب الأسود داخل الحزب و الدولة - التحريفيون - و لم يسعفهم فى ذلك تاريخ الحركة الشيوعية العالمية بتجاربه المتنوّعة . و مع تطوّر الصراع الطبقي فى الصين و النهوض الجماهيري للدفاع عن المكاسب الإشتراكية و تطوّر النظرية الماوية لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، تكشفت و تجلّت الوسيلة و الطريقة الجديدة كلّ الجدّة و المثرية أيّما إثراء لعلم الثورة البروليتارية العالمية : الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى .

و يمكن إجمال أهم ركائز نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا مثلما طوّرتها الماوية كمرحلة ثالثة فى تطوّر علم الشيوعيّة فى الآتى ذكره : فى المجتمع الإشتراكي بما هو مجتمع طبقي إنتقالي من الرأسمالية إلى الشيوعية و إن تمّ بالأساس تحويل الملكية إلى ملكية إشتراكية يتواصل وجود الطبقات والتناقضات الطبقية و الصراع الطبقي و إمكانيّة حصول ردّة من الداخل واردة حقيقة بإعتبار تواصل صراع الطريقين الرأسمالي و الإشتراكي طوال المرحلة الإشتراكية المديدة فعلا كمرحلة إنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية ؛ و يتركّز الصراع الطبقي و الصراع بين الطريقين صلب الحزب الشيوعي بإعتباره محور المجتمع الإشتراكي. و يتّخذ شكل صراع خطين رهانه طبيعة الحزب و الدولة و إن ظلّ الخطّ الشيوعي الثوري منتصرا ظلّت طبيعتهما بروليتاريّة و متى إنتصرت التحريفيّة ، حدث تحوّل نوعي و بلغت البرجوازية السلطة و صارا برجوازيين و أعيد تركيز الرأسمالية . و من هنا لزاما على الشيوعيين أن يخوضوا بلا إنقطاع ، كي يبقى الحزب و تبقى الدولة بروليتاريين ، نضالا لا هوادة فيه ضد القاعدة المادية- إنتاج صغير وحق برجوازي و تقسيم العمل قادة / قواعد و التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين العمّال و الفلاّحين و بين الريف و المدينة...- و البنية الفوقية – و منها التقاليد و الأفكار البرجوازية المنغرسة لقرون- اللّذان يولّدان الرأسمالية بإستمرار و من أجل تثوير علاقات الإنتاج ( الموقع من العمل و الموقع من توزيع الثروة بعد تحويل الملكية ) والبنية الفوقية لتغيير نظرة الناس للعالم حتى تصبح بروليتاريّة شيوعية و للتقدّم صوب العالم الشيوعي .

و الذين يقفون دون تثوير المجتمع بإتّجاه المجتمع الخالي من الطبقات و يسعون لإيقافه و توسيع علاقات الإنتاج و الأفكار البرجوازية جزئيّا ثمّ لإعادة تركيز الرأسمالية عبر البلاد كافة هم فى صفوف الحزب أتباع الطريق الرأسمالي التحريفيين الذين كمهمّة يجب الإطاحة بهم و ذلك بوسيلة جديدة طوّرتها الماويّة هي الثورات الثقافية البروليتارية الكبرى ، من الأسفل عن طريق إستنهاض الجماهيراالشعبية لتستعيد أجزاء السلطة التى إستولى عليها التحريفيّون و لترفع من وعيها الطبقي من خلال الممارسة فتغدو قادرة على كشف التحريفيّين و الإطاحة بهم دون تردد و تغيير العالم بإتجاه بلوغ العالم الشيوعي.

هنا لسائل أن يسأل لماذا لم يتم ببساطة طرد التحريفيّين من الحزب دفعة واحدة و لا حاجة إلى هذه النظرية الماوية و هذا الصراع الدائم ( وهو رأي يشيعه الخوجيّون جميعا ) ؟

و الجواب هو أن تاريخ الصراع الطبقي للبرولياتاريا علمنا أن الطرد ليس الحلّ الأمثل . فمثلا طرد ستالين من طرد و مع ذلك حدث الإنقلاب التحريفي بقيادة من يعتبر من مساعديه المقرّبين و لم يفهم الشعب السوفياتي ما حصل و قطاعات كبيرة منه هلّلت للتغيير . و طرد أنور خوجا من طرد و مع ذلك جاء مساعده و عضده الأيمن راميز عاليا ليقود إعادة تركيز الرأسمالية بفجاجة و سادت البلبلة صفوف العمّال و الفلّاحين و المثقّفين...

هذا من ناحية أمّا من ناحية ثانية فماو ينظر إلى المسألة على أنّها صراع طبقيّ و عليه بالتالي أن يخوض الصراع الطبقي بالأساس و يأتى الطرد كأحد الإجراءات التى لا تعوّض الصراع السياسي و بالفعل طرد من الحزب أو المناصب الحزبيّة و الحكومية خلال الثورة الثقافية ليوتشاوشى – خروتشوف الصين الأوّل – و دنك سياو بينغ لمرتين – خروتشوف الصين الثاني- ضمن ما يناهز ال3 بالمائة من المطرودين و مع ذلك تمكّن التحريفيّون من مختلف المستويات السفلى و المتوسّطة و العليا من الضغط بوسائل متنوّعة و التآمر لإرجاع عدد من المطرودين. و بعد الإنقلاب فى 1976 أعادوا الإعتبار لمن أسموهم ضحايا الثورة الثقافية و وضعوا دنك على رأس الحزب و الدولة .

و من الأكيد أن عملية الصراع ضد التحريفيين لم تكن يسيرة فالأوراق كانت مختلطة و الأوضاع معقّدة بل فى منتهى التعقيد أحيانا فالتحريفيّون أنفسهم ما كانوا ليعلنوا أنّهم معادين صراحة للخطّ الثوري الماوي . بالعكس كانوا يقدّمون برامجهم و أفكارهم على أنّها الأفكار الماويّة و كانوا يعتمدون تكتيكات خبيثة نلمح إلى إثنين منها أمسيا معروفين خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى والأوّل هو توسيع الهدف و الهجوم على الكلّ لحماية مجموعة قليلة و الثاني هو رفع راية الماويّة لإسقاطها أي إدعاء العمل وفق الخطّ الماوي فى حين يمارس نقيضه. و هذه ليست خيالات، هذه وقائع صراع طبقي محتدم مداره من سينتصر الطريق الإشتراكي أم الطريق الرأسمالي وهي معارك كما سنرى شرسة حقيقة .

و فضلا عن ذلك و تأسيسا على كون تناقضات المجتمع الإشتراكي ذاتها تفرز بإستمرار الرأسماليّة و التحريفيّة و كون ما يدور من صراع طبقي يتمحور على هدف السلطة وهل يتظلّ الصين إشتراكية أم سيعاد تركيز الرأسمالية بها مع صعود التحريفية و بالتالي صعود البرجوازية الجديدة للسلطة ،على عادته الثوريّة المنطلقة من الفهم العميق للخط الجماهيري و إعتبار الشعب و الشعب وحده هو صانع تاريخ العالم، إستنهض الخطّ الماوي الذى كان سائدا داخل الحزب الشيوعي الصيني إلى 1976 الجماهير لتصنع التاريخ متصدّية للتحريفيّة وماسكة بزمام المجتمع و سلطة توجيهه على الأصعدة كافة و رافعة وعيها و مغيّرة نظرتها للعالم فيتقدّم المجتمع على الطريق المؤدى للمجتمع العالمي الخالي من الطبقات ، الشيوعية المثل الأعلى المستقبلي .

و فى السجال الذى سنخوض هذه المرّة ضد أصحاب و أنصار التحريفية المعاصرة و الخوجيين وتحديدا بصدد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كأحد ركائز نظريّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، حجر الزاوية فى الماوية ، فى سجالنا هذا سنلجأ الى استشهادات متعدّدة قد تثقل على من لم يتعوّد هذا النوع من المقالات و لكن عذرنا هو أن غايتنا من هذه الاستشهادات مزدوجة فأوّلا ، أقدمنا على ما أقدمنا عليه اجلاءا للحقيقة فى أدق تفاصيلها ( والحقيقة وحدها الثورية) و ثانيا ، توفيرا لمادة وثائقية قد يفتقدها العديد من الرفاق و الرفيقات و من يبحث عن الحقيقة .

و قناعتنا راسخة بأنّه لما ينفض الغبارالذى ذرّه التحريفيّون المعاصرون و الخوجيّون على الماركسية – اللينينية -الماوية ستدرك الثوريّات و يدرك الثوريّون أنّه لن توجد حركة ثورية دون علم الشيوعية و قمم تطوّره المستمرّ و لن تنجز ثورة ديمقراطية جديدة تمهّد للثورة الاشتراكية و تقودها الطبقة العاملة عبر حزبها الشيوعي.

-----------------------------------------

إستخلاص الدروس من التجربة السوفياتية لتشييد تجربة أرقى :

لن نتوسّع هنا فى هذه المسألة و إنّما لنوفّر مادة فهم تمهيدي سنعمد إلى مقتطف طويل نسبيا من واحدة من الوثائق التاريخية ذات الدلالة الفائقة ألا وهي" شيوعية خروشوف المزيّفة و الدروس التاريخية التى تقدمها للعالم " المؤرخ فى 14 تموز 1964 ، قبل سنتين تقريبا من إندلاع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. و هذه الوثيقة هي " الجواب " الصيني التاسع على الرسالة السوفياتية التى يعود تاريخها إلى 14 تموز(يوليو) 1963، وهي واحدة من نصوص الجدال الكبير ضد التحريفية السوفياتية / البرجوازية الجديدة التى إنقلبت و على رأسها خروشوف على الخط الثوري للحزب و الدولة السوفياتيّين فحولّتهما من حزب و دولة بروليتاريّين إلى حزب و دولة برجوازيين.

و تجدر الإشارة هنا إلى أن الخوجّيين بجميع أصنافهم ناشري الجهل لم يذكروا هذه الوثائق الماويّة و لم يتعرّضوا لها لا بالتحليل و لا بالنقد ( خوجا يحول وجهته فى 1979 و يهاجم ماو هجوما مسعورا مزوّرا الحقائق ومفتريا على القائد البروليتاري العالمي الإفتراء كلّه قالبا الوقائع رأسا على عقب مدّعيا أنّ ماو لم يناضل ضد التحريفيّة المعاصرة ، كلّ هذا بعد أن كان يرفع ماو إلى السماء ! ) رغم عرضها لبعض النظريّات التى طوّرها ماو و تصريحها بلا لفّ و دوران مثلا أن ماو " أغنى و طوّر النظريّة الماركسية اللينينية حول دكتاتورية البروليتاريا..." كما سنلمس فى الوثيقة التى نضع مقتطفات منها بين أيديكم :

" إن السير إلى الأمام نحو الشيوعية معناه التقدّم نحو إزالة كلّ الطبقات و الفوارق الطبقيّة . و لا يمكن تصوّر مجتمع شيوعي يُبقى على أيّ من الطبقات ناهيك عن طبقات مستغِلّة . و الحال أنّ خروشوف يدعم نوعا جديدا من البرجوازية ، بإعادة نظام الإستغلال و توسيعه و تعجيل الإستقطاب الطبقي فى الإتحاد السوفياتي . و أصبحت الآن شريحة برجوازية منعمة بالإمتيازات فى وضع معارض للشعب السوفياتي تحتلّ مركز السيطرة فى الحزب و الحكومة و فى الدوائر الإقتصادية والثقافية وغيرها. فهل يجد المرء ذرة من الشيوعية فى كلّ هذا ؟ ...

