عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5221 - 2016 / 7 / 12 - 02:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
صناعة الفعل وتطور مفهوم الإرادة
لا شك أن الإنسان صانع لفعله الخاص كما هو خالق للإرادة الصانعة كمنطق أولي يمكن أن يكون عاما في حدود المعقول والممكن وقد يكون أستثنائيا أيضا في نفس الأطار، بمعنى أننا يمكن أن نقول ذلك بدون تردد ويمكننا أن نقول ذلك مع الكثير من الأستثناء أيضا بدون أن نتردد في لحظة واحدة، من أن الحالتين يمكن أيضا دمجهما معا في مقولة واحدة (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) مثلا كما في النص الديني، أو كما يقول علماء النفس والأجتماع بمختلف المدارس أن الإنسان وليد بيئة وظروف ذاتية وموضوعية وعوامل قد تكون حاسمة في تقرير صناعة الفعل وخلق الإرادة له وبتفصيل لذوي الشأن والأختصاص.
أيضا الكثير يؤمن بأن الإنسان في غالب أفعاله مصنوع في الإرادة ومخلوق بالفعل بمعنى أن إرادته وحده لا يمكن أن تصنع فعل إن لم يكن مبرمجا سابقا ومخلوق في أطار قهري قد كان، وما المظاهر التي نراها في الواقع سوى تجسيد لفعل كان وليس فعل يكون أو سيكون لأن الحاضر والمستقبل كلاهما أسبق من الفعل في الكينونة وما خلق الفعل إلا ليكون متوافقا مع صورة ماضية بالنسبة لهما، أي أننا نعيش الفعل بزمن الحاضر وهو في الواقع المنطقي بموجب النظرية التي أتكلم عنها سوى ماض أنتهى وأستفرغ فعله، كمن يتابع فلم سينمائي ويشاهد الفعل ويعيش اللحظة بينما هذا الفعل واللحظة هي زمن ماضي تم وأنتهى ولا يمكن لنا ومن باب الأفتراض أن نتدخل لا بالسيرورة ولا بالصيرورة.
المدرسة الثانية أو الأتجاه الثاني يقول إن الله تعالى عند خلق البشر قد كتب ل شيء وسطر كل الخطوط الممكنة والمفتوحة وبنهايات محددة، وما الإنسان إلا آلة مبرمجة لفعل قد قدر ولا شأن له بالصنع والخلق وما أكثر ما يأتون بأدلة تثبت أن الإنسان بعيد جدا عن منطق المدرسة الأولى ويستدلون أيضا بنفس النص السابق (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)، النص صريح بأنكم عاجزون حتى في الإشاءة والتي هي أساس الإرادة ومنبع الصناعة للفعل، فمن لا يملك الإشاءة لا يملك إرادة فعل وبالتالي فالباب مغلق على الإنسان في أن يكون فاعل حقيقي، قد يكون مجرد فاعل بالصورة فاعل بالإنتساب أو فاعل بالاستعارة فقط، لأن الفاعل الحقيقي هو الذي يشاء أصلا وهو القادر على تنفيذها وتصويرها وبسطها بالصورة التي يريد وبالطرية والمنهج الذي يختار، والإنسان بالتالي مجرد كائن أسير لأختيارات الفاعل الذي يشاء.
مع تحفظنا على ما جاء في منطق المدرسة الثانية وما في التحفظ من إشكاليات عقلية ومنطقية تعتمد على أن اللغة عندما لا تستوعب من قبل المفكر ولم تمنح الحرية الكاملة للتعبير يحدث أن يكون النص متعدد القراءات ومتعدد المعان، وبالتالي فمن الواجب علينا في مثل هذه الإشكاليات التي تناقض مع المنطق العقلي والعلمي والنقدي أيضا، أما تحييد النص وإهماله كون يسبب إرباكا عقليا ويحول المفاهيم إلى مشاهد عبثية متناقضة لا تقود إلى فهم منضبط وعقلاني، أو محاولة تفكيكه بنيويا وإعادة الفهم وفق منطق أشمل وأوسع من مجرد حالية النص وراهنية الفكرة بحدود البناء اللفظي والأعتماد على القصدية المعنوية بدل الفهم الأعتباطي الذاتي للقارئ أو المفكر.
