الهجرة ، الاقتصاد ، والأمن .. قضايا الدخول والخروج من التاريخ

عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)

الحوار المتمدن-العدد: 5203 - 2016 / 6 / 24 - 19:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الهجرة ، الاقتصاد ، والأمن .. قضايا الدخول والخروج من التاريخ


بعد تصويت أغلب البريطانيين بـ (نعم) على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (كنتيجة اجماليّة) ، فإنّ اسكتلندا وايرلندا الشمالية اللتان صوّتتا بـ (لا) ضمن ذات الاستفتاء ، واختارا البقاء ضمن الاتحاد الاوروبي ، ربما يفكرّان بالانفصال عن المملكة المتحدة.
كما دعت الحكومة الاسبانية ،عقب تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الاوروبي، الى اخضاع (جبل طارق) الى سيادة اسبانية بريطانية مشتركة. وكانت جبل طارق (وهي منطقة حكم ذاتي تابعة للتاج البريطاني) قد صوتت بأغلبية ساحقة لصالح بقاء بريطانيا عضوا في الاتحاد الاوروبي.
اسكتلندا أعلنتْ فور الاعلان عن نتائج التصويت : "إنّ هذه النتائج لا تعبّر عن أرادتنا" . وتعلن عن نيتها اجراء استفتاء جديد حول انفصالها عن المملكة المتحدّة .
وفي أعرق ديموقراطية في العالم تقول رئيسة وزراء اسكتلندا (نيكولا ستارغن) : "إنّ هذا القرار ، ديموقراطياً ، غير مقبول . و أن اسكتلندا "ترى مستقبلها داخل الاتحاد الأوروبي" ، وأنها تريدُ ان تبقى جزءاً منه .
كان الدافع الرئيس للتصويت بـ (نعم) لـ "الطلاق" من الاتحاد الأوروبي هو : الهجرة ، والاقتصاد ، والأمن .
وهذه العوامل مترابطة بالنسبة للبريطانيين ( كما لغيرهم) ، غير أنّ مخاوف البريطانيين حولها كانت قد تعمّقتْ كثيراً في الآونة الأخيرة .
دولة بريطانيا "العظمى" تترنّح الآن على وقع تداعيات نتائج هذا الاستفتاء التاريخيّ ، وتترنّحُ معها اوروبا ، وسنترنّحُ معها نحنُ أيضاً (بهذه الصورة أو بتلك) ، باعتبارنا "حواشي" و"أطراف" أبديين لـ "المراكز" العالميّة المعاصرة .
غير أنّ بريطانيا سرعان ما ستتعافى من وقع هذه "الصدمة" ، وستجد حكومتها الترتيبات المناسبة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني (وهي من أكثر الدول أمناً في اوروبا) ، و ستعمل على التكيّف بفاعلية مع وضعها الجديد ، دون انكفاء وتراجع عن الدور والفاعلية الدولية ، وأنّ ذلك كلّه سيتحقّق خلال مرحلة انتقاليّة قد تمتد من بضعة اشهر الى سنتين .
خامس اقتصاد في العالم ، وثاني اقتصاد في اوروبا (بعد المانيا) .. تهزّ اركانهُ متغيرات الهجرة والمال والبطالة والأمن .
الجنيه الاسترليني يهبط الى 1.35 دولار ، في ادنى مستوياته خلال ثلاثين عاماً . والبطالة قد ترتفع الى معدلات غير مسبوقة (مع تراجع التوظيف في الأنشطة والقطاعات ، والاستثمارات ، المرتبطة بالاتحاد الاوروبي) . والنمو الاقتصادي مهدّد بركودٍ طويل الأمد . لن يحدث هذا سريعاً . وقد لا تكونُ نتائج التداعيات دائمة ، ولكن التأثيرات السلبية (مع الاختلاف في تقدير درجتها ) ستحدث على أيّة حال.
هل هذا يعني أنّ الشعوبُ والأمم قد "تنتحر" جماعيّاً (أحياناً) من خلال تصويتها بـ (نعم) ، أو (لا) ، في استفتاءٍ ما ، دون معرفةٍ كافية بالمقدمات والنتائج ( وبالذات الاقتصادية منها) ؟ . يبدو ( وهذه مفارقة تاريخيّة ساخرة حقّاً) أنّ بريطانيا ، استناداً لقواعد اللعبة "الديموقراطيّة " ذاتها ، لن تشذّ عن أيّة دولة "متخلّفة " أخرى في هذا المجال .
انّ أمامنا أعرقُ ديموقراطيّة في العالم . وها هو رئيس وزرائها (ديفيد كاميرون) يصرّح ، بعد الاعلان عن نتيجة الاستفتاء (التي كان يعارضها بشدّة) : أنه سيترك منصبه بحلول أكتوبر/ تشرين أول المقبل ، وإنّه قد اتخذ قرار الاستقالة . و يُضيف (في مفارقة مُرّة ، ومُقارنةٍ مستحيلة ، مع مواقف "قادتنا" في ظروفٍ أكثر كارثيّة في نتائجها ، من نتائج هذا الاستفتاء بكثير) :
" لن أكون القائد الذي يقود البلاد في المرحلة القادمة . إنّ البلد بحاجة لقيادة جديدة ، وليس من الصحيح أن اكون القبطان الذي يقوم بتوجيه السفينة الى مرساها التالي" . ومع ذلك فقد أكّد (كاميرون) على عزمه الاستمرار في رئاسة الوزارة لنحو ثلاثة أشهر ، وإنه سيبذل قصارى جهده لتحقيق الاستقرار في الأسابيع والأشهر المقبلة.
الهجرة والاقتصاد والأمن ، يا "دولتنا" العزيزة ، هي العناصر التي تترنّحُ على وقع تداعياتها الآن أقوى الأمم . وهي التي يهزّ زلزالها ، وارتداداته العميقة ، أركانها المتينة ، واحدة بعد أخرى .
لقد بدأت لعبة "الدومينو" يا دولتنا "العظيمة ".
والمُحافظونَ ، والمتطرّفونَ ، و اليمينيّونَ ، والأجلاف ، والأنذال .. "يصعدون" في كلّ مكان .
فماذا أنتِ فاعلةٌ في الأيّامِ العصيبةِ القادمة ، يا دولتنا "الرشيدة" ؟
و كيف ستتلمسين طريقَكِ الشائكِ ، وأنتِ لا تملكينَ غير "فوانيسك" الصَدِئة ، في ظلام الليالي الطِوال ؟

#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات