فؤاد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 1400 - 2005 / 12 / 15 - 11:00
المحور:
مقابلات و حوارات
- كانون اول 2005
س1/ من المقرر اجراء الانتخابات في 15 كانون الثاني 2005 في عموم العراق للمجلس الوطني العراقي, بصورة عامة ماذا ترى انه من الضروري ان تقول وتعطي توضيحاً حول هذه الانتخابات؟
فؤاد رشيد: بدايةً, اود ان اقول ان هذه ليست الانتخابات الاولى بعد اسقاط النظام الدكتاتوري البعثي, بل انها وبمعزل عن الانتخابات الاولى جرت وراءها استفتاء في العراق. ولذلك يمكن ان تكون الكثير من جوانب هذا الموضوع معروفة بصورة فعلية ومعلومة للناس وبحكم تجربتهم قد فهموا الكثير من حقائق وجوانب هذه الانواع من الانتخابات, بقيت بعض المواضيع للحديث والتي تؤدي الى فهم اكثر لمسألة الانتخابات هذه واتخاذ الموقف ازاءها.
في الحقيقة اول موضوع ومع الاسف هو ان الانتخابات كعملية ممارسة ارادة الناس ومشاركتهم في العملية السياسية وبناء الادارة وادارة المجتمع توشك ان تصبح وسيلة لاضفاء الشرعية على البرنامج (اللاشرعي) الذي اوتي به من خارج العراق وتم وضعه في امريكا، هذا البرنامج الذي لم يوضع على اساس مصالح الشعب العراقي ولا يصلح حتى لمصالح (الشعب الامريكي) وانه يحقق بالكامل المصالح السياسية والاقتصادية لطبقة رأسمالية حاكمة في امريكا وبموجبه تنال بعض القوى في العراق التي تساند امريكا حصة صغيرة كزكاة لها ومكافأة لدورها في تنفيذ بنودها.
للاسف, فان اجراء الانتخابات وفي الوقت الذي كان من المقرر ومن الواجب ان يعطي للعراقيين نسيم الحرية بعد سقوط اعتى نظام ضد الممارسة الانتخابية والحرية، لكننا نرى اليوم ان مشاكل قوة عظمى كأمريكا مع دول اخرى في العالم (فرنسا, المانيا, سوريا, كوريا..الخ) والمسائل الاخرى التي هم يقصدونه تلقي بظلالها على الحياة السياسية هنا في العراق.
وبذلك فَهُم يحولون الانتخابات اخيرا الى عملية توشك ان لاتعني شيئا سوى تذليل ارادة الملايين من الشعب العراقي. ولذلك فان اية انتخابات في ظل سلطة كهذه لاتلبي طموحات الشعب بأي شكل من الاشكال.
نحن وفي الوقت الذي نتحدث عن الاحتلال الامريكي للعراق ونعارض الوجود العسكري الامريكي, نعلن ان نظرتنا لـ(الاحتلال) ليس بمنأى عن النظرة الكلاسيكية ولا تمت بصلة ايضاً بوجهة نظر القوى الرجعية والسلفية التي تدعي بانها "قوى مقاومة".
نحن نرحب بأية قوة وأينما جاءت لكي (يحتل) البعث وسلطته ويحرر الشعب العراقي اعتمادا على ارادته, ولكن ما نراه اليوم في الواقع هو تماما عكس ذلك, فالعملية برمتها هي احتلال ارادة الشعب و احياء نوع آخر من البعثية بلباس مذهبي وطائفي. وافضل مثال, هي مانراه من اعتداءات على الحريات الفردية وبخاصة في وسط وجنوب العراق الشيء الذي لم يتمكن البعث طوال حياته من ممارسته, حيث ان البعث وبكل رجعيته وتطاوله على الحريات لم يتمكن من تخطي تلك الحدود.
