أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصارعبدالله - المبارزة















المزيد.....


المبارزة


نصارعبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1404 - 2005 / 12 / 19 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


مسرحية من فصل واحد
المنظر:(محطة أتوبيس.. شخص واحد واقف على المحطة عادى المظهر وإن كان يميل قليلاً إلى الرثاثة وسوف نرمز له بالحرف (أ) .. إلى جانبه سلة صغيرة مغطاة بمفرش .. ينظر إلى السلة ثم إلى ساعته ثم يتطلع إلى بعيد ليرى إن كان الأتوبيس قادماً.. يكرر هذه الحركات مرة بعد أخرى عندما يدخل الشخص (ب) الذى تلوح عليه الحيوية والرشاقة، يدور دورة كاملة حول الشخص (أ) ثم يتوقف فجأة فى مواجهته.
)ب( : لو سمحت .. هل هذه محطة أتوبيس 85؟
)أ( : نعم
(الشخص )ب( يدور دورة أخرى حول )أ( .
)ب( : هل تنتظر الأتوبيس ؟
)أ( : نعم
(يدور دورة أخرى).
)ب( : هل تنتظر منذ وقت طويل ؟.
)أ( : (ينظر إلى ساعته ثم لى السلة ثم إلى ساعته مرة أخرى).
)أ( : منذ حوالى... ساعة.
()ب( يعود إلى الدوران).
)ب( : هل تعتقد أن هناك أملا فى مجئ الأتوبيس ؟
)أ( : بالطبع ما يزال الوقت مبكراً جداً بالنسبة للدورة الأخيرة (ينظر إلى ساعته ثم إلى السلة ثم إلى الساعة مرة أخرى ويواصل) – نعم مازال الوقت مبكراً جداً.
)ب( : عندما يأتى الأتوبيس هل ستصعد إليه ؟
)أ( : (يبتسم فى استغراب) – بالطبع !
)ب( : يعود إلى الدوران عدة مرات ثم يتوقف فجأة فى مواجهة )أ( ويخاطبه بشكل باتر كمن يصدر أمراً.
)ب( : أسمع ! . ما اسمك ؟
)أ( : مرتبكاً – محمود
)ب( : محمود ماذا ؟
)أ( : يستعيد توازنه ويجيب فى فتور – محمود حامد .
)ب( : حامد ماذا ؟
)أ( : "الذى سنعرفه منذ الآن باسمه محمود" – متجهماً جداً
- محمود حامد فقط يكفى هذا .
)ب( : (متلطفا) – اسمع يا أخ محمود
هل يضايقك أن نتجاذب أطراف الحديث كأصدقاء إلى أن يأتى الأتوبيس .
محمود: (وقد انفرجت أسارير وجهه قليلاً)
بالعكس .. هذا يسرنى جداً.
)ب( : كلا .. أنت متضايق.
محمود: بالعكس أنا غير متضايق.
)ب( : كلا .. أنت يبدو عليك الضيق.
محمود: متجهماً – قلت لك إنى غير متضايق… أنت بهذا تضايقنى فعلاً.
)ب( : إذن أنت غير متضايق (محمود يهز رأسه موافقاً).
)ب( : ماذا فى هذه السلة ؟ (يقترب منها كما لو كان يهم بتفتيشها).
محمود: يبعدها بحركة غريزية – لا شئ .. مجرد قطع من الجبن وكمية من البيض والزبد.. إنهم يبيعونها فى هذه الضاحية أرخص كثيراً من داخل المدينة .. ثم إنها طازجة أكثر.. ومع هذا فقد كنت أفضل أن أقضى هذا المساء فى المنزل لولا أن زوجتى أصرت على أن أجئ إلى هذه الضاحية البعيدة لأشترى لها الطلبات.
)ب( : أنت متزوج إذن ؟
محمود: نعم.
)ب(: اسمع يا أخ محمود. هل تثق فى زوجتك ؟
: أعنى هل تعتقد أنها مخلصة لك ؟
محمود: (يعود إلى التجهم الشديد) – وما شأنك أنت ؟
)ب(: قلت لى إنك لن تتضايق.
محمود: لم أكن أتصور أن الكلام سيصل إلى هذا الحد.
)ب(: ولكنك قلت إنك ستكون مسروراً إذا تجاذبنا الحديث كأصدقاء.. نعم كأصدقاء.
