أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير الخويلدي - المنطق الجديد عند فرنسيس بيكون















المزيد.....

المنطق الجديد عند فرنسيس بيكون


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 5224 - 2016 / 7 / 15 - 03:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


" لكي أوضح ما اعنيه وأقربه إلى الأفهام بإعطائه اسما، فقد رأيت أن أسمي أحدهما استباق العقل والآخر تفسير الطبيعة"1 .
لقد انقسم العالم مع حلول عصر النهضة على أوروبا إلى عدة أجزاء وانفصل الإنسان جذريا عن الطبيعة وأثبت تفوقه على الكائنات الحية بالفكر واللغة واختفى نموذج الإنسان الذي يحمل في ذاته صورة عن العالم. لقد حمل لنا القرن السابع عشر نبأ تفجر الثورة العلمية مع غاليلي وديكارت ونتج تطور في الأفكار والنظريات وصارت معرفة الطبيعة تقوم على الملاحظة والقيس mesure وليس على التأمل كما كان عند الإغريق والجدل الفكري بالاعتماد على أدوات اللغة.
بيد أن مساهمة فرنسيس بيكون )1561-1626) في التنظير للمنهج التجريبي وجعل العلم الفيزيائي تجريبيا هو أمر لا يمكن إنكاره في تاريخ العلوم وأهم من ديكارت لكونه أول من نقد العلم الأرسطي وأسس نظرية العلم التجريبي.
يعتبر بيكون الابن الطبيعي للملكة إليزابات ومن ساهم في شهرة الكاتب المسرحي الانجليزي شكسبير ولقد تقلد على توماس مور عدة مناصب في الدولة قبل أن يتم طرده من الحياة العمومية بالنظر إلى أن الفلاسفة ليس لهم حظ في السياسة ولكنه دافع على نفسه وسجل اسمه في تاريخ العلوم كواحد من العظماء.
لكي يتمكن المرء من التأثير على الطبيعة والاستفادة منها وتسخيرها والتحكم في ظواهرها وقواها يكون من الملائم حسب بيكون أن يلم المرء بمعرفتها ويدرك خفاياها ويفسر عناصرها ويحدد قوانينها ويكشف عن شبكة علاقاتها. فالإنسان حلم بالطيران في السماء من محاكاة الطيور ولكنه لم يتمكن من الارتفاع في الجو إلا بعد أن قام باستخلاص قوانين الميكانيكا ومقارنته بين مسار حركة الأجسام في الأرض وشروط حركتها في الفضاء.
ربما التمفصل بين العلم والتقنية والعلاقة الجدلية بينهما هي جعل من الغرب قوة في العالم بعد الخروج من فترة الإحياء وعصر النهضة وخوض تجارب التحديث والثورات العلمية الكبرى والدخول في عصر التنوير. في حين أن أدى الفصل التاريخي بين النظرية والتجربة العملية لدي الإغريق إلى تعطيل أي تأثير ناجع في الوسط الطبيعي وعطل تقدم العلوم. كما تجد العلوم طريقها إلى التطبيق في الآلات ويسمح ذلك بحدوث اكتشافات جديدة. بناء على ذلك تشكل الاختراعات العلمية والابتكارات التقنية علاقات جدلية بحيث أن كل اختراع يرتكز على اختراعات سابقة.
يفرق فرنسيس بيكون بين ثلاث طرق يشتغل وفقها الفكر العلمي بصفة عامة هي العنكبوت والنمل والنحل ويعتبر عمل النحل متفوقا من الناحية المنهجية على عملي النمل والعنكبوت ويبرر ذلك بتأكيده أن طريقة العنكبوت في العمل هي طريقة دغمائية تستخلص كل شيء من العمق الخاص بها ، أما طريقة النملة فتميل إلى التجريبية بما أنها ترضى بتكديس ما تعثر عليه هنا وهناك . غير أن طريقة النحلة هي الطريقة العليا والأكثر نجاعة بما أنها تصنع العسل من الأشياء التي تجدها في الطبيعة وتقوم بتأليف بارع للطريقتين.
كما يقسم العلوم حسب ملكة المعرفة إلى ثلاثة مجموعات:
- الفلسفة وهي علم العقل الذي يضم الرياضيات التطبيقية والفيزياء
- التاريخ وهو علم الذاكرة
- الشعر وهو علم الخيال
لقد ظلت عبارة فلسفة الطبيعة تعني الفيزياء وقد أكد ذلك فيما بعد نيوتن في كتابه "مبادئ رياضية لفلسفة الطبيعة" ولكن بيكون كان له السبق في أشار إلى أن العلوم ماهي سوى صور متعددة عن الحقيقة بما أن حقيقة الوجود وحقيقة المعرفة يمثلان نفس الشيء ولا يختلفان سوى في اختلاف الشعاع المباشر والشعاع المنعكس. يصرح في هذا السياق: " ينبغي أن تتبع الكتبُ العلومَ ولا أن تتبع العلومُ الكتبَ".
بعد ذلك يحرص بيكون على اصطياد الأوهام وتنقية الوقائع ، اذ يرى أن نظرية المعرفة تتضمن بالضرورة بعدا نقديا وبالتالي لا يمكن الإقرار بوجود مذهب حول الحقيقة دون مذهب حول الخطأ. بناء على ذلك يسمى بيكون أوهاما أو أشباحا كل الأخطاء التي يقع على الفكر البشري وينبغي عليها ان تفاديها إذا ما أراد بلوغ المعرفة الحقيقية. بهذا المعنى يفرق بين أربع أنواع من الأوهام حسب مصدرها:
- أوهام القبيلة: الأحكام المسبقة التي يتقاسمها المرء مع المجموعة التي ينتمي إليها.
- أوهام الكهف: عالم المظاهر والضلال الذي تشكل منزلة الفرد وطبيعته الخاصة.
- أوهام الفضاء العمومي: الأخطاء الناتجة عن عجز اللغة وحدودها في التعبير.
- أوهام المسرح: أضغاث الأحلام والتأويلات الخاطئة التي ت النفوذ.
في هذا السياق يصرح بيكون:" لاشيء أكثر اتساعا من الأشياء الفارغة".
غير أن القنص يفيد معنيين عند بيكون : الأول هو اصطياد الأوهام قصد التخلص منها، والثاني هو قنص الوقائع قصد الإمساك بها وأخذها وتناولها والاستفادة منها وبالتالي يكون القنص هو النشاط والفاعلية التي تقوم على تجميع وتكديس الوقائع عن طريق الملاحظة. فكيف أدى ذلك إلى تشكل منطق جديد؟
لقد أطلق بيكون على الكتاب الكبير الذي ضم مشروعا جديدا تسمية الأورغانون الجديد وكلمة أورغانون تعود إلى المنطق الأرسطي والذي كان يفيد الآلة أو الأداة وبالتالي حافظ على اعتبار المنطق آلة تفكير.
لقد سعى بيكون في هذا الكتاب إلى تجاوز المنطق الأرسطي وذلك باعتماد الاستقراء بدل الاستنباط.
لقد استخدم أرسطو الاستنتاج كثيرا في منطقه ويتمثل في استخلاص نتيجة معينة من عبارات أولية بالاعتماد على الاستدلال وجعل من القياس نمط استنتاجي يتكون من مقدمة كبرى ومقدمة صغرى ونتيجة.
لا يساعد الاستنباط من وجهة نظر بيكون على تقدم العلوم طالما أنه يقتصر على أخذ فكرة ثانية من فكرة أولى تتضمنه القضية العامة التي تعلنها المقدمة الكبرى. انه لا يعمل على الإبداع بالمعنى الفعلي للكلمة.
على خلاف ذلك يمثل الاستقراء نوعا من الاستدلال الذي يوسع المعرفة ويساعد على تقدم العلوم وذلك حينما ينطلق من عدد من الوقائع الملاحظة الجزئية ويقوم بمقارنتها وتبويبها ويستخلص منها قضية عامة.
إذا كان الاستنباط يمر من العام إلى الجزئي فإن الاستقراء هو تعميم عقلاني ولا يخضع للصدفة والاتفاق.
لقد تحدث أرسطو بكل تأكيد عن الاستقراء ولكن كان ذلك ضمن القياس المنطقي ومنحه مجرد معنى تشميلي وجعله وسيلة لتلخيص المجموع المعطى من المعلومات. أما بيكون فقد أبقى الاستقراء إمكانية مفتوحة على معرفة المزيد من الوقائع وأداة تحريضية مهمتها التدعيم والتعزيز في قدرات أثناء تكيف العقل مع الطبيعة. لقد ترتب عن هذا التجديد المنهجي رهانا عمليا تمثل في تأليف بيكون لرواية خيالية عنونها بالأطلنتيك الجديد وتحدث فيها عن جزيرة مثالية ومعزولة عن بقية العالم الفاسد ويحكمها العلماء ومنظمة وفق مبادئ المعرفة الجديدة واحتاجت إلى معلومات نافعة حول جميع الأشياء تستخلص من دراسة استقرائية للطبيعة.