لذلك فان العراق هو بالفعل محتل وليس حرا, ومن هنا فان الانتخابات هي ايضا محتلة, وما اصرار امريكا على اجراء الانتخابات والاستفتاء على الدستور في مواعيدها المحددة وبأي ثمن الا برهاناً على ان الانتخابات القادمة ماهي الا استكمالا للحلقات الاخرى من السيناريو باخراج امريكي، هذا من جهة.. ومن جهة اخرى اذا ماعدنا الى القوى المشاركة في الانتخابات وغظينا الطرف عن امريكا والاحتلال, او اذا ما افترضنا ان العراق ليس محتلا وانه لايوجد حزب او قوة تعمل على تنفيذ السياسات الامريكية, أو اذا ماعرّفنا تلك القوى بالاستقلالية, فانه يتعين علينا في النهاية ان نمعن النظر في طبيعة القوى المشاركة في الانتخابات, ونتسال ببساطة هل ان هذه القوى وفي الوقت الذي تدعي بانها تحترم صوت وارادة الشعب العراقي، الى أي مدى ينطبق اقوالهم على افعالهم, وماذا قدمت للشعب العراقي طوال فترة سلطتها وهيمنتها في المناطق التي تتواجد فيها وتمارس سياستها اما كسلطة حاكمة او كقوى معارضة؟
1/ مايتعلق بالقوى الكردية:-
احزاب (القائمة الكردستانية) المتواجدين في اقليم كردستان ويمارسون السلطة فيه, اعتقد ان 15 سنة من حكمهم يكفي لاية شخص يريد ان يُقَيِم سياستهم واعمالهم ويصدر احكاما عليها.
هذه القوى تَدَعي ان مطالب الشعب الكردي وحمايته من التيار الشوفيني العربي اساس فلسفة وجودها ونشأتها, في الحقيقة بات معلوما للجميع بان التخلي عن حق تقرير المصير للشعب الكردي في العراق والتصفيق لـ(عمرو موسى) الذي يطالب بكل صراحة بعودة البعثيين (قاتلي الكرد) تحت تسمية المصالحة ويتحدث عن عروبة العراق, هذا والتخلي عن الكثير من الحقوق الطبيعية والقانونية لشعب كردستان (بدعوى ليس امامنا خيار ولانستطيع ان نفعل أكثر من ذلك).., هذا والكثير من المواضيع الاخرى يثبت بأن هذه القوى منشغلين بشكل كامل باقتطاع السلطة ونيل القسط الاكبر من الكعكة وليست بجماهير الشعب الكردستاني, واي ادعاء لحل المسألة الكردية من قبلهم اذا لم تفنده ما ذكرناه فان اسلوبهم في ادارة اقليم كردستان وتنظيم حياة الناس وطبيعة السلطة التي يفرضونها خير دليل على أنهم لايستطيعون تدبير حياة ومعيشة الناس في حدوده الدنيا. و الاعتراضات والاحتجاجات الشعبية بوجه الحكام و مجمل مظاهر اللاعدالة وغياب الحقوق ليس فقط لاتحتاج الى اثبات وانما هي على درجة يقر بها المسؤولين بصورة غير مباشرة او بمختلف الاشكال الاخرى.
اليوم وبعد خمسة عشر عاما من الحكم الكردي, هنالك الكثير من المشاكل كالماء والكهرباء والاسكان والمعيشة بصورة عامة وانعدام الحقوق السياسية والفردية للناس, كل هذه اصبحت من السمات البارزة للمجتمع ولولا المعارضة القوية لمناصري التقدم والمدنية من شعب كردستان, كان الحكام يتصرفون بمبالاة اكثر في هذه المجالات وفي ادارة المجتمع بشكل عام, ومن جانب اخر نرى هذه القوى وبدلا من مداواة جراح شعب كردستان نراهم يوميا وباسم كورد و(الكوردايةتي) يثيرون الاحاسيس القومية والحزازات القومية و يقومون بتحريك المشاعر العرقية باتجاه قد ينجم عنه في نهاية المطاف الاقتتال القومي والضغينة القومية بدلا من التعايش السلمي للقوميات, وبخاصة في مدينة كركوك والمناطق التي يعيش فيها الكرد والعرب والتركمان. ومن جهة اخرى نرى بان تلك القوى في الجانب (الدبلوماسي!) بدأت لحماية سلطتها ونفوذها بالتراجع عن مطالبة حقوق الشعب الكردي وتوقع على التنازلات التي هي في مصلحة التيار الشوفيني العربي والاسلامي ولاتنسجم مع الحقوق المشروعة لشعب كردستان.
