أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسنين السراج - يهود العراق بين الفرهود العراقي ومبيد الحشرات الاسرائيلي















المزيد.....


يهود العراق بين الفرهود العراقي ومبيد الحشرات الاسرائيلي


حسنين السراج

الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 00:16
المحور: المجتمع المدني
    


مقطع من الفصل التاسع عشر من كتاب (جرائم ارتكبتها حين كنت حارسا لدين الله) النسخة الورقية / الفصل يحمل عنوان (عبادة الوطن وتحقير المواطن)
الكتاب متوفر في شارع المتنبي - المكتبة العصرية

يتحدث بعض الناس بحرقة عن فقدان الاثار التي توثق تاريخ اليهود والتي سرقت من العراق ...اعجب على امة تتأسف على فقدان حجر يوثق محطة من تاريخ اليهود ولا تتأسف على انسلاخ اليهود انفسهم من نسيج المجتمع . ما هي فائدة الحجر اذا كنا قد فقدنا البشر؟؟؟

كان عدد اليهود العراقيين المقيمين في العراق قبل 2003 أقل من 100 يهودي . من حسن حظي أني ألتقيت بثلاثة منهم (شاب وسيدة عجوز ورجل مسن ) كل منهم ألتقيته بوقت مختلف عن الاخر . حين ألتقيت بالسيدة العجوز وعرفت أنها يهودية شعرت بشعور غريب ونفور وأنزعاج بسبب التعبئة الهائلة من الالة الأعلامية للدولة ومؤسساتها التي تجعل عقولنا تتخذ موقف سلبي مسبق من اليهود . لكن بعد ان تحدثت معها لم أجد منها ألا كل الطيبة والمودة . وتغير ذلك الانطباع السلبي الى أنطباع أيجابي . وعزز ذلك لقائي التالي بالرجل المسن والشاب .

كان لليهود دور مهم في المجتمع العراقي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكان لهم دور كبير في بناء الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي ودليل ذلك ان اول وزير مالية عراقي كان يهودي وهو حسقيل ساسون .
سمعنا من كبار السن الكثير من القصص عن اليهود وكانت تتركز في أتجاهين . الأول هو الحنين للذكريات والشجون . ونلتمس في طيات هذه القصص شعور بالأسف على خروجهم من العراق . أما المحور الثاني في القصص التي يتندر بها كبار السن عن اليهود فيدور حول عقليتهم التجارية وذكائهم في ادارة تجارتهم . وهذه الصفة ليست غريبة عليهم وهي متجذرة فيهم على مر العصور .

شحلو الفرهود...كون يصير يومية

يقول الكتور ابراهيم الحيدري : ومن الفذلكات الاجتماعية المضحكة ـ المبكية ما حدثني به احد الأصدقاء. فقد حدث أن غنى المطرب العراقي المعروف فاضل رشيد في إحدى "الكسلات" التي كانت تقام في سلمان باك جنوب مدينة بغداد، قال فيها: "شحلو الفرهود كون يصير يومية!)(انتهى) (19)

الواقع ان الاغنية التي يتغنى بها المطرب الراحل فاضل رشيد هي اهزوجة من اهازيج (ثوار الفرهود)(20) لكن الفرهود لا يحدث كما يتمنون في الاغنية يوميا بل يحدث كل عدة عقود حين تقوم احدى حكوماتنا بخطوة رعناء تكشف هشاشة التماسك الاجتماعي وتتمكن من اخراج الوحش الذي يقبع في لاوعي بعضنا .

الفرهود هي التسمية الشهيرة لأعمال القتل والسلب والنهب التي حدثت ضد اليهود في عام 1941 وتحديدا بعد سقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني . أو(الهولوكوست المنسي كما يطلق عليه نسبة من اليهود العراقيين) . وهو النسخة العراقية من (ليلة الزجاج المهشم) وهي التظاهرات الغاضبة التي خرجت ضد اليهود في نهاية العقد الثالث من القرن العشرين في المانيا وتم فيها تكسير محلاتهم وقتل عدد كبير منهم واعتقال اخرين .

لابد ان نشير ان حكومة رشيد عالي الكيلاني وفي الشهر الذي حكمت به قامت بالتضييق على اليهود واضطهادهم لتشبعها بالثقافة الهتلرية المعادية لليهود .(21) حدثت فوضى في المدن العراقية بعد هروب حكومة رشيد عالي وأثناء أنشغال اليهود بالاحتفال بأحد أعيادهم الخاصة ( عيد الشفوعوت) اغار الرعاع عليهم وقتلوا منهم الكثير وتم نهب بيوتهم وتدميرها . أستمرت أعمال القتل والسلب والنهب والاغارة على بيوت اليهود يوم كامل او اكثر وأنتهت بنزول القوات البريطانية الى الشوارع .

يبين الدكتور كاظم حبيب اهم القيم التي ثقفت لها حكومة رشيد عالي في مدة الشهر التي حكمت بها بالنقاط التالية : (22)

- تأكيد أهمية القوة العسكرية في الدفاع عن المصالح القومية واسترداد الحق المغتصب، واحتقار الداعين إلى السلام، واعتبار الحرب هي الطريق السليم لاكتشاف العناصر الأصيلة عند الأمة!
- ربط القضية الفلسطينية بالقضية العراقية وكأنهما قضية واحدة. وهنا لعب الحاج أمين الحسيني دوراً أساسياً في هذا التوجية.
- تعميق الكراهية ضد اليهود في العراق، والتهليل لما يقوم به النازيون ضدهم في ألمانيا، وكأن يهود العراق مسؤولون عما كان يجري من صراع في فلسطين. وكان - التثقيف في المدارس والكليات يسير في هذا الاتجاه الذي وجد تجسيده في ما حصل لاحقاً ضد اليهود في فاجعة ومجزرة الفرهود في بغداد. (انتهى)
الفرهود وصمة عار لا تغتفر ودلالة على سهولة تحول نسبة لا يستهان بها من الناس الى رعاع في رمشة عين . والواقع يقول ان هذه الحادثة تكررت اكثر من مرة ابرزها احداث الكويت واحداث عام 2003 التي تسمى (الحواسم) وغيرها على نطاق اضيق . قد يقول قائل هؤلاء نفر ضال لا يمثلون الشعب أو هؤلاء لا يمثلون الجميع أو أو أو ... ألخ . السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة (حين قام النفر الظال بقتل الابرياء وسلب ممتلكاتهم ماذا كان دور الاغلبية الغير راضية عن هذا الفعل ؟؟؟ ) حتى لو فرضنا الفرضية القائلة (ان التضييق على اليهود العراقيين هو خطة بريطانية طبقتها الحكومة العراقية لدفع اليهود الى الهجرة الى أسرائيل) لماذا تعامل المجتمع بهذه الطريقة الموجعة مع اليهود ؟؟؟
كان التوجه العام ليهود العراق مضاد للصهيونية وغير مؤيد لقيام دولة اسرائيل لكن بعد هذه الحادثة والتي قدم فيها (النفر الظال) خدمة كبرى للحركة الصهيونية تغير توجه اليهود وهذا أمر طبيعي فحادثة الفرهود جعلتهم يشعرون بعدم الامان وعدم الراحة وسط المجتمع العراقي وكان خيار الهجرة الى أسرائيل الخيار الأنسب لهم .

ما حصل ليهود العراق عام 41 يشبه ما حدث للفلسطينين عام 1948 . فجريمة الفرهود التي بدأتها الجماعات التي اسسها يونس السبعاوي (فدائيو يونس السبعاوي , الحرس الحديدي , كتائب الشباب )(23) والتي ارتكبت بحق يهود العراق لا تختلف كثيرا عن مجزرة دير ياسين التي قامت بها ميليشيا (شتيرن ) وميليشيا (اركون) اليهوديتين بحق الفلسطينيين. الظلم واحد لا يجزء اما ان نتعاطف مع كل انسان يتعرض للظلم او نكرم الناس بسكوتنا .
يلخص الدكتور كاظم حبيب اثار الفرهود على المجتمع اليهودي العراقي بالنقاط التالية:(24)

