كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1403 - 2005 / 12 / 18 - 11:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما يفقد الإنسان الوعي والثقافة والإحساس بإنسانيته كإنسان وقيمته الحضارية وقيمه, وعندما يفقد منطق الكلام والحوار ويعجز عن مقارعة الحجة بالحجة, يتحول إلى حيوان شرس مفترس ومدمر لا يعرف غير منطق القوة والقتل والتخريب وحرق الكتب والمكاتب وما تصل إليه يديه. وعلى امتداد تاريخ العراق الطويل شهد المجتمع الكثير من حالات مماثلة ولقوى مختلفة وفي فترات مختلفة. ولم تكن هذه الفترات زاهية, بل كانت قاتمة ومرعبة للشعب العراقي, إنها فترات كثيرة كان أمرها فترة حكم الحجاج بن يوسف الثقافي وزياد بن أبيه والسفاح واستباحة بغداد من قبل جيوش هولاكو المغولي, وفي فترات الحكم العثماني, كذلك في فترة نظام الدكتاتور الأهوج صدام حسين.
إن جماعات البلطجة والقتل السائبة في العراق لا تمارس مهنة الحرق والقتل والتخريب لصالحها, فهي في الغالب الأعم جماعات من المرتزقة الجهلة والبؤساء فكراً وروحاً المستعدة إلى بيع روحها وعقلها وضميرها وتنفيذ تلك الأفعال الدنيئة بأبخس الأثمان ومن أجل إشباع بطونها الخاوية ونفسها الدنيئة. فهذه الجماعات لم تجد من عمل تقوم به سوى العيش على الهامش والاستعداد للمشاركة بتدمير الحياة المدنية وقتل الآخرين.
إن هذه الأعمال لا تمارس بصورة عفوية وارتجالية وفي ساعة غضب أو جنون, بل إنها تنفذ وفق قرارات صادرة عن جماعات لها نفوذها وهيئات لها دورها السياسي الراهن وأيديولوجيتها ذات الوجهة العنفية والعدوانية. وعلى عاتق الجميع تقع مسؤولية مواجهة هذه الجماعات ومن يحركها ويوجهها وينعم عليها بالمال الحرام وفضحها بلا رحمة ولا تردد, لأنها تساهم في تسميم الحياة السياسية العراقية وتمنع الآخر من التعبير عن وجهة نظره وممارسة حقه في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد اختار المجرمون موقعين مهمين في العراق, مدينة الثورة حيث تعتبر أحد المراكز الأساسية لكادحي العراق الذين نزحوا من الجنوب بشكل خاص إلى بغداد, وكانت موقعاً متقدماً من مواقع الحزب الشيوعي العراقي, والتي ساهم النظام السابق بسحق تنظيمات الحزب فيها وجعلها مرتعاً للقوى الأخرى غير الحضارية, وقوى غيبية لا تعرف غير القتل والتدمير ولا تختلف عن طبيعة قوى صدام حسين خشية عودة الحزب إلى هذه الموقع واستعادة مكانته في صفوف الكادحين الذين يسعى للدفاع عنهم. أما الموقع الثاني الذي اختاروه فهو الناصرية, هذه المدينة الجنوبية التي كانت مركزاً متقدماً في النضال ضد الإقطاع وجلاوزة الإقطاعيين, وهي المدينة التي برز فيها يوسف سلمان يوسف وبنى أولى الخلايا الحزبية للشيوعيين العراقيين في أوائل الثلاثينيات وشاركت مع خلايا الحزب في بغداد والبصرة بتشكيل جمعية محاربة الاستعمار والاستثمار, ثم الحزب الشيوعي العراقي في عام 1934. إن الناصرية ليست موقعاً متقدماً للحزب الشيوعي العراقي والفكر التقدمي فحسب, بل هي موقعاً للنضال من أجل إقامة عراق اتحادي ديمقراطي مدني وعلماني. إن القوى التي مارست الاعتدائين كانت تعرف لماذا تقوم بذلك وكانت تريد في هذين الموقعين تقديم نموذج لنشاطها اللاحق ضد الحريات الديمقراطية والحقوق الأساسية للإنسان.
لقد تعرض مقر الحزب الشيوعي في الناصرية إلى اعتداء أثم وحرق للمكتب وأثاثه وما فيه, وقبل ذاك كان مقر الحزب الشيوعي في مدينة الثورة ببغداد قد تعرض إلى اعتداء أثم آخر راح ضحيته أثنين من رفاق الحزب الشيوعي العراقي.