المرجع:
1- فرانسيس بيكون، الأورجانون الجديد، إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة، ترجمة عادل مصطفى، دار رؤية، القاهرة، مصر، طبعة 2013. ص13.

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما شرط إمكان قيام علم الطبيعة ؟
- التعقيد والتكامل بين النظام والفوضى عند أدغار موران
- نظام الكون وماهية الكائن بين أفلاطون وأرسطو
- قواعد التعلم الأربعون
- إعادة النظر في أنماط البناء عند ممارسة الحكم
- المنهج الفلسفي من الظن إلى اليقين
- ومضات مضطرمة من تاريخ الفنومينولوجيا
- إنبناء مطاع صفدي للمغيوب زمن القطيعة الكارثية
- مشروطية الحكم على فضيلة الحذر
- منطق المقدس في العقلانية الدينية
- مفارقات المعرفة الفلسفية
- دور النقابات في زمن الاضطراب
- الخيال الإبداعي والمخيال الاجتماعي
- فلسفة الأمر ومنطق السلطة عند ناصيف نصار
- حينما ينقذنا الفن من الرداءة
- من حد التأويل إلى مفهوم الهرمينوطيقا
- في سبيل أنسنة المسألة النسوية
- خيارات التغلب على أشكال اللاّمساواة
- ممكنات التدخل الفلسفي في الحاضر
- استخدام الفيزياء الرياضية في السياسية الحديثة


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير الخويلدي - المنطق الجديد عند فرنسيس بيكون