أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - الطائرات وأحلام سلو - قصة قصيرة














المزيد.....

الطائرات وأحلام سلو - قصة قصيرة


أحمد اسماعيل اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1404 - 2005 / 12 / 19 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


مثل أسد هائج أودع لتوه في قفص حديدي؛ كان سليمان حمو يذرع فناء داره جيئة وذهاباً
وفي قسمات وجهه المنبسطة حيناً ،والمتقلصة أحياناً ،وفي كل حركة تبدر عنه ، يتضح
مدى ما بلغه من قلق واضطراب؛ فهو تارة يندفع بسرعة كثور هائج ،وقد تملكه الغضب،وتارة أخرى يسير بتراخ وكسل وقد زاغت عيناه في حلم ما ، أو يقف في بعض
الأحيان يرفع يديه إلى السماء ليتمتم بالدعاء .
هي لحظة تاريخية في حياته ، ففيها تجسدت كل أحلامه وأماله ، ومن أجل أن يستقدمها؛ بذل كل ما لديه من جهد ومال ، جاب هو وزوجته كل كردستان ، طرق فيها أبواب كل الشيوخ والأطباء ، حتى بغداد ، سافر إليها ليعرض نفسه وزوجته (خاني) على أشهر الأطباء. والأمل والرجاء بحذوهما بأن يستجيب الله لمسعاهما ويحقق مرادهما .. وها هو قد استجاب
صراخ خاني المكتوم يأتيه من داخل الغرفة حاداً ،مؤلماً ، فتجتاحه موجة من الحيرة والقلق
يود لو فعل شيئاً ما؛ يخفف به من عذاب خاني .. فلا يجد سوى الانتظار والترقب . ينسى الطفل قليلاً ويفكر في رفيقة دربه ،وما تعانيه من آلام المخاض ، فيتذكر قولها المعهود له،والذي كانت تكرره دائماً ، بمناسبة وبلا مناسبة :(أتدري يا سلو.. على الرغم من كل ما يقال عن آلام الوضع ، إلا أنني أتوق إلى تلك اللحظة ،ويقيناً أنني لن أصرخ ، أو أنَّ فيها ، بل سأضحك وأضحك ..ولكن آه..متى يا رب !!
يندفع نحو غرفة خاني ليقتحمها ، ويذكر زوجته بوعدها ؛ علَّها تكف قليلاً عن هذا الصراخ
الذي يمزق نياط قلبه ، إلا أنه أحس بالخجل ، فانكفأ راجعاً.
في مكان غير بعيد عن غرفة خاني ، قرفص بانكسار وقد هدَّه الانتظار والقلق . أشعل لنفسه سيجارة ، عبَّ منها أنفاساً عميقة ومتلاحقة، فتكاثفت أمامه وفوقه سحب من الدخان الأزرق
التي تماوجت ، وانداحت وهي ترتفع في الأعلى ، ثم تتبدد بعد أن اتخذت أشكالاً مختلفة في
الفضاء ، راح يتأملها ويتخيل من خلالها صورة طفله المنتظر ..مُطلقاً العنان لمخيلته ، التي
راحت تنمي الطفل بسرعة ضوئية عجيبة ؛ فها هو وليد يُداعبه في المهد ، وها هو يافع يتردد
على المدرسة ، وهو ذا شاب وعريس في ليلة عرسه ، ورجل يعتمد عليه : إنه ابنه ..ابن سلو الذي سيكون مفخرة البلدة ، كيف لا ؟ وهو سيصبح طبيباً مشهوراً !! سيشير إليه الجميع بالبنان وهم يقرصون أولادهم ويقولون : انظر ..انظروا إلى ابن سلو ..انظروا أي رجل عظيم
قد صار !!
ينتفض فجأة كالمصعوق ، يفغر فمه غير مصدق وصرخة الوليد التي سمعها للتو تتردد في أذنيه ، أتاه الصوت بعيداً وعميقاً ، وبلهفة وخجل أخذ يقترب من الباب . كل مسامة في جسده
تحولت إلى أذن ، أو آذان صاغية ، وعيناه ترقبان خروج إحدى النسوة من غرفة خاني