1- عمقت الإحساس لدى اليهود بأنهم يعيشون في مجتمع فيه الكثير من الناس ممن يكرهون اليهود بسبب الدين الذي هم عليه، وكأنهم غرباء عن هذا الوطن رغم القرون الطويلة المنصرمة التي عاشوها في هذه البلاد.
2- عمق الخوف في نفوس اليهود من احتمال تعرضهم في كل لحظة لاعتداءات مماثلة من جانب المتطرفين العرب والمسلمين؛ اعتداءات يمكن أن تستهدف ليس أموالهم وما يملكون فحسب، بل وأوراحهم أيضاً. مثلما حصل في بغداد.
3- وعمق لدى نسبة غير قليلة من يهود العراق الكراهية لأولئك الناس الذين فقدوا الإحساس بالإنسانية.
4- وشدد لدى البعض الآخر الشعور بأهمية أن يكون لهم وطن يحميهم من مثل هذه الاعتداءات. وقد ساعدت المنظمات الصهيونية على إثارة هذا الشعور وتطويره وتعزيزه في نفوس يهود العراق.
5- وبعد عمليات الفرهود بدأ الكثير من العائلات اليهودية العراقية، تفكر بترك العراق والهجرة إلى دول أخرى تعيش فيها بأمان واستقرار بعيداً عن المخاوف اليومية. مما أدى إلى تمزيق المزيد من العائلات التي لم يكن جميع أفرادها مقتنعين بضرورة الهجرة، مع إحساسهم بالخطر المحتمل الذي يتهددهم من عيشهم وسط السكان العرب والمسلمين.(انتهى)

اسرائيل استفادت بكل تأكيد من اعمال الفرهود ومن اي معاداة لليهود العراقيين . لان ذلك سرع من هجرتهم اليها . لكن القاء اللوم في كل مصيبة نفعلها على اسرائيل لون من الوان الكفر بقيمتنا البشرية . من الكفر ان يخدر الانسان نفسه بهذه الحجج الواهية لتبرير جريمة بشعة قام بها ابناء الوطن بالاستيلاء على شركائهم بسبب الافكار الهتلرية المعادية لليهود التي استوردها حثالة السياسيين . تخيل ان احدى التجمعات الشبابية التي خرجت لدعم حكومة رشيد عالي الكيلاني اسمها (فدائيو يونس السبعاوي) ومن الاسم لك ان تتخيل ضحالة هؤلاء وسخافتهم .
بريطانيا اجرمت حين تركت رعاع الفرهود يسرحون ويمرحون مع قدرتها على ايقافهم كما ان امريكا اجرمت نفس الجريمة حين تركت رعاع الحواسم يسرحون ويمرحون مع قدرتها على ايقافهم . لكن هذا لا يعفي المجرم الاصيل من جريمته . وقوف بريطانيا مكتوفة الايدي في اعمال الفرهود كان حسب اعتقادي رسالة موجهة ليهود العراق مفادها (هل هؤلاء هم شركائكم في الوطن ام اقرانكم اليهود في الارض الموعودة؟؟؟ )

يهود العراق في اسرائيل :

يتحدث السياسي والمفكر الماركسي اليهودي العراقي حسقيل قوجمان عن ظروف حياة يهود العراق في اسرائيل والتالي هي مقتطفات من حديثه المسهب عن تلك الظروف :