إنّ السير قُدما نحو الشيوعية يعنى العمل على رفع الوعي السياسي الشيوعي لدى الجماهير الشعبية بصورة دائمة. و لا يمكن تصوّر مجتمع شيوعي تطغى فيه الأفكار البرجوازيّة . و الحال أنّ خروشوف يعمل بحمية لإنعاش الإيديولوجيا البرجوازية فى الإتّحاد السوفياتي و يتصرّف تماما كمبشّر بالثقافة الأمريكيّة المتفسّخة.

وهو بترويجه للحافز المادي يحوّل جميع العلاقات بين البشر إلى علاقات ماليّة و ينمّى الفرديّة و الأنانيّة . و أصبح العمل الجسماني نتيجة لفعله محتقرا من جديد ، و أصبحت المتعة و العبث على حساب عمل الآخرين عملا مشرفا . إنّ الأخلاق الإجتماعيّة و العادات التى يشجّعها خروشوف أصبحت بعيدة جدا عن الشيوعيّة...

إنّ " شيوعية " خروشوف هي فى جوهرها لون من ألوان الإشتراكيّة البرجوازيّة . و هو لا يعتبر أنّ الشيوعية هي إزالة الطبقات و الفوارق الطبقيّة تماما ، بل على العكس فهو يصف الشيوعية بأنّها "صحن بمتناول الجميع مليئ بمنتجات العمل الجسماني و الروحي ". و بالنسبة إليه لم يعد نضال الطبقة العاملة من أجل الشيوعية نضالا من أجل التحرّر الكامل للطبقة العاملة نفسها و لجميع البشرية ، بل العكس فهو يصفه بإعتباره نضالا من أجل صحن جيد من " الغولاش " ( البطاطا و اللحم ). لم يبق فى قلب خروشوف من أثر للشيوعية العلمية ، بل لا يوجد فيه إلاّ صورة مجتمع برجوازي سوقي ...

و ليس من شيء عجيب غير مألوف فى شيوعيّة كهذه . إنّها ببساطة إسم جديد للرأسمالية .

فمن السهل إذن أن نفهم لماذا تحظى " شيوعية " خروشوف بتقدير الإمبريالية و الرأسمال الإحتكاري . صرّح وزير الخارجيّة الأمريكيّة دين راسك : "... بقدر ما يحتلّ الغولاش و البنطلون الثانى و ما شابه ذلك من مسائل من مكانة أكثر أهمّية فى الإتحاد السوفياتي بقدر ما تظهر ، على ما أعتقد ، من تأثيرات معتدلة ..."

بودنا أن ننصح السادة الإمبرياليين بألاّ يفرحوا قبل الأوان ! و ذلك لأنّ أيّة خدمة تقدّمها عصابة خروشوف التحريفيّة لن يكون بمقدورها حماية الإمبريالية من نهايتها الحتميّة . إنّ العصابة التحريفية المسيطرة تعاني نفس المرض الذى تعانيه العصابة الإمبريالية المسيطرة ، فهما متعارضتان تعارضا لا لقاء فيه مع الجماهير الشعبية التى تشكل أكثر من 90 بالمائة من سكّان العالم ، لذا فإنّهما ضعيفتان و عاجزتان و نمران من ورق . إنّ عصبة خروشوف التحريفيّة تشبه صنما من الطين لا يمكنها أن تصون نفسها من الذوبان أثناء عبور النهر ، إذن كيف يمكنها أن تمنح الإمبريالية عمرا أطول ؟...

هل مجتمعنا اليوم نظيف لا شائبة فيه ؟ كلاّ ! ما زالت الطبقات موجودة ، وما زال الصراع الطبقي موجودا ، وما زالت هنالك الطبقات الرجعيّة التى أطيح بها عن الحكم و التى تتآمر للعودة ، و ما زالت فى بلادنا نشاطات تمارسها العناصر البرجوازية القديمة و الجديدة ، و هجمات مسعورة يشنّها المختلسون و المرتشون و المتحلّلون. وهنالك أيضا حالات تفسخ فى عدد قليل من المنظمات القاعدية ، و بالإضافة لهذا يبذل هؤلاء المتفسّخون وسعهم لإيجاد حماة و عملاء لهم فى الهيئات القياديّة الأعلى . لهذا علينا ألاّ نقلّل بأيّ قدر كان من يقضتنا إزاء هذه الظواهر ، بل علينا أن نكون منتبهين تماما ...

كيف يمكن تدارك عودة الرأسمالية ؟ لقد وضع الرفيق ماو تسى تونغ حول هذه المسألة مجموعة من النظريّات و السياسات بعد تلخيص الخبرات العمليّة لدكتاتوريّة البروليتاريا فى الصين و بعد دراسة الخبرات الإيجابيّة و السلبيّة للأقطار الأخرى ، لا سيما الإتحاد السوفياتي ، وفقا للمبادئ الأساسية للماركسية - اللينينية ، و هكذا أغنى و طوّر النظرية الماركسية-اللينينية حول دكتاتورية البروليتاريا .

إنّ المحتوى الأساسي للنظريّات و السياسات التى قدمها الرفيق ماو تسى تونغ فى هذا الصدد هو كما يلى :

1- من الضروري تطبيق القانون الماركسي-اللينيني حول وحدة الأضداد على دراسة المجتمع الإشتراكي . إنّ قانون التناقض فى كلّ الأشياء ، أي قانون وحدة الأضداد ،هو القانون الأساسي للديالكتيك المادي . و يعمل هذا القانون فى كلّ مكان سواء فى عالم الطبيعيّات أو فى المجتمع الإنساني أو فى الفكر الإنساني . إنّ الأضداد فى أيّ تناقض ما تتّحد بعضها مع بعض و تتصارع بعضها مع بعض ، و هذا ما يدفع الأشياء إلى الحركة و التغيّر . و المجتمع الإشتراكي لا يشذّ عن هذا ...

2- إنّ المجتمع الإشتراكي يستمرّ لفترة تاريخيّة طويلة جدّا ، و الطبقات و الصراع الطبقي يستمران فى هذا المجتمع ، و الصراع لم يزل يدور بين طريق الإشتراكيّة و طريق الرأسماليّة . إنّ الثورة الإشتراكية فى الجبهة الإقتصاديّة ( فى ملكية وسائل الإنتاج ) وحدها ليست كافية ، و لا يمكن تدعيمها أيضا . لهذا لا بدّ من وجود ثورة إشتراكية شاملة فى الجبهتين السياسية و الإيديولوجية .

وهذا يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن لكي يتقرّر أيّ من الإشتراكيّة و الرأسماليّة ستنتصر على الأخرى فى الجبهتين المذكورتين . و سوف لا تكفى عدّة عقود من الزمن ، و النصر يحتاج إلى مدّة تمتدّ من قرن إلى عدّة قرون . و فيما يتعلّق بمسألة الجهود يكون من الأفضل إعتبار المهام أصعب بدلا من إعتبارها سهلة . و التفكير و العمل بهذا الشكل سوف يكونان أكثر نفعا و أقلّ ضررا . و كلّ من يعجز عن رؤية هذا أو عن تقديره تقديرا تاما سوف يرتكب أخطاء عظيمة و هائلة . و من الضروري خلال الفترة التاريخيّة للإشتراكيّة التمسّك بدكتاتورية البروليتاريا و مواصلة الثورة الإشتراكية حتّى النهاية إذا ما أريد سدّ الطريق أمام عودة الرأسمالية ، و دفع البناء الإشتراكي إلى الأمام ، و خلق الظروف للإنتقال إلى الشيوعية .

3- إنّ الطبقة العاملة تقود دكتاتوريّة البروليتاريا على أساس التحالف بين العمّال و الفلاّحين . و هذا يعنى مباشرة دكتاتوريّة البروليتاريا ، بواسطة الطبقة العاملة و الشعب تحت قيادتها ، على الطبقات الرجعيّة و على الأفراد الرجعيّين و العناصر التى تعارض التحويل الإشتراكي و البناء الإشتراكي ، و تمارس المركزيّة الديمقراطيّة بين صفوف الشعب. إنّ ديمقراطيّتنا هي أوسع ديمقراطية ، و يستحيل إيجاد مثلها فى أيّ دولة برجوازية .

4- من الضروري فى الثورة الإشتراكيّة و البناء الإشتراكي معا الإلتزام بخطّ الجماهير ، و إستنهاض الجماهير بشجاعة و تطوير حركة الجماهير على نطاق واسع ...

5- من الضروري ، سواء فى الثورة الإشتراكيّة أو البناء الإشتراكي ، حل مسألة : من يعتمد عليه ، و من يُكسب و من يعارض . وعلى البروليتاريا و طليعتها أن تجريا تحليلا طبقيّا للمجتمع الإشتراكي و أن تعتمدا على القوى المعتمد عليها فعلا و التى تسلك الطريق الإشتراكي بحزم ، و أن تكسبا كلّ الحلفاء الذين يمكن كسبهم ، و أن تتّحدا مع جماهير الشعب التى تشكل أكثر من خمسة و تسعين بالمئة من السكان ، فى نضال مشترك ضد أعداء الإشتراكية ...

قال الرفيق ماو تسى تونغ على ضوء الدروس التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا : إنّ النضال الطبقي و النضال من أجل الإنتاج و التجارب العلمية هي الحركات الثورية الثلاث العظمى لبناء بلد إشتراكي قوي ، و هذه الحركات ضمان كاف لأن يتجنّب الشيوعيّون البيروقراطيّة و يتحصّنوا ضد التحريفيّة و الجمود العقائدي ، و أن يظلّوا أقوياء لا يغلبون إلى الأبد إنّها ضمان يعتمد عليه فى أن تصبح البروليتاريا قادرة على الإتّحاد مع الجماهير الواسعة من الشغيلة لتحقيق دكتاتوريّة ديمقراطيّة . و إذا سنح ، فى غياب هذه الحركات ، للملاكين العقاريين و الفلاّحين الأغنياء و المعادين للثورة و العناصر السيّئة و غيرهم من الشياطين بالخروج من مخابئهم و مباشرة نشاطهم بينما تغمض ملاكاتنا أعينها عن كلّ هذا و يعجز كثير منها حتّى عن التمييز بين العدو و بين أنفسنا ، و يتعاون مع العدو و يصبح فاسدا منحط الأخلاق ، و إذا إنجرت ملاكاتنا هكذا إلى معسكر العدو ، أو إذا تمكّن العدوّ من التسلّل إلى صفوفنا ، و إذا تُرك عدد كبير من عمّالنا و فلاّحينا و مثقّفينا بدون قدرة على الدفاع عن نفسه فى وجه التكتيكات الليّنة و الشديدة التى يمارسها العدوّ ، فسوف لا يمضى وقت طويل حتى تحدث بلا شك ّ، بعد عدّة سنوات أو عقد من الزمن أو عدّة عقود على الأكثر ، عودة معادية للثورة على نطاق البلد ، وحتىّ يصبح الحزب الماركسي- اللينيني بالتأكيد حزبا تحريفيا أو حزبا فاشستيا و تغيّر الصين قاطبة لونها ".

لقد أوضح الرفيق ماو تسى تونغ أنّه علينا ، بغرض التأكّد من عدم تغيير حزبنا و بلدنا للونهما ، ألاّ يكون لنا خط صحيح و سياسات صحيحة فحسب ، بل أن ندرّب و نربّي ملايين من الخلف لمواصلة قضية البروليتاريا الثورية.