1
حاملة البشرى ، وسمع صراخ الطفل مرة أخرى يأتيه من غرفة خاني : واق..واق .
ذهل ، تسمرت قدماه . أحسن بقشعريرة سارة وغريبة تدغدغ أعصابه ، كانت نشوة غامرة قد سرت في دمه ، ملأت كيانه وأسكت لبه، وبفرح طفولي طاغ أراد أن يغني ، ويرقص..أن
يصلي حمداً وشكراً لله، وأن .. تزاحمت في رأسه وصدره أسراب من الأفكار والمشاعر الجياشة . أحس بنفسه خفيفاً يحلق عالياً في أجواز الفضاء ، يفترش غيمة وردية سابحة . يتربع مع طفله على قمة جبل سيروان وكولان ،وكل حلبجه تشخص بأبصارها نحوهما ، متهللة ، متعجبة .
إحساس غريب بدأ يتسلل إلى داخله في تلك اللحظة ، والتي بدت فيها أسراب من الطائرات
تتقدم نحو البلدة كالعقبان الهائجة وهي تهدر بجنون ، لم يلحظها سلو ، أو يحس بوجودها، بل
أحس بالضيق ، وبالاختناق ،والغثيان ، فتذكر ،وهو على تلك الحال ، تحذير الناس له من نتيجة الفرح المفاجئ ، والذي قد يودي بعقله . ضحك في سره ، وأكد بأن الأمر لا بد أن يكون كذلك .
غامت الدنيا أمام عينيه . بهت كل شيء أمام ناظريه ،أحس بالدوار، وبرائحة نافذة وحادة ، تشبه رائحة الثوم ، قد بدأت تتسلل إلى أنفه ، وتخترق جمجمته . سدَّ منخريه وهو يتساءل بضيق وقرف : من أين هجمت عليه هذه الرائحة ؟! هذه الرائحة التي طالما كرهها منذ صغره، فكان يمتنع عن تناول أي طعام يحتوي على هذه المادة ، حتى خاني حرم عليها
تناول الثوم ، إذا صادف وتناولته وشم رائحته من فمها ، فإنه لا بد أن يخاصمها ، ويدير لها
ظهره طوال الليل . بدأت قواه تخور ، فلقد أحس بخدر يسري في عروقه ،وثقل يشل لسانه ،وغبش يعمي بصره. ترنح قليلاً في صحن الدار، تلوى ، سقط، ثم اعتدل ، حاول أن يمشي
تخبط ، أخذ يجول ببصره فيما حوله ، فتح عينيه على اتساعهما،ولكن لا شيء واضح لعينيه
السواد شمل كل شيء، والطائرات حجبت ضوء الشمس عن البلدة، وهي تصدر هديراً مرعباً
يصم الآذان . حملق في السماء بصعوبة ، فتبين له ،ومن خلال الغبش المنسدل على عينيه وحوش حديدية تحوم فوقه ، وهي تنعق هادرة ، أرعبه هذا المشهد والذي جعله يوقن بدنو أجله ، فالطائرات ،كما عهدها ،لا تحلق في سماء وطنه إلا لتحصد الناس ،وتزرع الموت في كل ركن ،وكل حي ،أراد أن يلعن بأعلى صوته، أن يستنجد ، أراد يطلق صرخة مدوية،تصل
إلى كل أصقاع الأرض ، وإلى الرب في عليائه ، عسى أن يهرع أحد إلى نجدته ، استجمع في
حنجرته كل ما فيه من قوة وعزيمة و صاح : هوااااااار...
فندت عنه صرخة واهنة .وبصعوبة بالغة شدَّ قامته لتنتصب ، وبكل حقد وتحد، أرسل نظراته الملتهبة ،والساخطة نحو الطائرات التي ولت هاربة ككلاب مسعورة، بعد أن أفرغت ما في
جوفها من سموم !!

قامشلي | 1988

· هاوار :بالعربية النجدة ،وهي صيحة تستخدم للاستغاثة .



#أحمد_اسماعيل_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوْرَبة تركيا ..أم توركة أوربا ؟
- التلقي المسرحي لدى الطفل
- الإرهاب في الدراما التلفزيونية
- قصص قصيرة جداً
- الكرد في سوريا - تجنيس الأفراد ..دون الشعب
- قصة- الاعتراف
- الديمقراطية السوداء - ماركة عربية مسجلة
- علي بابا والأميرة شمس النهار- وجبة مسرحية نموذجية
- ثمار الدكتاتورية المرة
- في المدينة الموبؤة الأستبداد وباء لا يستثني أحداً


المزيد.....




- بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
- افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - الطائرات وأحلام سلو - قصة قصيرة