ان جميع اليهود الذين هجروا العراق سنة ١٩٥٠ سفروا الى اسرائيل ولم يبق في العراق سوى عدد قليل من الجالية لم يرغبوا في اسقاط الجنسية العراقية عنهم اما لشعورهم بان العراق هو وطنهم ولم يرغبوا بالتخلي عن وطنهم وهم قلة واما لعدم رغبتهم في التخلي عن ثرواتهم. وقد نجح بعض هؤلاء في تحويل بعض اموالهم الى خارج العراق قبل ان يهاجروا بصورة شرعية او غير شرعية فاصبحوا لاجئين في بلدان اوروبا وفي الولايات المتحدة وكندا. وقد اصبح عدد كبير من هؤلاء من اغنياء البلد الذي لجؤوا اليه. كان اسقاط الجنسية وتسفير اليهود الى اسرائيل مؤامرة ثلاثية اشتركت في تنفيذها حكومة اسرائيل والحكومة البريطانية والحكومة العراقية. وقد سمح لليهودي المهاجر ان يأخذ معه بعض الملابس لذلك اشترى كل يهودي احسن ما يجده من الملابس وارتدوا لدى سفرهم افخر البدلات والقبعات والاحذية الانجليزية. فور وصول اليهود الى المطار الاسرائيلي جوبهوا بطريقة مذلة اذ كان اول عمل استقبلوهم به تعقيمهم برشهم بمبيدات الحشرات وكأنهم جاؤوا محملين بالجراثيم. واقتيدوا الى مخيمات تسمى المعابر حيث تسكن كل عائلة مهما كان عدد أفرادها في خيمة واحدة هي المسكن والمطبخ ودار الراحة. وليس في الخيم اية منافع فكان على العائلة ان تجلب الماء الى الخيمة من مسافات والخروج الى مراحيض مشتركة هي عبارة عن حفر تبعد كثيرا او قليلا عن الخيمة. وكان الغذاء يمنح لهم ببطاقات تموين شحيحة. بقيت بعض العوائل في هذه المعابر عدة سنوات قبل ان تندمج في المجتمع الجديد وتمتلك شققا صغيرة في المدن. بخلاف المهاجرين العراقيين غير اليهود الذين احتفظوا بجنسياتهم العراقية واصبحوا يعيشون كلاجئين عراقيين في مختلف المهاجر، اكتسب اليهودي العراقي حال نزوله من الطائرة الجنسية الاسرائيلية واصبح مواطنا اسرائيليا له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات المترتبة على اي اسرائيلي. وقد اضطر اليهودي العراقي على تحمل جميع واجبات المواطن الاسرائيلي ولكنه لم يتمتع باية حقوق عدا حق وجوده في الخيم واستلام المواد الغذائية التموينية الشحيحة. لم يمنح اليهودي العراقي عمليا حق العمل او مخصصات العاطلين لذلك كان عليه ان يخرج من المخيمات بحثا عن عمل، فخرج الاطباء والمهندسون والاساتذة والصيادلة وغيرهم للعمل في بساتين البرتقال للعمل في قطيف البرتقال لقاء اجور ضئيلة. حين هربت الى اسرائيل بعد اطلاق سراحي من السجن في نهاية سنة ١٩٦١ ووصلت الى اسرائيل عن طريق ايران في كانون الثاني ١٩٦٢ التقيت بزوجتي وبعائلتي. وسمعت منهم قصصا كثيرة عن هذه السنوات الصعبة التي عاشوها في اسرائيل في الخيم قبل اندماجهم في الحياة الاسرائيلية والحصول على وظائف تتفق مع اختصاصاتهم الطبية والهندسية والصيدلانية والثقافية او استطاعة بعضهم امتهان نفس الحرف التي مارسوها في العراق كالبقالة وبيع الخضروات وصناعة الاحذية وغيرها . اول واجبات اليهود العراقيين التي كان عليهم ان يخضعوا لها هو التجنيد الاجباري للشبيبة اناثا وذكورا فقد اخذوا جميع الشباب الذين تسمح اعمارهم بالخدمة العسكرية الى الجيش ليخدموا عدة سنوات فيه. وقد كانت الخدمة العسكرية على صعوبتها مفيدة للشباب اذ تعلموا اثناءها اللغة العبرية لكي يستطيعوا بعد تسريحهم ممارسة الوظائف الحكومية او الدخول في الجامعات لاستكمال دراساتهم وقد دخل العديد من هؤلاء الشباب بعد انهاء الخدمة العسكرية الجامعات الاسرائيلية. وكان وضع الاطفال الذين هاجروا الى اسرائيل وهم في حداثة اعمارهم والاطفال الذين ولدوا في اسرائيل مشابها لوضع كل طفل يولد في اسرائيل بصرف النظر عن البلد الذي جاء منه اباؤهم. فهو طفل تكون لغته الام اللغة العبرية وتكون ثقافته الثقافة التي يتلقاها كل طفل في المدارس الاسرائيلية. بحيث ان الطفل ينشأ كمواطن اسرائيلي بالدرجة الرئيسية بصرف النظر عن وطن ابائه. وقد تحقق اليوم من هؤلاء الاطفال جيلان او ثلاثة اجيال. وكلما ابتعد الطفل عن ابائه الذين جاؤوا من العراق فقد شعوره بالتبعية او بالتقاليد العراقية بحيث ان من تبقى حتى الان من اليهود المهاجرين اصبحت اعمارهم تزيد على السبعين عاما واصبح ابناؤهم واحفادهم بعيدين عن الشعور بالانتماء العراقي.(انتهى) حسقيل قوجمان 29/6/2005(25)

