|
حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5204 - 2016 / 6 / 25 - 13:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أن تكرس الحكم الأحادي بالبلاد ، قبل نصف قرن ونيف ، وحل زمن فاقد لشروط التطور والتحول للحاق بمجتمعات تجاوزت أسوار التخلف ومصائبه ، لم تعرف سوريا كيف يمكن الانتقال ، إلى زمن بديل ، تتوفر فيه كل الشروط الأساسية المساعدة على النمو .. والتكافل ، والتوصل عبر إبداع آليات سياسية ديمقراطية جماهيرية ، إلى مجتمع تحكمه قيم وقرارات الجماعة المتحررة . ما أدى بالبلاد إلى تباطؤ النمو .. وإلى الضعف ، والوقوع بأخطاء وخطايا ، أوجدت توترات وردود أفعال متبادلة ، استغلت نتائجها الموجعة ، من قبل الخارج ذريعة ، لاستلاب البلاد ، ووضع الجميع تحت الهيمنة ، والعبث بمصير ووجود الوطن .
وقد شكل ذلك خلفية لمسار الطبقة السياسية ، اتسم بالتخبط وعدم وضوح الرؤيا والسمت ، والوقوع بانحرافات بائسة ، سياسية وفكرية ، نتج عنها سلسلة من الصدامات المسلحة الفاشلة ، التي تورطت فيها قوى من المعارضة ، في النصف الثاني من القرن الماضي ـ لانتزاع السلطة ، قابلها الحكم بإحكام قبضته على السلطة بمزيد من القوة ، وبذلك انتفت موضوعياً أساليب المعارضة السياسية ، وتداول السلطة ديمقراطياً ، ولم يبق للمعارضات سوى التعبير عن وجودها المادي ، من خلال صحف وبيانات ، الأكثر اهتماماً بها هم المنتمون إليها .
بعد حرب تشرين 1973 ، دخلت استحقاقات المفاوضات ، والاتفاقات ، حول شروط فك الاشتباك مع العدو الإسرائيلي على المعادلة السياسية .. سلطة ومعارضة .. ، ودخل الخارج بكل ثقله لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط . وصارت حركة وتفاصيل السلطة ، تحت مراقبته ومتابعته ، ومدعاة تدخله ، من خلال قوى داخلية لها طموحات متقاطعة مع مخططاته . وكان الهدف الأول في هذا الصدد ، هو جر سوريا إلى اتفاقية سلام وتطبيع مع إسرائيل ، شبيهة باتفاقية " كامب ديفيد " ، بين مصر وإسرائيل . ومن أجل هذا الهدف ، وإزاء تمنع الحكم في سوريا ، عن القبول بمثل هذه الاتفاقية ، تم تفجير أحداث الثمانينات في سوريا ( 1980 - 1983 ) ، بدعم غربي ، وسعودي ، وأردني ، وعراقي مباشر . وقد أدى هذا التفجير الذي نظمه " الأخوان المسلمون تحت عنوان الطليعة المقاتلة " ، إلى مرحلة قمع واسعة ، وإلى إلغاء أي هامش مهما كان تافهاً ، لممارسة السياسة ، المنفصلة عن فضاء السلطة ، وإلى غياب أية مبادرة مبدعة من المعارضة ، غير المتورطة بلعبة الخارج والإخوان المسلمين الدامية ، لإحياء سلمي متدرج للسياسة .. دام نحو عشرين عاماً .
وبتشجع مبرمج من قبل قوى خارجية ، نما لدى المعارضة عموماً ، في أوائل العشرية الأولى من القرن الحالي ، التوجه إلى الخارج ، والاستفادة من إمكانياته السياسية والإعلامية ، في تعزيز قدراتها ، وإيصال صوتها إلى الداخل والعالم على نطاق واسع ، كقوى معارضة تبحث عن بديل للنظام القائم وقد قدم الخارج لهذه المعارضة المساعدة ، في تدريبها على مماسة سياسة معارضة ، مغلفة بعدعوات ، حقوقية ، وإنسانية ، وثقافية ، ومدنية . وانتشرت لجا ن الدفاع عن حقوق الإنسان ، ولجان المجتمع المجني ، والمنتديات الاجتماعية ، والثقافية ، المستقلة عن مؤسسات السلطة . واستضافت الفضائيات التلفزيونية ، والصحافة الغربية والعربية ، بكثرة متواترة ، شخصيات الأنشطة الجديدة ، وخاصة ذات التاريخ السياسي المتميز . ما أدى إلى بروز الكثير من النخب السياسية والثقافية ، الواثقة بالخارج وشراكته في الهم السوري .