2/ القوى الاسلامية الشيعية:-
هؤلاء هي القوى السياسية الحاملة للافكار والمعتقدات الدينية وهم الذين ينظرون الى كل المشاكل والامور الحياتية للناس من زاوية دينية وسلفية ويريدون قولبة الحياة بموجبها.
هذه القوى بصرف النظر عن القوى الدينية التي هي في السلطة (وتشكل الاغلبية) او القوى التي هي في موقع المعارضة (وهي تشكل اقلية) او خارج السلطة نرى بانها ورغم اختلافاتها الداخلية , هي في النهاية لاتختلف في الامور المتعلقة بحياة المجتمع، وان وجود القوى التقدمية والاجتماعية للناس هي التي تضع الحدود لتطاولها وغطرستها وتفرض عليها ان تتلون بالوان مختلفة. ويلاحظ عن هذه القوى دفاعهم الشديد و(استعجالهم الدائمي) في امور الانتخابات, وحول هذا فان الناس في معظم مدن العراق وخاصة في جنوب العراق قد جربوا بشكل جيد سلطة وقوانين هؤلاء, بالرغم من انهم وبحكم حداثة المتغيرات السياسية عقب سقوط النظام لم يكشفوا بعد وبشكل تام مدى تطرفهم وسياساتهم السلفية.
هذه القوى لاتستطيع ان تكون ابطالا في عملية انتخابات حقيقية فحسب بل انها عائق من جملة العوائق الجدية التي تعترض سبيل ممارسة الانتخابات والحريات السياسية.
اذن السؤال هو اذا كان هذه القوى وفي الوقت الذي ينتهكون ابسط الحريات في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وتقضي على المرأة بنوع من الفناء والعدمية (وهي نصف المجتمع) وتكفر وتجرم السمات الحضارية وتفعل ماتفعل حالياً في جنوب العراق، فكيف اذن تستطيع ان تقر بشكل رسمي بان للمواطنين حرية الاختيار والرفض؟
ان الاحتجاج على سلطة هذه القوى تتعمق وتتجذر بشكل يومي وبخاصة تتصاعد تذمر النساء في جنوب العراق ضد هذه القوى وتظهر للعلن في احايين كثيرة.
ولذلك فهي اكثر اصرارا من امريكا لاجراء الانتخابات في موعدها, وهي تخاف بالفعل بان الاحتجاجات الشعبية تصل الى درجة تهديد وجودها السياسي وتقضي عليها بالزوال وان لاتحصل على ماحصلت عليها من حصتها في السلطة السياسية في الظروف الاستثنائية السابقة.
في الحقيقة ان هذه القوى وبعيدا عن عدم اعترافها الرسمي بأي حق فردي ومدني مهما كان نوعه للمواطنين, فانها تتدخل في نوعية الملابس وابسط الامور الشخصية. ومن الناحية الاقتصادية لاتمتلك أي برنامج او خطة لانقاذ العراق والعراقيين من الازمات الاقتصاية وتحسين معيشة الناس واكثر من هذا فانها اصحاب ميلليشيات مسلحة وبقوة سلاحها الديمقراطي !! تقمع المواطنين وتكتم صوتهم.
