|
قصة قصيرة / الوزير و الحلم
عبد المجيد طعام
الحوار المتمدن-العدد: 5241 - 2016 / 8 / 1 - 02:03
المحور:
الادب والفن
استنفرت كل أعوانها و مساعديها ،كانت حريصة على أن تكون زيارة الوزير للمركز مثمرة،استقدمت أمهات الأطفال المعاقين عبر الحافلات من أحيائهم العشوائية المنسية و حرصت على أن تقول لهن بصوت صارم :" يجب أن تشَرّفوا الجمعية...عليكن بتنظيف المركز ...لا تتركوا ركنا دون تلميعه..سيادة الوزير سيقوم بزيارة خاصة .. سيأمر حتما بصرف إعانة مهمة لتسيير المركز ..أما أنتن..سأمنح لكل واحدة منكن خبزتين و علبة سردين مصبَّر ... " لَلاَّ الحاجَّة امرأة صارمة، في الخمسين من عمرها حذقت حرفة التسول بالمعاقين ، راكَمت ثروة عقّارية هائلة ، استطاعت أن تنسج علاقات مصلحة مع أحزاب وجمعيات و مسؤولين محليين ، لم يعد يخيفها أحد و لا يضايقها رجل ..هي السلطة الأولى و الأخيرة .. اكتسبت مناعة قوية بعد انتمائها إلى حزب ولد و في فمه ملعقة من ذهب....حينما حازت رتبة مناضلة حزبية قررت أن تخوض تجربة الانتخابات فحَشرَت كلَّ أولياء المعاقين و غير المعاقين من الأحياء الشعبية المنسية، وزعت عليهم سكرا و زيتا و نالت مقعدا بمجلس المدينة فزادت حصانتها متانة و لم تعد تزعجها رياح التغيير. مع اقتراب موعد الزيارة تغيرت ملامح لَلاَّ الحاجَّة و بدت شاحبة و زادها هاجس الظفر بالإعانة الوزارية شحوبا و توترا لأن حاجتها إلى السيولة المالية أصبحت أكثر من ملحّة ..ابنتها المتواجدة بأوكرانيا تطالبها بمصاريف إضافية لإتمام دراستها...زوجها يريد تغيير السيارة...وهي تكدُّ من أجل إقامة عرس كبير لابنتها البكر لكنها كانت تواسي نفسها وتقول:" كل هذا يهون ...المهم يجب أن تنجح الزيارة و أحصل على الإعانة ...يا رب يسر لي أمري.." أكثرت من الصلاة والصوم والدعاء و ضيقت الخناق على مساعديها و بدا لها أن النسوة قمن بعمل جيد فهنأتهن و قدَّمت لكل واحدة منهن خبزتين و علبة سردين مُصبَّر ..ضجَّ المركز بالزغاريد و الصلاة على النبي العدنان ...حمدن الله على نعمته و انصرفن و الفرحة تبرق من عيونهنَّ و ليطمئن قلبها تنقلت لَلاَّ الحاجَّة عبر كل أقسام المركز فهي لم تتعود أن تترك أيَّ أمر للصدفة .. تقف دوما على أدقّ التفاصيل و أثناء جولتها عرجت على قسم البنات لتتفقد تدريباتهن على ترديد نشيد الترحيب فقالت لمراد :" أريد أن أسمع الصغيرات و هن ينشدن النشيد " . لم يتردد مراد و بحركة تشبه حركة مايسترو السمفونيات أعطى لهن أشارة الانطلاق:" مرحبا مرحبا يا بابانا الحنون على أيديك تعلمنا كل الفنون مرحبا مرحبا بالنور الساطع مرحبا بك يا وزيرنا اللاّمع .." شعرت لَلاَّ الحاجَّة بالارتياح و هنأت مراد و الصغيرات و وعدتهن بخبزة و قطعة شوكولاته ثم توجهت إلى قسم الذكور حيث يسهر شعبان على تدريبهم للقيام بحركات لم يفهموها و ألعاب لم تثر فضولهم فقالت له بنبرة فيها الكثير من الغضب:" عليك أن تتدبر أمرك يا شعبان .. يجب أن يظهروا سعداء أمام الوزير..يجب أن تعلو وجوههم ابتسامات عريضة..لا أريد أيّ حرج أمام سعادة الوزير ...أفهمتَ... ؟؟؟ " سال عرق بارد من جبهة شعبان ، حاول أن يطمئنها لكنها تغافلت ركوعه و لم تسمح له بتقبيل يدها،و بحركة فيها الكثير من العنف اتجهت نحو الأطفال المعاقين و قالت لهم :" هل تحبون الجبن ؟؟..سأعطي لكل واحد منكم خبزة و قطعة جبن ...لكن يجب أن تتعلموا كيف تبتسمون في وجه بَابَانا الوزير.." حان يوم الحسم ، لم تذق لَلاَّ الحاجَّة طعم النوم، في الصباح أحست بمغص في بطنها انزوت في ركن من غرفتها قرأت شيئا من القرآن و رفعت كفيها إلى السماء و قالت بصوت مرتفع :" اللهم يسر و لا تعسر .." لبست قفطانا مغربيا مخزنيا ، وضعت على وجهها ماكياجا فضح أنوثتها المغرية كما رشت أجزاء من جسدها بعطر مُستفزَ يعبر عن استعدادها للذّهاب بعيدا مع السيد الوزير. أمام بوابة المركز و تحت شمس حارقة احتشد المعاقون و أولياؤهم و اصطفت الفرق الفلكلورية الشعبية و بعد طول انتظار ظهرت أخيرا الطلائع الأولى للموكب الوزاري..توقفت سيارة الوزير أمام الباب نزل و علامات تخمة الأكل و القيلولة بادية على بطنه و عينيه استقبلته طفلة معاقة متعبة بباقة ورد جميل و انطلقت باقي الفتيات في ترديد نشيد الترحيب ... بدأت الجولة الرسمية عبر أقسام و أركان المركز و ابتسامة الرضا بادية على وجه السيد الوزير، كان يدقق النظر في الأركان و الوجوه إلى أن لفت انتباهه طفل معاق و قد تاه بعينيه في الفضاء ، اقترب منه مرَّر يده أمام عينيه لكن الطفل ظل تائها في الفراغ فقال له الوزير :" هل أنت معنا ياحبيبي .. ؟" استفاق الطفل من غفوته ورد عليه :" أنا في حلم سعيد.." فعاجله الوزير و قال له :" و بماذا تحلم يا حبيبي .. ؟" قال الطفل :" أحلم بكل أصدقائي يأكلون خبزا و جبنا لأنهم تعلموا كيف يبتسمون في وجهك...و لم يعد الجوع يؤلم بطونهم الصغيرة..." انتهت 29/07/ 2016
#عبد_المجيد_طعام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة/ صلاة مع الجماعة
-
قصة قصيرة / أنا بحاجة إلى هواء نقي
-
أريدك في الأرض ...قبل السماء....
-
هو أم هي .. ؟؟؟
-
فتوى امرأة / خمس قصص قصيرة جدا
-
القرار و مزبلة النسيان…
-
قصة قصيرة / دمغة أهل الجنة
-
قصة قصيرة / الناعس سيدي الغالي
-
قصة قصيرة / الخيانة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|