طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 5238 - 2016 / 7 / 30 - 05:31
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الغرض من هذا المقال هو توضيح أنه بتطور الرأسمالية من المراحل المبكرة من التصنيع على نطاق صغير الى المرحلة الحالية من هيمنة الرأسمال المالي، فان سلبها للثروات في مرحلة الاستعمار والامبريالية في وقت مبكر/الفتوحات الاستعمارية في الخارج قد توسع الى نهب في يومنا هذا ليشمل جميع أنحاء العالم، سواء في الداخل (الدول الامبريالية) أو في الخارج. على وجه التحديد، يهدف المقال إلى فضح الطبيعة الطبقية للإمبريالية والغير مرتبطة بالاوطان/أو الجغرافيا، ويشير إلى ان خاصية الرأسمالية القاضية دائما بتحقيق الربح هي جذر الاقتصاد التقشفي العالمي اليوم. ان هذا التطور المشؤوم يسلب الشعوب ليس فقط القدرة في الدفاع عن نفسها ضد عدو الخارج, الامبريالية, ولكن ذلك يجعل أيضا الأغلبية الساحقة من الناس في الداخل يعانون من طاعون اجتماعي واقتصادي الذي يمكن أن يطلق عليه "الامبريالية الجديدة"، أو "امبريالية نهب الثروات".
الامبريالية الجديدة في يومنا هذا تختلف عن الامبريالية الكلاسيكية -القديمة في ما لا يقل عن أربعة طرق رئيسية.
أولا، خلافا للنمط القديم من الفتوحات الاستعمارية/ الإمبريالية والنهب، والتي غالبا ما كانت مربحة جدا, فان الحروب والعمليات العسكرية في ظل الإمبريالية الجديدة غير مجدية من حيث التكلفة لأسباب اقتصادية بحتة. جلبت العمليات العسكرية في الخارج سابقا في العادة منافع اقتصادية ليس فقط للطبقات الامبريالية الحاكمة وأثرياء الحرب، ولكن أيضا لمواطنيها من خلال "ترشح" مردودات الحرب المالية الى الطبقات الادنى اقتصاديا. فكما ساعدت الارباح الاقتصادية الإمبريالية في تطوير اقتصادياتها، فإنها ساعدت أيضا في تحسين الظروف المعيشية لشعوبها ورفع مستويات المعيشة لمواطنيها.
هذا النمط من المكاسب الاقتصادية الناتج عن العمليات العسكرية الامبريالية يبدو أنه قد تغير إلى حد ما في سياق الحروب الإمبريالية الأخيرة اللولايات المتحدة. فلو وضعنا موضوعة الأخلاق جانبا، فالحملات العسكرية الامريكية في الوقت الأخير ليست مبررة حتى على أس س اقتصادية. في الواقع، أصبح تصاعد المغامرات العسكرية الامريكية والاعتداأت امر غير فعال اكثر من أي وقت مضى وإسرافا غير مبررا من حيث الكلفة، ومرهقا للأغلبية الساحقة من مواطني الدولة الامبريالية.
ان ما يحرك السياسات الأمريكية الأخيرة وعدوانها العسكري على نحو متزايد ليس هو الرغبة في توسيع ثروة الدولة الإمبريالية، كما فعلت القوى الإمبريالية / الاستعمارية في الماضي، ولكن الهدف هو الرغبة في الاستيلاء على حصة الأسد من الموارد المتاحة ( أو الضرائب) لمصلحة مجمّعها العسكري الصناعي الأمني الاستخباراتي. هذا النمط من النهب العالمي أو المعمّم يمكن دعوته ب"الإمبريالية المزدوجة", لأنها ليست تستغل وتنهب فقط الدول التي تم غزوها او احتلالها, ولكنها تفعل هذا أيضا مع الأغلبية الساحقة من مواطنيها.