نعم وبالاضافة الى كل ذلك فان هذه القوى لاتخفي تعاطفها ومساندتها لنظام الجمهورية الاسلامية في ايران بل وتعلنها صراحة, والكثير من سياساتها تأتي استجابة لسياسات هذا البلد وصراعات وازمات ومشاكل حكام ايران مع خصومها, وهذا على حساب الشعب العراقي الكادح, الشعب الذي لايجني من هذه الصراعات واللعبة السياسية الا الضرر والسوء.
3/ القوى المسماة بـ(السنية):-
هؤلاء وبالرغم من انها مقسمة عامة على عدة تنظيمات وهيئات مختلفة وكلها تتذرع بـ(المقاومة) وتدعي بانها تبغي خروج القوى الامريكية من العراق (معظمهم من القوى الاسلامية السنية) لكن في الحقيقة وكما يبينه المراقبون والناس عامة في هذا المجال بأن هذه القوى تريد العودة الى الماضي بشكل من الاشكال.
هذه القوى وبالرغم من كثرة عددهم (اقصد عدد التنظيمات الصغيرة التي تحتويهم, وليس عدد الناس المجتمعين حولهم) يعتاشون على ذخائر فلول البعث السابق والاسلاميين الجدد ويحصلون على دعم متعدد ومصادر مادية وسياسية عربية خارج العراق.
هذه الاطراف التي تسعى الى اظهار قوتها عبر ممارسة العنف العلني او السري، قد تسببوا، بزعم مقاومة المحتل، في جعل الكثير من المدن مثل الموصل وديالى و تكريت والرمادي والفلوجة وحديثة والقائم و...الخ ساحات دامية ومدمرة مع القوات الامريكية والحكومة العراقية.
هذه القوى، رغم انها معروفة بالقوى السنية إلا انها تعتبر نفسها ممثلة لـ(جميع العراقيين)، وماتمارسه من العنف والمجازر وماتكبدته من هزائم عسكرية متكررة وهجماتها على الشوارع و تطاولها على حياة الناس و... قد برهن بصورة تامة بانها لاتمثل قوة اجتماعية ولاتستطيع تمثيل جبهة اجتماعية. واليوم وفي الوقت الذي يجري الحديث عن الانتخابات, وهذه القوى تشارك فيها, فان ماضيها البعيد والقريب تثبت بانها لاتمت بصلة بابسط الحقوق الديمقراطية والحرية.
ان القوة تبدي عن استعدادها لتفجير الناخبين وصناديق الاقتراع على السواء, فمن الواضح بان مشاركتها في الانتخابات ايضاً لاتختلف من وجهة نظر الشعب العراقي ومصالحه عن مقاطعتها وتفجيراتها السابقة.
وحقيقة الامر فان سكان المناطق المسمى بالسنية هم امام خشية تشكيل حكومة اسلامية – شيعية من جهة ومن جهة اخرى ينتابهم الخوف من التهديد والقتال والتفجيرات وفي غياب وجود قوة سياسية تقدمية قوية لاحول لهم ويعيشون في اسوء وضع سياسي وامني واقتصادي, لذلك فان مشاركة او عدم مشاركة هذه الاطراف في الانتخابات لاتنهي مأساتهم ومشاكلهم العويصة فحسب بل تعمقها اكثر وان الناس في هذه المناطق وبقية الشعب العراقي لايرون املا في الانتخاب وهذا واقع, ومن هذا المنطلق فان الانتخابات لاتعني اكثر من عملية شكلية وجسد هامد لاروح فيها.
واخيرا اقول انه بالاضافة الى هذه الاطراف الثلاثة (القائمة الكردية, الشعية, السنية) هنالك عدد آخَر من القوائم والقوى السياسية التي بحكم ارتباطها باحد الاطراف الثلاثة او لعدم امتلاكها لبرنامج سياسي - اقتصادي تقدمي ( ولاتستطيع امتلاكها في الواقع) لانستطيع ان ننظر اليها كقوى رئيسية, وحتى امريكا بقوتها ونفوذها في العراق لم تستطع بكل دعمها لها ان تصنع منها شيئا ولم تؤدي الى امتلاكها لركيزة اجتماعية.