هناك مدرسة حديثة لم تظهر ملامحها بالتمام ولكن خطوط فكرتها ورؤيتها تعتمد منطلقات علمية صرفه، قد تجمع من خلال النتائج النهائية لها بعض أوجه وجوانب تعارض المدرستين السابقتين مدرسة الجبر ومدرسة الأختيار، ليس من باب جمع المتناقضات والمتضادات على سطح واحد وفي منطقة محايدة، ولكن من جاب أن كشف الحقيقة الجزئية لا يعني أن الفكرة كلها واقعية وموافقة للمنطق الحقيقي أو معبرة عنه بالكامل، لأن في كلا المدرستين هناك وجه للحقيقية قد يكون مبالغ به أو يكون مضخم خارج حقيقته الخاصة التي ليست بالضرورة أنها كامل الحقيقة ولكنه جزء منها، هذه المدرسة الجديدة تقول أن الزمن هو المفهوم المتغاير في القضية ومتى ما فهمنا معنى الزمن المطلق والفرق بينه وبين الزمن التاريخي أمكننا أن نحقق خطوة حاسمة في أتجاه الإجابة على كل الموضوعات المتعلقة بالقضية الجبرية والخيار الفردي في ضوء توافق بين الإثنين على مستوى واحد.
ترتكز إذن النظرية على معيار خارجي لا علاقة له بالإشاءة ولا تنتهي به بل بالمعنى والمفهوم ومن ثم الإنطلاق للتقرير، هناك مصطلح يسمى الزمن المطلق وهو الزمن الخالي من النسبية التي تحيلنا إلى موضوع أخر، أي أن الزمن المطلق هو الزمن الحقيقي والمجرد تماما من أي علائق بالخارج وعن حدود قياساتنا المادية والموضوعية نحن، وعن إرتباط وجودنا نحن كمادة تصنع المكان وتتحرك جوهريا في داخل مكنونها الذاتي لتخلق زمنها الخاص بها الذي هو بالتأكيد زمننا التاريخي، زمننا المرتبط بوعينا به وهو في كل الأحوال جزء من زمن أكبر جزء من زمن مطلق وتجريدي، بينما زمننا نحن زمن أستثنائي نسبي محدود مرتبط بمحدد وبوجوده مع المحدد وبعدمهما معا، إذن نحن لا نعي إلا حدود الزمن التاريخي وهو جزء الحقيقة وما يجري خارج هذا الزمن الجزء الأكبر من الحقيقة طالما أننا لا نعيه ولا نكون جزء من تأريخيته المطلقة أيضا.
تقول النظرية الزمنية إن قدر لنا أن نسميها أن حياتنا كلها والتي ما زلنا نعيشها وأمامنا الكثير منها بالقر الذي لا يمكننا تحديده ما هي إلا جزء من الزمن المطلق الذي جرى وأنتهى ووصل خاتمته بالنسبة للخالق الأول، أما نحن فنرى الجزء التاريخي الذي هو مرتبط بوعينا فيه، الله أو الخالق أو المشاهد الأول عندما يذكر لنا أن كل شيء مكتوب وأن كل شيء مرتبط به ومع إشاءته إنما يشير ليس للفعل وصنعه وخلق الإرادة له، ولكنه يحدثنا عن الزمن المطلق الذي كتبه كما رأه هو وشاهده هو وسجل فيه كل ما نحن نفعله صنعا أو خلقا لأنه بالنسبة له صار ماضيا أما بالنسبة لنا فهو جزء من ثلاثة أجزاء مفعول ويفعل وسيفعل، هذا الفرق بين حقيقة الزمن المطلق وبين ماهية الزمن التاريخي هو الفرق بين ((وما تشاؤون إلا أن يشاء الله))، المكتوب نحن ما فعلناه وسجله علينا في كتاب أما بالخيار الكامل بعيدا عن الظرف الموضوعي والماحولي أو بالتداخل معه أو تحت تأثيره، لكن ليس بمقدور أحد أن يغير هذا المكتوب لأنه أنتهى فعلا خارج وعينا نحن لأن الزمن المطلق الذي حدث فيه هو بالأساس خارج وعينا فيه.