إنّ مسألة تدريب الخلف لقضية البروليتاريا الثوريّة هي ، فى التحليل النهائي ، مسألة ما إذا كان هناك فى المستقبل من يواصلون العمل للقضيّة الماركسية-اللينينية الثوريّة التى بدأها الجيل القديم من الثوريّين البروليتاريين أم لا ؟ و هل تظلّ قيادة حزبنا و دولتنا فى المستقبل فى أيادي الثوريّين البروليتاريّين أم لا ؟ و هل يواصل خلفنا السير على الطريق الصحيح الذى رسمته الماركسية-اللينينية أم لا ؟ أو بمعنى آخر ، هل يمكننا أن نحول بنجاح دون ظهور تحريفيّة خروشوف فى الصين أم لا ؟ إنّ هذه ، بإختصار ، مسألة بالغة الأهمّية ، مسألة حياة أو موت لحزبنا و بلادنا. إنّها مسألة ذات أهمّية أساسيّة لقضيّة البروليتاريا الثوريّة لمئة أو ألف سنة و حتى لعشرة آلاف سنة . إن المتنبّئين الإمبرياليّين و قد إرتكزوا إلى التغيّرات التى حدثت فى الإتّحاد السوفياتي يعلّقون آمالهم فى " التحوّل السلمي " على الجيل الثالث أو الرابع للحزب الشيوعي الصيني.علينا أن نحطّم و نبدّد هذه التنبّؤات الإمبريالية. وعلينا ، من منظماتنا العليا إلى الدنيا ، أن نعتني دائما فى كلّ مكان بتدريب و تربية الخلف للقضيّة الثوريّة ."

(ستوارد شرام ، " الماركسية - اللينينية أمام مشاكل الثورة فى العالم غير الأوروبي "، دار الحقيقة ، بيروت ، 1988).

" ما هي الشروط اللازمة التى يجب أن تتوفر فى هذا الخلف لقضية البرولتاريا الثورية ؟

يجب أن يكونوا ماركسيين- لينينيين حقيقيّين ، لا محرّفين مثل خروشوف الذى يلتحف فقط بثوب الماركسية اللينينية .

يجب أن يكونوا ثوريّين يخدمون بكلّ أمانة و إخلاص الأغلبيّة الساحقة من الناس فى الصين و فى العالم أجمع ، لا مثل خروشوف الذى يخدم مصالح حفنة من أفراد الفئة البرجوازية صاحبة الإمتيازات فى بلاده ، و يخدم أيضا مصالح الإمبريالية و الرجعيّة على الصعيد الدولي .

يجب أن يكونوا سياسيّين بروليتاريّين قادرين على الإتّحاد مع الأغلبيّة الساحقة من الناس و العمل معها. يجب عليهم ، فضلا عن الإتّحاد مع من يوافقونهم فى الرأي ، أن يحسنوا الإتّحاد مع من يختلفون معهم فى الرأي ، بل و مع الذين عارضوهم فى الماضي و قد برهن الواقع على خطئهم بعد ذلك. و لكن يجب أن يحذروا على وجه الخصوص من أصحاب المطامع الشخصيّة و المتآمرين من أمثال خروشوف و أن يسدّوا الطريق على أمثال هذه العناصر السيّئة من إغتصاب قيادة الحزب و الحكومة من جميع المستويات .

يجب أن يكونوا نماذجا فى تطبيق مركزيّة الحزب الديمقراطيّة ، و أن يُجيدوا أسلوب القيادة القائم على مبدأ " من الجماهير و إلى الجماهير" ، و يجب أن يعوّدوا أنفسهم على الأسلوب الديمقراطي بحيث يحسنون الإستماع إلى آراء الجماهير . و لا يجوز أن يكونوا متجبّرين مثل خروشوف فينقضون مركزيّة الحزب الديمقراطية ، و يشنّون الهجمات المفاجئة على الرفاق أو يتصرّفون بصورة تعسفيّة و دكتاتوريّة .

يجب أن يكونوا متواضعين متروّين و أن يتدرّعوا ضد الغرور و التهوّر ، يجب أن يكونوا مشبعين بروح النقد الذاتي و لديهم الشجاعة على إصلاح النقائص و الأخطاء فى العمل. ولا يجوز لهم أبدا أن يكونوا مثل خروشوف، يتستّرون على أخطائهم فيدّعون أن كلّ الفضل يعود إليهم وحدهم و يعزون كلّ الأخطاء إلى الآخرين.

إنّ الخلف الصالح لقضية البروليتاريا الثوريّة ينشأ فى الكفاح الجماهيري ، و يترعرع و ينصقل فى العواصف العاتية للثورة . فينبغى إختيار الكوادر و الحكم عليهم و إختيار و تربية خلف منهم فى غمرة الكفاح الجماهيري الطويل .

( " حول شيوعية خروشوف المزيّفة و الدّروس التاريخية التى تقدمها للعالم " ، ص 294-296 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ).


------------------------------------------------------------


التحريفيون المعاصرون السوفيات و الصينيّون و الخوجيّون يلتقون فى الموقف المعادي للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى قمّة ما بلغته تجارب دكتاتورية البروليتاريا عالميّا فى سيرها نحو الشيوعية :

وفق التسلسل التاريخي :

1/ إفتراءات تحريفية سوفياتية :

و يوفّر لنا كتاب للتحريفيّين السوفيات فيه يهاجمون بشراسة ما بعدها شراسة الماويّة و ماو تسى تونغ :
" نقد المفاهيم النظرية لماو تسى تونغ "( دار التقدم ، الترجمة الى العربية ، 1974) ، يوفّر لنا مادّة كثيفة فى منتهى الدّلالة لن نقتطف منها سوى هذه الفقرات تجنّبا للاطالة :

- الإيديولوجية الماويّة هي إيديولوجية المغامرة السياسية و الديماغوجية و العنف و الإرهاب الجماعي . و من البديهي أنّه لا معنى لها بدون عبادة الفرد . و عن طريقها نجح أتباع ماوتسي تونغ فى إغتصاب السلطة فى الحزب و الدولة خلال "الثورة الثقافية ". (ص226 )

- قام الماويّون بهجوم حقيقيّ على الحزب الشيوعي الصيني – فقضوا على كلّ الهيئات القياديّة المنتخبة للحزب الشيوعي الصيني من أعلى إلى أسفل ، و حطم كلّ الهيكل التنظيمي للحزب ...و وجهت ضربة قاسية لكلّ القوى السليمة فى الحزب و أبعد عن النشاط السياسي و خضع للتطهير و الإضطهاد و التشهير مجموعات كبيرة من قادة الحزب و الدولة البارزين و الشخصيات العسكرية و المناضلين القدماء فى الثورة الصينية... .فاستبعد من الحزب ليوتشاوتشى... .( ص 222-221)

- أنصار ماو تسى تونغ إضطرّوا أن يقيموا فى كلّ مكان إشرافا عسكريّا و أن يستخدموا الجيش إلى أقصى حدّ لتنظيم الإنتاج . ( المصدر السابق ، ص218)

- و لا ندهش إذا إنتشرت على نطاق واسع الإهانات و التشهير و الإعتقالات و الضرب و الإصابات الجسديّة و غير ذلك من أبشع أساليب العنف ضد ضحايا " الثورة الثقافية " و كثيرا ما يتحوّل إلى قصاص عرفي و قتل و صدامات دموية واسعة النطاق .( ص214)

2 / إعترافات خوجية :

- كان التحريفيّون السوفيات يعلقون آمالا كبيرة على أصحابهم التحريفيّين الصينيّين و الآن و قد تلقى هؤلاء ضربة ، يتّخذ السوفيات بشكل مفتوح الدفاع عنهم و ينادونهم الى الإنتفاض ضد ماو . هذا صراع حد الموت. ( أنور خوجا ، " ملاحظات حول الصين " ج1، ص 341 ، بالفرنسيّة )

- فى هذه المرحلة ، تكتيك الخروتشوفيّين الذين أطاحوا بخروتشوف و الذين يدّعون عدم مناقشتنا ، بهذه الخدع ، هو السعي بالتأكيد الى إعانة أصحابهم التحريفيّين الصينيّين للعمل بهدوء أكبر لتنظيم افتكاك السلطة فى الصين بغية القضاء على ماو أو تحييده و ذلك لأن فى وضع ثوري كان التحريفيّون الصينيّون سيفتضحون كما حصل بالفعل . [ فى الوضع الثوري الذى خلقته الثورة الثقافية البرواليتارية الكبرى تمّ فعلا فضح التحريفيّين و نزع السلطة التى اغتصبوها لوضعها بين يدي شيوعيّين مخلصين وهو ما لم يقع لا فى الاتّحاد السوفياتي و لا فى ألبانيا و من هنا البعد التاريخي العالمي لهذه الثورة . الإضافة لنا ] .

الآن و قد كشف ماوتسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني عندهم الخونة التحريفيّين و مؤامرتهم فإنّ التحريفيّين المعاصرين و على رأسهم السوفيات، مع حلفائهم الأوفياء الامبرياليين الأمريكيين يقومون بحملة معادية للصين ، و معادية للماركسية و معادية للينينية لأن رفاقهم الصينيّون وقع كشفهم و عزلهم فآمالهم فى إفتكاك السلطة فى الصين ذهبت أدراج الرياح . فى مؤتمرهم ذهب التحريفيّون السوفيات و المجريّون الخ حتى الى الدفاع العلني عن أمثالهم الذين سحقوا فى بيكين . يجب اعتبار هذا انتصارا لا فحسب بالنسبة للصين و لكن أيضا بالنسبة لنا و بالنسبة الى الحركة الشيوعية العالمية . (" ملاحظات..." ، ص 336-337)

هذه ليست تخمينات خوجية و إنّما وقائع فرضت ذاتها فهي حملة عالميّة و هي محتويات مداولات مؤتمرات وهي دفاع علني عن التحريفيّين الصينيّين و رمزهم ليوتشاوشى الملقب صينيا ب" خروتشوف الصين ".

3 / تشويهات تحريفيّة صينيّة :

و سنة 1980 يتقدّم دنك سياو بينغ مهندس الانقلاب التحريفي فى الصين سنة 1976 كالطاووس ليفصح عن موقفه الحقيقي من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى كتاب " ماوتسى تونغ : سيرة حياة – تقييم – ذكريات "؛ دار النشر باللغات الأجنبية ، بيكين1989 :
1- " "الثورة الثقافية " ...كانت خطأ "(ص107)
2 - خطأ جسيما (ص109)
3- و خطأ مريعا (ص111) لأنّها " قد وجهت الضربات الى الكوادر القياديين على كافة المستويات الذين قدموا مساهمات للثورة و يتحلون بخبرات عملية و منهم الرفيق ليوتشاوشى ".

و يعيد التحريفيّون الصينيون الاعتبار لليوتشاوشى و يربطوا علاقات صداقة متينة مع التحريفيّين السوفيات منذ إغتصابهم للسلطة وإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين.

4 / ردّة خوجية :

و حين إرتدّ أنور خوجا تنكّر لما سبق و أن أكّده و لوقائع و أحداث الصراع الطبقى فى الصين وشروحات ماو للبعثة العسكرية الألبانية منذ 1967 ، شنّ شأنه شأن جميع التحريفيّين المعاصرين هجوما شرسا على الماوية فى كتاب لاحق حمل عنوان " الإمبريالية و الثورة " وضعه أواخر السبعينات ، بعد وفاة ماو و الإنقلاب التحريفي فى الصين سنة 1976 ، و ممّا ورد فيه :

- فى نظرنا بإعتبار أنّ هذه الثورة الثقافية لم تقع قيادتها من طرف الحزب و إنّما كانت بمثابة إنفجار فوضوي ناتج عن نداء وجهه ماو تسى تونغ يسقط عنها طابعها الثوريّ . لقد مكّن نفوذ ماو فى الصين من إثارة ملايين الشبّان غير المنظّمين من طلبة و تلاميذ إتّجهوا نحو بيكين ، نحو لجان الحزب و السلطة و فقاموا بحلّها ، و كان يقال إنّ هؤلاء الشبّان يمثّلون فى الصين " الايديولوجيا البروليتارية " و هم الذين يرسمون للحزب و البروليتاريا الطريق" الصحيح" . ( طبعة باللغة الفرنسية ، ص411) .