ان هذه الاطراف والقوى هم على الاكثر من نتائج معارضة الناس للاطراف الثلاثة التي ذكرناهم, ويستلهمون منه, لكن بسبب عدم امتلاكهم لبرنامج سياسي واضح وفعال وعدم تطابق سياساتها مع الامال الانسانية والتطلعات الحرة للشعب العراقي لذلك فهي مقيدة وعاجزة ولاتستطيع ان تلعب دورا رئيسيا على الساحة السياسية.
ماذكرناه سابقا بصورة عامة هي تلك القوى التي ستشارك في الانتخابات، واستنادا عليه يستطيع المرء ان يتعرف على كنه هذه العملية المسمى بالانتخابات ويقيمها.
هذه الاطراف ليست مستعدة حتى لاحترام نتائج التصويت والاستفتاءات, وبعد اتمام العملية تبدأ عملية تغيير النتائج على هواهم وبموجب آلية التوافق السياسي, عليه فان هؤلاء في الحقيقة لاتلتزم بالمضمون الواقعي للعملية الانتخابية ولاتترك اي امل بنجاح العملية الديمقراطية.
س2/ كان من القرر ان يصبح العراق مركزا للديمقراطية والمدنية في المنطقة, برأيك اين وصلت هذه الدعاية؟
فؤاد رشيد: انا اعتقد ان التزوير في انتخابات العراق وعدم احترام نتائج الانتخابات كما رأيناه كان لامثيل له, ويبدو ان الدول الرجعية في المنطقة سوف تستفيد منه, أين هو مركز و زلزال الديمقراطية؟ في وسط وجنوب العراق وصل تطاول القوى الاسلامية الشيعية والاسلامية الاخرى الا حد وضع جدول بالاطعمة (الشرعية) للناس ولم تسلم كل الحقوق البدائية والشخصية للانسان من الانتهاك والتعرض، اين هي الديموقراطية؟ اية نوع من الديمقراطية هذا التي تلزم بدفع مبلغ كبير من المال في مقابل ترشيح الاشخاص والاطراف كأننا امام شراء تذكرة للدخول في ممارستها ؟
الامبريالية الامريكية ولتنفيذ مخططاتها في العراق تغض النظر عن حقوق الناس ولاتأبه بان يحكم اكثر السلطات رجعية فحسب وانما يعتبر الديمقراطية والحرية كذلك عرقلة في تنفيذ مخططاتها.
واذا لم تضع قوة اجتماعية تقدمية ومدنية حدا لهذا المسار فان عراق الغد سيضرب كمثال للدولة الرجعية والعشائرية, اين الديمقراطية اذن؟ من يستطيع ان يضمن بأن هذا البلد سوف لن يصبح بعد غد معتركاً لحرب دامية ضروسة بين القوى السنية – الشيعية والكردية – العربية, هذا في الوقت الذي لاتشكل هذه الامور في الدول الديمقراطية والحرة تهديدا او احتمالا. في الحقيقة لم يتحول العراق الى مركز لـ(تصدير) الديمقراطية الى الدول المجاورة بل بالعكس بات مركزا لـ(استيراد) (الديكتاتورية والرجعية) من ايران وسوريا والسعودية اليه.
من المفروض حين نتحدث عن الديمقراطية ان يتم التداول السلمي للسلطة بدون اطلاق رصاصة واحدة, لكن في هذا البلد تقوم الميلليشيات بالتدخل في كل شيء وحتى بمداهمة (دكاكين الحلاقة) ويخلقون المجازر بغية فرض نوع معين من حلاقة الرجال, والمسيحيون في هذا البلد اصبحوا من الطيور المهاجرة التي تبحث عن ملاذ آمن وتلجا الى خارج البلاد او الى مناطق كردستان والاماكن الهادئة الاخرى خوفا من الارهاب الاسلامي.