محمود: يا سيد يا محترم.. أنت تتجاوز حدودك !
)ب(: إذن أنت متضايق ؟
محمود: يمكنك أن تغير الأمر كذلك.
)ب(: فى تصميم شديد – ولكنك قلت إنك لن تتضايق! ، معنى هذا أنك كنت تخدعنى.
محمود: يتجاهل حديثه ويتطلع إلى بعيد ليرى إن كان الأتوبيس قادماً… ينظر إلى ساعته .. ثم إلى سلته .. ثم يعود ينظر إلى الساعة).
)ب(: مواصلاً - … اسع يا محمود أنا لا أحب الخداع.
محمود: فى اقتضاب – هذا لا يعنينى.
)ب(: ولكنه يعنينى أنا .. قلت لى إنه سوف يسرك أن نتكلم كأصدقاء.. وما دمنا قد عجزنا عن أن نتعامل كأصدقاء.. إذن فلنتعامل كأعداء.
محمود: وقد بدأ يداخله الخوف – ماذا تعنى؟
)ب(: (فى غضب) – أعنى ما أقول.. لابد لنا أن نتعامل كأعداء.. ولابد لنا أن نعبر عن مشاعر الكراهية والعداوة التى يكنها كل منا للآخر بطريقة إيجابية.... (يستل فجأة من بين طيات ثيابه سيفاً ويبدأ فى التراقص حول محمود الذى ينكمش متراجعاً للخلف).
محمود: كلا يا عزيزى.. أنت تضخم المسألة .. لسنا أعداء على الإطلاق.. أنا إنسان مسالم.. لم يحدث أن عاديت أحداً على الإطلاق.. كلهم يشهدون لى بذلك.. رؤسائى وزملائى.. أنا متعاون جداً ومملوء بالمودة لكل الناس (ب ..ما يزال يتراقص ويصوب السيف نحو محمود الذى يتراجع مفزوعاً).
محمود: يواصل الكلام.. أنا لا أعاديك إطلاقاً.. كيف أعاديك أو تعادينى وكلانا لم يعرف الآخر بعد ؟!.
)ب(: (يتوقف عن التراقص لكنه ما يزال شاهراً سيفه) – عندما يوجد اثنان فى مكان واحد فلا يمكن أن تكون مشاعرهما محايدة، فهما إما صديقان أو عدوان، ومادمنا قد عجزنا عن أن نكون صديقين فنحن عدوان.. هذا مؤكد، مؤكد.. لا تقل غير هذا ، لا تقل لا يعنينى أمرك، فالمشاعر المحايدة توجد فقط بين شخصين لم ير أحدهما الآخر ولم ينظر أحدهما فى عين الآخر (يمد رأسه محدقاً فى عينى محمود الذى يتراجع مذعوراً).
محمود: كلا يا عزيزى .. لقد حدث سوء تفاهم يسير.. هذا كل ما فى الأمر.. والحقيقة أننى لا أشعر بأى نوع من العداء نحوك. وما دمت لا أشعر بالعداء نحوك.. إذن نحن صديقان، أليس كذلك (يبتسم ابتسامة مصطنعة).. أليس كذلك؟
)ب(: لكنك قلت منذ لحظة واحدة إنك متضايق منى .
محمود: سوء تفاهم يسير.. لقد أخطأت التعبير… كنت أقصد فقط أن الحديث فى أمورى الشخصية .. قد لا يهم حضرتك..
)ب(: (وهو يغمد سيفه) إذن أنت لا تعادينى؟
محمود: (فرحا بنجاته) – إطلااااقاً.
)ب( : إذن فنحن صديقان؟
محمود (بشكل مبالغ فيه) – طبعاً.. طبعاً نحن صديقان حميمان.
وبهذه المناسبة لم نتشرف باسم حضرتك.
)ب(: أنا البرج.. هل سمعت بالبرج؟
محمود: بشكل مبالغ- طبعاً.. طبعاً برج الجزيرة.
)ب( : (يضع يده من جديد على موضع مقبض السيف).
هل تسخر منى؟
محمود: أقصد برج بيزاً.. لا … برج إيفل.. نعم برج إيفل!.
)ب(: (يستل سيفه من جديد).
محمود: لا تغضب … أنا أمزح معك.