- لقد كانت هذه الوضعيّة الخطيرة نتيجة لمفاهيم ماو تسى تونغ القديمة المعادية للماركسية ، فهو كان يقلّل من شأن الدور القيادي للبروليتاريا و يبالغ فى تقدير دورالشبيبة فى الثورة... و هكذا أبقيت الطبقة العاملة جانبا و فى العديد من الحالات وقفت ضد الحرس الأحمر بل وصلت إلى حدّ التصادم معهم . إنّ رفاقنا الذين كانوا وقتئذ فى الصين شاهدوا بأمّ عينهم عمّال المصانع يحاربون ضد الشبان . لقد صار الحزب مفكّكا و تمّت تصفيته . و لم يكن فى أيّ حال من الأحوال حزب الشيوعيّين و لا البروليتاريا . لقد كانت هذه الوضعيّة خطيرة جدّا .

- لقد أكّد سير الأحداث أنّ الثورة الثقافيّة البروليتاريّة لم تكن ثورة و أنّها لم تكن كبرى و لا ثقافيّة و بالخصوص لم تكن بروليتاريّة البتّة ، إنّها لم تكن سوى إنقلاب داخل القصر على المستوى الصينيّ من أجل تصفية حفنة من الرجعيّين الذين كانوا قد إستولوا على السلطة . و بالطبع كانت الثورة مخادعة . إنّها قضت فى نفس الوقت على الحزب الشيوعي الصيني و على التنظيمات الجماهيريّة و أغرقت الصين فى فوضى جديدة . لقد قاد هذه الثورة عناصر غير ماركسيّة ( أو بالتحديد الأربعة ) الذين بدورهم سوف يقضى عليهم عن طريق إنقلاب عسكري من قبل عناصر أخرى معادية للماركسيّة و فاشيّة (ص413) .

5 / ترديد أفكار تحريفيّة سوفياتيّة وخوجيّة :

و قد وقع الردّ على هذه التشويهات التى لا أساس لها من الصحّة من قبل الشيوعيّين الأصيلين عبر العالم وفى الوطن العربي أتت تنظيمات و أحزاب تدعى الشيوعيّة لتكرّر كالببّغاء الأفكار الخوجيّة التى نهلها أنور خوجا من معين التحريفيّة السوفياتيّة و الصينيّة . و نحن نساهم فى التصدّى الآن جزئيّا حسب ما يسمح به المجال للتحريفيّة بأصنافها و تزويرها للحقائق و بالمناسبة ذاتها نعرض قدر الإمكان فى هذا الحيّز التاريخ و الممارسات و التنظيرات الثوريّة للماوية لينال كلّ ذى حقّ حقّه .

-------------------------------------------------

و ينطوى كتابنا الذى يتطرّق لأكثر الثورات فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا جماهيريّة و إمتدادا زمنياّ - عشر سنوات - ووعيا بروليتاريا فى تاريخ العالم على أربعة فصول : فصل أوّل يقدّم ترجمة لعرض تاريخي للعشر سنوات التى هزّت الصين و العالم هزّا نهدف من ورائه إعطاء فكرة عامة عن الحدث الجلل لمن لم يطّلع على وثائق تتناول هذه الثورة و توفير تذكير سريع لمن يكون قد درس المسألة سابقا و فصل ثاني يعمّق فهم بعض المسائل الهامّة المتصلة بهذه الثورة و فصل ثالث غايته فهم الخطوط التحريفية التى واجهها الشيوعيّون الماويّون فى خضمّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى وفصل رابع جمعنا فيه أهمّ الأقوال التاريخية لماو تسى تونغ خلال تلك الفترة و فصل خامس تشخّص فيه بعض الأخطاء التى إقترفها الماويّون فى خضم تلك الثورة العظيمة على أكثر من مستوى وهو موضوع ما حظي بالبحث مليّا كما ينبغى من طرف شقّ من الماويين ، أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية .

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأوّل :

عشرسنوات من التقدم العاصف
( مجلّة " عالم نربحه " عدد 7 )


http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1986-7/AWTW-07-TenYears.pdf

1) إندلاع الثورة الثقافية : نوفمبر 1965- جانفى 1967 .

كانت " إشارة الإنطلاق " ، مثلما أسماها ماو ، نشر المقال الصحفي " حول المسرحية التاريخية المدعوة : "خلع هاي غوي " " . فقد مثلت هذه المسرحية التى ألّفها نائب رئيس لجنة بيكين البلدية مطلبا مقنّعا بإعادة الإعتبار لوزير الدفاع السابق بنغ ته هواه الذى أقيل من مهامه على رأس القوى المسلّحة فى 1959 بسبب رفضه إتباع الخط الماوي فى تشكيل الميليشيا الشعبية . و كان بنغ حامل راية المعارضة اليمينيّة لإستنهاض جماهير الفلاحين سياسيا و لبناء الكمونات الشعبيّة أثناء القفزة الكبرى إلى الأمام . وطالب نائب رئيس لجنة بيكين البلدية بإعادة الإعتبار له ليستعمله اليمين رأس حربة .

كتب ياو ون يوان بقيادة تشانغ تشنغ ، زوجة ماو ، نقدا للمسرحية فعرقل عمدة بيكين بينغ تشان نشره . ووقف وراء بينغ تشان رئيس الدولة ليوتشاوتشى و قائد حزبي آخر قوي هو السكرتير العام ، دنك سياو بينغ . شرح ماو لاحقا الوضع فقال : " كانت بعض المحافظات و بعض المناطق تحت هيمنة التحريفية التى كانت كثيفة إلى حدّ أنّه يتعذّر على الماء التسرّب من خلالها و على الإبرة إختراقها " (1) و هذا التعليق شأنه شأن عديد تعاليق ماو الملخّصة للمراحل السابقة للثورة الثقافيّة المقتطفة هنا- 1 و2 و3- مصدرها " خطاب أمام البعثة العسكرية الألبانية " فى 1 ماي 1967 ..." . و فى الأخير صدر المقال فى شنغاي فى العاشر من نوفمبر .

حينما وجد اليمين أنّه ليس بمقدوره إلغاء نشر نقد ياو ون يوان ل " خلع هي غوى" ، سعى من موقعه القيادي فى الحزب إلى تحويل النقاش إلى جدال أكاديمي و تاريخي بحت . و فى ما بعد شرح ماو : " لقد كان نشر مقال ياو ون - يوان إشارة الإنطلاق . و بالتالي ، داخل اللجنة المركزية كان عليّ أن أكتب إخطار ال16 من ماي .
و لأن العدو كان حسّاسا بصفة خاصة ، مع إطلاق الإشارة ، كنّا نعلم انّه سيتّخذ إجراءات و بالطبع كان علينا من جهتنا أن نتّخذ أيضا إجراءاتنا . فى هذه المذكرة طرحت بشكل واضح مسألة الخطّين و الطريقين . و ثمّة أشخاص كثيرون فى تلك الفترة كانوا يعتقدون أن آرائي قد أصبحت متخطّات ، و بشيء من النقاش كسبت تأييد أكثر بقليل من نصف الرفاق . "(2)

" فتح الباب للآراء " – إخطار السادس عشر من ماي :

[ " إخطار السادس عشر من ماي " هو الوثيقة الثانية من ملاحق كتاب جان دوبيه ، " تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية فى الصين 1965-1969" ]

لقد إستهدفت المذكّرة إطلاق النقاش على نطاق واسع و الإشارة إلى أهدافه الحقيقيّة : " إنّ ممثلّى البرجوازية الذين تسرّبوا إلى الحكومة و الجيش و مختلف الدوائر الثقافيّة هم مجموعة من المحترفين المعادين للثورة ، سوف ينتزعون السلطة السياسية متى نضجت الظروف لذلك فيحوّلونها من دكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية بورجوازية . و قد عرفنا بعض هؤلاء على حقيقتهم ، و البعض الآخر لم نكشف عن حقيقتهم بعد ، و آخرون منهم يحظون الآن بثقتنا و هم يعدّون ليصبحوا خلفا لنا ، فهناك أناس من طراز خروتشوف مثلا ما زالوا بيننا ، وعلى لجان الحزب من مختلف المستويات أن تنتبه إلى هذا الأمر كلّ الإنتباه . "

كمنهج " إن فتح الباب للآراء يعنى السماح للجميع بالتعبير عن آرائهم بحرّية ، حيث يجرؤون على الكلام و النقد و الجدال " . حينها كان إخطار السادس عشر من ماي وثيقة حزبيّة داخليّة بيد أن ماو لم يكن ينوى حصر الصراع فى حدود الحزب و دوائره .

ففى 25 ماي 1966 ، علّق سبعة طلبة و أساتذة فى جامعة بيكين معلّقة حائطيّة ذات حروف كبيرة [ دازيباو ] تنقد رئاسة الجامعة و أعضاء الحزب ذوى المراتب العليا المرتبطين بالعمدة بينغ تشان . و قد كتبت بحروف غليظة على ورقة من الحجم الكبير ورد فيها : " أي نوع من الناس أنتم الآن ؟ ... إنّ أحد أفضل الطرق لنضال الجماهير هو عقد التجمّعات و إلصاق المعلّقات الحائطية ذات الحروف الكبيرة . ب " قيادة " الجماهير بأن لا تعقد تجمّعات و أن لا تلصق معلّقات ذات الحروف الكبيرة و بخلق شتّى أنواع الممنوعات ألستم بصدد إضطهاد ثورة الجماهير و منعها من القيام بالثورة و معارضة ثورتها ؟ لن نسمح لكم أبدا بالقيام بهذا ! "

لم يكن الشباب الذين علّقوا هذه المعلّقة ليعلموا ما سيحصل لهم . و طالب ماو بأن يذاع مضمونها فى الراديو و يُطبع فى الجرائد فى غرّة جوان و قد أطلق عليه إسم " أول دازيباو ماركسي- لينيني ، وطني " و إنتظم إحتفال بذلك فى المركب الجامعي ببيكين.

و من أماكن أخرى كتب طلبة من المعاهد الثانوية إلى اللجنة المركزية رسالة مطالبين بتغيير النظام التربوي الذى عمّق الإختلاف بين العمل اليدوي و العمل الفكري و بين العمّال و الفلاّحين و بين المدينة و الريف . لمساندة هذا النوع من المطالب ، إنتشرت إنتفاضات الطلبة ، لا سيما فى بيكين .

و فى جوان تمّ عزل بنغ تشان و رئيس جامعة بيكين . و جرى تأجيل الإمتحانات و التسجيل بموجب توجيهات من اللجنة المركزية . و فى المعاهد، شرعت المعلّقات الحائطية فى إحتلال كلّ شبر من الفضاء ، ثم جرى تعليق الأوراق الكبيرة بواسطة أسلاك فى المطاعم .

و إكتسح إعصار من المناشير و الكرّاسات و الجرائد الحائطيّة المطبوعة و المكتوبة بخطّ اليد و المعلّقات الحائطيّة ، إكتسح المركّبات الجامعيّة و غطّى الصين بأسرها .

و من جديد ، سعى اليمين لوضع نفسه على رأس هذه الحركة و حرفها عن أهدافها لصالح غاياته هو . فأثناء غياب ماو لمدّة خمسين يوما عن بيكين فى جوان و جويلية ، بعث كلّ من ليوتشاوشى و دنك سياو بينغ اللّذان كانا حينها يحتلاّن المرتبة الثانية و الثالثة فى صفوف قيادة الحزب مجموعات العمل ل " تقود " الثورة الثقافية فى المعاهد و المؤسسات و المصانع . فمنعوا النقاشات فى المركّبات الجامعيّة حول الشؤون الجامعيّة . ومنعوا عقد التجمّعات و صار الإضطهاد على جدول الأعمال . لقد عملت مجموعات العمل على خفض رأس الحربة بتركيز النقد على الأخطاء الحقيقيّة أو المدعاة فى صفوف الأساتذة و الطلبة و العمّال العاديّين عوض التركيز على المسؤولين . فشارفت الثورة الثقافية على النهاية على أيدى هؤلاء الرسميّين الذين تقنّعوا بقناع أنصار فكر ماو تسى تونغ . و إنتشرت مجموعات مقاومة صغيرة و أحيانا سرّية ، لا سيما ضمن الطلبة . و لكن الوضع كان جدّيا حيث سادت البلبلة ضمن العديد من الناس . و تصاعدت الرهانات : وقتها أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية قنابلا على هانوي و هايبونغ فى فتنام ، جاعلة الحرب أقرب فأقرب من الحدود الصينية .