باختصار اذا اريد للعراق ان يكون مركزا لتصدير الديموقراطية وحقوق الانسان فان ذلك مرهون بتدخل القوى السياسية الحاملة لبرامج الحرية والمساواة وحقوق النسان والرفاهية الى الساحة السياسية وليست القوى التي تعتبر ماذكرناها كفرا وعارا وتشددا.
س3/ هنالك محاولات كثيرة لاشراك السنة في الانتخابات المقبلة, ماتأثير هذه المشاركة على العملية وعلى مصلحة الشعب؟
فؤاد رشيد: لم يبقى هذا مجرد محاولة بل اوشكت ان تصل حتى الى حد الرشوة السياسية اوالاسواء من ذلك. هذه المحاولة ولو انها من جهة محاولة امريكية لقبول شروط الدول العربية فهي من جهة اخرى تمثل رغبة الاطراف غير الشيعية للاخلال بالتوازن السياسي في الحكومة الحالية. باعتقادي ان هذه المشاركة ستزيد من عدد الناخبين قليلا من جهة وان تلك القوى التي كانت وراء تهديد تفجير المراكز الانتخابية في الماضي, انها اليوم تأتي وتشارك في الانتخابات, لكن من الناحية السياسية فانها لاتؤدي الى تعميق العملية الديمقراطية بعكس الادعاءات التي يطلقونها في هذا المجال القائل بان كثرة الاطراف المشاركة فيها تؤدي الى جعل العملية اكثر ديموقراطية.
ما تجعل العملية ديمقراطية حقة هي المضمون الديمقراطي والتحرري للاطراف المشاركة وليس عددهم او قلتهم او كثرتهم, هذه القوى التي اضيفت هذه المرة الى القائمة لها ميول اسلامية متطرفة ستبعد العملية عن الديمقراطية خطوات الى الوراء, على هذا الاساس فان السلطة القادمة ستكون لديها مشاكل داخلية اكثر واعمق ومايتعلق بالشعب العراقي فان السطلة القادمة لن تكون بيدها برنامج افضل من الوقت الحاضر بل ان القرارات والقوانين في مرحلة مابعد الانتخابات ستكون هذه المرة موجهة بصورة اكبر صوب اطفاء بصيص الحرية والمدنية (اذا استطاعوا ذلك).
باختصار هذه المشاركة من الناحية الشكلية يمكن ان يوهم الكثير من الناس بأن العملية ستكون اكثر ديمقراطية من السابق، لكن من حيث المضمون, فانها تجري بعكس ذلك تماماً، والقوائم الجديدة اللاديمقراطية لاتستطيع ان تجعل العملية ديموقراطية, هذه القوائم تطالب صراحة بعودة الجيش البعثي القمعي والملطخة اياديهم بالدماء وكأن العراق لايعاني من مشكلة غير عودة عدد من الجلادين والضباط المتهمين الى الميدان، كنا نأمل ان نشهد على فظاعة جرائمهم وانتهاكاتهم لاان نجعلهم باقات ورورد للحملة الانتخابية الراهنة!
س4/ برأيك ماذا يفعل الناس في الانتخابات وكيف يشاركون؟
فؤاد رشيد: ابتداءاً علي ان اوضح بأن تنظيمنا كتنظيم سياسي واقعي يتخذ القرار بعد تقييم دقيق للوضع السياسي وليست بصورة سطحية وتطرف وبدون الاخذ بالواقع ومستوى موازين القوى.
ان اجراء الانتخابات بمجموعة نواقص وقصور خيار افضل بالمقارنة مع عدم اجرائها, ونحن نأسف كثيرا للوضع الموجود ولقرار عدم المشاركة في الانتخابات, ونأمل بدأ من صفوف المدارس وغرف الدوائر وكل المعامل ومراكز العمل ان تبدأ وتنتهي كل شيء باجراء الانتخابات ومن خلالها, ان احد الركائز الرئيسية لنضالنا في سبيل الحرية والحياة الانسانية هي الانتخابات, نحن نعلن حتى اذا لم تجري الامور والمسائل الانتخابية حسب رغبتنا وتطلعاتنا فان المشاركة هي الافضل وعلينا ان نكون طرفا في تشجيع الناس لاصلاح العملية ذاتها والتغلب على قصورها.
