سندس القيسي
الحوار المتمدن-العدد: 5245 - 2016 / 8 / 5 - 15:11
المحور:
القضية الفلسطينية
فلسطين أول مرة
أول خروجي من جسر الملك حسين من جهة الأردن إلى جسر أللنبي ودخولي الأراضي المحتلة التي يرفرف عليها علم أبيض، عليه نجمة دَاوُدَ زرقاء اللون، شعرت بالتهديد، فكبر العلم وعلوه على أكثر التلال الفلسطينية الأصل ارتفاعًا كان يبعث رسائل شديدة الوضوح واللهجة. وكان هذا العلم يرفرف تدغدغه نسائم فلسطين ويخفق عاليًا في سمائها الزرقاء الدافئة.
وفيما كنت أحلم في الماضي منتظرة هذا اليوم وهذه الساعة، ومتعطشة لرؤية بلدي التي أتيت منها أصلاً دون أن أعرفها، ومتشوقة لهذه اللحظة التي أشبع بها رئتاي بهوائها المتدفق الموجوع.
اصطدمت بالواقع وكأني لم أعرف شيئًا من قبل، وكأني لم أهييء لهذه اللحظة أبدا! شباب وشابات اسرائيل يحملن العوزي يحتضنونه كقريبٍ غائبٍ، منذ زمنٍ طويل.
ها هم الشباب يمشون بفخرٍ تحت راية بلدهم البيضاء، لكنها ليست بيضاء تماما. ففي وسطها تجلس نجمة داوود فرحة ومرحة.
ويحصل أن ألحظ المساكين، الذين يحصل أيضًا أن أكون مثلهم، عارية السلاح والعوزي، مثلهم؛ أنا أولئك الذين يقفون تحت رحمة تلك البندقية، ومدى سلامة قوات الجندي العقلية والذهنية، ومزاجه الذين بالطبع لا يريدون أن يكونوا مسؤولين عنه بأي شكلٍ من الأشكال. وإذا أرادوا أن يفتشوا مؤخراتنا، فلندعهم، لأنه ليس هناك سبب قوي لنموت من أجله، على الأقل هنا على الحدود. فلنكن مطيعين فقط، لكني لا أفهم ماذا يقولون لي، إنهم يتمتون، والصافرة ترن وانا اقترب من الموظفة الإسرائيلية على الحدود لكي أسمع لكنها تصرخ وتؤشر لي بيديها بأن أبتعد عنها، ففعلت. لم أسمع كلمة لو سمحت أو عذرًا أًو لطفًا أو شكرًا" طوال وجودي على هذه الحدود طوال النصف يوم الذي قضيته هنا فيما كان يتعارف عليه تاريخيًا بالذل والهوان. كان كل ما كان على الحدود بهدلة وخوف واحتقار . وكان هناك من كان لطيفًا قليلاً. لكن هذا الجو المحتقن بالسلاح والعدوانية لا يختفي في القدس أيضًا.
وعند دخول القدس، بدأ الإحساس بالمدينة، وتشعر برباط بينك وبينها، لم يحل منذ زمن، وتشعر وكأنك قد وجدت هنا من قبل في رحلة الحياة والموت. والقدس مسكينة هي الأخرى. لكن فيها الأنفة والعزة، رغم تغلغل الأمن في زواياها مع رشاشات العوزي. وكل مقدسي له روايته وقصته فيها، مع كل شعاع شمسٍ مشرقية ، مع كل بندقية رشاشة خرمت جسده وتاريخه، بوجود كل الإنسانية في دواخلنا علينا أن نختار الحياة لا الموت وتحت كل الظروف والسلام لنا ولأحيائنا ولموتانا.
فلسطين أول مرة بهرتني ولم تخذلني. ففيها وجدت الشجاعة وأهل الرباط، ولكل فلسطيني هناك قضية قد تكون شخصية أيضًا. فالوطن غالي والإنتماء يأخذ وقت وشكل وحيز.
#سندس_القيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