وإذ شجبت الكثير من القوى السياسية العراقية هذه الأفعال الإجرامية الخسيسة, سكتت قوى أخرى عن ذلك, وأيدته جماعات أخرى بحجة أن ما جرى يعبر عن كون الشعب لا يريد هؤلاء الناس في هذه المدينة, كما ورد في جريدة الحوزة التي تصدرها جماعة مقتدى الصدر.
إن المقاومة التي أبداها الشيوعيون في الناصرية تستحق الثناء. ولكن لا يمكن أن يكتفي الإنسان بالثناء على تلك المقاومة التي انتهت بتدمير المقر وعجز الشيوعيين عن الدفاع عن مقرهم لأنهم قلة, ولأن المقاومة لمثل هذه الأفعال يمكن أن تؤدي إلى استشهاد بعض الشيوعيين. تجنب المهاجمون القتل هذه المرة بسبب الضجة التي تسببوا بها بعد قتلهم الشيوعيين في مدينة الثورة ببغداد, ولكنهم ربما لن يتورعوا في المرة القادمة عن ممارسة القتل الذي اعتادوا عليه ومارسوه في أكثر من مكان في العراق. إن هؤلاء المجرمين يشاركون قوى الإرهاب الصدامية وجماعة الزرقاوي وأنصار الإسلام في إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والتجاوز على القانون والدستور في هذا العمل. ولكن لم تبادر الحكومة إلى شجب هذا الفعل الجبان, ولم يبادر رئيس الحكومة الإعلان عن أسفه لما حصل لمقر الحزب الشيوعي في الثورة ببغداد ولا في الناصرية, هذا الحزب الذي كان قد تحالف معه حزبه, حزب الدعوة, قبل سقوط النظام ولفترة غير قصيرة, ولم يقدم الالتزام بتعقب القضاء الفاعلين. فماذا يعني ذلك؟
أنا أعرف, وهو يعرف, وغيرنا يعرف من المسؤول عن ذلك, فالناس في العراق تعلموا قراء المكتوب والممسوح في آن, فلم لا يبادر رئيس الوزراء إلى تشكيل لجنة تحقيقية للكشف عن الذين مارسوا ذلك, وهم أفراد من الشرطة وجيش المهدي وجماعات إسلامية أخرى, إضافة إلى بعثيين شيعة التحقوا بالجماعات الدينية ليمارسوا الفوضى وإثارة المشكلات والصراعات في البلاد. أنبه إلى احتمال قادم, أتمنى أن لا يحصل, وأعني به أن هناك من يخطط لعمليات قتل أناس وحرق مقرات أحزاب أخرى وإثارة الصراع بين قوى الإسلام السياسي ذاتها. وهم من ذات الجماعات التي قامت بقتل الشيوعيين أو قتل أفراد من قائمة العراقية الوطنية.
إني وفي الوقت الذي أقدم الدعم لرفاق الحزب الشيوعي العراقي في الناصرية وأشجب الاعتداء الآثم على مقرهم, أطالب الحكومة العراقية الراهنة في أن لا تتخلى عن مسؤوليتها في حفظ الأمن والدفاع عن حرية الإنسان والأحزاب ومقراتها, كما أطالب بتشكيل لجنة للتحقيق في هذا الاعتداء والاعتداء الآخر الذي تعرض له مقر الحزب الشيوعي في مدينة الثورة والكشف عن القتلة المجرمين ومشعلي الحريق في مقر الحزب في الناصرية. إن السكوت عن هذه الجريمة يمكن أن يجر إلى ارتكاب جرائم أخرى والتشجيع عليها, أننا أمام ظاهرة يمكن أن تكون أول الغيث قطر ثم ينهمر المطر على رؤوس الجميع! فهل سنسمح بمثل هذه الحالة أن تسود العراق في وقت يدعي السيد رئيس الوزراء أنه يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
إن الحكومة العراقية هي المسؤولة عن كشف الحقيقة وإن سكتت فلا بد أن نرفع أصبع الاتهام بوجهها حتى تضع يدها على المجرمين القتلة!
كاظم حبيب 17/12/2005
***********************************
ماذا وراء الكراهية ضد اليهود في تصريحات رئيس جمهورية إيران الإسلامية!