)ب(: (يغمد سيفه مرة أخرى) لا بأس بالمزاح بين الأصدقاء، قبلت مزاحك فالمزاح دليل على عمق المودة، ولكن البرج هو اسم الشهرة.. المهندس البرج.. فعندما نزلت إلى دنيا الأعمال والمقاولات ارتفعت أسهمى، بسرعة رهيبة حتى أصبحت فى سنوات قليلة من أصحاب الملايين.. وهكذا أطلقوا على لقب المهندس البرج.
محمود: تستاهل كل خير والله العظيم!
)ب(: (الذى سنعرفه منذ الآن بالبرج) – شكراً يا محمود.
محمود: لكن لو سمحت يا سمو البرج.. أخبرنى ما الذى أتى بك .. لا مؤاخذة إلى محطة أتوبيس؟ لا أظن أن معاليكم قد جئت لتشترى مثلى بعض الزبد والبيض من القرية القريبة من الضاحية!
البرج: كلا … ها … ها…. كلا … يا محمود … أنا كنت فقط أمارس هواية المشى. أمشى يومياً عدة أميال، وهذه إحدى هواياتى الكثيرة… أنا أهوى المبارزة أيضاً (يستل سيفه ويظل يتراقص به مصوباً طعنات وهمية إلى محمود الذى يتراجع خائفاً مرتبكاً).. أهوى الملاكمة (يصوب عدداً من اللكمات السريعة إلى محمود الذى لا يملك إلا المزيد من التراجع).. وأهوى الشطرنج. وعندما كنت طالباً حصلت على بطولة الجامعة فى الشطرنج.. كانوا يلقبوننى بالعبقرى الذى لا يهزم.
محمود: طبعاً.. طبعاً.. إن أمارات العبقرية تطل من عينيك!.
البرج: وكنت أكتب الشعر .. وما أزال.
محمود: يا لرقة إحساسك وكمال أوصافك!
يتخذ هيئة المنشد!
فإنك برج ما عداه خرائب!
البرج: مبتسماً متهللاً – أنت خفيف الظل يا محمود (يربت على كتفه).
محمود: منحنياً – شكراً يا مولاى.
البرج: زدنى مديحا يا محمود.. امتدحنى .. إننى أعلم أن كلامك نفاق، لكن نفسى تستريح إليه.. زدنى يا محمود من هذا النفاق الجميل.. زدنى.
محمود: ليس نفاقاً يا مولاى.. إنها الحقيقة الساطعة.. إنها الكلمات التى تخرج من القلب إلى اللسان حاملة معها كل آيات الحب والعرفان لكى تنال شيئاً من رضاء مولاى البرج الشاهق.. الذى لا يطاوله برج فى الأرض. ولا فى السماء (يشتد به الحماس) ولا برج الشمس ولا برج الجوزاء ولا برج..الــ
البرج: (متأففا) … كفى كفى يا محمود… لا أريد هذا الكلام، هذه خطب إنشائية مملة.
محمود: إذن فليأذن لى مولاى أن أمتدحه بقصيدة شعرية.
البرج: كفى … كفى.. لقد سئمت، لم أعد أريد مديحاً، ولا تخاطبنى بقولك مولاى فأنا لست مولاك.. أرجوك لا تخرجنى عن طورى مرة أخرى.. هل نسيت أن حديثى معك منذ البداية هو حديث صديق لصديق وليس حدث سيد مع عبد ذليل صفيق؟
محمود: (محبطاً يبتلع الإهانة) لا تغضب يا أبا الأبراج، أنا أيضاً من هواياتى التمثيل ، أجل أنا أهوى التمثيل، كنت أمثل معك دور العبد مع السيد.. نتسلى إلى أن يأتى الأتوبيس. أخبرنى يا أبا الأبراج.. ما هى آخر مشروعاتك المعمارية؟
البرج: لم تعد لى مشروعات معمارية.. توقفت تماماً منذ فترة. منذ أن هرب مساعدى وأفشى أسرارى إلى الشركات المنافسة.. فهبطت أسهمى وتوقفت أعمالى.. آه من ذلك الوغد الدنئ! يتركنى وأنا فى مسيس الحاجة إليه، وأنا الذى صنعته من العدم.. أنا الذى انتشلته من الحضيض وصعدت به إلى الأدوار العليا.. كان مجرد مهندس حديث التخرج عندما وقعت عليه عينانى الفاحصتان فأدركت على الفور ما يتسم به من ذكاء وطموح، رأيت فيه صورة مصغرة من عبقريتى،... فأحببته واحتضنته وصعدت به،... لم أكن أكبره من حيث السن إلا بسنوات معدودة، أما من حيث المستوى فقد كنت أعلوه طبعاً بدرجات لا تحصى.