ثانيا، المستفيدون من الحرب والاعتداءات العسكرية فى ظل الامبريالية الجديدة يميلون إلى ابتكار منهجية (أو تصنيع، إذا لزم الأمر) "التهديدات الخارجية الموجهة للأمن الوطني" لتبرير استمرار التوسع في الإنفاق العسكري. كان توسيع الإنفاق العسكري خلال حقبة الحرب الباردة ليس عملا صعب التبرير بسبب "الخطر الشيوعي!". ولكن تبرير زيادة الإنفاق العسكري في فترة ما بعد الحرب الباردة يتطلب من المجمّع العسكري الصناعي الأمني الاستخباراتي أن يكون أكثر إبداعا في تلفيق "مصادر جديدة للخطر على مصالح الولايات المتحدة." وهذه الحاجة الدائمة لخلق نزاعات دولية / أو أعداء خارجيين هو ما يجعل، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة, الإمبريالية الجديدة أكثر خطورة من القوى الامبريالية في الاوقات الماضية.
ان تحيق الارباح عن طريق الحروب هو، بطبيعة الحال، ليس امرا جديدا. وليس جديدا ايضا هو ميول البيروقراطية في صفوف التسلسلات الهرمية العسكرية لبناء الإمبراطوريات العسكرية الاستعراضية الطفيلية. في حد ذاتها، هذه الخصائص ليست هي ما يجعل المُجّمع العسكري الصناعي الأمني المخابراتي الامريكي أكثر خطورة من القوى العسكرية في الماضي. ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو الجزء "الصناعي" في المجمّع: أي الى اي مدى اصبحت الحروب عملا تجاريا مربحا. فعلى النقيض من صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة الذي كثيرا ما كانت تملكه وتديره الحكومات الإمبريالية سابقا، اصبحت صناعة الأسلحة الآن تُدارعن طريق الشركات الخاصة التي يحفزها الربح. ونتيجة لذلك، كقاعدة عامة، فقد كان إنتاج الأسلحة سابقا هو من قبل متطلبات الحرب، وليس لتصريف الاسلحة في الاسواق أو تحقيق الأرباح لصانعي الاسلحة. وبقدر ما يتعلق الأمر بصناعة الأسلحة، فان التحريض على خوض الصراعات الدولية، أو اختراع قوى عدائية خارجية "التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي," كمنظمة داعش على سبيل المثال، هو عمل مُربح من شأنه أن يزيد من مردودات صانعي الاسلحة من خلال توسيع الأسواق ومبيعاتهم في الخارج وحصتهم من الميزانية الوطنية في الداخل.
و لهذا عواقب وخيمة على السلام والاستقرار في العالم. في ظل حكم الإمبريالية العسكرية سابقا, كان يمكن للشعوب أو الدول المغلوبة العيش في سلام, سلام مفروض بطبيعة الحال، إذا كانت الشعوب "تحترم" المصالح الجيوسياسية الشائنة والاحتياجات الاقتصادية لهذه القوى الاستعمارية وتتقبل ببساطة طموحاتها السياسية والاقتصادية. والحال مختلف مع إمبريالية المجمْع الصناعي العسكري ألأمني الاستخباراتي الأمريكي: "أرباح الحرب" هي لمصالح هذه الإمبريالية, والسلام، المفروض أو خلافه, يعني أن المستفيدين من أرباح الحرب سيواجهون صعوبات في توسيع بيع الأسلحة في الخارج أو تبرير حصولهم على حصة كبيرة ومفرطة من أموال دافعي الضرائب الوطنية في الداخل.