توقعت حال انتخاب أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية أن يرتكب هذا الرجل حماقات كبيرة تلحق الضرر بالعالمين العربي والإسلامي وتتسبب في خلق مشكلات إضافية في منطقة الشرق الأوسط. وقد عبرت عن ذلك بأكثر من مقال. فتصريحات الرئيس الإيراني الجديد نارية ومبتذلة في آن واحد, وهي تكشف عن ثلاث حقائق جوهرية في سياسة القوى الأكثر محافظة وعدوانية في إيران, وأعني بها:
1. عودة إيران ثانية لتبني سياسات الخميني الخارجية, بما في ذلك تصدير "الثورة الإسلامية الإيرانية" من خلال تنشيط المماثلين لهم في الدول العربية والإسلامية الأخرى. ويبدو هذا واضحاً في سياستهم في العراق وفي تشجيع هيمنة قوى الإسلام السياسي الشيعية على السلطة في العراق وعلى المجتمع وأجهزة الحكم في جنوب العراق بشكل خاص وممارسة نفس النهج غير المدني في البلاد. وستكون إيران مصدر قلق وعدم استقرار في الشرق الأوسط. ويمكن أن نتابع بوضوح تدخلها في لبنان وعلاقاتها الواضحة بحماس في فلسطين, وخاصة مع السيد خالد مشعل وتنسيقها غير السليم مع سوريا في الموقف إزاء العراق ولبنان.
2. سعي إيران الدؤوب لامتلاك السلاح النووي بعكس ما تدعيه بأنها تسعى إلى استخدام الذرة للأغراض السلمية. ولا يمكن أن ينفصل هذا التوجه عن سياستها التوسعية في الثورة الإيرانية وفي فرض دورها على المنطقة, خاصة وأن لها خلافات ومشكلات غير قليلة مع الدول العربية ومنها قضية الجزر العربية الثلاث المحتلة منذ زمن شاه إيران المخلوع, واتفاقية الجزائر 1975 مع العراق حول شط العرب وما إلى ذلك.
3. محاولة التغطية الفعلية على مشاكلها الداخلية, وخاصة اتساع حجم البطالة والفقر المتفاقم في مناطق كثيرة من إيران واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وأجهزة الدولة الثيوقراطية, وكذلك موقف القوميات الأخرى في إيران من القومية الفارسية المهيمنة على الحياة, وسياسة النظام التي ترفض الاستجابة لحقوق الشعوب الإيرانية, ومنها الشعب الكردي الذي يناضل منذ عقود من أجل حقوقه القومية العادلة والمشروعة.
وأخيراً تصاعدت منذ فترة قصيرة نبرة شديدة الحدة في خطب أحمدي نجاد موجهة ضد إسرائيل, ولكنها موجهة في الوقت نفسه ضد اليهود في جميع أنحاء العالم, وهي تهدف إلى كسب ثلاثة أطراف:
· الشعوب الإيرانية المسلمة التي تثيرها سياسات إسرائيل في القدس وفلسطين والجولان ومزارع شبعة؛
· شعوب الدول العربية التي تعاني من مشكلات غير قليلة مع إسرائيل؛
· وشعوب الدول الإسلامية التي يزداد فيها قبول التوجهات المتطرفة لأسباب كثيرة
وإذا كان هذا الخطاب الإيراني المتطرف الموجه إلى جماهير المسلمين في كل مكان, فأن موجه بشكل خاص إلى قوى إسلامية سياسية متطرفة بعينها تسعى إيران إلى تعبئتها لأغراضها الخاصة على صعيدي المنطقة والعالم. إنها محاولة جادة لإلهاء الرأي العام الداخلي والعربي والدولي بقضايا تستوجب المعالجة الهادئة والجادة وغير المتوترة, في حين تسعى إيران إلى توتير تلك الأجواء ودفع الأمور إلى طريق مسدود يقود إلى عواقب وخيمة.
وأمس الأول صرح رئيس جمهورية إيران أنه لا يصدق محرقة اليهود الشهيرة التي مارسها النظام النازي الهتلري في ألمانيا وفي تلك الدول الأوروبية التي خضعت لهيمنة قوات الاحتلال الألمانية. وهذا التصريح البائس هو الذي أثار ويثير بحق غضب الشعوب والحكومات الأوروبية ويجلب المزيد من المشكلات للمنطقة والعالم. وهو تحريض ضد يهود العالم وتعميق الحقد والكراهية بين الشعوب. فمحرقة اليهود في ألمانيا وفي غيرها ليست كذبة يهودية أو صهيونية, فهي حقيقة واقعة مارسها الفاشستيون في أوروبا واستناداً إلى نظرية عنصرية مقيتة ومعاداة فعلية للسامية. وهي قضية لا تمت بصلة لسياسات وممارسات الحكومة الإسرائيلية في الراضي الفلسطينية والعربية المحتلة, إذ أنها مرفوضة ومدانة في آن واحد.
