|
مشروع إخراج نص مسرحي - مس جوليا-
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 5245 - 2016 / 8 / 5 - 03:24
المحور:
الادب والفن
مشروع إخراج نص مسرحي
د. أبو الحسن سلام
يتحير طلاب التخصص في التمثيل والإخراج عند تكليف من أراد التخصص من بينهم في الإخراج في مرحلة الدراسات العليا ، في وضع تصور إخراجي يؤسس عليه مشروعه ، حيث تقضي المنهجية التي تفرق بين مخرج يعتمد على موهبته وحدها ، ومخرج آخر يتوج موهبته بإطار المنهج العلمي أن يوظف الأخير منهج التحليل ، وسيلة لتفسير النص المختار الذي هو مقدم على إخراجه ، حتى يمكنه من تقدير قيمة التحولات الدرامية ، وما يؤدي إليها من صدمات ، فضلا عن تقدير طبيعة النقلات الشعورية التي يجب على الممثلين ملاحظتها ، وفهم بواعثها حتى يحقق كل منهم المصداقية والجمالية معا للدور الذي يقوم بإدائه ، ، مؤكدا بصمته بوصفه فنانا مبدعا ، يضيف إلى الدور الذي يؤديه ، إضافات تثريه ، وتحقق للممثل وللمتفرج معا الإقناع والإمتاع. لذلك عمدت إلى بناء نموذج للتصور الإخراجي لمشهد من مسرحية عالمية ، ليحتذي به من يرغب من الطلاب ، عند شروعه في إخراج نص مسرحي ما.
عنوان النص: مـس جــولـيـــا المؤلف: أوجست سترندبرج المخرج: أحد الطلاب ( إفتراضيا) - يضع الطالب اسمه - جهة الإنتاج: مشروع إخراج - الفرقة الثالثة بقسم المسرح كلية الآداب بجامعة الإسكندرية هدف الإنتاج: امتحان نهاية العام الدراسي – الفصل الثاني 2010 الأستاذ المشرف: أ.د أبو الحسن سلام الإشراف التنفيذي: الأستاذ: جمال ياقوت دار العرض: مسرح قصر ثقافة التذوق بسيدي جابر الموعد المحدد –مبدئيا- للعرض : آخر شهر 2010 التمثيل: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( في دور : مس جوليا ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( في دور : كريستين ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( في دور : جان ) ـــــــــــــــــــــــــــــ
التصور الإخراجي
تعلمنا في دروس الإخراج النظرية والعملية أن عملية إخراج نص مسرحي ما، لا تتم بالنسبة للدارسين المؤهلين للعمل في حقل المسرح بعامة ، وفي تخصص إخــــراج مسرحي بشكل خاص إلا بالوصول إلى تصور أو رؤية إخراجية ، قادرة على تفسير النص ، موضوع الإخراج ، عن طريق التحليل الدرامي لمستويات الحدث الصاعدة والواثبة والساكنة ، والمرهصة ( التي توحي بالفعل ، دون أن يتحقق في الظاهر أي الوشيكة الحدوث) ، مع تحليل الشخصيات ، والوقوف على بواعث أفعالها تركيزاعلى نقاط التحول الدرامي ، وطبيعة الصدمات الدرامية التي أدت إلى تحول، في موقف الشخصية ، بما يؤدي إلى تطور الحدث ، وتطور الشخصية نفسها.هــــذا إضافة تحليل مستويات النقلات الشعورية – على نحو الذي رسمت في كتابي: ( الممثل وفلسفة المعامل المسرحية ) وهو يحلل دور كل من ( جوليا وجان) في المسرحية نفسها ، حتى يكون ذلك التحليل مرشدا للممثل في أدائه لدوره
مستويات الحدث الرئيسي للنص:* تنتمي هذه المسرحية - وفق تصنيف النقاد – إلى المدرسة الطبيعية التي تعتمد علىعنصري ( الوراثة والبيئة) . ومع ذلك تحافظ على الوحدات الثلاث : وحدة الموضوع – وحدة المكان – وحدة الزمان ، كما تحافظ على نظرية الفصل بين الأنواع ) – تبعا للنظرية الأرسطية الكلاسيكية.فالبطلة واحدة هي جوليا والمكان واحد هو مطبخ قصر والدها الكونت ، والزمان ليلة واحدة ، هي ليلة عيد الربيع ، والجو العام جو احتفالي ، على عادة الأوروبيين ، منذ القدم فالحدث يدور في جو طقسي احتفالي ، تتلاشي فيه الفروق الطبقية حيث يختلط السادة بالخدم والأجراء ، ، ليقضي الجميع ليلة احتفال بهيج ، تراق فيه الخمور ، ويدور الرقص دون تمييز لسادة أو عبيد، حتى صباح اليوم التالي . في نص ( مس جوليا) يتضح أنه ينقسم إلى مستويين مختلفين كل الاختلاف .