محمود: طبعاً … طبعاً.
البرج: مواصلاً – لم يخطر ببالى قط أنه سوف يغدر بى، كنت أثق فيه كما أثق بنفسى تماماً.. لم تكن ثقة عاطفية ، نعم أؤكد لك أنها لم تكن مجرد مسألة عاطفية… فأنا – وإن كنت شاعراً لست رومانسياً، أنا فى المسائل العملية رجل عملى.. وقد كانت ثقتى به محسوبة مثل نقلة الشطرنج.. كنت أعرف أن وجوده إلى جانبى يجعله يكسب كثيراً جداً وأنا أكسب أكثر، إفهم هذا الكلام – هو يكسب كثيراً جداً وأنا أكسب أكثر .. فإذا تركنى .. إفهم هذا يا محمود – أنا أخسر كثيراً جداً لكنه يخسر أكثر.. كنت أعرف هذا جيداً وكنت أعرف أنه يعرف هذا أيضاً .. كان يعرف أن وجوده مرتبط بوجودى ومع هذا تركنى….
محمود: لعله تقاضى مبلغاً كبيراً من الشركات المنافسة ثمناً لخيانته هذه .
البرج: بالعكس.. لم يتقاض شيئاً على الإطلاق.. كانت المسألة هدما بلا بناء.
هدمنى دون أن يبنى نفسه… أنا خسرت كثيراً جداً وهو لم يربح شيئاً.. ما زالت الشركة الصغيرة التى كونها من ورائى شركة خاسرة،... إيراداتها لا تغطى مصروفاتها، كنت أعرف أن هذه هى النتيجة الطبيعية للخيانة. والغريب أنه هو كان يعرف هذا أيضاً ومع هذا تركنى.
محمود: شئ غريب فعلاً ومحيراً حقاً.. ما هو تفسيرك إذن لهذه الخيانة؟
البرج: (عاقداً ذراعية حول ظهره متمشياً حول محمود) – إنها مسألة نفسية يا صديقى.. البعض لا يحبون الوقوف كثيراً إلى جوار العمالقة حتى لا يبدوا أقزاماً .. والأذكياء لا يحبون مصاحبة من هم أكثر منهم ذكاء وعبقرية حتى لا يشعروا بجوارهم أنهم حمقى وبلهاء.. البعض يفضلون الاستقلال الموهوم حتى لو ضحوا فى سبيله بالمال والروح، بل وبالشرف أيضاً.. أعتقد أن هذا هو التفسير.. ثم هناك مسألة أخرى .. هى خطيبتى التى هربت معه….
محمود: آاااه .. هذا هو السبب إذن ! لقد هرب من أجلها.
البرج: (منتفضاً ويهز محمود كتفيه) – كنت تعرف السبب وتخفيه عنى؟.. أنت تعرف .. أنت تعرف!.
محمود: أنا لا أعرف شيئاً على الإطلاق.. من أين لى أن أعرف؟.
البرج: لكنك قلت أنه هرب من أجلها.
محمود: مرتبكاً – إعقل يا برج… من أين لى أن أعرف؟
أنا فقط أقول ربما هرب من أجلها .. ربما…
البرج: لا … ليس هذا صحيحاً… وإلا فإذا كان هو قد هرب من أجلها .. لماذا هربت هى؟
محمود: من أجله هو طبعا.
البرج: منتفضاً – إذن فأنت تعرف! .. أنت تعرف.. كلهم كانوا يعرفون.. العمال والموظفون والملاحظون والمحاسبون. كلهم كانوا يعرفون القصة من أولها ولم يخبرنى واحد بشئ.. كلهم .. كلهم.. الأوغاد! كانوا يعرفون ومع ذلك كانوا كلهم من مبدأ "أنا مالى يا عم" (يلوح بذراعه مصوراً موقفهم)، وأنت أيضاً .. أنت تعرف!
محمود: كيف أعرف يا سيادة البرج وأنا لم أسمع هذه الحكاية إلا منذ لحظات؟.. أنا فقط أستنتج أن هذا هو السبب. إنها مسألة عادية وتحدث كثيراً ،، كثيراً جداً ما يهرب الرجل من النعيم من أجل امرأة.. وتهرب امرأة من أجل رجل.. ملعون أبوه وأبوها.. ولا يهمك يا سيادة البرج فلا يقع إلا الشاطر.