و فى 25 جويلية ، فى جريدة " يومية الشعب " ، ظهرت صورة فى الصفحة الأولى : ماو يسبح فى نهر اليانغ تسى. وهو فى سن ال73 قطع عدّة أميال فى مياه مضطربة . فكان ذلك تكذيبا للإشاعات حول مرضه و أخطأ الذين عوّلوا على وضعه جانبا حيث لم يكن البتّة خارج حلبة الصراع السياسي .

و فى أوت ، إنتظم إجتماع اللّجنة المركزيّة و كان يهدف إلى تخطّى الحواجز الهامة السياسيّة و الإيديولوجيّة التى شدّت إلى الوراء الشباب الصيني الثائر و التشديد بوضوح على الأهداف و الغايات و الوسائل الأساسيّة للثورة الثقافية . و تمخّضت عن الإجتماع وثيقة جوهريّة أضحت البرنامج الأساسي للثورة الثقافيّة هي وثيقة ال16 نقطة .

وثيقة ال16 نقطة : أوت 1967 :

[" وثيقة ال16 نقطة "هي الوثيقة الثالثة من ملاحق كتاب جان دوبيه " تاريخ ..."]

" إن الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، الجارية ، هي ثورة كبرى تمس ما هو أكثر عمقا عند البشر . و تشكل مرحلة جديدة فى تطور الثورة الإشتراكية فى بلدنا ، مرحلة أعظم إتساعا و عمقا فى آن .

قال الرفيق ماو تسى تونغ فى الدورة العامة العاشرة للجنة المركزية الثامنة للحزب : لإسقاط سلطة سياسية ، ينبغى دائما و قبل كل شيئ خلق الرأي العام ، و القيام بالعمل على الصعيد الإيديولوجي . يصح هذا بالنسبة للطبقة الثورية كما يصح بالنسبة للطبقة ضد الثورة . و قد أثبتت الممارسة أن موضوعة الرفيق ماو تسى تونغ هذه صحيحة تماما .

على الرغم من أن البرجوازية قد أسقطت ، فإنها ما تزال تحاول إستخدام الأفكار و الثقافة و التقاليد و العادات القديمة للطبقات المستغلة بغية إفساد الجماهير و الإستيلاء على عقولها و محاولة القيام بالردة . و على البروليتاريا أن تصنع العكس تماما : يجب أن تجابه كل تحدّ من جانب البرجوازية على صعيد الإيديولوجيا مجابهة مقابلة و تستخدم الأفكار و الثقافة و العادات و التقاليد الجديدة للبروليتاريا لتغيير السيماء الروحية للمجتمع كله ...و هدفنا فى الوقت الحاضر هو مكافحة و إسقاط أولئك الأشخاص ذوى السلطة الذين يسيرون فى الطريق الرأسمالي ، و نقد و إقصاء "الثقات" الأكاديميين البورجوازيين الرجعيين و إيديولوجيا البورجوازية و سائر الطبقات المستغلة ، و تحويل التربية و الأدب و الفن و سائر أجزاء البناء الفوقي التى لا تتوافق والأساس الإقتصادي الإشتراكي ، بحيث يسهل توطيد و تطور النظام الإشتراكي."

و إسترسلت الوثيقة : " إن جماهير العمال و الفلاحين و الجنود و المثقفين الثوريين و الكوادر الثورية تؤلف القوة الرئيسية فى هذه الثورة الثقافية الكبرى . لقد قام عدد كبير من الشباب الثوريين الذين كانوا مغمورين فى الماضى يشقون الطريق بشجاعة و إقدام . إنهم أقوياء فى العمل و أذكياء . و بواسطة الإعلانات بالحروف الكبيرة (دازيباو) و المناظرات الواعية ، يقومون بمناقشة الأمور ، و يفضحون و ينقدون على نحو ناجز ، و يشنّون الهجمات الحازمة على ممثلى البورجوازية المكشوفين و المتسترين ."

" و لمّا كانت الثورة الثقافية ثورة ، فلا بدّ أن تلاقي مقاومة . و تصدر هذه المقاومة بصورة رئيسية عن ذوى السلطة الذين تسلّلوا إلى داخل الحزب و يسلكون الطريق الرأسمالي . و تصدر أيضا عن قوّة العادات الآتية من المجتمع القديم ...
و نظرا لوجود مقاومة على جانب من القوّة ، فسوف تحدث إنتكاسات ، و لسوف تتكرّر الإنتكاسات ، فى هذا الصراع ، و لا ضير فى ذلك . إنّها تصلّب عود البروليتاريا و سائر الشغّيلة ، و لاسيما الجيل الصاعد ، و تلقنهم دروسا و تكسبهم خبرة ، و تساعدهم على فهم أنّ طريق الثورة متعرّجة و لا تسير فى السهل ."

" إنّ ما تطلبه لجنة الحزب المركزيّة من اللّجان الحزبيّة فى كلّ المستويات ، هو أن تثابر على إسداء القيادة الصحيحة ، و على إعطاء الأولويّة لإقدام ، وتعبئة الجماهير بجرأة ، و تغير وضع الوهن و العجز حيثما وجد ، و تشجع أولئك الرفاق الذين إرتكبوا أخطاء ،لأنهم راغبون فى تصحيحها على أن يطرحوا عنهم أعباء أخطائهم و ينضووا للنضال ، و تعزل كلّ ذوى السلطة الذّين يسيرون فى الطريق الرأسمالي من مناصبهم القياديّة ، بحيث تستعاد القيادة للثوريين البروليتاريين ...

الطريقة الوحيدة فى الثورة الثقافية الكبرى هي أن تحرّر الجماهير نفسها بنفسها ، و لا يجوز إستعمال أيّة طريقة تقوم على الإضطلاع بالعمل بدلا عن الجماهير .

ثقوا بالجماهير ، إعتمدوا عليها . وإحترموا مبادراتها . إطرحوا الخوف جانبا . لا تخشوا الإضطرابات . كثيرا ما قال لنا الرئيس ماو إنّ الثورة لا يمكن أن تكون شديدة الرقّة و النعومة و الإعتدال و اللطف و التهذيب و الإقتصار و الأريحية . فلتربّى الجماهير نفسها فى هذه الحركة الثوريّة الكبرى و لتتعلّم تمييز الحق من الباطل و أساليب العمل الصحيحة من الخاطئة ."

و رسمت وثيقة ال16 نقطة خطّ تمايز بين " اليمينيين المعدين للإشتراكية " الذين إرتكبوا أخطاء فى الماضى و بين الأشخاص المسؤولين و" الذين يحملون عادة فكرا برجوازيا أكاديميا " . كما رسمت خطّ تمايز بين التناقضات فى صلب الشعب و التناقضات بين الشعب و العدوّ مؤكدة " أنّه أمر سليم أن تعتنق الجماهير آراء مختلفة " و" يجب حماية الأقلّية لأنّ الحقيقة تكون أحيانا إلى جانبها " و " الطريقة التى ينبغى إتّباعها فى المناظرات هي عرض الوقائع و محاكمة الأمور بالمنطق و الإقناع من خلال المحاكمة العقليّة . و لا يجوز إستعمال الإكراه " و قسمت الكوادر ( المسؤولين المتفرغين كل يا على شتى الأصعدة ) إلى جيّدين و جيّدين نسبيا و من إرتكبوا أخطاء و " الذين يخافون من أي شيئ " آخر و يستطيعون أن يقوموا بالنقد الذاتي أو التحوّل إلى عائق ، و المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي . و بصدد الآخيرين تحذر الوثيقة " عندما يجدون أنفسهم فى عزلة شديدة و يعجزون عن مواصلة السير كالسابق ، يعمدون إلى مزيد من التآمر، و يطعنون الشعب فى الظهر، و يبثّون الشائعات ، و يشوّشون التمييز ما وسعوا بين الثورة و الثورة المضادة ، من أجل الهجوم على الثوريين ." و سيتجلى حتى أكثر نفاذ رؤية هذه النقطة الأخيرة فى الأشهر التالية .

و فى الخامس من أوت ، أثناء الإجتماع الحزبي الذى أصدر قرار ال16 نقطة وضع ماو دازيباوى " هاجموا مركز القيادة العامة " !

صيف و نهاية 1966 : الحرس الأحمر و المتمرّدون الثوريّون :

فى أواسط أوت ، أخذت وحدات الحرس الأحمرالتى شرعت فى التطوّر على أساس مقاومة مجموعات العمل الرجعيّة ، أخذت فى الظهور علنيّا و فى الإنتشار بسرعة مذهلة . وهي منظمات جماهيريّة لطلبة و أساتذة الثانوي و الجامعة كانت أعمارهم تتراوح غالبا بين 12 و 17 سنة . و بالرغم من تنظيمهم فى فيالق و ما إلى ذلك و على شاكلة عسكرية ، لم يحملوا سلاحا و لم يكونوا واقعيّا عسكريّين تنظيما و إنضباطا .

فى مرحلتهم الأولى ، فى أوت ، إنتشروا فى بيكين و شنغاي و كنتون واضعين رسوما على الشوارع و على يافطات المتاجر التى كانت تحيل على ذكرى الصين القديمة و الإقطاعيّة و العبوديّة ( على خلاف التقارير الغربيّة المغرضة ، فإنّهم لم يهاجموا المتاحف ) . لقد فتّشوا منازل الرأسماليّين و الإقطاعيّين السابقين مصادرين وعارضين فى وضح النهار الذهب و المصوغ و نرجيلة الأفيون و الأفيون و الأسلحة و فاضحين أعمال هؤلاء المالكين السابقين .

ثم طفقوا ينتشرون من مدنهم نحو بقيّة البلاد فى حين برزت تنظيمات جديدة للحرس الأحمر فى كلّ ناحية . و سرعان ما صار الحرس الأحمر يسافرون عبر البلاد لتبادل التجارب. و حيثما حلوا وزّعوا وثيقة ال16 نقطة و حثّوا الشعب على تكريسها . فى ما بعد ، شرعوا فى توزيع مئات آلاف النسخ من كتيب " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " و مؤلفات أخرى لماو .

و تقلّد ماو ذاته إشارة يد الحرس الأحمر و أشرف بنفسه على أوّل مسيرة ضخمة للحرس الأحمر فى ساحة تيان آن مان ببيكين . فقد شارك فيها مليون شاب و شابة إلتحق العديد منهم من محافظات بعيدة ( بينما كان عديد الحرس الأحمر من بيكين على سفر فى المناطق الداخلية ) . وتكرّرت مثل هذه المسيرات كلّ أسبوعين بعد ذلك . و عادة ما كانت تنتظم مساندة لنضالات شعوب العالم و أصدر ماو مساندة لنضالات كثيرة بما فيها نضال شعب السود فى الولايات المتحدة و نضال شعب الهند الصينيّة الذى كان حينها يخوض حربا ضد الإمبريالية الأمريكيّة. و جري تقدير أنّه فى كلّ فترة من الزمن ، فضلا عن سكّانها الذين يعدّون أربعة ملايين ، كانت بيكين تأوى مليونا آخر من الحرس الأحمر المسافرين الذين نظّموا أنفسهم بصورة دقيقة بحيث لا يُدخلون الفوضى على المدينة .