تؤكد المعطيات الدولية ومعاهد الأبحاث الألمانية المستقلة إلى أن النظام الهتلري الذي اعتمد النظرية العنصرية في نهجه الإيديولوجي والسياسي قد تسبب وبصيغ مختلفة بموت ما يقرب من 6 ملايين يهودي في أوروبا. والأرقام التالية توضح جزءاً مهما من عدد الضحايا اليهود حينذاك:
· العهد الهتلري في ألمانيا 165000
· النمسا 65000
· فرنسا 32000
· بلجيكا 32000
· هولندا 102000
· إيطاليا 7600
· لوكسمبورغ 1200
· اليونان 60000
· يوغسلافيا 55000
· تشيكوسلوفاكيا 143000
· بلغاريا 11000
· ألبانيا 600
· النرويج 735
· الدانمرك 50
· هنغاريا 502000
· رومانيا 211000
· بولونيا 2700000
· الاتحاد السوفييتي 2100000
((Benz, Wolfgang, Hgr. Legenden Lügen Vorurteiele. Dtv. 6: Aulage. Berlin. 1964. S. 112.
إن هذه الأرقام وغيرها ليست من صنع خيال اليهود, بل هي من واقع الحياة في أوروبا في العهد النازي الفاشي. وليس من حقنا أن ننكر هذه الجرائم البشعة التي ارتكبت ضد اليهود والتي يقر بها الأوروبيون أنفسهم ويشجبونها وييدينون الذين نفوذها والفكر الذي يقف وراءها, في ما عدا الجماعات الفاشية الجديدة المستعدة إلى ارتكاب جرائم مماثلة إن تسنى لها العودة للسلطة. بل علينا إدانتها لأنها ضد كانت جرائم ضد الجنس البشري, وهي لا تختلف تماماً عن تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت ضد الأرمن في تركيا وكان حصيلتها أكثر من مليون قتيل في عام 1915, كما علينا أن ندين تلك الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام صدام حسين في حلب?ة وفي مجازر الأنفال في كردستان العراق وراح ضحية جرائمه في كردستان العراق ما يزيد على ربع مليون إنسان, عدا حروبه الخارجية ودموية نظامه إزاء قوى المعارضة العربية وغير العربية.
إن الرئيس الإيراني الجديد لا يثبت كونه محافظاً إسلامياً متشدداً فحسب, بل وعنصرياً يغوص في مستنقع الحقد والكراهية على اليهود وربما على العرب أيضاً لأنهم ساميون.
إن السياسة التي يمارسها هذا الرجل ستقود إلى كوارث في إيران والدول المجاورة التي نأمل أن يتدراكها الشعب الإيراني ويتخلص منها ومنه ويأتي برجل أكثر عقلانية منها إلى دست الحكم.
إن التصريحات التي أدلى بها أحمدي نجاد حول التخلص من إسرائيل وقذفها في البحر والطلب من ألمانيا أو النمسا إقامة دولة لليهود هناك تثير عواطف جمهرة من العرب وخاصة في فلسطين وتدفع بهم لانتهاج سياسة غير عقلانية تتناقض مع الحل الذي يناضل من أجله الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية, كما تعيق الحل السلمي المنشود للقضية الفلسطينية والانسحاب من مرتفعات الجولان ومزارع شبعة, وتصب في التيار المتشدد والمتطرف في فلسطين. إن تصريحات أحمدي نجاد تثير مشاعر الكراهية في أوروبا ضد السياسة الإيرانية وتسهم في دعم اليمين المتطرف والقوى العنصرية في إسرائيل. إنها تصريحات يريد بها تحريك الشارعين الإيراني والعراقي بالاتجاهات التي كان يحركها صدام حسين في العراق ليغطي على مشكلاته الداخلية. وهو في ذلك لا يختلف عن الشعار الذي رُفع في زمن الراحل الخميني القائل "إن طريق الوصول إلى القدس يمر عبر كربلاء" ليحشد الناس خلف سياسته في الحرب العراقية الإيرانية.
إن تشديد السياسة الإيرانية على اقتناء التقنيات النووية وإنتاج السلاح النووي لا تنفصل عن تصريحات أحمدي نجاد الأخيرة التي تجسد التشابك بين التعصب الديني والمذهبي من جهة, والأيديولوجية القومية العنصرية من جهة ثانية, والطريقة الشعبية المبتذلة في إثارة مشاعر الناس من جهة ثالثة, والتي تشكل مجتمعة خطراً كبيراً على منطقة الشرق الأوسط والأمن والسلام ومعالجة المشكلات بالطرق السلمية, وهي التي تستوجب منا النضال لمنع مرورها, كما تستوجب منا مطالبة الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل للقبول بمبدأ "الأرض مقابل السلام" والانسحاب الفوري من الأراضي العربية المحتلة.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