البرج: نعم.. لا يقع إلا الشاطر.. وقد كانت وقعتى أليمة جداً يا محمود. أنا لست آسفاً عليها ولا حزيناً يا محمود. صدقنى أنا لست آسفا عليها هى، ولكنى آسف على نفسى.. حزين لأننى شعرت لأول مرة بأننى مغفل كبير.. شعرت لأول مرة بأننى ضعيف فى الحساب.. أنا الذى كنت أحسب كل حساباتى وأرقامى من الذاكرة وبدون آلة حاسبة فشلت فى حساب حسبة صغيرة.. حسبة المهندس الصغير الطموح والفتاة الجميلة وهما يقفان إلى جوار البرج العملاق المخيف المسيطر .. أنا الذى كنت أعرف بمجرد النظر خصائص كل تربة وأنواع المعادن الخبيثة فيها دون اختبارات أو أجهزة ، فشلت فى أن أعرف معادن الناس الذين يقفون إلى جانبى.. ترى يا محمود من أى معدن أنت؟. من أى معدن أنت!.. (يحدق فيه فاحصاً).
محمود: (محاولاً تخفيف الجو المتوتر) – أنا من الحديد المطاوع! . رؤسائى فى العمل يقولون لى شغلك حديد.. لكنك مطيع ولهذا فأنا حديد مطاوع.
البرج: ها ها .. أنت خفيف الظل…
محمود: شكراً.
البرج: سوف أعينك يوما ما بشركتى كاتباً أو شيالاً أو بواباً. .. أو أى عمل يتناسب مع مواهبك المحدودة.
محمود: (يبتلع الإهانة ويتظاهر بالسرور) – شكراً يا فندم بارك الله فيك.
البرج: وسوف أمنحك بصفة استثنائية أجراً كبيراً يغنيك عن السفر إلى الضواحى البعيدة لشراء هذه الأشياء.
محمود: شكراً يا أفندم زادك الله من نعيمه…
البرج: اسمع يا محمود بمناسبة هذه السلة.. لماذا تعتقد أن زوجتك قد أرسلتك إلى هذه الضاحية البعيدة.. البعيدة فى هذا الوقت بالذات؟
محمود: (متضايقاً – لأشترى الجبن والبيض والزبد بثمن أقل.
البرج: (مبتسماً ابتسامة ذات مغزى) – هل تعتقد أن هذا هو السبب الوحيد؟
محمود: (متظاهراً بعدم الفهم).
لا يوجد سبب آخر.
البرج: فلنتكلم بصراحة يا محمود.. كأصدقاء..
تذكر أننا سنتكلم كأصدقاء فى هذه المسألة يا محمود.
محمود: (مراوغاً) هل سيادة البرج مهتم جداً بمعرفة أحوالى العائلية؟
البرج: نتسلى يا محمود.. إلى أن يجئ الأتوبيس.
محمود : ألا توجد وسيلة أخرى للتسلية غير هذه الموضوعات؟
البرج: دعنى إذن أعلمك شيئاً من فن المبارزة بالسيف.
إن معى سيفين (يستل سيفين من طيات ملابسه).
محمود: لا … لا … أنا لا أحب هذه اللعبة.
البرج: أنا أيضاً لا أحبها.. أهواها ولكنى لا أحبها.
محمود: لا مؤاخذة يا سيادة البرج.. هذا كلام متناقض.
البرج: أقصد أنها ليست هدفا فى ذاتها.. أهواها ليس لأنى أحبها ولكن لأنى أحب أن أدافع عن نفسى .. أعنى .. أن الحياة لابد أن تجبرنا بين الحين والحين على المبارزة … خذ هذا السيف .. .خذ .. سوف تحتاج إليه يوماً ما.
محمود: لا أعتقد إنى سأحتاج إليه.