و صار العمّال ناشطين و طفقوا ينظّمون الثورة الثقافيّة فى صفوفهم ، قسما قسما و مصنعا مصنعا . و بدؤوا ينقدون و يقيّمون و يلصقون الدازيباو بشأن المسائل التى تواجه المجتمع ككلّ و كذلك بشأن إدارة مراكز عملهم .
و غالبا سمّيت منظّمات العمّال للثورة الثقافيّة ب " المتمرّدين " أو ب" المتمرّدين البروليتاريّين " و رُتّبت إجراءات وضعت بين أيدى العمّال الورق و الحبر و التسهيلات المطبعيّة و الأبواق و أماكن التجمّعات و النقل . و سرعان ما أخذت منظمات العمّال و الطلبة تقيّم مراكز قيادات مشتركة على مستوى المدن و المحافظات .

و لاحقا شرح ماو : " بالرغم من أن المثقّفين و الجماهير الواسعة من الشباب الطلابي هم الذين أطلقوا حركة نقد الخطّ البرجوازي الرجعي ، فإنّه مع ذلك ، يقع على كاهل أسياد العصر، الجماهير الواسعة من العمّال والفلاّحين، أن يكونوا القوّة الأساسيّة فى خوض الثورة إلى نهايتها ... لقد كان المثقّفون دائما سريعين فى تغيير رؤيتهم للأشياء لكن بسبب نواقص نزعاتهم و بسبب نقص إمتلاكهم للطابع الثوريّ الصريح ، ينزعون أحيانا إلى الإنتهازيّة " .

و فى أكتوبر 1966 وهو يوافق العيد الوطني الصيني ، تجمّع بساحة تيان آن مان مليونان من الحرس الأحمر و المتمرّدين البروليتاريّين.

بداية " التيار المضاد " : شتاء 1966:

فى أكتوبر ، نشرت المجلة النظريّة للحزب " الراية الحمراء " إفتتاحية تحذر من صراع خطين فى الحزب " بينما لم يتحوّل بعدُ إلى عدائيّ فإنّه يمكن أن يتحوّل إلى عدائيّ " . و نظّمت نقاشات واسعة حول هذه الإفتتاحيّة فى المعاهد و المصانع . و رغم أنّه لم ينعتا بالإسم فى الصحافة الرسمية تمّ وصم ليو تشاوتشى و دنك سياو بينغ بالمعارضين للثورة الثقافيّة فى معلّقات حائطيّة و منشورات الحرس الأحمر . لقد كان مفهوما من كان يقصده ماو حين قال " هاجموا مركز القيادة " . غير أنّ الصراع أضحى أكثر تعقيدا بصورة خاصة بسبب بعض القادة الذين عاضدوا بوضوح ليو و دنك بطريقة يمينيّة مباشرة فوجدوا أنفسهم مضطرّين لتغيير تكتيكاتهم . فقد بدؤوا يحاولون تخفيف الهجمات على اليمين بالعمل على " توسيع الهدف " ليشمل ثوريّين حقيقيّين كذلك .

" شكوا فى الجميع ، أطيحوا بالجميع " كان نداؤهم المفضّل لحرف النضال عن الإطاحة بالبرجوازية فى الحزب. و كإنعكاس لهذا و لإحتداد الخلافات داخل الحزب ، أخذت المواجهات بين مختلف منظّمات الحرس الأحمر تحتدّ هي الأخرى . و فى الوقت نفسه بما أنّ اليمين فشل فى عرقلة بلوغ الثورة الثقافية العمّال فقد شجّع على " تيار إقتصادويّ " حاثاّ العمّال على المطالبة – و الإضراب من أجل – الرفع فى الأجور و العلاوات بغاية إلهاء العمّال عن المعارك السياسيّة الجارية و أهدافها السياسيّة الثوريّة و شجّع على الفرديّة و إيجاد صعوبات إقتصاديّة آملا أن يستعملها تعلّة للمطالبة بوضع حدّ للثورة الثقافيّة .

و خلال هذا " التيار المضاد " و بالرغم منه – و مباشرة فى مواجته – بدأ محور الثورة الثقافيّة يتحوّل إلى المناطق الصناعيّة الصينيّة . ففى 1966 ، جرى تركيز مركز قيادة العمّال المتمرّدين فى شنغاي لمواجهة قيادة الحزب اليمينيّة بالمدينة . و ردّا على ذلك ، أقامت السلطات المحلّية مجموعاتها المنافسة الخاصة للدفاع الأحمر عن فكر ماو تسى تونغ تحت إسم " العامل المتمرّد " و مركز قيادته مقيم فى أعلى طابق من بناء البلديّة . و من بيكين بُعث تشانغ تشن – تشاو ، قائد حزبي قديم كان بشنغاي وهو وفيّ لخط ماو إلى شنغاي ليقوم باللازم .

وأصدر مركز قيادة المتمرّدين البروليتاريّين و منظمات جماهيريّة أخرى " تحذيرا إستعجاليا " لسكّان المدينة فاضحين المآمرات السياسيّة لليمين و التخريب الإقتصادي للإشتراكيّة و لقي هذا النداء مساندة من اللجنة المركزيّة للحزب إلاّ أن اليمين رفض التراجع.

2- الطبقة العاملة تفتك السلطة من الأسفل : جانفى 1967 – سبتمبر 1968 :

فى الحادي عشر من 1967 ، أمسك المتمرّدون البروليتاريّون بأماكن و مواقع عمل إستراتيجيّة عبر المدينة بأسرها و أطاحوا بإدارة المدينة ، قابضين على السلطة بصلابة بين أيديهم . فى البداية ، أطلقوا عليها إسم كمونة شنغاي ثم بتوجيه من ماو أعادوا تسميتها لتصبح اللجنة الثوريّة لبلديّة شنغاي .

و مثّل هذا إعصار جانفى حيث معه دخلت الثورة الثقافيّة مرحلة جديدة و شرع المتمرّدون البروليتاريّون الذين تعلّموا بعض الدروس من الإلتواءات و المنعرجات ، فى إفتكاك السلطة السياسيّة. و إنتشرت اللجان الثوريّة فى عديد الأماكن لكن بصورة غير متكافئة و عادة على شكل رقعة شطرنج . و جرت صراعات طويلة الأمد على أصعدة عدّة حيث لم يُستطع تركيز اللّجان الثوريّة أو حيث رسّخ اليمين لجانه الثوريّة الزائفة لتحوز قبل غيرها رضاء الجماهير واليسار .

و أخذت القيادة البروليتاريّة للحزب تبذل الجهود لتشكيل " تحالفات واسعة " بين مختلف المنظّمات الجماهيريّة التى تكون عادة متنافسة لتيسير مزيد إفتكاك السلطة .و فى بعض الأماكن لاقى هذا الأمر نجاحا بينما فى أماكن أخرى تعذّر على المنظّمات الجماهيريّة المتنوّعة التوصّل إلى إتّفاق . و أحيانا تشكّلت تحالفات لتتداعى بسرعة .
و علّق ماو : " مثّل هذا المرحلة الحيويّة فى المعركة الحاسمة بين الطبقتين و بين الطريقين و كان هذا الإفتكاك للسلطة أهمّ شيء و لبّ الحركة برمّتها . عقب "إعصار جانفي" إعتنت اللجنة المركزيّة مرارا بمشكل التحالفات و لكنّها لم تُفلح . فى ما بعد إكتشفنا أن رغباتنا الذاتيّة لم تكن تتماشى و القوانين الموضوعية للصراع الطبقي . ذلك أنّ كلّ طبقة و كلّ سلطة سياسيّة كانت تحاول التعبير عن نفسها بعناد فالإيديولوجيّة البورجوازية و البرجوازية الصغيرة التى كانت فى أوج نموّها هدّمت التحالفات الكبرى . فلم يكن ممكنا إنجاز مثل هذا التحالفات الكبرى و حتّى لو أنجزت سيكون مآلها الفشل . لذلك الموقف الحالي للجنة المركزيّة هو ببساطة التشجيع عليه و ليس فرضه . طريقة دفع النبتات كي تنمو غير قابلة للتطبيق "(3). فى مكان آخر قال ماو إنّ المشكل هو " أنّ الذين إرتكبوا أخطاء إيديولوجيّة متداخلين مع الذين تناقضهم معنا تناقض بيننا و بين العدوّ و لمدّة طويلة من الصعب فرزهما ".

و بالرغم من الصعوبات التى برزت فإنّ إيقاف السيرورة لم يكن إلاّ ليحبط أهداف الحركة : " لقد شدّدت اللجنة المركزيّة مرّة تلو المرّة على أنّ الجماهير ينبغى أن تربّى نفسها و تحرّر نفسها . وذلك لأنّ النظرة للعالم لا يمكن فرضها عليها . لأجل تغيير الإيديولوجيا من الضروري أن تعمل الأسباب الخارجيّة عبر الأسباب الداخليّة و إن كانت الأخيرة رئيسيّة . إذا لم يتمّ تغيير النظرة للعالم ، كيف يمكن للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى أن تعتبر إنتصارا؟ إذا لم يتمّ تغيير النظرة للعالم بالرغم من وجود 2000 من الماسكين بالسلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي فى هذه الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، سيوجد 4000 فى المرّة القادمة ".

نداءان أصدرهما ماو :

فى أعقاب إعصار جانفى ، أصدر ماو ندائين إثنين . جاء فى الأوّل " أيّها البروليتاريّون إتّحدوا و إفتكّوا السلطة من أيدى حفنة الأشخاص فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي " و كان نّص النداء الثاني " على جيش التحرير الشعبي أن يساند جماهير اليسار الواسعة " .

و وقع بعث وحدات جيش التحرير الشعبي ( دون سلاح ) ، عادة كفرق دعاية ، إلى المصانع و كمونات الفلاّحين للعمل و لخوض الصراع السياسي . و أوكلت لهم مهمّة مساندة اليسار عبر الإقناع و المساعدة على ضمان الإنتاج و الإعانة على تشكيل تحالفات كبرى و لجان ثوريّة سمّيت التحالف الثلاثي . و تشكّل هذا التحالف من ممثّلين تختارهم الجماهير و ممثّلين عن الحزب كذلك تختارهم الجماهير و ممثّلين عن الجيش .

فى غضون مارس 1967 ، تراجع " التيار المضاد ". و طلبت اللجنة المركزيّة أن تستأنف الدروس دون إيقاف الثورة الثقافيّة مشدّدة على نقد مناهج التدريس و تثويرها . و إنتعش النقد الثوريّ الجماهيريّ و بلغ عدد المعلّقات مستويات جديدة عندما شرع الحزب رسميّا فى مهاجمة ليو و دنك و فضح برنامجهما السياسيّ و الإيديولوجيّ بطريقة شاملة بما فى ذلك فضح بعض المناورات المتقنّعة بقناع " يساري " على غرار تلك التى حصلت فى فترة مجموعات العمل .

مع ذلك لم يمت اليمين . " فى صائفة 1967 و ربيع 1968 ، حرّكوا مرّة أخرى تيذارا شيطانيّا رجعيّا من كلّ من اليمين و " اليسار" المتطرّف لنقض الأحكام الصحيحة " ( من تقرير المؤتمر التاسع ) . و حصلت أحداث جدّية تضمّنت مساندة الجيش لليمين فى أكبر مدينة صناعيّة ووهان و حدثت معارك كبرى إمتدّت على أيّام عديدة. و فى بعض الأماكن بلغ القتال بين منظّمات الحرس الأحمر المتنافسة حدّ القتال الدامي .

فى صائفة 1967 ، قام ماو بجولة فى الشمال و الشرق و الجنوب الأوسط من الصين . و لمّا عاد إلى بيكين فى سبتمبر أعلن أنّه بالرغم من هذه الصعوبات ، " فإن وضع الثورة الثقافيّة فى البلاد ككلّ ممتاز و ليس فقط جيّد ، الوضع العام أفضل من أيّ وقت مضى " .