عند تتبع الخط الدرامي للحدث يتلاحظ بناء الحدث خلال قسمين رئيسيين : * أولا: الحدث قبل السقوط: وفيه يتأسس فعل كلا الشخصيتين على المراوغة حيث ، يلعب كل منهما على الآخر ، وإن كان لعب جوليا فيه من البراءة أو السذاجة الكثير ، دون مبالاة بعاقبة ذلك اللعب مع شخص من طبقة أخرى ، غير طبقتها ، وهو لعب أشبه باللعب بالنار. على أن ذلك لم يخرج عن أثر الجينات الوراثية ، حيث تفعل جوليا الفعل نفسه الذي فعلته أمها ، مع أبيها قبل زواجهمــا زواجا شرعيا . وهي تخطط له رغبة ملحة في السقوط ، ربما لدوافع متعلقة بافتقاد الوالدين حيث الأم ميتة ولا لقاء لها مع الأب على الإطلاق ، وهو ما يشعرها بالوحدة ، . ولما كانت تعيش شبه منعزلة في ذلك القصر الكبير ، يصبح من حقها التماس التقارب مع خدم القصر ، وهنا عاشت الحياة التي عاشتها أمها ( خادمة ) في قصر أبيها الكونت قبل زواجهما الشرعي ، وذلك أيضا تأثير عنصر الوراثة ، وتأثير عنصر البيئة ، وقد فرضت عليها بيئة المطبخ والحياة اليومية بين الخدم في المطبخ في إسطبل الخيل ، نوعا من التزاوج الثقافي ، حيث تقاربت لغتها اليومي ومعاملاتها من لغة الخدم ، وهو أمر خارج عن سياق ثقافة طبقتها ، وبذلك أصبحت ثقافتها ثقافة مهجنة بين سلوك طبقة السادة وطبقة الأجراء. وهنا يكون على ممثلة دور جوليا أن يتميز أداؤها بالتلوين الصوتي ، في الحوار بما يظهر معه هذا التداخل بين البراءة واللامباللاة من ناحية ، والاندفاع بدون تعقل من ناحية ثانية ، والتصرف بدون لياقة تتناسب مع سلوك السادة ، مع ميل إلى التبسط مع جان ، فضلا عن إظهار غيرتها الأنثوية من كريستين خطيبة خادمها جان وفي مقابل سلوك جوليا كان سلوك جان المناقض لسلوكها ، حيث التظاهر بالنقاء ، وتصنع الرومنسية ، وانتقاء الكلمات الرقيقة حينا ، والتحذيرية في مرة أخرى ، فهو يخطو نحو استمالتها خطوتين ويتراجع خطوة واحدة ، ليغريها بالإقدام إلى ما تنوي فعله نحو حافة السقوط لكي يصعد هو على جسدها إلى طبقة السادة ، تجسيدا لحلمه ، وبانتهازية مبطنة ، لا تفطن إليها جوليا ، وإن كانت كريستين قد فطنت إليها ، ولم تستطع إيقاف لعبة السقوط والصعود . ثانيا: مرحلة ما بعد السقوط : ويكشف الصراع فيها عن صدمتين.رئيسيتين: * أولهما : صدمة جوليا بتحول سلوك جان منها بعد أن نال ما خطط له بدهاء ونعومة ثانيهما: صدمة جان بعد أن اكتشف عدم وجود مال معها يمكنه من الفرار بها خارج البلاد وتحقيق حلمه بملكية فندق ، والانتقال إلى طبقة السادة ،وبين الصدمتين الرئيسيتين صدمات ثانوية ، تتطور بالحدث وبالشخصيات الثلاثة ، انتهاء إلى النهاية شبه المأساوية التي اختلف حولها النقاد ، مابين ضرورتها الدرامية الحتمية بإطاعة اقتراح جان بأن تنتحر وميلودراميتها – نقلا عن كتابنا السابق الإشارة إليه. التصور الإخراجي للعرض: وينقسم إلى مرحلتين . أ- مرحلة:الإعداد: نظرا للوقت المسموح به لأداء امتحان المشروع وهو 15 خمس عشرة دقيقة ، لذلك رأيت ضرورة إعداد موقف درامي ، يجمع بين أطراف الصراع الثلاثة في المسرحية ، ويظهر بداية الأزمة ، متمثلة في موقف استمالة كل منهما للآخــر ومراوغاتهما ، وموقف كريستين مما يحدث . مع التركيز على الصدمتين الرئيسيتين ، وما تؤديان إليه من تحول درامي. ب- مرحلة التنفيذ: يركز التصور على جوهر الفعل الذي فعلته جوليا ، فيما بين جان وكريستين خطيبته ، وهو في جوهرة فعل نسوي ، باعثه الرغبة في إزاحتها لكريستين ، والاستحواذ على جان ، خطيبها ، لتلعب معه لعبتها السابقة مع خطيبها ( وكيل النيابة) ، ربما رغبة في انتقام دفين بداخلها تجاه جنس الرجل انتقاما من الرجل كجنس، لما حدث مع أمها، حيث خانها عشيقها ، وسرق الأموال التي جمعتها من وراء ظهر أبيها الكونت ، وأودعتها لدى عشيقها ، ليستثمرها لها ، فسرقها ، مما أصاب الأم بالصدمة التي ربما عجلت بموتها. – وهذا احتمال قائم على تفعيل ( لو) الافتراضية في منهج ستانسلافسكي الذي هو الأصلح لتمثيل هذه المسرحية. - تجسيد الفكرة التي قام عليها التصور: لإظهار الشرخ الذي أحدثته جوليا في العلاقة بين الخطيبين المتناسبين من حيث الطبقة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي والثقافي ، تحقيقا لفكرة فرق تسد ، انطلاقا من عاطفة الغيرة النسوية ، من ناحية ، ومن ميل أبناء الطبقات العليا إلى العبث بمصائر أبناء الطبقات الدنيا ، من ناحية ثانية ، وتمهيدا للآنتقام من الرجل كجنس من ناحية ثالثة ، رأيت أن تخترق جوليا تشابك أيدي كريستين وجان وبين أيديهما طبق الطعام الذي أعدته كريستين لجان ، مما يسقط الطبق على أرضية المطبخ ، ويهشمه. ، وهي صورة تؤكد تعمد جوليا قطع ما بين الخطيبين من اتصال معيشيي مستقبلي ، ، باعتبار طبق الطعام رمزا للاتصال العيش بينهما. تلك هي روعة الاستهلال في المشهد الافتتاحي وبخصوص طبيعة الأداء في التعبير الصوتي عن الحوار ، فهو تعبير طبيعي يتناسب مع مدرسة الأداء النفسي لستانسلافسكي ، لطبيعة الحالة النفسية التي تتحكم في كل من الشخصيات الثلاث ، وبالنسبة لحركة الممثلين ، فإنه تسير وفق أسلوب الطبيعية أيضا في إطارها العام . وبالنسبة للديكور ، فإن أسلوب الطبيعية التي ينتمي إليها نص ( مس جوليا) يلزم بأن يكون المنظر طبيعيا ، مملوء بتفاصيل مكونات المطبخ ، حيث حوض غسل الأطباق وصنبور المياة الذي تنزل منه المياة حقيقية ، وتتوسط المائدة فضاء المطبخ مع عدد من المقاعد ، وينزل من ركن الغرفة ممتدا من السقف أنبوب ، ينقل صوت جرس الاتصال بين الكونت ، وقفص العصفور ، والأدوات المطبخية وأدوات تناول الطعام ، وزجاجات الخمور. وبالنسبة للأزياء ، فهي طبيعية الطراز ، بما يتناسب مع العصر الذي كتبت فيه المسرحية ، . مع ملاحظة أن يكون زي جوليا هو زي الفروسية ، حيث تدخل في المشهد الافتتاحي قادمة للتو من جولة على ظهر الحصان ، ومن جولة رقص مع خادمها في الحديقة ، حيث الموسيقى الصاخبة بإيقاعات راقصة تتعالى من خارج المطبخ. وبالنسبة لإضاءة ، فهي تتدرج من ساعة غروب الشمس ، إلى الإضاءة الليلية .
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في منهجية مناقشة الرسائل العلمية في البحوث السينمائية
-
معمار الدور المسرحي
-
خطاب التسلط بين السياسة والمسرح
-
دعونا نحتسب !!
-
حيرة الممثل وتعدد مناهج أداء المونودراما التعاقبية
-
على هامش الإبداع
-
مقاربات في نقد عرض مسرحي
-
مباهج الحكي التراثي ودراما اللاشكل - مسرح عز الدين المدني -
-
الفاعل الفلسفي في الدراسات المسرحية
-
سارتر وقضية الالتزام
-
الإيقاع وروح الشعر
-
الديالوج في دراما الصورة الغنائية بين الغناء والقوالة – عبد
...
-
الخطايا السبع للبرجوازي الصغير
-
- تجديد ذكرى علم من أعلام العلم والأدب
-
توفيق الحكيم وبهرام بيضاني في محكمة العدل
-
الدراماتورجية بين الإخرج الحداثى الاستعادي ل (مارا – صاد) وم
...
-
ما الأدب ؟ قراءة ليست للجميع !!
-
فاطمة وماريكا وراشيل - جنسية الغناء -
-
قضية فنية للمناقشة الطاقة التعبيرية بين الكلمات والألحان
-
الممثل بين المحاكاة والتعبير وإعادة التصوير
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|