البرج: بل سوف تحتاج إليه .. مادمت محتاجاً إلى نفسك.... مثلاً .. فى موقف كهذا الموقف وقد أرسلت بك زوجتك لسبب أو لآخر.. افهم هذا ، لسبب أو لآخر أرسلتك زوجتك إلى ضاحية بعيدة ..بعيدة كهذه الضاحية، .....فجأة يبرز أمامك شخص غريب يحدق فى عينيك (يقترب محدقاً فى عينى محمود) ،وتحدق أنت فى عينيه وتشعر على الفور بعدم الارتياح.. وينمو لديك الشعور بأن ما يربط بينكما ليس هو المودة.. إذن فما يشعر به كل منكما نحو الآخر هو العداوة. ومادام الأمر كذلك فلكى تكون صادقا مع نفسك. لابد أن تبدأ بالهجوم أو على أضعف الإيمان.. لابد أن تتهيأ للدفاع.
محمود: بصراحة أنا لست مقتنعاً بهذا المنطق.
البرج: (غاضبا) ماذا تعنى؟.. هل هو منطق مختل .. أم أنك من الذين يفضلون العيش فى خنوع .. يستجدون الرحمة من الآخرين؟
محمود: لا أقصد.. لكنى أذكر أنك قلت لى إن المسألة مجرد تسلية إلى أن يأتى الأتوبيس .. أنا أفضل وسيلة أخرى.
البرج: حسنا (يغمد السيفين وهو ما يزال غاضباً) سأعلمك الملاكمة (يوجه إليه لكمة قوية فى وجهه فيسقط على الأرض ) يقف إلى جواره وهو يعد واحد .. اثنان.. ثلاثة… أربعة .. خمسة (محمود ما يزال راقداً لا ينهض) يمسكه من ذراعه ويرفعه إلى أعلى صائحاً – انتهت هذه الجولة بالضربة القاضية سنبدأ جولة جديدة تماماً.
محمود: (متهالكاً) لا مؤاخذة يا سيادة البرج – أنا أعرف أنه لا توجد جولات أخرى بعد الضربة القاضية لقد انتهت هذه المباراة… نعم انتهت.
البرج: ضاحكاً – إذن نعود إلى السيف… خذ هذا السيف ولا تخش شيئاً (يمد إليه السيف بينما يظل الأخير متردداً)..
البرج: فى لهجة حاسمة.. خذ ولا تكن جباناً.... قلت لك لن أؤذيك.
محمود: وهو يتناول السيف – ولكن إذا طعنتنى بنفس الطريقة التى لكمتنى بها.. فسوف تكون القاضية حقاً.
البرج: ضاحكاً – لا تخف يا صديقى .. لن أؤذيك، الآن تعلم كيف تمسك المقبض بطريقة سليمة هكذا (يقبض على مقبض سيفه بطريقة معينة فيقلده محمود).
هيا بنا نبدأ (يبدأ فى التراقص فيقلده محمود، فجأة يطيح بسيف محمود فى الهواء مقهقها..... هذا لأنك تمسك المقبض بقوة.. لا تجعل قبضتك محكمة جداً ولا متراخية جداً.. هل تفهم؟ هيا نبدأ من جديد (يبدأ كل منهما فى الاقتراب نحو الآخر، وينجح محمود فى صدً بعض الضربات بين الحين والحين، فجأة يتعرض محمود لوخزة صغيرة فيصرخ متوجعاً… فى حين يهتف البرج مقهقها : هذه أول نقطة.. بعد فترة يدب التعب إلى محمود وتتلاحق أنفاسه)…
محمود: لقد تعبت وتقطعت أنفاسى.. هل تأذن لى يا سيادة البرج أن أستريح قليلاً؟
البرج: ها … ها… لياقتك منخفضة .. أذنت لك .. استرح قليلاً يا محمود.
محمود: (يجلس متهالكاً إلى جوار السلة ينظر إليها ثم إلى ساعته ثم يتطلع إلى بعيد يقول فى أنفاسه المتقطعة) – تعبت جداً … جداً….
البرج: لياقتك منخفضة. لابد أن تؤدى التمرينات الرياضية كل صباح.
محمود: سأفعل … إن شاء الله … سأفعل..
البرج: انهض يا محمود وهيا نواصل التسلية.
محمود: … أما ما أزال متعباً.. نتسلى بأى شئ آخر.
نتجاذب أطراف الحديث.
البرج: ولكنك تتهرب من الإجابة على أسئلتى يا محمود.
محمود: كلا … كلا .. لن أتهرب . أسأل ما شئت.
نحن أصدقاء.. نحن أصدقاء (ينظر إلى ساعته ثم إلى السلة ثم يتطلع إلى بعيد)…
البرج: (عاقداً ذراعيه وراء ظهره وهو ما يزال ممسكاً السيف يتمشى .. قليلاً.. يخاطب محمود وهو مدير ظهره إليه).