بين الفرهود العراقي ومبيد الحشرات الأسرائيلي ضاع يهود العراق وفقد العراق جزء اصيل من المجتمع . وسيفقد أجزاء اخرى طالما ان ثقافة أقصاء الاخر وألغائه ثقافة متاحة وممكنة التطبيق على ارض الواقع في لحظات معينة من التاريخ .
لم أجد صورة تعبر عن معاناة يهود العراق ومشاعرهم المتناقضة أكثر من اللوحة الرائعة التي يجسدها البرفيسور اليهودي العراقي شموئيل موريه أو ( سامي أبراهيم) والتي يقول فيها :

قالت لي أمي والأسى في عينيها:
"ظلمونا في العراق،
وضاقَ المُقامُ بنا يا ولدي،
فما لنا و"للصبر الجميل" ؟فهيا بنا للرحيل"
وعندما بلغنا الوصيدا،
قالت لي: "يا ولدي لا تَحزنْ،
إِاللّي ما يريدكْ لا تريدَهْ "،
هَمستْ: " يا حافرَ البير
بربكَ قلْ لي لهذا سببْ؟
ورَحلنا ...
وقبلَ رَحيلِها الأخيرْ،
قالتْ لي أمّي،
والقلبُ كسيرْ
أحنّ إلى العراق يا ولدي،
أحنّ إلى نسيمِ دِجلة
يوشوِشُ للنخيلِ،
إلى طينها المِعطار
إلى ذيّاك الخميلِ،
بالله يا ولدي،
إذا ما زُرتَ العراقْ
بعدَ طولِ الفراقْ
قبّلِ الأعتابْ
وسلم على الأحبابْ
وحيّ الديار
وانسَ ما كانَ منهم ومنّا!" (26)

هناك شريحة من العراقيين تتعاطف مع يهود العراق . ويهود العراق (خصوصا الجيل القديم) يحنون للعراق . وهناك عراقيون انشأوا مواقع وصفحات تهتم بتاريخ يهود العراق. وهناك يهود انشأوا مواقع تهتم بالعراق . كل هذا يدل على ان الهوية العراقية لم تندرس بالكامل في شخصية اليهودي العراقي الذي هاجر الى اسرائيل . وفي عالم الانترنت حدث تواصل بين يهود العراق وبين العراقيين وتلمس منه وجود شريحة من العراقيين تعترف بهم وتتعاطف معهم ووجود شريحة منهم حتى من الجيل الثاني الذي ولد في اسرائيل لديها شيء من الهوية العراقية . تشعر بانبهار حين تتابع فيديوهاتهم التي ينشرونها في الانترنت وتشعر بالحنين حين تتلمس لهجتهم القريبة من اللهجة الموصلية وتكتشف انهم مع انصهارهم في المجتمع الاسرائيلي الا ان الهوية العراقية لا زالت تجمعهم في (شارع ومقهى وحلاق وصالة اعراس وجالغي ومقام وووالخ) ان اخر تحديث لليهود فيما يخص (المجتمع العراقي) هو عهد السبعينات لذلك تجد اسلوبهم وثقافتهم ونمط حياتهم ستيني وسبعيني بامتياز . اذا اردت ان ترى كيف كانت شخصية الانسان العراقي في الستينات والسبعينات فانظر الى يهود العراق فهم نموذج حي لعراق الستينات والسبعينات .
بعض المتفائلين من العراقيين يدعون لعودة يهود العراق الى وطنهم كونهم جزء منه . هذه الدعوة مع جمالها الا انها طوباوية (خيالية) اي عودة ومفردة يهود اصبحت في عرف المجتمع شتيمة؟؟؟ مجتمع غُسل دماغة لسنين طوال الى درجة ان اسوء انسان فيه لو اتهمته بتهمة سيئة سيجيبك (قابل اني يهودي) او (حتى اليهودي ميسويهة) هل تتوقع ان يتقبل عودة يهود العراق ؟؟؟ لا يوجد مستحيل طبعا لكن هذا الامر شبه مستحيل على الاقل في ظل واقعنا الحالي .

