|
يقظة الخادم المجاني
ماجد ع محمد
الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 15:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"شكراً للأشواك، فقد علمتني الكثير" طاغور ليس من باب معاداة الإحسان نقول بأن الذي يعمل أو يقاتل مجاناً لأجل غيره ليس فقط لن يجد من يشكره على ما يقوم به، إنما من غير المستغرب أيضاً بأن يرمي الكل مع الزمن بتبعات إخفاقاتهم ومقابحهم على مَن عرض عليهم أوكازيونه النضالي، وفوقها قد يشكون منه كما يشكو النفر الراكبُ ظهر الإبل من غير سرج، ولا شك لم يعد خافياً على أحد ملاحظة الخدمات المجانية التي يقدمها حزب الاتحاد الديمقراطي لأكثر من جهة في سوريا عدا الكرد. وفيما يتعلق بحرب الأجنحة العسكرية للاتحاد الديمقراطي مع داعش فالجماعة حاولوا مراراً وبشتى السبل الإثبات للعالم بأنهم يحمون المدنيين من التنظيم الارهابي ولكن عبثاً كانت معظم محاولاتهم تلك، وربما لم يصلوا إلى الاقتناع بعد بفضل الوهم الذي يتغذون منه، بأن جهودهم في ذلك المضمار دائماً وأبداً ستذهب أدراج الرياح، وربما كان عليهم أن يدركوا بأن حكم داعش ومَن هم أسوأ من ذلك التنظيم المتطرف يبقى بنظر المشحون بتراكمات التاريخ أرحم بكثير من أية جهة غير دينية سواءً كردية كانت أم محسوبة على الكرد كما هو الحال بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي. إذ وعقب التقرير التلفزيوني الذي بثته بي بي سي من خلال مراسلها فراس الكيلاني عن تقدم قوات سوريا الديمقراطية داخل منبج بريف حلب الشرقي، في منتصف الشهر الفائت والتقاط المراسل لبعض اللقطات من جبهات القتال المطلة على تنظيم داعش، وتقديمه تقريره ذاك بصفة حيادية بعيداً عن تبشيع هذا أو التطبيل لذاك بالرغم من دموية الدواعش، سرعان ما ظهر أحد الاعلاميين الذين عملوا يوماً مع نفس المؤسسة التي يعمل معها الكيلاني أي الـ: بي بي سي وهو أحمد كامل قائلاً: "بصمت وهدوء ودون اعتراض من أحد، تقوم الطائرات الأمريكية وإرهابيو حزب العمال الكردي وعملاؤهم، بتدمير مدينة "منبج" السورية، وإفراغها من أهلها (300 ألف عربي مسلم سني) إما بالتهجير، وإما بالتجويع، وإما بالقتل، في يومين فقط قتل مئات المدنيين، والمبرر تحرير المدينة من داعش" فهذا هو موقف ورأي إعلامي عمل طويلاً مع المؤسسات الاعلامية الغربية ولم يعمل مع أورينت أو وكالة أعماق التابعة للجزيرة! وهو ما يبدو جلياً بأن المؤسسات والثقافة الغربية غير قادرة على تغيير الآراء الكامنة للشرقيين العاملين معها أو بأمرتها، بالرغم من أنه كانت قد أجريت عشرات المقابلات الميدانية مع السكان المدنيين في منبج وهم يقولون عكس ما يبوح به السيد أحمد كامل، إلا أن المخزون السابق للرجل والصور الذهنية المتشكلة لديه من عشرات السنين لن تقدر شمس حقيقتها على اختراق جدران أدلجته بسهولة، ومن المؤكد أن الرجل لا يجب مطالبته بأن يكون غاندي ولكن على الأقل كان عليه أن يتحلى ببعض الموضوعية باعتباره عَمِلَ مع أعرق المؤسسات الغربية، فكان مراسل البي بي سي في سوريا، ذلك بالنسبة لمِن شغل منصب المستشار الاعلامي لأهم مؤسسة من مؤسسات المعارضة السورية أي الائتلاف، أما بالنسبة لمن شتموا الرجل على ما تفوه به، فكان حريٌ بهم أن يشتموا مَن يضحي مجاناً بالفتيان والفتيات الكرد كرمى مشاريع وهمية لا قيمة لها لا عند الصديق ولا لدى العدو، وذلك في مناطق لا تعنيهم وربما ليس في نية سكانها شكرهم يوماً على ما قاموا به، أي أنصار الحزب الكافرُ بنظرهم، ذلك الحزب الذي حرَّمهم من التنعم في فضاء الخلافة الاسلامية مع اخوة الايمان الدواعش! والأغرب من ذلك أنه حتى ذلك الفصيل الكردي المناهض لسياسة الاتحاد الديمقراطي أي المجلس الوطني الكردي هو بنظر بعض قوى المعارضة مثيلٌ للاتحاد الديمقراطي، وربما متممٌ له رغم الخلاف الأيديولوجي العميق بينهم، وتجلى ذلك من خلال ما أعلنه يوم الاثنين التحالف العربي التركماني للقبائل والعشائر في سوريا في اجتماعهم بداية الاسبوع بمدينة اورفا التركية حيث جاء في بيانهم صراحة بأنهم "يرفضون رفضاً قاطعا ما طرحه المجلس الوطني الكرُدي فيما يخص دستور غربي كرُدستان"، لأنه حسب بيانهم "لا يمثل رأي الشعب السوري ولا مكوناته من عرب وتركمان وآشوريين وبقية فئات الشعب"، متهمين في الوقت عينه المجلس الوطني الكردي على "أنه أضحى ناطقاً رسمياً لنوايا عصابة PYD حسب ما جاء في بيانهم". إذن فباعتبار أن ما مِن قوى سورية موالية كانت أم معارضة ترى أي خيرٍ في كل ما يقوم به الاتحاد الديمقراطي ووحداته المسلحة في حربه خارج المناطق الكردية مع داعش، فلماذا على هذا الحزب يا ترى أن يقدم الشباب الكردي كقرابين مجانية أمام نعالِ أناسٍ لا يقدرون تلك الضحايا بأي شكلٍ من الأشكال؟ ولعل المشهد الغني بالخذلان يقود الناظر إلى تلك اللوحة الفيزيقية لبعض الأجساد التي يبدو فيها المفعول به في حالة أشبه ما تكون بالوضعية المازوخية للمناضل، حتى يقول المراقبُ في سره: بأن عملك في مدِّ ذراع المساعدة نحو مَن وقعَ أمامك ورحتَ على عجلٍ تهمُ برفعه، لا مراءَ هو عملٌ جديرٌ بمقامك كشخصٍ مجبولٍ بماء الجودِ والإحسان، وأن تُنقذ أحدهم مِن بين براثن عشاق الفناء هو أيضاً فعلٌ حسنٌ لإنسانٍ لا يزال ينشد الحياة ويمتلك النخوة وقتَ ندرتها، ولكن أن تتكرر العملية ذاتها ولمراتٍ عديدة مع نفس الأشخاص، ومن دون أي شعورٍ أو تصرفٍ من قِبل مَن تم إنقاذهم يشير بأنهم ممتنون مِن كل تصرفاتك حيالهم، وفوقها وبالرغم من كل محاولاتك الجمة لتثبت لللآخرين بأنك تعمل لأجلهم وطبعاً من غير أي إقرارٍ بما تراه معروفاً، ومع ذلك تصر بأن تعرض خدماتك النضالية وتضحي بقرابينك على عتبات من لا يستسيغ تذوق كل ما تقدمه لهم، أليس هذه أسرع طريقة للبحث عمن يحتقرك ويعاملك كما يعامل السادي النفر المازوخي، فماذا لو استيقظت من وهمك البطولي، ورفضت في لحظة صحوٍ البقاء كجنديٍ تحت الطلب، وتراجعت عما تقترفه بحق نفسك قبل الآخرين، واحترمت ذاتك وتوقفت عن تقديم عروضك التي ينفر منها معظم أطراف المعادلة، فعدت أدراجك وتأنيتَ للحظاتٍ مستعيداً يقظتك، متأسفاً على العمل الطويل الذي لم يجلب لكَ غير التوبيخ والإدانة، فرجتَ مذكّراً بعد اليقظةِ بوضوحٍ تام وبلا أي مواربة سكان كل الأماكن التي لا تعنيك بشيء بقول الإمام الشافعي: "ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنتَ جميع أمرك".
#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما سبب كراهية الأوجلانيين للعَلم الكردي؟
-
ما خلف تصريحات وزير الدفاع العراقي بخصوص البيشمركة والموصل
-
نحن واليابان بين الجيشا والجارية
-
الحدث بين الرؤية والتغاضي
-
صلاح حميد: ألامس الواقع ومواجع الناس من خلال نافذة لوحاتي
-
تفجيرات اسطنبول والأحكام الجاهزة
-
السياسة النكاياتية في اقليم كردستان
-
هل يُعيد بشار ما فعله والده بأوجلان مع صالح مسلم؟
-
الكردي والخفاش
-
ثقافة الاعتذار لدى أقطاب العمال الكردستاني
-
الثنائي (ميترا عدنان هورو): لم نغادر الوطن حباً إنما تركنا
...
-
ما الذي يربط الخزنوي بدمشق وأنقرة؟
-
مَن هُم الأولى بتحرير الرقة؟
-
محمد محمود: روسيا أهم شيء لديها هو استرجاع قوتها الدولية من
...
-
مواقف الجبور والتركمان مقارنة بمحور (قم)
-
من التحرير والتوحيد إلى الكنتنة
-
ماذا يريد دوران كالكان ورهطُه؟
-
عكاكيز الملالي في قنديل والسليمانية
-
توفيق عبدالمجيد: الهدف مما جرى ويجري في حلب هو إفشال مفاوضات
...
-
بموازاة مجازر الأسد
المزيد.....
-
إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب
...
-
الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال
...
-
الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف
...
-
الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم
...
-
الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها أغام بيرغر تلتقي والديها
-
-حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م
...
-
-الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
-
ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا
...
-
خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في
...
-
الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|