نحن منزعجين كثيرا لانتقاداتنا اللاذعة وعلى الاقل كنا نفضل ان نقول ان القائمة الفلانية لايسلم بحقوق الناس (تماما) وننتقدها.. لكن ماذا نقرر ونقول في الوضع الحالي سوى مقاطعة الانتخابات في الوقت الذي نرى فيها كل قائمة من القوائم الانتخابية متشكلة على اساس المذهب والقومية والعشيرة ولايتضمن حقوق وحياة الناس المعدمين والمظلومين في العراق، نحن لانريد ان نشارك في انتخابات تشبه التعداد للكرد والشيعة والسنة والتركمان والعرب بموجبه تعمل الاغلبية باضطهاد الاقلية والاقلية تستعد لاضطهادها من قبل الاغلبية.
نحن نطلب من الناس ان يشكلوا قائمتهم ويسمونها القائمة الصامتة (الصمت بمعنى عدم التصويت وليس اللامبالاة وعدم رفع الصوت).
نطلب من الناس ان لايذهبوا الى عملية لاناقة لهم فيها ولاجمل بكل المقاييس المتداولة، نحن نعتقد ان الصمت وعدم التصويت يشكل ضغطا على تلك القوائم القومية والدينية ويقول لهم: كفوا, نحن العراقيين المحرومين لعشرات سنوات خلت بامس الحاجة الى الى الراحة ونريد ان نعيش حياة سعيدة وانسانية.
نحن نطلب من الجماهير وكل الاطراف التحررية ان يقوموا على نقيض هذه الانتخابات التي تجري في ظل هذه القوائم، بدخول عملية اخرى وذلك بجعل العراق مكانا لصدى اصوات التحررين الداعية لحياة انسانية معاصرة والمطالبة بضمان الخبز والعمل والحرية والامن والسعادة بدلا من المشاكل المذهبية والقومية والمصطنعة.
نحن نقول ان الناس يجب عليهم ان يقروا بكل الحريات لبعضهم البعض بصورة رسمية وان يجلعوا من هذا البلد مكانا للتعايش السلمي, وهذه مسالة واقعية يمكن تنفيذها, نحن نقول ان التعايش السلمي اسهل بكثير من الاقتتال والحقد القومي والمذهبي. نحن نقول نعم لانتخابات يمكن من خلالها اظهار قدرات ومهارات الفرد العراقي ويؤمن بافضل طريقة ادارة شؤون البلد.
في النهاية اقول, نعم يمكن ان نشير الى المظاهر الحضارية والجمالية للانتخابات ونقول نعم للانتخابات وندد باهانة الناخبين او التهديد بتفجير الصناديق, نحن دائما مع الانتخابات والديمقراطية والحرية، ولكن لنشارك في هذه الانتخابات بصمت ونسعى الى بدء عملية سياسية اخرى.
يستطيع الناس وبشكل حضاري (مثلا) ان تجتمع جماعات جماعات وبشعارات الخبز والعمل والحرية والتعايش السلمي للقوميات وحقوق الانسان ونذهب امام مراكز الاقتراع ونجتمع هنالك وننظم مظاهرات هادئة وحضارية, وهذه الطريقة تضع الحد الفاصل بين القوى المناصرة للشعب وبين القوى المعادية له, حينذاك يمكن ان نسمي عملنا بانه عبارة عن نوع من الانتخابات، ولكن هذه المرة فهي عبارة عن انتخابات انسانية وهي بمنأى عن التنافس الانتخابي والعددي بين القوائم القومية والمذهبية او الاصطدام فيما بينها.
#فؤاد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