إذن الإشاءة هنا محلها في الكتابة المنجزة لفعل منجز وتام ونهائي لا رجعة فيه وليس في فعل المكتوب المفعول ذاته، بمعنى أن الله أشاء لنا أن يكون الزمن التاريخي والذي هو جزء من المطلق الزمني عندنا والنسبي عنده لنعيش فيه ونشاء نحن فيه طبقا للعوامل والظروف والمتاح الفعلي وليس أيضا خارجا عنا وفوقيا قهريا تقديريا مكتوب علينا بمعنى الكتابة البرمجية، الكتابة هنا تفرق حين تكون تقرير عن ماض حدث ومعاش بالنسبة للكاتب وبيت قدر حتمي متعلق بمستقبل معلق بحدوث الزمن وتجدده، وهنا أشاء الله بمعنى أن يجعل هناك فارق في وعينا به ووعيه هو به ليرسم لنفسه وليس علينا إرادته كما خطط لها حينما كلم الملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، ليسجل تقريره ليخبرنا أنكم فعلتهم هذا ولا يمكنكم أن تغيروا الفعل الذي انا سجلته وكتبته لأنكم خارج زمن الفعل الحقيقي وما انتم الان إلا في لحظة حاضركم النسبي الذي هو ماض مطلق لي.
هذه النظرية وبالتأكيد تحتاج للكثير من الإثراء والتنظير والتأطير يمكنها أن تصنع أجابات حقيقية عن الكثير من المفاهيم التي منها منطلقها ديني أو عقلي مجرد، أيضا قادرة أن تفتح الكثير من الأبواب لفهم أوسع لمعنى الزمان والمكان والنهايات المتوقعة للحركة ومعنى الوجود والماهية وغيرها وقع فيها خلاف في النظر أو في الفهم أو بكليهما، نعم أستطاعت هذه النظرية أن توافق بيت متناقض المدرستين ولكن ليس بتبني كل المتناقض ولكن محاولة إيجاد قاسم مشترك بين الدلالات الأسية فقط، وترك البناء الفوقي على المتأسس الأول، فهي تجيب بنعم حول أن فعلنا مكتوب ولكن من غير تبني صيغة الكتابة القدرية، كما تتبنى مفهوم حرية الخلق والفعل دون أن تتبنى راهنية الفعل على أنه خيار أني ممكن تعديه أو تجاوزه بالقدرة الذاتية للفاعل الأصلي.
نحن هنا في النظرية لا نتبنى المظهر اللفظي للنص حيث اننا نعلم أن اللغة وظيفتها نقل الفكرة إلى العقل الإنساني، هذا العقل اللا موحد في طريقة تعبيره لا فعم حقيقة الفهم ولا في كيفية إدراكه، وبالتالي من الواجب أن نختار معيار ضابط للغة من خارجها حياديا بينها وبين العقل وممهدا في الوقت عينه لأن يمنح النص ومعه اللغة كل ما يمكن أن يطرحه من بعد منطقي معنوي قصدي، وبذلك ننجح في أستنطاق النص للقدر الذي يجعلنا أكثر قربا من فهم المرادات الأساسية لصاحب النص وأيضا أقرب للحقيقة الواقعية في ثوبها العلمي، وبذلك نجتاز مرحلة التأويل النسبي المبني على الأحتمالية الترجيحية بين خيارات متعددة غير حاسمة وغي متيقن من أحتواها على أكبر قدر من الواقعية المنطقية.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