لكن لعنة العلاقة مع الخارج ، لاسيما المعادي للبلاد ، ، واستحقاقاتها الداخلية والخارجية ، فرضت اللعب حسب مخططات الخارج ، المتعلقة بسوريا والشرق الأوسط أولاً . أي أن على قيادات التحرك المعارض المدعومة من الخارج ، إلحاق ما تريد تحقيقه في سوريا ، مع ما يريده الخارج من متغيرات في سوريا والمنطقة . ، التي تقودها منظومته الدولية ـ الشرق أوسطية ، بما فيها إسرائيل . وقد لعبت " اتفاقية " وادي عربة " بين الأردن وإسرائيل . و" اتفاقية أوسلو " بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، إضافة " لاتفاقية كامب ديفيد " المصرية الإسرائيلية قبلها ، لعبت دوراً محفزاً لمعظم المعارضة السورية ، على الانضمام ، بشكل أو بآ خر ، لتلك المنظومة .
وبات قادة معارضون يتفهمون ، على خلفية عدائهم وحقدهم الثأري للحكم القائم ، أن من الموضوعية والمصلحة الشرق أوسطية ، أن تكون إسرائيل حاضرة ، في هذه المنظومة ، وأن لا تنفصل عن مخططات وأهداف الخارج في المنطقة ، وأن إسرائيل هي جسر أي تفاهم أو تحالف مع الخارج . لذا كان عليهم الحصول على بطاقة مرور من إسرائيل . وذلك بوقف الخطاب العدائي لإسرائيل ، والسكوت على حروبها وجرائمها ، ضد وطنهم ، وضد أشقائهم في بلدان عربية أخرى . بمعنى أن المعارضة عملت ومازالت ، على أن تكون على علاقة عضوية مع منظومة الخارج ، التي تجمعها وإسرائيل ضمن الإطار العام .
لذلك صارت مواقف ، وطروحات المعارضة " المعادية للحكم " و" المتصالحة " مع إسرائيل والخارج المعادي ، صارت " وجهات نظر " مقبولة ومفهومة ، لدى أوساط عربية تقاربها في الرأي والهدف . وشكلت خلفية زيارة " فريد الغاد ري " ثم زيارة " كمال لبواني لإسرائيل .. كبلد صديق مؤهل لتقديم " الدعم " للمعارضة .. وللشعب السوري . وقد كشفت " خديعة الربيع العربي" وثوراته المزيفة ، وقياداته الخليجية الرجعية والتركية والغربية العنصرية المعادية ، كشفت الكثير مما يجمع ، نخب من المعارضات السورية ، المرتبطة بالخارج ، مع إسرائيل . بل والمرتبط بها علناً ، من خلال دعم إسرائيل للمسلحين الإرهابيين ، المتواجدين قرب حدودها مع سوريا ، وإعلانها على الملأ ، أنها قصفت مواقع سورية ، زعمت أنها قصفت مواقع إسرائيلية ، أو أنها دمرت آليات تزعم أنها تنقل سلاحا سورياً لحزب الله . ويشارك عدد من ضباطها ، كخبراء ومدربين للمسلحين السوريين والأجانب ، في تركيا والأردن ، ويشاركون في غرف عمليات معادية لسوريا ، مع ضباط أميركيين وبريطانيين وسعوديين وسوريين منشقين ، فضلاً عن الإسعافات والرعاية الصحية التي تقدمها ، للمصابين من جبهة النصرة والجيش الحر .. وغيره .
