|
احتفال -تحت الأرض- لجماعة -الأخوان-!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1400 - 2005 / 12 / 15 - 10:58
المحور:
كتابات ساخرة
ما أعجب دورة الزمن وتقلب الأيام! فمن كان يتصور أنه سيأتى يوم يجلس فيه المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين – التى ظلت تحمل لقب "الجماعة المحظورة" أو "الجماعة المنحلة" عقوداً متصلة – جنباً إلى جنب مع واحد من أهم رؤساء وزراء مصر – حتى لو كان يحمل لقب "رئيس وزراء سابق" – للاحتفال علنا، وتحت الأضواء الباهرة، وأمام كاميرات الفضائيات العالمية، وفى حضور كوكبة من الشخصيات العامة والقيادات النقابية وقادة الرأى العام ورجال الاعلام، بالانجاز غير المسبوق الذى حققته "الجماعة" حيث نجحت فى انتزاع 88 مقعداً برلمانياً من براثن الأسد، حتى لو كان هذا "الأسد" عجوزاً ومصاباً بكل أمراض الشيخوخة! لكن هذا اليوم الذى لم يكن يتخيله أحد .. قد جاء، وجلس المرشد العام لجماعة "الأخوان" محمد مهدى عاكف جنباً إلى جنب مع رئيس وزراء مصر السابق الدكتور عزيز صدقى للاحتفال بهذه المناسبة "التاريخية". ورغم أن مراسم الاحتفال جرت فى واحد من أفخم فنادق الخمس نجوم، فان إدارة الفندق شاءت أن تذكر الحضور بالتاريخ السرى لجماعة "الأخوان" التى حرمت من الاعتراف القانونى منذ حلها فى الخمسينيات من القرن الماضى، فلم تجد قاعة تمنحها لها فى هذه المناسبة إلا قاعة فى الطابق الرابع، لكن "تحت الأرض"! وفى حفل الاستقبال المشار إليه ظهر "الأخوان" بـ "نيولوك"، ومظهر "عصرى".. فمن حيث الشكل انتشرت الصحفيات، غير المحجبات، فى القاعة جنباً إلى جنب مع زملائهم الرجال دون فصل أو حجاب. كما حرصت الجماعة على دعوة بعض الشخصيات المسيحية، مثل المفكر القبطى سمير مرقص والدكتور رفيق حبيب. ولفت النظر أيضا دعوة شخصيات "علمانية" و "يسارية" معروفة بمعارضتها للدولة الدينية وخلط الدين بالسياسة. أما الهتافات التى تم ترديدها فقد كانت "سياسية" وليست دينية ، حيث قالت: الإصلاح .. الإصلاح أمل الأمة مسا وصباح وقال شعار آخر: الإصلاح من جوه أمانة الإصلاح من بره خيانة حتى الآيات القرآنية التى تم ترتيلها فى بداية الحفل جاء اختيارها مدروساً: "تلك الأيام نداولها بين الناس"، دعماً لمطلب تداول السلطة. وبصرف النظر عن "الشكل"، فان كلمة المرشد العام محمد مهدى عاكف أكدت على "مضامين" مهمة وأساسية. فقد طالب نواب "الأخوان" بالانضباط فى حضور جلسات البرلمان، وتوخى الموضوعية فى النقاش. والتركيز على "أجندة" تستهدف تعديل الدستور بحيث يكون الشعب هو مصدر السلطات، والحفاظ على المقومات الاساسية للمجتمع، وتقييد السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الجمهورية، وانتخابه من بين مرشحين متعددين، لولايتين فقط مدة كل منهما أربع سنوات، وضمان تداول السلطة سلمياً، وفصل السلطات، وإنهاء تبعية السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وعلى رأسها قانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية، مع الحرص على أن تكون القوانين التى يتم سنها "متفقة مع الشريعة الاسلامية". كما طالب بالاهتمام بالتعليم والبحث العلمى باعتبارهما "عماد النهضة"، والتركيز على التنمية البشرية والإدارية والثقافية، وتشجيع الاستثمار والعمل والإنتاج للقضاء على البطالة وإيجاد عمل لكل عاطل، والانحياز للفقراء وتحميل الأعباء للأغنياء وتوفير الخدمات الصحية وغيرها للفقراء، والرقابة على أعمال الحكومة والتصدى للفساد والاسراف. وطالب المرشد العام نواب الاخوان" بأن يوزعوا أنفسهم على كافة لجان البرلمان لتغطية كافة المجالات، مع الاستعانة بالخبراء من كافة التخصصات. وخاطب نوابه قائلاً " تعاونوا مع إخوانكم فى الجبهة الوطنية التى نحن جزء منها". ولم يكتف بالدعوة إلى استمرار التعاون مع الجبهة الوطنية المعارضة وإنما اختتم كلمته "السياسية" بدعوة جميع الأطراف – بما فى ذلك السلطة – إلى "مصالحة وطنية" لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وقد سارت كلمة الدكتور عزيز صدق فى نفس الاتجاه، مهيباً بنواب المعارضة أن يركزوا جهودهم على محاربة الاستبداد ومناهضة الفساد. وأكد أن مرحلة التغيير قد بدأت. أما الدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء وعضو مجلس الشعب ( عن الحزب الوطنى) فقد دافع عن نواب الاخوان فى البرلمانات السابقة ونفى عنهم أن يكونوا قد تفرغوا لسفاسف الأمور مثل الأغانى الهابطة ومصادرة الكتب .. ووصف كلمة المرشد العام مهدى عاكف بأنها "إرشادات ووصايا" يجدر الالتزام بها. كما تحدث الدكتور رفيق حبيب ليس بصفته المسيحية فقط وإنما بصفته ممثل التحالف الوطنى بالجبهة الوطنية للتغيير، فأكد على أن مسيرة الإصلاح قد بدأت ولا يمكن أن تتوقف وأن استمرار الاستبداد لم يعد ممكنا. وكان آخر المتحدثين هو الدكتور محمد سعد الكتاتنى الذى تم اختياره رئيساً للكتلة البرلمانية الاخوانية. وبدأ كلمته بتوجيه الشكر للقضاه على دورهم فى الاشراف على الانتخابات. ثم أكد على أن نواب الاخوان جزء من جبهة عريضة تضم عناصر متعددة ستهتم فى برلمان 2005 بالقضايا التى ذكرها المرشد العام. وكان من أهم ما ورد فى كلمته تلك المعلومات التى قدمها عن خلفية نواب الاخوان الجدد فذكر أن 8 منهم ينتمون إلى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، و4 وكلاء وزارة، و9 أطباء ، و18 مهندس ورجل أعمال، و6 من رجال التربية والتعليم، و4 محامين، و4 من علماء الأزهر، و25 من حملة المؤهلات العليا، و22 من حملة المؤهلات المتوسطة . وتعهد بأن يستعين نواب الاخوان بالخبراء فى كافة المجالات، مسلمين وأقباط. *** وربما لا تكون هناك مفاجآت فى هذه الكلمات التى تنطلق كلها من الأدبيات المعروفة لجماعة "الأخوان" . لكن الجديد فيها التركيز على ثلاثة أمور: الأمر الأول هو إعطاء أولوية لملف الحريات على أرضية أن "الأمة هى مصدر السلطات". وهذا أمر بالغ الأهمية لكنه ما يزال يحتاج جهداً من "الاخوان" لتوضيح كيف تكون الأمة هى مصدر السلطات وفى نفس الوقت تكون المرجعية للشريعة الاسلامية؟! الأمر الثانى هو التشديد على ضرورة العمل الجبهوى مع كل الفصائل المعارضة الأخرى. وهذا أمر مهم آخر لكنه ما زال ينتظر تقييما، وربما نقداً ذاتياً، لممارسات مناقضة لهذا التوجه الجبهوى فى غمار المعركة الانتخابية لبرلمان 2005، وهى ممارسات وصلت فى بعض الأحيان إلى مهاترات طائفية! الأمر الثالث هو دعوة المرشد العام محمد مهدى عاكف إلى "مصالحة وطنية"، تشمل كافة الأطراف بما فى ذلك السلطة الحاكمة. وهذه "المبادرة" ربما تكون قد استهدفت تهدئة المخاوف التى ظهرت فى الداخل والخارج إثر الإنجاز الكبير وغير المسبوق الذى حققته جماعة "الاخوان" فى الانتخابات البرلمانية. والواضح أن هذه المبادرة تغذيها عدة روافد ظهرت فى حفل استقبال نواب الاخوان الجدد. الرافد الذى يخص السلطة تمثل فى الهتاف الذى أشرنا إليه آنفا عن أن "الاصلاح من جوه أمانة .. والاصلاح من بره خيانة". وعلى الأرجح فان هذا الهتاف هو رسالة مباشرة للحكم تطمئنه إلى أن "الجماعة" لن "تلعب" مع أطراف خارجية من وراء ظهر الحكومة، وبالذات الأمريكان الذين تسربت معلومات عن اتصالات بينهم وبين "الاخوان" فى الساعات القليلة الماضية. والرافد الذى يخص المعارضة هو التأكيد على أن "الاخوان" جزء من المعارضة وجبهة التغيير، مع إبداء قدر من التسامح – غير المألوف سابقاً – مع المثقفين "العلمانيين" ، ومع المرأة غير المتشحة بالحجاب. والرافد الذى يخص الاقباط يتمثل فى الحرص على دعوة شخصيات مسيحية، والتأكيد المتكرر على النية للاستعانة بالكفاءات المصرية دون تفرقة بين مسلمين وأقباط. وهذه رسائل لا ينبغى "التهوين" من شأنها، كما لا ينبغى "التهويل" من أمرها. لكن وجودها ليس كعدمه .. ولعلها تكون بداية – مجرد بداية – لفتح قنوات حوار وطنى موسع ومتعدد المجالات والجوانب من أجل تمهيد الطريق لصياغة عقد اجتماعى جديد يستجيب لأشواق بلادنا إلى الديموقراطية والتحرر من ربقة الاستبداد، بكافة أشكاله الأوتوقراطية والثيوقراطية، ويتعامل بكفاءة وفعالية مع التحديات الاقليمية والدولية التى تطرحها العولمة ومستجدات الالفية الثالثة وعصر الثورة العلمية والمعلوماتية ، دون أن يدعى أى طرف احتكاره للحكمة والحقيقة أو الدين او الحصول على توكيل بالحديث نيابة عن الذات الإلهية.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فقر العرب!
-
نريد المعرفة.. والحرية
-
أطاح بالملك فاروق .. وهزمه إخوانى -فرز ثالث-
-
-الاخوان- و-الأمريكان-
-
المواطنة.. لا تعني مساواة المسيحيين بالمسلمين
-
من الذي حول -طحينة- البحر الأبيض إلى -خل أسود-؟!
-
السحل فى أرض الكنانة .. ياللعار
-
»فتح مصر«.. يا حفيظ!!
-
مطلوب إعادة الاعتبار إلي «فكرة» الانتخابات
-
رسالة »الإخوان« للحزب الوطني: وجب الشكر علينا
-
-أبانا- الذى فى البيت الأبيض!
-
صدق أو لا تصدق: إسرائيل أخضعت -السادات- لاختبارات كشف الكذب!
-
!أبو الغيط يؤذن فى المنامة
-
السودانيون يتدخلون فى الشئون الداخلية ل -جمهورية المهندسين-!
-
اغتيال -الحرية والإخاء والمساواة- فى عقر دار الثورة الفرنسية
-
برنامج الثلاث كلمات
-
اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم
-
هل تتذكرون تراجيديا الفتنة الطائفية بالإسكندرية؟!
-
! مسرحية الإسكندرية أكذوبة
-
مرصد انفلونزا طيور الظلام الطائفية
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|