وهذا يعني أن، خلافا للنموذج الإمبريالي السابق، مجرد تصور التهديدات الخارجية ليس كافيا لتراكم ثروات الإمبريالية العسكرية الصناعية الأمنية المخابراتية الامريكية. ولذا يكون مطلوبا خلق حالات إطلاق النار او حروب يفضل أن يكون ممكنا التحكم فيها أو السيطرة عليها على المستوى المحلي, ليس فقط لتوسيع الامبريالية ولكن، في الواقع، من أجل ابقاء هذه الإمبريالية على قيد الحياة. صناعات الأسلحة تحتاج حروبا ليس فقط لسحب مخزوناتها من الأسلحة، وإفساح المجال لمزيد من الإنتاج، ولكن أيضا لعرض "عجائب" ما ينتجونه: "الصدمة والرعب" هي من خصائص منتجاتها، أو "والعمليات الجراحية الدقيقة الموجهة بالليزر", والأسلحة الذكية . وكل هذا مهم في عهد مخصصات قليلة ومتنازع عليها في الميزانية، ومنتجو الأسلحة يحتاجون "استعراض الكفاءة" لإثبات أنهم لا يضيّعون أموال دافعي الضرائب. وهذه المناورات تعزز حجج السياسيين العسكريين ضد أولئك (القلة) الذين يقاومون الاعتمادات العسكرية الضخمة. للأسف، غالبا ما يتم قياس الحافز لصناعة عسكرية لإثبات كفاءتها، وإن لم يكن ذلك امرا معترفا به، هو الموت والدمار الفعلي أو المحتمل الذي تسببه هذه الاسلحة.
ثالثا، كما اشرت اعلاه، أصبح النهب الإمبريالي على نحو متزايد أكثر انتشارا، تعميما, أو عالميةً: أنه لا يشمل فقط شعوب بلاد اخرى، كما فعلت القوى الإمبريالية/الاستعمارية القديمة، ولكن أيضا الأغلبية الساحقة من المواطنين في الداخل. وتٌستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات الحديثة نسبيا الآن لتحقيق نزع ملكية الجماهير لصالح النخب البلوتوقراطية, ويشمل هذا الخصخصة وتسليع الملكية العام والبنى التحتية العامة والخدمات العامة (مثل الرعاية الصحية والتعليم)؛ وكذلك السياسات المالية الليبرالية الجديدة التي تميل إلى خفض الالتزامات الضريبية للقلة عن طريق خفض الإنفاق الاجتماعي. ويستخدم ايضا التلاعب ب, أو استغلال, الأزمات المالية لإنقاذ البنوك وبيوت المال من الافلاس بحجة اهميتها الفائقة للاقتصاد الوطني؛ و(ربما هو الأهم) اعتماد سياسات مالية تستفيد منها، أولا وقبل كل شيء، البنوك الكبرى وغيرها من الجهات المالية العظمى التي يمكن أن تنافس صغار المقترضين الذين يجب عليهم الاقتراض بمعدلات أعلى بكثير من معدلات تقرب من الصفر للمقترضين اصحاب البنوك الكبرى.
رابعا، ان نهب الإمبريالية القديمة كان يعتمد اساسا على وسائل متنوعة أو موسعة من القوة العسكرية الهائلة. اما اليوم فيتم اللجوء لمجموعة وسائل حديثة نسبيا لتغيير الانظمة ونهب الشعوب. وتشمل هذه الوسائل الجديدة النهب في جميع أنحاء العالم عن طريق ادوات "السلطة الناعمة" مثل ثورات "الديمقراطية", الانقلابات والحروب الأهلية المُصنعة او المُدبرة و/ أو عقوبات اقتصادية وما شابه ذلك. والاهم لربما هو ممارسة هذه السلطة الناعمة من خلال مؤسسات مالية وفكرية كبيرة مثل منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد الدولي، والبنوك المركزية، ووكالات التصنيف الائتماني مثل موديز وستاندرد آند بورز ومجموعة فيتش.
-----------------
مصادر ذات صلة
1- I. Hossein-zade - The Political Economy of U.S. Militarism
https://www.amazon.com/Political-Economy-U-S-Militarism/dp/0230602282
2- David Harvey, The New Imperialism
https://www.amazon.com/Imperialism-Clarendon-Lectures-Geography-Environmental/dp/0199278083
3- The Rise of the New Global Elite
http://www.theatlantic.com/magazine/archive/2011/01/the-rise-of-the-new-global-elite/308343/
4- تسبيب النيوليبرالية للعنف واستفحاله مستقبلا
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=519813
5- ولادة نظام جديد في الولايات المتحدة وتحولها الى بلوتوقراطية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=460868
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