لا بأس بأن نتجاذب الحديث. يا محمود هل تستمتع كثيراً بمضاجعة زوجتك؟
محمود: يهب منتفضاً وغاضباً – الحقيقة … الحقيقة.. (يغريه الوضع الذى يقف فيه البرج فينقض عليه بالسيف محاولاً طعنه من الخلف، البرج يقفز فجأة فيتفادى الطعنة، ويستدير إلى محمود)…
البرج: آه… لقد صدق ظنى أيها الغادر الغبى ! هل تصورت أنى كنت غافلاً عنك؟ لقد كنت أعلم حقيقة مشاعرك طيلة الوقت.. أعلم ما تكنه لى من الكراهية، لكننى آثرت أن أختبرك اختباراً قاطعاً قبل أن أجهز عليك.
محمود: هلعاً – كلا يا أبا الأبراج لم أكن أقصد قتلك..
أنا كنت أواصل التمرين.
البرج: كاذب .. والآن دافع عن نفسك.. المسألة الآن جد لا مزاح.
محمود: أتوسل إليك… إن لى زوجة وأطفالاً.. الرحمة.
البرج: ها .. ها .. تخاف على زوجتك وأطفالك.. اقتلنى إذن إن استطعت فهذه هى الوسيلة الوحيدة لكى تعود إليهم… (يتقدم إليه بينما يتراجع) .. لن أجهز عليك مرة واحدة سألهو بك كما يلهو القط بالفأر (يهجم عليه بينما يقوم محمود بصد الطعنات وقد زاده الرعب تمسكاً بالحياة) (ينتهز البرج فرصة تراجع محمود فيمسك بالسلة).. هذه غنائم . إنها، من حقى … صحيح أنها غنائم تافهة لكنها تشعرنى بمقدمات النصر، أما الانتصار الحقيقى فهو حين أوجه إليك الطعنة القاتلة (يسمع فى هذه اللحظة صوت الأتوبيس قادماً من بعيد).
محمود: فرحا – الأتوبيس .. عندما يقف على المحطة سأقفز إليه وأطلب منهم أن يقبضوا عليك.. الأفضل أن تنصرف يا برج وتتركنى وشأنى، ...وسوف أتركك وشأنك.. انصرف يا برج فهذا أحسن لك…
(البرج لا يعبأ به وينقض عليه) بينما يتمكن هو من صد الطعنات..
يقترب صوت الأتوبيس من المحطة ثم يبتعد من جديد.
البرج: ساخراً – هل رأيت … لقد هرب الأتوبيس .. عندما رأى شخصين يتبارزان... آثر السلامة .. إنه أتوبيس من مبدأ (وأنا مالى .. يا عم … ها … ها).
محمود: هناك دورة أخرى .. سيأتى الأتوبيس الأخير مزدحماً كعادته، وسوف ينزل أشخاص كثيرون على هذه المحطة .. وسوف يحضر إليها بعد قليل أشخاص كثيرون أيضاً .. ليدركوا الموعد الأخير.. سوف يشاهدونك ويقبضون عليك.
البرج: (ساخراً) فى وجود هذا السيف؟
محمود: من المؤكد أن بعضهم معه مسدسات .. انصرف … هذا أحسن لك.
البرج: هل أنت واثق من أنك سوف تستطيع الصمود إلى أن يحدث شئ من هذا .. بافتراض أن شيئاً من هذا سيحدث..
محمود: انصرف ودعنى ... هذا أحسن لك.
البرج: وأنت .. دافع عن نفسك هذا أحسن لك (يهجم عليه).
(يستدل الستار بينما ما تزال تسمع صلصلة السيوف).



#نصارعبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشحاذ-مسرحية شعرية نثرية من فصل واحد
- موعظة أخرى على جبال هذا الزمان
- النجل والنجلان
- أنا أرى .. إذن أنا..
- الناس والكلاب
- يافرحتنا بوزراءإعلامنا
- قانون بقاء الجرح
- حكاية المادة 77
- مستقبلنا موز
- المنافقون
- الركسوتالجى!
- محاكمة صدام حسين
- المصريون ينتحرون
- والله زمان ياحنا
- حدث فى القرن الخامس عشر الهجرى
- وقائع تعديل دستور جمهورية متغوريا


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصارعبدالله - المبارزة