يتحدث بعض الناس بحرقة عن فقدان الاثار التي توثق تاريخ اليهود والتي سرقت من العراق ...اعجب على امة تتأسف على فقدان حجر يوثق محطة من تاريخ اليهود ولا تتأسف على انسلاخ اليهود انفسهم من نسيج المجتمع . ما هي فائدة الحجر اذا كنا قد فقدنا البشر؟؟؟
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا محطات العنف في بلدنا مستمرة وكأن لها دورة حياة تبدا ثم تنتهي لتبدأ دورة اخرى بعدها؟؟؟

يقول الدكتور ابراهيم الحيدري :

العنف ثقافة وليس طبيعة، وهو تطبع واكتساب، رغم الإرث التاريخي الدامي، من الاستبداد والعنف والقسوة وهي مفردات أصبح لها دلالات سياسية وعرقية وطائفية تراكمت عبر الأجيال والسنين. وتاريخ العراق الحديث يؤشر أيضا إلى أساليب متنوعة من العنف والقسوة. فقد تم قتل الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله ونوري السعيد وغيرهم خلال ثورة 14 تموز 1958 وقامت الغوغاء بسحل بعض القتلى في بغداد والموصل وكركوك عام 1959، كما قتل الزعيم عبد الكريم قاسم بقسوة واعدم سكرتير وعدد من أعضاء الحزب الشيوعي وكثير من المحسوبين على اليسار عام 1963. كما أبيد مئات الألوف بعمليات الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية. وقد استخدمت أبشع أشكال العنف بعد هزيمة العراق في الكويت، ثم خلال الانتفاضة العفوية عام 1991. وقد ازدادت وتائر العنف والقسوة والإرهاب بعد سقوط النظام السابق واحتلال العراق...ومن الملاحظ أن ظاهرة العنف والعنف المضاد هي أكثر ظهورا في العراق من غيره من الدول العربية أو الدول المجاورة. فإذا قارنّا العراق بمصر أو غيرها نلاحظ أن هناك فارقا في التعبير عن أساليب العنف. فليس هناك ظواهر "سحل" و "فرهود" كما حدث مرارا في العراق. ففي الثورة المصرية في عام 1952 لم يستخدم فيها أي شكل من أشكال العنف ضد العائلة المالكة، حيث وضع الملك فاروق في طائرة خاصة أخذته إلى روما، حسب رغبته، وودعته فرقة عسكرية بواحد وعشرين طلقة مدفع...ومن الملاحظ أيضا أن العنف في العراق يأتي دائما من الأطراف، وغالبا ما كان يحدث من قبل الجيوش الغازية من الشرق أومن القبائل البدوية من الغرب وكذلك من إنصاف البدو والريفيين، وليس من سكان المدن "الحضر" الذين يكونون أكثر خضوعا واستسلاما واقل عنفا وتغالبا...إن استمرار الاستبداد والظلم وسفك الدماء، الذي هو دليل على استمرار العنف في العراق، خلَّف وراءه تركة ثقيلة من الكوارث والآلام والأحزان التي أثَّرت وتؤثر على ثقافة وشخصية الفرد العراقي بحيث جعلته أكثر ميلا لرد العنف بعنف مضاد، حسب المصالح والدوافع والأهداف.(انتهى)(27)

المصادر :

19- ثقافة العنف وتأثيرها على الشخصية العراقية – د.ابراهيم الحيدري
20- انظر-ي: حركة شباط - مايس 1941 الانقلابية والفرهود ضد اليهود - كاظم حبيب – الحوار المتمدن
21- انظر-ي: احداث الفرهود في منطقة باب الشيخ – د. نسيم قزاز (باحث يهودي عراقي في تاريخ يهود العراق ) – نقلا عن (علاقة الكرد الفيليين بفرهود العراق – عصام اكرم الفيلي – مجلة الكاردينيا )
22- حركة شباط - مايس 1941 الانقلابية والفرهود ضد اليهود - كاظم حبيب – الحوار المتمدن
23- انظر-ي: المصدر السابق
24- المصدر السابق
25- ظروف اليهود العراقيين في أسرائيل – حسقيل قوجمان - الحوار المتمدن
26- مجلة الكاردينيا – فنجان قهوة مع الاستاذ البرفيسور (سامي) شموئيل موريه
27- ثقافة العنف وتأثيرها على الشخصية العراقية – دكتور ابراهيم الحيدري – مدارك – موقع الكتروني



#حسنين_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا ينام الملحدين مع محارمهم؟؟؟
- النسخة الورقية من كتاب جرائم ارتكبتها ... حين كنت حارسا لدين ...
- كلاكيت ثاني مرة . سنخترع عيد الكراهية يا اعداء الله لنشوش عل ...
- سنخترع عيد الكراهية يا اعداء الله لنشوش على عيد الحب
- الحمد لله خالق المشوهين
- مؤمنين يهينون الله وملحدين يدافعون عن الله وعفويين يعيدون تش ...
- الحمد لله على نعمة الاسلام ... فضيحة الأله نينساه
- ذات الثوب الاسود
- ليس المهم أن أنجح المهم أن يفشل الاخرون
- ليس المهم أن أنجح المهم ان يفشل الاخرون
- صدق أو لا تصدق ... السبب الرئيسي للأنهيار الامني
- كتاب / جرائم أرتكبتها ... حين كنت حارسا لدين الله
- الدماء المهدورة بين اليهود وخصومهم 3
- الدماء المهدورة بين اليهود وخصومهم 2...العهود التوراتية
- الدماء المهدورة بين اليهود وخصومهم 1
- التعذيب وانواعه وطبيعة الجلادين
- الحقيقة من صنع الانسان ... فلاسفة الاغريق 2
- أبن عم الريس من يحن أليه؟؟؟
- التجرد والتجديد...فضل الله وحسن المالكي نموذجين
- جيفارا يرتجز في الطف


المزيد.....




- المرصد السوري: نحو 105 آلاف شخص قتلوا تحت التعذيب بالسجون خل ...
- تونس: المفوضية الأوروبية تعتزم وضع شروط صارمة لاحترام حقوق ا ...
- وسط جثث مبتورة الأطراف ومقطوعة الرؤوس... سوريون يبحثون عن أق ...
- مسئول بالأونروا: ظروف العمل في غزة مروعة.. ونعمل تحت ضغوط لا ...
- جمعية الإغاثة الطبية بغزة: أكثر من 70% من سكان القطاع بلا مأ ...
- -حفلات يومية-.. ممارسات تعذيب -احترافية- في مراكز الاحتجاز ا ...
- الأمم المتحدة تبحث وقفا -غير مشروط- لإطلاق النار في غزة
- أردني محرر من سجون سوريا يروي معاناة 26 عامًا من الاعتقال وي ...
- هآرتس: وفاة 4 فلسطينيين تحت التعذيب بإسرائيل منذ أكتوبر 2023 ...
- وصفتها بالمتسرعة.. برلين ترفض مطالب بإعادة اللاجئين السوريين ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسنين السراج - يهود العراق بين الفرهود العراقي ومبيد الحشرات الاسرائيلي