من هنا ، جاء ادعاء " محمد زيتون " الإسرائيلي الأصل والموطن ، أنه ممثل للجيش الحر والمعارضة السورية ، في مؤتمر " هرتسليا " الأخير في إسرائيل ، في هذا المناخ الموبوء ، بالانحطاط ، والخيانة ، والعمالة . وفي هذا السياق يحق القول ، أن كل من يشارك من الضباط والسياسيين العرب الإسرائيليين ، في الأنشطة العسكرية والسياسية المعادية لسوريا ، ولمن يتصدى للإرهاب الدولي ، وللمقاومة ، ويقبل التطبيع مع المشروع الصهيوني في فلسطين والوطن العربي ، هو إسرايئلي الولاء وإسرائيلي الفعل ، ولا يختلف عن فريد الغاد ري وكمال لبواني ومحمد زيتون بشيء .. بل وأسوأ منهم . لعنة الخيانة ينبغي أن تنصب ، على أنور السادات ، والملك حسين ، ومحمود عباس ، الذين بنوا جسور مرور وتمدد إسرائيل ، كياناً ، وسياسة ، ومصالح ، إلى الوطن العربي ، وأن تنصب على الأنظمة العربية ، التي تواصل علاقاتها مع لإسرائيل في السر والعلن ، وأرذل ما فعلته في هذ السياق ، هو تصويت أربع دول عربية لإسرائيل لتترأس إحدى هيئات الأمم المتحدة .
ومن أنور السادات الذي وقع معادة " كامب ديفيد " إلى الملك حسين الذي وقع " اتفاقية وادي عربة " إلى محمود عباس الذي وقع " اتفاقية أوسلو " ، إلى فريد الغاد ري الأميركي ، الذي ذهب لإسرائيل كممثل للمعارضة (2007 ) وكمال لبواني اليساري الماركسي المرتد ، الذي زار إسرائيل كممثل للائتلاف السوري المعارض ( 2014 ـ 2016 ) . إلى محمد زيتون الذي حضر مؤتمر هرتسليا باسم المعارضة والجيش الحر ، إلى جبهة النصرة الإسلامية وغيرها من الجماعات الإرهابية ، هي سلسلة من الخيانة متواصلة ، وستستمر ، في زمن الحرب وما بعدها ، إن لم تحطم حدود التجزئة العربية ، التي مزقنا بها الخارج ، والعودة إلى إحياء المشروع القومي العربي ، وبناء جبهة وطنية ديمقراطية مقاتلة ، تجمع المناضلين السوريين ، على هدف تحرير الوطن من الإرهاب ، والتخلف ، والخواء السياسي والفكري ، الذي يفتك بنا منذ قرون ، ويولد منحرفين ، ومغامرين ، وخونة ، وذلك دون انتظار نتائج حركة المفاوضات السلحفاتية ، التي تزحف وراء سراب الحل السياسي . وحينها لن يكون هناك مجال لتسمية الخيانة وجهة نظر .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحملة الداعشية الأميركية الجديدة على سوريا
-
الخطة - ب - الأميركية والمعارك الكبرى القادمة
-
جرائم سياسية وحربية .. في الحرب السورية
-
ما بين حزيران 67 .. وحزيران 2016
-
حين يستعيد الشعب دوره
-
المعارضات الزاحفة إلى الرياض .. ماذا بعد ؟
-
المحاصرون
-
الحل السياسي سؤال ملتبس بين الداخل والخارج
-
أول أيار السوري الأحمر وفوضى العولمة
-
تراتيل سورية : الجولان . فلسطين . اسكندرون
-
تراتيل سورية : .. عظماء الاستقلال والجلاء والحرية ..
-
تراتيل سورية : .. وطني ..
-
حي الشيخ مقصود .. جبل النار والمقاومة
-
لتحديد نهاية النفق والحرب
-
حول الحرب والمفاوضات والحل السياسي
-
لماذا الفيدرالية الكردية الآن في سوريا ؟
-
مخاطر وتداعيات الهجمة الخليجية المتصاعدة
-
الموت يختطف عمر قشاش
-
في يوم المرأة العالمي
-
موعد مع السلام
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|