لقد كان الوضع ممتازا لمواصلة الثورة . و نظّمت عبر البلاد حلقات تكوينيّة لدراسة الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ و النضال ضد النزعة الفرديّة و نقد التحريفيّة . و إنتشرت اللّجان الثوريّة .

"على الطبقة العاملة أن تمارس قيادتها على الأصعدة كافة " : جويلية 1968

قال ماو " لا وجود لتصادم مصالح جوهريّ فى صفوف الطبقة العاملة " . و فى جويلية 1968 ، أصدر التوجيه التالي : " من الأساسي أن تنهض الطبقة العاملة نهوضا تاما بدور القيادة فى الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى و على الأصعدة كافة ". " على الطبقة العاملة أن تمارس قيادتها على الأصعدة كافة " .

و تمّ بعث مجموعات المراقبة العمّاليّة إلى الجامعات لتعالج المشاكل و لتلعب دور التثوير المستمرّ للتعليم . و بُعثت أيضا إلى إدارات الحكومة. و مع نهاية 1968 وتركيز آخر أكبر اللّجان الثوريّة ، فى التيبات وسنكيانغ ، أعلنت صحافة الحزب أنّ الثورة الثقافيّة بلغت مرحلة ناجحة عبر البلاد بأكملها و قام ماو بتصريح هام للغاية له بعد نظر : " لقد أحرزنا بعد انتصارات عظيمة . لكن الطبقة المهزومة ستظلّ تصارع . هؤلاء الناس ما زالوا هنا و هذه الطبقة كذلك . لذا ، لا يمكننا الحديث عن انتصار نهائي حتى بالنسبة للعشريّات القادمة . لا ينبغى أن نخفض من يقضتنا . من منظور لينيني ، يتطلّب الانتصار النهائي لبلد اشتراكي لا جهود البروليتاريا و الجماهير الشعبيّة الواسعة لهذا البلد فقط بل انّه مرتهن كذلك بإنتصار الثورة العالميّة و القضاء كونيا على نظام استغلال الانسان للانسان ممّا سينجر عنه تحرّر الانسانية جمعاء . و بالتالى فإنّ الحديث ببساطة عن الانتصار النهائي لثورتنا أمر خاطئ و مضاد للينينية و أكثر من ذلك ، لا يتطابق مع الواقع ".

3- صراع – نقد – تحويل :

شارفت فترة المسيرات و المظاهرات و النضالات الإعصاريّة على الإنتهاء . فى مجتمع إشتراكي و لأوّل مرّة فى التاريخ ، إسترجعت الجماهير المستغَلة سابقا السلطة التى سرقتها البرجوازية الجديدة التى ظهرت فى صفوف الحزب ذاته – وهو مكسب توّجه المؤتمر التاسع للحزب فى 1969 ، مسجّلا إعادة التشكيل الناجح للحزب ذاته فى أتون الصراع الجماهيري ضد التحريفيّة . لكن الثورة الثقافيّة أبعد من أن تكون إنتهت. و بالفعل ، ستتعمّق و تغدو حتّى أكثر تعقيدا – أو لعلّه من الأصحّ القول بأنّها صارت شيئا فشيئا أعقد لحفرها أعمق فأعمق فى الأرضيّة التى تولّد هذه البرجوازية و التى ستستمرّ حتما فى توليدها إلى أن تجتثّ تماما قاعدة وجودها .
تغيّر النظام التعليمي الصيني و أهدافه تغيرا كلّيا . فى السابق ، كان مثل أيّ نظام تعليمي يخدم المجتمع الإستغلالي فى أيّ مكان من العالم . فصار مثلما قال ماو يهدف إلى تدريب " العمّال على الوعي و الثقافة الإشتراكيّين " .

" بعد ُ من الضروريّ وجود الجامعات ، هنا أقصد بالأساس المعاهد العلميّة و التقنيّة . مع ذلك ، من الجوهري تقليص مدّة الدراسة و تثوير التعليم و وضع السياسة البروليتاريّة فى مصاف القيادة و إتّباع طريق مصنع الآلات بشنغاي فى تدريب التقنيّين من ضمن العمّال . ينبغى إختيار الطلبة من صفوف العمّال و الفلاّحين ذوى التجربة العمليّة و ينبغى أن يعودوا إلى الإنتاج إثر بضعة سنوات من الدراسة ."

وقع التخفيض من عدد الموظّفين لوقت كامل لدى الحكومة المركزيّة فى بيكين من 60 ألف إلى 10 آلاف فى 1971 . فى ظلّ نظام " معاهد كوادر 7 ماي " أمضى الموظّفون جزءا من كلّ سنة فى الرّيف قائمين بالعمل الفلاحي و دارسين الماركسيّة – اللينينيّة – فكر ماو تسى تونغ .

فى الريف ، برز نموذج جديد حيث تمّت الإطاحة بالنظام القديم لتوزيع حصيلة العمل حسب نقاط العمل المعتمدة على نظام تنافسي ضمن الفلاّحين وهو غير مختلف جدّا عن المجتمع القديم و عوّض بسياسة تهدف إلى تشجيع " العمل بكل ما أوتينا من جهد من أجل المصلحة العامة ، و التقييم بنقاط العمل يتأكّد عبر النقاش العام ." مندفعين بفهمهم السياسيّ و الإيديولوجيّ و غير مبعدين عن الصراع بسبب المصالح كما حدث سابقا ، أنجز الفلاّحون مشاريع بناء ضخمة على نطاق غير مسبوق تاريخيا . حتىّ مجاري الأنهار وقع تحويلها بحيث تحرّر الصين من الفيضانات و شح مياه الريّ و توفّر الكهرباء . و رغم المستوى المتدنّى بعد ُ نسبيّا لمكننة الصين فإنّ هذا قاد إلى نموّ هائل فى الإنتاج الفلاحيّ .

فى الصناعة ، أنجز العمّال حركات جماهيريّة لتحرير أنفسهم من القوانين و التراتيب المقيّدة لهم و من الدوافع الماليّة و المنح المحِطّة. مثل هذه الإجراءات الضروريّة لتنظيم الإنتاج حين يكون المنتجون مغتربين عن نتائج العمل جرى تعويضها إلى مدى واسع بالمراقبة الواعية من طرف البروليتاريّين المصمّمين على تحرير المجتمع و العالم . و جرى تعويض الإدارة الفرديّة بلجان ثوريّة و العلاقات بين العمّال و التقنيّين و تغيّرت الإدارة عبر إستعمال مجموعات الثلاث فى واحد من هذه القوى الثلاث لتحقيق تحديثات تقنيّة مستمرّة . و وضعت حدود لتقسيم العمل بين العمل اليدوى و العمل الفكري فى عمليّة الإنتاج و كذلك فى التعليم و فى تثوير الكوادر .

" القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " هذا ما أعلنته وثيقة ال16 نقطة. و قاد هذا التحرير غير المسبوق لقوى الإنتاج ، و اعظم هذه القوى هم المنتجون ذاتهم ، قاد إلى مكاسب باهرة فى الإنتاج . و من هذه المكاسب بناء مركب حمولة 10 آلاف طن فى ميناء شنغاي المجهز لصنع مراكب ذات حمولة لا تفوق 5 آلاف طن . فساعدت هكذا إنتصارات الصين الإشتراكية على الوقوف فى وجه الضغوطات الإمبرياليّة و تحقّقت بوعي تام كجزء من جعل البلاد قادرة على مساعدة الثورة العالميّة ، لا سيما ثورة الفتنام ، بما يعنيه ذلك من تخصيص نسبة هامة من الإنتاج و النقل .

واصفا الوضع قبل الثورة الثقافيّة ، إقترح ماو تغيير إسم وزارة الثقافة إلى " وزارة الأباطرة و الملوك و الجنرالات و الوزراء أو وزارة القرائح و الجمال أو وزارة المومياءات الأجنبيّة " . و صار العمّال و الفلاّحون الآن يحتلّون محور الركح ، و تغيّرت الأشكال التقليديّة الصينيّة و الأجنبيّة بينما حدثت قطيعة جذريّة مع مضامينها و أعطي المنظور البروليتاري أتمّ تعبير ثقافي له تاريخيا . فقد أنجزت ثماني نماذج أعمال مسرحيّة فى السنوات الأولى للثورة الثقافيّة . و فى غضون عقد من الزمن طوّر الفنّانون فى كافة المجالات و العاملين فى السياسة و عدد واسع من الجماهير ذاتها الذين ساهموا فى السيرورة ، طوّروا نماذج أوبيرا و باليه و مقطوعات موسيقيّة سنفونيّة و هلمجرا. و على المستوى المحلّى ، أنجز الأعمال الأخرى آلاف الفنانين المهنيّين و جماعات كبيرة من الفنّانين الهواة نمت فى صفوف العمّال و الفلاّحين و الجنود .

و قد قال ماو أيضا إنّ وزارة الصحّة ينبغى أن تدعى " وزارة صحّة سادة المدن ". و تمّ تثوير العناية الصحّية للتصدّى لذلك مشدّدين على الرّيف و على مشاكل العمّال الصحّية . و تغيّر العمل الطبّي شأنه فى ذلك شأن المهنيّين فى القطاع أنفسهم . فإندفع 10 ملايين من الناس نحو معالجة المشاكل الصحّية . أطلق عليهم إسم " الأطباء ذوى الأقدام الحافية " لأنّه من غير الممكن العمل فى مزارع الأرز و نحن ننتعل أحذية . بإستنهاض الجماهير للقضاء على الحلزونات الحاملة للأمراض التى تعجّ بها قنوات و حقول الأرز ، تحرّرت الصين من آفة مرعبة لطالما تسبّبت فى تعاسة الفلاّحين . و فى الوقت نفسه ، مسترشدة بذات المبادئ ، حقّقت الصين الإشتراكية إختراقات هامة عالميّة فى الطبّ بما فى ذلك أوّل صناعة أنسولين صناعي و إستعمال الوخز بالإبر و خطوات جديدة إلى الأمام فى الجراحة و ما إلى ذلك .

و بإرتباط بكلّ هذا ، حصلت قفزة جوهريّة فى التربية السياسيّة و الإيديولوجيّة للجماهير سواء فى الصراع الطبقي أم فى الإنتاج و التجربة العلميّة و فى الدراسة فى حدّ ذاتها . فى بلاد حيث عدد كبير من الناس لا يمتلكون كتبا ، تعنى 400 ألف نسخة من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ( " الكتيب الأحمر ") أنّه توفّرت للناس فرصة دراسة فكر ماو تسى تونغ لأوّل مرّة . علاوة على ذلك ، سمحت 70 ألف نسخة من أعماله المختارة بتعميق الدراسة على نطاق جماهيريّ حقيقيّ و نظّمت برامج فى المصانع و الحقول و المعاهد لتدريب الملايين والملايين على الدراسة و النقاش الصارمين لأكثر أعمال ماركس و إنجلز و لينين و كذلك ماو جوهريّة. تحت شعار الفلسفة ليست لغزا ، درس عدد واسع من العمّال و الفلاّحين و ناقشوا و طبّقوا عن وعي المبادئ الفلسفيّة الأساسيّة للماديّة الجدليّة كجزء من الحركة التى أفرزت تقدّما فلسفيّا هاما فى ظلّ قيادة خطّ ماو .

4- الخطّ الثوريّ مليئ إلتواءات و منعراجات : 1969-1976

مثلما إعتاد ماو الإشارة إلى ذلك و مثلما شُوهد مرارا فى مجرى الثورة الثقافيّة فإنّ كلّ هجوم يولد معركة يائسة من أنصار الوضع السائد. و عرف سبتمبر 1971 تراجعا خطيرا : إنقلب لين بياو و بصورة جذريّة على الثورة الثقافيّة و خطّط لمحاولة إغتيال لماو . و مات لين بياو ذاته فى سقوط طائرته قرب الحدود السوفياتيّة بعدما فشل إنقلابه .

