أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم














المزيد.....

تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5229 - 2016 / 7 / 20 - 10:35
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


ى السابعة من عمرى تجمعت العائلة، قيدونى وكمموا فمي، وبالمشرط بتروا عضوا من جسدي، لم أعرف ما هو، كان الألم أكبر من قدرتى على المعرفة، ثم سقط الألم من ذاكرتى مع الزمن، لتطفو المعرفة بعد عشرين عاما على سطح الوعي، قمة جبل جليدى مخبوء مملوء بالألم والحزن والعار، تصورت أننى السبب فى كل هذا، وبدأت تعفير جبينى فى الأرض تكفيرا عن الذنب، طلبت العفو والغفران وكان الاثم مجهولا، راح الذنب وبقى الألم مدفونا، ثم دخلت كلية الطب، ورأيت الموت بحدقة عيني، سمعت صراخ الأطفال بأذني، وبدأ الحزن يطل من تحت الجبل، والألم ينزف من جديد، أعادت رائحة الدم ذاكرتى للوراء عشرين عاما، طفلة ذبحوها ضحية العيد، وهم يغنون ويرقصون، وبدأت طبقات الجهل والعار تتساقط بالتدريج، بعد أن تراكمت فى اللاوعى آلاف السنين. مفكرتى الطفولية السرية كنت أخبئها تحت مرتبة السرير، أكتب فيها أسرار العائلة الدفينة، نسيت أمى أحزانها وهى طفلة، ونسى أبى جرح ختانه بموس الحلاق، يحفر الكبار جروحهم فى أجساد أطفالهم دون وعي، وقررت العائلة أن أكون طبيبة، أكسب المال والجاه مثل عميد الكلية، لكنى كرهت الأطباء منذ الطفولة، فأمسكت القلم وفتحت جروحا مليئة بالوجع لا يفتحها المشرط، وأصبحت أنا سبب الوجع، عفروا رأسى فى التراب، ودخل اسمى قوائم الموت لكن الكتابة تتغلب على الموت، يحفر القلم فى العقول ثقبا ينفذ إليه الضوء، تنكسر طبقات الجهل الجمعي، يسقط العار والحزن والألم ليصبح كرامة وبهجة وفخرا، تتحول تجربة شخصية مكبوتة فى النفس، إلى قضية عامة تغير العالم.

وفى يومنا هذا، يعلن طبيب مصرى عضو بالبرلمان، أن ختان النساء يحافظ على الأخلاق، لكننا لم ندرس الأخلاق فى كلية الطب، حفظنا الخمسة عين «عيادة. عربية. عمارة. عزبة. عروسة»، أستاذنا الكبير، ترك الممرضة حاملا وتزوج ابنة العميد، جمع المليارات من دم المرضى الفقراء ثم أصبح رئيسا لحزب الأخلاق. وفى هذه الأيام أيضا، نرى النساء قائدات لأكبر الدول، نساء لم يتعرضن لعملية الختان، يحتفظن فى أجسادهن بالعضو المفسد للأخلاق، مع ذلك نرى أنهن أكثر عفة من أزواجهن، وأكثر استقامة من نساء مختونات، وهل تنبع الأخلاق المستقيمة من بتر الأعضاء؟

المخ أو العقل هو العضو الأول المهيمن على الرغبات والشهوات، قد يؤدى الختان إلى اشعال الشهوة وليس اخمادها، وفى عيادتى الطبية كشفت عن حالات البرود الجنسى مع الالتهاب العاطفي، ونساء مختونات كثيرات لا يشغلهن إلا شبق جنسى لا يرتوي. قلة من النساء والرجال، تخلصوا بعقلهم الخلاق، من آلام الطفولة، ومما تعلموه فى المدارس والجامعات من ازدواجية الأخلاق والنفاق، لا نجد اسماءهم ضمن الحاصلين على جوائز الدولة، يعيشون المنفى, واسماؤهم تدفن وهم احياء، لا ننتج طعامنا ونعيش على الاستيراد، نسعى للمعونات من الأصدقاء والأعداء، يصبح الصديق عدوا والعدو صديقا فى يوم وليلة دون أن ندري، تتغير المباديء والأخلاق مع تغير الاقتصاد، تقوم السياسة على اخفاء الحقيقة، يسمونها الرأسمالية الشرسة أو الليبرالية الجديدة، ولها خطة أو استراتيجية ملخصها الآتي: الحديث المتزايد عن الأخلاق للتغطية على تزايد الفقر والاستغلال، والحديث عن حماية الدين من الازدراء بدلا من فرض الضرائب على الأثرياء، وخفض الضرائب على ناهبى الأموال والأراضى تحت شعار تشجيع الاستثمار، بيع القطاع العام والخدمات والمرافق لتعظيم أرباح الكبار فى السلطة والقطاع الخاص، ضرب التنظيمات الشعبية، العمال والشباب والنساء، تحت اسم الحفاظ على هيبة الدولة، زيادة القمع للفكر الحر والمرأة تحت اسم حماية الدين والأخلاق. لم نعد نرى الترابط بين تصاعد الفقر والشراسة الاقتصادية، وتصاعد الشراسة الأخلاقية عن الختان والحجاب، لم نتعلم كيف نربط بين الجسد والعقل، والاقتصاد والجنس، والعلم والفن، والواقع والخيال، والخاص والعام، تعلمنا الفصل بين حياتنا الخاصة والعامة، ونفعل فى الخفاء ما يخلجنا فى العلن، ولاشيء مثل الكتابة عن تجاربنا الشخصية لكشف الحقيقة وعلاج المرض.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولم تسقط طائرة لندن
- ذكريات عن تعدد الزوجات
- ذكريات مع توفيق الحكيم
- أتكون الطفلة ملحدة؟
- فاطمة الميرنيسى
- كتابك غير حياتى
- امرأة تكتب مصيرها بيدها
- وتظل النخبة المختارة تصفق
- لا يكفى أن تكون امرأة
- مشروع جديد لإصلاح الأخلاق
- حوار لا أنساه بين أمى وأبى
- المنسيون فى التاريخ الرسمى للثورات
- القلاع الأبوية. الرأسمالية تتهاوى
- أتكون هى أنبل النساء؟
- الجبلاوى ونجيب محفوظ والنساء
- حوار بعد منتصف الليل
- منذ بداية اللامساواة والخطيئة الأولى
- ساندرا الحبيسة وقدسية الجسد؟
- معارك تحرير النساء اللا نهائية
- النقاب ورجم الشيطان


المزيد.....




- -مبوظ الدنيا كلها-.. داعية مصري ينتقد -الشيخ غوغل- بسبب فتوى ...
- احتجاج لسيدات برازيليات أمام الكونغرس ضد مشروع قانون يقيّد ح ...
- -المرأة اللطيفة-.. ماذا تخبرنا أصوات تطبيقات الذكاء الاصطناع ...
- ملك المغرب يوجه المجلس العلمي للإفتاء بتعديلات مدونة الأسرة ...
- غضب بعد استبعاد النساء الأفغانيات من محادثات دولية مع طالبان ...
- فرنسا.. إحالة حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين إلى محاكمة جن ...
- المغرب: مطالبات بقانون يضمن الحق باللجوء إلى الإجهاض الآمن! ...
- شروط منحة المرأة الماكثة في المنزل بالجزائر 2024 وطريقة القب ...
- تحذير أممي من إنعدام الأمن الغذائي للنساء في قطاع غزة
- عداد جرائم قتل النساء والفتيات بين 21 و 28 حزيران/يونيو


المزيد.....

- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم