|
هل احترام حقوق الأقباط عداءٌ للإسلام؟
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5219 - 2016 / 7 / 10 - 19:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سألني أحدُ القراء على صفحتي: "هل تعتزين بأنك مسلمة وأنك بغير الإسلام تشعرين بالدونية؟" وكانت إجابتي: "أعتزّ بأنني إنسان ٌمنحني اللهُ تعالى منحةً جميلة اسمها "العقل" أفكر به وأرفض أن يُقيّم إيماني بربي إنسانٌ مثلي، خطّاءٌ ملئ بالنواقص مثل حضرتك ومثل سائر البشر. إسلامي وإيماني بالله ليس محل سؤال منك أو من سواك، ومجرد سؤالك هذا السؤال ينمّ عن عقلية ناقصة تنشد كمالَها من التفتيش عن نواقص الآخرين. اذهبْ وأكمل نواقصَك قبل أن تسأل هذا السؤال المُهين لك لأنه خصيمٌ لأمر الله الذي منحنا حرية الإيمان وحرية الكفر. إسلامي في قلبي وليس (شو) كما تفعل أنت وغيرك من ناقصي الإيمان. تحياتي.” الحمدُ لله أن المعظمَ الساحقَ من قرائي مستنيرون ومثقفون؛ يتقنون "فنَّ القراءة"، الذي علّمني جدي محمد إبراهيم سليمان، رحمه الله، أنه أصعبُ من "فنّ الكتابة". لأنه يحتاج أولا إلى اختيار ما نقرأ. وهذا عمل عسر. لأن "اختيارَ المرءِ جزءٌ من عقله"، كما قال السيوطي. ثم إنه تأمُّلٌ لكل كلمة نقرؤها، وتبصّرٌ في دلالة مواقع الكلمات وإيقاعها وترتيبها، ثم الانتباه لعلامات الترقيم والتشكيل الذي يبدّل المعنى. ثم هو، بعد كل هذا، تدبُّرٌ واعٍ ومثقف لمضمون الكلام: رمزيته ومجازيته وحَرفيته، ومحاولة البحث في عمق الكلمات وأسرار اللغة الخبيئة، التي لا يعرفها إلا محترفو القراءة. ثم الغوص بين السطور لاقتناص الطاقة التي تشعّها الكلمات، وإن لم تصرّح بها. هكذا تعلّمتُ دائمًا أن القراءة "الحقّ" ليست مهمة سهلة، ومن هنا أولي كلَّ اهتمامي لكل حرف أكتبه، احترامًا للقارئ وتقديرًا له. وبينما معظم قرائي مثقفون مستنيرون، إلا أن الأمر لا يخلو من "الهواة"، الذين قد يخفقون في درس القراءة، بل في درس الوجود ذاته. إلى أولئك الأعزاء هذا المقال. لأنني أتناول كثيرًا حقوقَ الأقباط المهدرة في بلادنا، ظنّ بعضُ أولئك أنني أهاجم الإسلام! بل ظن البعضُ أنني على وشك اعتناق المسيحية! وانطلق الخيالُ بالبعض فأعلنوا أنني تنصّرت، "بس مكسوفة" أعلن الأمر! ورغم أن تلك الترهات ركاكةٌ لا تستحق الرد، تُضحك من يسمعها، إلا أن تفكيرهم على هذا النحو يحمل ملمحًا خطيرًا بالفعل، لأنهم يقدّمون صورةً مشوّهة عن: "الإسلام"! وكأن الإسلامَ يحثُّنا على معاداة المسيحيّ! وهذا مضمون مقالي. بدايةً، أودّ أن أقول إن غزارة كتاباتي عن الملف القبطي "المسكوت عنه"، سببها قلّةُ تناول هذا الملف الشائك (لا أدري لماذا هو شائك مع أنه شأنٌ وطني!) من قِبل الكتّاب الشرفاء الذين لا يغازلون الأكثرية بالضغط على الأقلية. ورغم وفرة أولئك الكتاب الكبار الراهنين الذين دافعوا عن الأقباط مثل الأساتذة: سيد القمني، إبراهيم عيسى، خالد منتصر، حمدي رزق، نبيل شرف الدين، وغيرهم الكثير، إلا أن حجم الكتابة، في مجملها، مازال لا يكافئ ما يقع على أقباط مصر من غُبن ثقيل قوامه خمسون عامًا، خاصةً في الأعوام الأخيرة. لذلك أحاول أن أعدل هذه "الكفة المايلة" بتكثيف كتابتي. فالمسيحي يحتاجُ أن يشعرَ أن المسلمَ يشعرُ بهمومه. ويلاحظ القارئ أن صوتي يخفُت كلما كتب كُتّابٌ آخرون انتصارًا للأقباط، ويعلو كلما صمتوا. وتزيد المشكلة ثقلاً بصمت المسيحيين أنفسهم عن المطالبة بحقوقهم، ليس خوفًا من الأغلبية كما يظن البعض، بل لأن دينهم يحضّهم على الصمت والسماحة وتحمُّّل الأذى الأرضيّ؛ طمعًا في ملكوت السماء. حيث يقول لهم كتابُهم: "طوبى للحزانى، لأنهم يتعزّون- غير مُجازينَ عن شَرّ بشرٍّ، أو عن شتيمة بشتيمة- أحبُّوا أعداءَكم، باركوا لاعنيكم، أَحسنوا إلى مُبْغضيكم." إلخ. أقولُ بكل اطمئنان إن المسلم الذي يظلم مسيحيًّا أو يهدم داره أو يرميه بكلمة نابية، استغلالاً لصمت المسيحيّ، فإنه بهذا يُغضبُ اللهَ دون شك، ويقدّم صورة رديئة للإسلام الذي يحثّ على الرحمة والعدل والأدب. لهذا سيكون الرسولُ حجيجَه يوم القيامة كما وعد، وتوعّد. وعلى النقيض من ذلك، فإن المسلم الذي ينتصرُ لأخيه القبطيّ، احترامًا لصمته الذي يحضّه عليه دينُه: (يُدافع عنكم وأنتم صامتون)، إنما بهذا يُرضي اللهَ ويقدم صورةً طيبة للإسلام، وللمسلمين. وهذا بالضبط ما أحاول فعله في مقالاتي طمعًا في وجه الله؛ ذاك أنني أؤمن أن أول سؤال سوف يسأله اللهُ لنا يوم النشور: هل رأيتَ ظلمًا وصمتّ عن ردّه؟ ويخبرنا الله في حديث قدسي أنه حرّم الظلمَ على نفسه، وأنه قد يسامح عبدًا في حق من حقوقه هو الله، لكنه أبدًا لا يسامحه إن ظلم عبدًا آخر، حتى يصفح عنه هذا الآخرُ. وبهذا يكون الدفاع عن المغبونين المظلومين في بلادهم، هو صلبُ الدين وجوهر الإيمان بالله، كما أفهمه. أفهم أن الدين هو حسنُ العمل وإتقانه، وقول الصدق، ومحبة الناس واحترامهم، وعدم الفُحش في الفعل أو القول، والرفق بالضعيف، واحترام الكبير، ومراقبة الله في السر وفي العلن. أفهم أن الدين هو العدلُ وعدمُ الانحياز لإنسان دون إنسان. هو نُصرة المظلوم بالدفاع عنه، ونُصرة الظالم بردّه عن ظلمه. أفهم أن الدين هو النظافةُ في القول وفي الفعل، مثلما هو في البدن وفي المكان. أفهم أن الدينَ المعاملةُ وعدمُ الإساءة للآخر وسوء الظن به. أن نضع أنفسنا مكان الناس لندرك كيف يشعرون. نحسُّ آلامهم، فنتجنب تزكيتها، وندرك مكامن فرحهم فنسعى إلى ترسيخها. لأنني أفهم أن الله، تبارك اسمُه، لم يخلق آلهةً على الأرض، بل خلق بشرًا ضعافًا، تقفُ القشةُ في أحداقهم كأنها جبال ضخمة، كما قال الشافعي، وتلدغهم بعوضةٌ ضئيلة فترجف أوصالهم وقد تقضي عليهم. أفهم أن الله يحب عباده جميعًا على قدر واحد، لأنهم جميعًا خلقه وعباده وصورته على الأرض، لأنه عادل، بل هو العدل المطلق. أفهم أن كلَّ نفس بما كسبت رهينة، فالبشر رهنُ ما أتوا في الدنيا من حسنات وسيئات، كبُرت أم صغُرت. وأنه تعالى لم يكلف أحدًا بحساب أحد في الأرض، لأنه لا يجوز أن يحاسب خطّاءٌ خطّاءً، فذلك شأنُ الله وحده جلّ في علاه. أفهم أن كل إنسان ألزمه اللهُ طائرَه في عنقه، ولن يُحاسَبُ أحدٌ محلَّ أحد. مستحيلٌ أن أصدق أن الدين يُمكن اختصاره في إعلان المرء بصوت عال غليظ عن دينه. وسبّ مَن لا يدين بهذا الدين؛ وهو يظن جهلاً أنه بهذا ضمِن الجنة، دون عبء العمل والاجتهاد ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء ومحبة الناس وحسن المعاملة وعفّ اللسان ونظافة اليد. الحقُّ أن مُشعلي الفتن هم مفجرو الكنائس وهادموها، وكذلك الصامتون عن نصرة الأقباط. أما من يفتحون الجروح لتنظيفها وتطهيرها، وهذا فرضُ عين على كلّ مسلم، لا فرضَ كفاية، فإنهم هم مَن يرأبون الصدع حتى يلتئم نسيجُ المواطَنة، الذي عاش خمسة آلاف عام متماسكًا متينًا، قبل أن تحاول الحكوماتُ والأنظمة تمزيقه، بنصل بغيض. دعوني أندهش الآن من خروج المتطرف الذي عرّى السيدة المسيحية وسحلها في صعيد مصر بكفالة من السجن، ثم الحكم على من تندد بفعلته بثلاث سنوات سجن!
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيءٌ من العبث لن يفسد العالم
-
حقلُ الألغام
-
مصرُ التي نشتاق إليها
-
يومٌ من عمري، وشموعٌ كثيرة بعد لم تُقَد
-
موسم تسريب الامتحانات
-
كيف سمحنا بأن نسقط؟
-
ناضجون ومراهقون
-
عين الطائر ودو كيخوتي
-
البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م
...
-
كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
-
جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
-
أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
-
لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
-
لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
-
فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
-
كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
-
رصاصةُ فرج فودة؟
-
الأبكم
-
يقتلون براءتَهنّ!
-
فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|