لقد صار لين بياو وزيرا للدفاع فى 1959 عقب هزيمة بينغ تاه هواي ثم بعد ذلك نهض بدور متميز فى الثورة الثقافية ساعد على تقديم دعم الجيش للتغلب على ليو و دنك. لين و أتباعه " لم يظهروا أبدا دون نسخة من " مقتطفات ..." بأيديهم و لم يفتحوا أبدا أفواههم دون صراخ " يحيا " " كانوا يتحدّثون بأشياء حسنة أمامك و يقدحون فيك من وراءك " . ( من تقرير المؤتمر العاشر ) . و إثر الإطاحة بليو و دنك ، إتّخذ لين و أتباعه ذاتهم موقفا معاندا بصورة متصاعدة ضد مواصلة الثورة الثقافيّة . و مع بدايات 1966، كتب ماو لتشانغ تشنغ محذرا أنّ هذا يمكن أن يحدث مع لين بياو : " الشياطين المسعورة تظهر عفويّا ، محدّدة بطبيعتها الطبقيّة ."

بصفة خاصة فى 1969 ، مع مفاقمة روسيا ضغطها العسكري على الصين و مهاجمتها حدودها الشماليّة ، دعا لين إلى إيجاد تسوية مع الإتّحاد السوفياتيّ . و حاجج بأنّه لا يمكن للصين أن تدافع عن نفسها دون إعادة بناء قوّاتها المسلّحة مركزة على الأسلحة الثقيلة و ليس على الوعي الثوري للجنود و الجماهير. و مثلما أشار إلى ذلك ماو، بالنسبة لبلاد كالصين مثل هذا الخطّ لا يمكن أن يقود إلاّ إلى الإستسلام أمام الإمبريالية. و كتب لين مشروع تقرير لعرضه على المؤتمر التاسع للحزب إدّعى فيه أن التناقض الرئيسي ما عاد بين البروليتاريا و البرجوازية و إنّما بالأحرى بين " النظام الإجتماعي الصيني المتقدّم و قوى الإنتاج المتخلّفة " و نادى بوضع السياسة فى مرتبة تالية نسبة للإنتاج . إنّه نفس الخطّ الذى تقدّم به ليو تشاوشى قبلا فى ظروف مختلفة ( ورفض مشروع التقرير ) .

فى أعقاب محاولة إنقلاب لين ، واجهت الثورة الثقافيّة فترة بالأحرى حرجة . و قد شاعت البلبلة و القلق فى صفوف عديد الناس . و كان يتعيّن أن يعاد تشكيل الجيش ، و ما كان لين دون أتباع . بغية إنقاذ الثورة الثقافيّة ، كان يجب أن تجري إعادة بعض الذين عارضوها فى السابق ، فإستغلّ اليمين الفرصة ليراكم القوى و يعدّ ل " نقض الأحكام الصحيحة ". و من الذين أعيدوا نجد دنك سياو بينغ .

الصراع حول التلخيص :

لم تستطع الثورة الثقافيّة الهدوء و لم تهدأ. إذ إحتدّت المعارك بالضبط حول كيفيّة تلخيص ما حصل. و تعبير مركز عن هذا حدث بالخصوص فى الصراع المرير حول العلاقة بين الثورة و الإنتاج .

و مثّل المؤتمر العاشر للحزب فى 1973 إنتصارا هاما فى هذا الشأن حيث حلّل المؤتمر خطّ لين بياو و برنامجه و فى تعارض مع النظرة التى تدافع عن أن المشكل كان أنّ لين أراد الذهاب " بعيدا أكثر من اللازم " ، فُضح لين على أنذه تحريفي سعى إلى إيقاف الثورة الثقافيّة . و إستشهد تقرير المؤتمر بماو وهو يقول " من المحتمل أن تحدث ثورة أخرى بعد بضعة سنوات ". و أضاف : " حين يظهر تياّر خاطئ فى وجهنا مثل الإعصار لا ينبغى أن نخشى العزلة بل علينا أن نتجرأ على المضيّ ضد التيار . يؤكد الرئيس ماو : " الذهاب ضد التيّار مبدأ ماركسي – لينيني" ".

و عقب المؤتمر العاشر ، شنّ اليسار حملة " نقد لين بياو و كنفيشيوس" عرّت الجوهر الإيديولوجيّ المشترك لجميع التحريفيّين و الطبقات المستغِلّة و البرنامج السياسي الذى يتّجه لأن يكون مشتركا بين جميع الذين يودّون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين . و كانت الغاية من ذلك هي جعل تلخيص الماضي القريب فى خدمة تسليح جماهير الشعب الصيني إعدادا للمواجهات الحتميّة الآتية للصراع بين القوى .


" تيارالإنحراف اليميني " الجديد : 1974

بالطبع لم يكن اليمين ليبقى مكتوف الأيدى ببساطة متفرّجا على ما يجرى . فأطلق تيّارا يمينيّا جديدا –" تيار الإنحراف اليميني " – و أخذ فى الظهور محاججا بأنّ الإقتصاد مرتبك و إصلاحه يحتاج أكثر يمينيّة . كلا ّ التأكيدان دحضهما المؤتمر الوطني الشعبي سنة 1974 الذى نوّه بنجاحات الإقتصاد الصيني خلال الثورة الثقافيّة و أعلن أنّ " الثورة الإشتراكيّة آلة قويّة لتطوير قوى الإنتاج الإجتماعيّة ". مع ذلك تمكّن بعض الذين قد ساندوا الثورة الثقافيّة فقط على غير رغبة صادقة فى البداية و عارضوها بعد ذلك ، و آخرين (مثل دنك) الذين عارضوها على طول الخطّ ، تمكّنوا من أن يعزّزوا مراكزهم التنظيميّة .

و فى 1974- 1975 بينما كان اليسار يشدّد على تحرير قوى الإنتاج بإدّخال مزيد التغييرات على علاقات الإنتاج و على البناء الفوقي ، شنّ اليمين هجوما قويّا لإعادة بعض العلاقات القديمة بين المديرين و العمّال فى المصانع و ما إلى ذلك و لربط العمّال على مواقع عملهم حتّى يبتعدوا عن السياسة ." كونوا سادة الرصيف لا عبيد الحمولة " أجاب عمّال شنغاي موضّحين أن المسألة الحقيقيّة ليست مسألة ما إذا كان يتعيّن الإنتاج أم لا و إنّما هي مسألة فى خدمة أيّة طبقة يتمّ الإنتاج .

و قدّم ماو قيادة مباشرة للبروليتاريا فى معركة " الرد على تيّار الإنحراف اليميني ". و فى نهاية 1975 ، نقد بحدّة و علنيّا دنك سياو بينغ و برنامجه الهادف لإعادة تركيز الرأسمالية تحت قناع " تعصير " الصين .

و مرّة أخرى، أمسى النشاط السياسي حارا جدّا إلى درجة التشهّب . و فى أفريل 1976 ، بمناسبة وفاة قائد حزبي مرموق هو شوآن لآي ، نظّم اليمين مظاهرة فى ساحة تيان آن مان و جرى القدح فى ماو و تشانغ تشنغ بصورة واضحة . نتيجة لذلك ، أعفي دنك من كافة مناصبه. و مرّة أخرى ، جرت معارك حامية فى مختلف مناطق البلاد عاكسة المواجهة الشاملة بين مركزي القيادة فى الحزب .

و توفّي ماو فى التاسع من سبتمبر 1976 . و فى 6 أكتوبر ، غداة إجتماع حزبي هام ، حاك القادة الحزبيّون اليمينيّون و قادة من الجيش إنقلابا عسكريّا فأوقف أقرب أتباع ماو فى الحزب بمن فيهم تشانغ تشنغ . و مثّل هذا الحدث نهاية الثورة الثقافيّة و بالفعل ، الآن ، نهاية الثورة الإشتراكيّة فى الصين . و لكنّه لم يمثّل و لا يمثّل نهاية مقاومة حكم البرجوازية فى الصين ، مقاومة ملايين العمّال و الفلاّحين الذين ما إنفكّوا يتّبعون خطّ ماو و المسألة أبعد من أن تكون حُسمت .

لقد واجهت الحكومة التحريفيّة مقاومة جدّية و كان عليها أن تكشّرعن أنيابها. ففى شنغاي ذاتها ، إثر الإيقافات بالضبط تمّت محاولة إنتفاضة فشلت نظرا لمزيج من التذبذب و البلبلة حول طبيعة الحكومة الجديدة . و فى مقاطعات أنهيو و فوجيان و سيشوان و هونان و يونان و غسنكسيانغ و جيانكسى كان القتال المسلّح الثوريّ ضد النظام الجديد شرسا و مديدا . فوفق الحكومة ، ظلّت هذه المناطق خارج نطاق السيطرة لمدّة من الزمن .

و أبدى كلّ من تشانغ تشنغ و شانغ شن شياو مقاومة ملهمة و هما بين أنياب العدوّ خلال محاكمتهما العلنيّة فى جانفى 1981. و شجّعت تشانغ تشنغ بوجه خاص و على نحو هام للغاية الثوريّين عبر العالم بتنديدها المتحدّى للنظام التحريفي الجديد . و صدرت الأحكام ضدّهما بالموت ...

و مثلما قال ماو :

" إذا قام اليمينيّون بإنقلاب مناهض للشيوعية فى الصين ، أنا متأكّد أنّهم لن يعرفوا السلم و سيكون حكمهم على الأرجح قصير العمر لأنّه لن يكون مقبولا من قبل الثوريّين الذين يمثّلون مصالح الشعب المكّون لأكثرمن 90 بالمائة من السكان ." / .



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضطهاد النساء فى أفغانستان و النظام الذى ركّزه الغرب
- قتل بالسيف فى بنغلاداش : حملة الأصوليين الإسلاميين لإستعباد ...
- خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ( بريكسيت ) صدمة للنظام ال ...
- الإنتخابات الأمريكية 2 : ترامب و كلينتون وجهان لسياسة برجواز ...
- لكن كيف نعرف من الذى يقول الحقيقة بشأن الشيوعية ؟ - من ملاحق ...
- الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوه ...
- بستّ طُرق يحاولون خداعكم فى ما يتّصل بالثورة الثقافية فى الص ...
- تمهيد الكتاب 24-الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتور ...
- حاجة ملحّة : رفع راية الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان ...
- هذا نداء إستعجالي لغرّة ماي ! لا وقت نضيّعه ! عالم مغاير جذر ...
- نحو مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية - الفصل الخامس من كتاب -. ...
- الثورة الثقافيّة : أعمق تقدّم فى السير نحو تحرير الإنسان إلى ...
- الإنتخابات الأمريكية : مزيد الإضطهاد والجرائم ضد الإنسانيّة ...
- الثورة الصينية بقيادة ماو تسى تونغ : ربع الإنسانيّة يتسلّق م ...
- ثورة أكتوبر 1917 : المكاسب و الأخطاء - الفصل الثالث من كتاب ...
- بناء النضال من أجل تحريرالنساء - بيان لمجموعة الشيوعيين الثو ...
- 8 مارس اليوم العالمي للمرأة : تنظيم النساء ضد الإضطهاد و الإ ...
- 8 مارس 2016 : - هل يمكن لهذا النظام أن يتخلّص من أو يسير دون ...
- لا غرابة فى كونهم يشوّهون الشيوعية + تلخيص مكاسب كمونة باريس ...
- مقدّمة الكتاب 23 : لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم - تعرفون - ... ...


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - عشرسنوات من التقدّم العاصف – الفصل الأوّل من كتاب - الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة