عائشة التاج
الحوار المتمدن-العدد: 5245 - 2016 / 8 / 5 - 10:10
المحور:
الادب والفن
العنوان : "أمير الفناء " , يحيلنا مصطلح الفناء على تيمة الموت ،
على قتل الحياة كما تدل على ذلك أحداث الرواية ووقائعها. حيث القتل والتخريب والظلم والغطرسة والغزو والنهب والسلب واستعباد الناس والنساء خصوصا ,بل إخصاء الفتيان و الشذوذ عن سنن الفطرة الطبيعية : كالاعتماد على منطق الكأس المقلوبة ,
اللوحة : عبارة عن رسم لفتاة تلبس وشاحا أبيض مزركش بالأصفر يغطي شعرها وكامل , رأسها وتنظر شزرا على جنب ، صوب اليمين ،يظهر نصف وجهها فقط و نظرات عينيها تشع حزنا وغضبا ,
وراءها صورة رجل على رأسه ما يشبه التاج أو خوذة عسكرية ,لعله بطل الرواية ,ينظر في اتجاه الرائي . يبدو عجوزا بابتسامة ماكرة لكن صورته باهتة قد تحيل على قدمه .
تحيط بهما ما يشبه بناية مكونة من قراطيس أو صحف مكتوبة تتخللها أبواب من النوع العتيق ,وبعض الشقوق ,لعله التاريخ العربي بأحداثه وبنياته التشريعية التي ترهن العلاقة المتوترة بين المرأة والرجل ,كما يدل على ذلك موقع الفتاة الجميلة التي يختفي نصف وجهها و نظراتها المعبرة عن الحزن والغيظ في آن واحد .
البطل : شخصية يابال ،المجرم الذي حسم خلافه مع أخيه بالقتل ، يتميز بالصلابة والوحشية والانحراف عن الحس السليم وستتمطط هذه الشخصية من خلال خلفه "غول جام " الذي سيطور الوحشية والغطرسة إلى أفعال غزو وسلب ونهب وقتل للطبيعة ,في الإنسان و الأشجار والنباتات .
مجال الرواية : تدور أحداث الرواية في 3 مجالات :
1) بوابة القصب : خرج منها يابال بعد أن قتل أخاه
2) الحاضرة التي ستسمى لاحقا باسم "يابال"
3) الغابة ,
1) فضاء بوابة القصب : صحراء قاحلة تسودها ذكورية متوحشة تتنكر للأنوثة وتنكر حتى دورها الطبيعي في الإنجاب حيث ادعى العجوز والد "يابال " بأنه ولد ابنيه من ساقيه وبث في نفسه الكراهية والعداء للنساء ,
داخل بوابة القصب لا حديث عن المرأة إطلاقا , فهي غائبة أو مغيبة , المهم أن في الرواية صمت مطبق عن النساء ,
و الحدث الأبرز عن "بوابة القصب " هو :القتل , قتل يابال لأخيه ثم هروبه وتيهه في الصحراء الجرذاء ,,,
تحضر قيم الكراهية والقتل و الجشع , غياب المودة بين الأخوين وطغيان العداء المفضي للقتل ثم الهروب صوب المجهول حيث المغامرة وتحدي أهوال الطريق بأنواعها .
بوابة القصب: القصب رمز لسكن بدائي ،جد بسيط ،فقير وهش ،قابل للكسر في أي حين ,
بناء اجتماعي جد هش سرعان ما انهار أمام "الطمع " والكراهية المفضية لجريمة القتل ,غياب الاستقرار فأصحاب هكذا بناء هم عموما "رعاة " دائمو الرحيل يتبعون الكلإ لإطعام مواشيهم , ,
يغيب الخصب في الطبيعة وفي الإنسان أيضا ،
لا حديث عن الحب في بوابة القصب .
وحدها عادة الكأس المقلوبة بين الرعاة تنبئنا عن الحياة الجنسية الشاذة في هذه الرقعة البئيسة من الأرض . وعن مستوى التنافر بين الجنسين الناتج عن الكبت وعن منظومة
القيم السائدة , رموز الحقد والكراهية والجريمة الناتجة عن جفاف البيئة وجفاف المشاعر ايضا ,
الفضاء الثاني : الحاضرة ، التي ستأخذ اسم "يابال لاحقا .
حاضرة وثنية توجهها طاقة الخصب ,
ومعبد مليء بالكهنة الذين يعبدون آلهة الطبيعة : الشمس والقمر والمطر ,والرعد ,,,
تحتل الخصوبة قيمة مميزة لذلك تحظى النساء اللواتي يتميزن بالقدرة على الإنجاب بمكانة التقدير والتبجيل ,مثل التقدير الذي يحظى به الذكور الأقوياء الذين يحمون الحاضرة و يسيرون شؤونها .
طقوس تتماشى مع السنن الكونية ، تمجد الخصب و تقدر الأنوثة القادرة على إنتاج النسل والذكورة المخصبة للأرحام الخصبة الحاضنة لنطفة الحياة مثلما تستقبل التربة الزرع و قطرات المطر فتنتج زرعا و غلات و تغدو حقولا خضراء تدل على الحياة ,
تتصف الحاضرة بتمجيد القوة لكن بأخلاق : حيث تتم دورات مصارعة تجعل الفائز فيها يصبح سيد الحاضرة بمباركة كل السكان ,وهناك شروط تنظم هذه المبارزة ,
يشعر القاريء بأن "الحاضرة " تحرص على التوازن بين الذكورة والأنوثة وفق السنن الطبيعية , ويحضر الفرح من خلال غناء الفتيات وهن يسقين الماء , ومن خلال أعراس الزواج ومنه زواج الفائز الذي يحظى بأجمل فتيات الحاضرة أخت السيد السابق ,
حبكة الرواية :
يعتمد الكاتب في حبكته للرواية على الأساطير الدينية التي استمد منها أسماء أبطال روايته ,يابال وغول جام ,
كما يعتمد على تقنية التقابل بين الأضداد من خلال الثنائيات التالية:
ثنائية القحول والخصب التي تشكل المحور الرئيسي للرواية ، تتمفصل حولهما ثنائيات فرعية , منها :
الذكورة والأنوثة ,، الإنجاب والعقم ، الحب و الكراهية ، الفرح والحزن , الصحة والمرض ،العفة والعهر ’ القناعة والتبذير ، التعبد والنزق , العدل والظلم ،الحقد والتسامح ،
، الحياة والموت ,
كما يخضع الكاتب أبطاله لامتحان القوة والضعف , الشجاعة والخوف ، الانتصار والهزيمة ، بتفكيكه لنفسية شخصياته في خضم احداث متنوعة قاسية أحيانا وممتعة أحيانا أخرى تتفاعل معها مشاعر الإنسان في كل تجلياتها , مبينا لنا بكل حكمة حدود الإنسان مهما أبدى من غطرسة وقوة وشجاعة ,
دور المعبد في حياة الناس :
في حاضرة الرواية يحتل المعبد وكهنته دورا رئيسيا في التأثير على حياة السكان
و يعتمد عليه الحاكم بشكل كبير , فالكاهن شريك رئيسي في حياة الحاضرة حتى وإن كان يخضع لسلطة السيد ويأتمر بأمره , إشارة إلى استغلال الدين في السياسة ,, حتى وان كان وثنيا ,فالحكام يحكمون باسم الشمس أو الرعد أو المطر أو ,,,.
وينتظمون في حياتهم حسب دورة الطبيعة وفصولها ومواسمها ,
لقد اختار غول جام عندما قرر مغادرة الحاضرة لغزو الغابات المجاورة , 12 راهبا سلمهم مقاليد المدينة , موصيا باللباس الأبيض ،ربما في تناغم مع عدد الأبراج التي قسمها البابليون إلى 12 برجا ,
وتم تقديم القرابين وأقاموا الطقوس والصلوات في المعبد لنجاح المهمة التي ذهبوا للقيام بها ممتطين الجمال البيضاء في حين اختفت الإبل السوداء ,
رمزية المفترق :
المكان الذي تقطن فيه "لوليت" العاهرة ،والمارقة عن توجيهات المعبد وكهنته ,
رمز للعبور وعدم الاستقرار , فلوليت وأمها من قبل شيدا هذا المسكن لاستقبال العابرين ,
طالبي المتعة العابرة وحتى وإن تحسنت وضعيتها حولته لخان ولم تبارح وظيفتها الأصلية ,
إشارة إلى مهنة الدعارة التي تشكل ذلك النشاز الذي لا يمكن الاستغناء عنه ,
لقد اختار الكاتب أن يولد سيد الحاضرة "غول جام " من رحم امرأة تمارس الدعارة ,
هذه المرأة التي تملك من الخبرة والدهاء ما جعلها تنتزع حملا من سيد الحاضرة المتغطرس بجبروته والمنكسر بعجزه الجنسي مع النساء , حيث نجحت في ما فشلت فيه الزوجة الحسناء العفيفة صاحبة الجاه والمكانة الاجتماعية ,
ألا يدل ذلك على أن كل شيء يحتوي نقيضه ,؟
فالخصب قد يوجد حيث لا نتوقع , وحتى العاهرة قادرة على أن تصبح أما رغم وضعها الاجتماعي النشاز ,فالطبيعة لا تعترف بالتصنيفات الاجتماعية التحكمية ,
الفضاء 3 : الغابة :
قد تشكل الغابة رمزا للخصب لأنها تتكون من أشجار باسقة وممتدة جذورها في الأرض
قديمة ومتشابكة الأغصان كما وصفها الكاتب بدقة , كما تحتوي على عيون ماء ويخترقها وديان وبرك , وتعيش فيها العديد من الحيوانات والزواحف التي تتحرك بحرية تنبيء على أن قاطنيها في انسجام تام مع نواميس الطبيعة ,
فسكان الغابة ناس مسالمون ،يحترمون الحيوانات ويعتبرونها رفيقة في الحياة , ويتعايشون معها في ألفة وود , كما عبرت عن ذلك فتاة الغابة التي صادفها الراهب الأحمر
في طريقه وهي تتكلم عن حصانها الذي كاد الأحمر يقتله فقط لأنه وخز رجله بحافريه والفتاة الأخرى التي أنقذت "غول جام " وأسعفته وتزوجته ,,,وغيرت من طباعه القاسية ,
في الغابة الخصبة يحضر السلم والتعايش والتسامح والود والرحمة والتلقائية والطيبوبة
لأنهم لم ينتقموا من الغزاة الذين جاءوا لنهب الأخشاب وتدمير الغابة ومحاولة الاعتداء على حارسها ,,,بل تركوا ذلك" لروح الغابة ,,",
كما يتميزون باحترام كل مكونات الطبيعة من إنسان وحيوان ونباتات وأشجار والتعامل معها بطريقة سليمة .
الزمان والمكان :
• يتداخل الزمان والمكان في الرواية بشكل يمكن من تطبيق أحداثها في أي مكان وفي كل عصر ,
• ولعل اختلاف المجالات من صحراء وحاضرة وغابة يدل على انتشار الروح اليابالية المنطلقة من الصحراء القاحلة والمعتمدة على الغزو وما يرتبط بها من تصرفات مدمرة للإنسان والطبيعة .
• وتتميز الروح اليابالية " باعتمادها على :
• الذكورية التي تحتقر الانثى من منطلق تفوقها العضلي ولاتعترف لها بخصالها المميزة كالخصب والقدرة على الانجاب وقوتها الناعمة الضرورية لإحقاق التوازن في الحياة ,
• تطبيق ذلك على حاضرة وثنية تنسجم مع الطبيعة وتخضع لطقوسها حيث يتم تثمين الخصب سواء من خلال الطبيعة او من خلال الإنسان وتسير فيها الحياة بسلاسة محترمة القوة والجمال ولاتخلو من بهجة الغناء والفرح و المرح الذي تحول إلى حزن وبؤس و قرف مع انتصار يابال وتسيده على الحاضرة
ويرمز غول جام إلى الامتداد اليابالي كرمز للغزاة في اي زمان ومكان ,
أهمية الوهم في حياة الإنسان :
تشير الرواية إلى دور الأوهام في بناء معتقدات الناس والتأثير على تصرفاتهم ,,,انطلاقا من تقديس "يابال " وبناء ضريح له يؤمه الناس متبركين به رغم تصرفاته السيئة جدا ,وذلك انطلاقا من صياغة صورة مثالية عنه بقوة القوة وتأثير الكهنوت , ومن خلال تزييف التاريخ ,ومدح الشعراء وترويج الأكاذيب بين الناس ,
فكاتب التاريخ كان يوثق ما يملى عليه ,,كما أشرفت على ذلك "لوليت "صاحبة الخان بالمفترق وهذه إشارة إلى عدم مصداقية التاريخ الذي وصلنا ,,,,,
ونفس الأمر تم لغول جام الذي تم تقديسه رغم أنه غزا وسلب ونهب و اغتصب وظلم ووو
وحتى عندما رجع بلحمه ودمه لكن بجسم هزيل وبأفكار أخرى لم يعترفوا به وفضلوا الأسطورة على الواقع وحرقوه ,,,,,
هذه بعض المفاتيح لتفكيك دلالات رواية مثقلة بالرموز التاريخية التي تلامس الثير من المجالات الحاسمة في حياة الإنسان منها :الدين و الأسطورة و الجنس ,,,,,
علاقة الإنسان بالطبيعة بكل مكوناتها ,
العلاقة بين المرأة والرجل ,,,العلاقة بين الحاضر والماضي
علاقة الإنسان بالإنسان ومنظومة القيم التي تنتظم حولها هذه التفاعلات ,
رواية دسمة لا تخلو من صعوبة لأنها موجهة لتلك الفئة من القراء الذين
يشاركون في صياغة الرواية من خلال تفاعلهم مع عدة أسئلة تظل مفتوحة وتسائل نباهة القاريء وفكره اليقظ وربما استعداده لطرح أسئلة وجودية عميقة
البضاء , 5 ,8, 2016
#عائشة_التاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