|
مصر بين التوراة وعلم المصريات
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5202 - 2016 / 6 / 23 - 18:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مصر بين التوراة وعلم المصريات طلعت رضوان يمتلىء كتاب التوراة (وكذلك معظم أسفار العهد القديم) بالعديد من النماذج التى أسفرتْ عن التوجه الأيديولوجى المُـعادى لمصر، بينما علماء علم المصريات لهم رؤية أخرى للأحداث، من خلال المقارنة بين ما ورد على لسان بنى إسرائيل فى كتابهم (المُـقدس) وبين حقائق التاريخ، وكان من بين هؤلاء العلماء ، عالم المصريات الكندى (دونالد ريدفورد) فى كتابه (مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة - ترجمة بيومى قنديل - المجلس الأعلى للثقافة - عام 2004) يرى ريدفورد أنّ من كتبوا العهد القديم وقعوا فى الكثير من الأخطاء التاريخية ، وحتى عندما كتبوا عن مصر (فى مئات الصفحات فى كتابهم المقدس) فلم يذكروا كلمة واحدة عن ملوك مصر العظام أمثال (آمين – حوتب) أو ملوك التحامسة والرعامسة، حيث يشملهم الغياب التام عند من كتبوا العهد القديم ، فكيف لم يتعرّف الكاتب العبرانى على أسمائهم ؟ وهذا خلاف السحر الذى يشمل شخصيات تاريخية عادية ويتحوّلون إلى ((أبطال تاريخيين)) مثل (شيسى الهكسوسى) فيتحوّل إلى عملاق كنعانى أسطورى (سـِـفر العدد: 13/ 22) والأخطاء تتزايد باستمرار حتى فى الفترات الأقرب زمنــًـا إلى من كتبوا العهد القديم. ومن أمثلة ذلك ملك مصر الذى صوّره الكاتب العبرانى على أنه سوف يساعد (هوشع) فى تمرده (سفر الملوك الثانى : 17/ 4) لذلك فإنّ ملوك مصر يـُـعانون من الخلط على أيدى من كتبوا العهد القديم ، وهو خلط وصل لدرجة استبدال اسم الملك المصرى باسم مدينته. ونفس الشىء مع اسم الملك (شبتاكا – 697- 690 ق. م) ظهر فى جدول الأمم (سفر التكوين: 10/7) كقبيلة نوبية. وكذلك الأمر بالنسبة لاسم خلفه (طاهركا- 690- 664 ق. م) الذى فشل من كتبوا العهد القديم فى التعرف عليه بصورة صحيحة (سفر الملوك الثانى : 19/ 9) لذلك فلا مفر من استنتاج أنّ من كتبوا العهد القديم فى القرنيْن من السابع إلى السادس ق. م ، افتقروا إلى معرفة دقيقة بمصر، رغم أنها لم تكن تفصلها عنهم (وقتذاك) سوى بضعة أجيال قليلة (ريدفورد – ص 392) وكان تعليق ريدفورد : مثل هذا الجهل يصيبنا بالحيرة ، خصوصًـا إذا استشعر المرء ميلا نحو الانبهار بالمزاعم التقليدية حول عصمة (الكتاب المقدس) والحقيقة أنّ الأسفار الخمسة والأسفار (التاريخية) تــُـقـدّم بصورة جسورة تأريخـًـا مُـحددًا (وفقــًـا لرواية التوراة) خلال تلك الفترة التى كان الجهل والتناقض فيهما يـُـسببان أكبر الحرج، فإذا جمعنا حكم ملوك (يهودا) من السنة الرابعة فى حكم سليمان (عند تدشين المعبد فى أورشليم – سفر الملوك الأول: 6/1) إلى تدمير أورشليم فى سنة 586 ق. م فإننا نجدها 430 سنة، وهو الأمر الذى يضع هذه النقطة من حكم سليمان (إذا سرنا منحدرين إلى الوراء عند سنة 1016 ق. م وعود على بدء (وطبقــًـا لسفر الملوك الأول) فإنّ عدد السنوات التى يـُـفترض أنها انقضتْ بين (الخروج) وبين تدشين المعبد هو480 سنة، وهو الأمر الذى يعطينا هذا التاريخ : 1496 ق. م لوقوع حادث (الخروج) ولما كانت التوراة تــُـقرّر أنّ فترة الإقامة فى مصر قد دامتْ 430 سنة (سفر الخروج: 12/ 40) فإنّ نزول يعقوب وعائلته فى أرض (جوشن) لابد وأنْ يكون قد حدث فى سنة 1926 ق. م . وإذا ما أضفنا الآن أعمار (إبراهام) و(إسحاق) و(يعقوب) أى 290 سنة، فإننا نصل إلى 2216 ق. م كتاريخ مولد (إبراهام) وهذا يعنى أنّ وصول (إبراهام) إلى كنعان كان فى سنة 2141 ق. م (قارن التكوين : 12/ 4) ونزوله إلى مصر (تكوين : 12- من 10- 19) بين ذلك التاريخ وسنة 2116 ق.م ، أو تحت ظل الأسرة العاشرة التى حكمتْ البلاد من عاصمتها فى (هراكليوبولس) ونزول يعقوب ، كان ليحدث خلال عهد الملك المصرى (سنوسرت الأول) ويستغرق إقامته طوال حكم الأسرة الثانية عشرة وطوال عصر الأسرة الثالثة عشرة والاحتلال الهكسوسى وأوائل حكم الأسرة الثامنة عشرة حتى عهد الملكة حتشبسوت . وفى ضوء سفر العدد 23 : 13 الذى أفرد أربعين سنة للتيه الإسرائيلى ، فإنّ غزو كنعان بقيادة (يشوع) لابد وأنْ يكون قد بدأ فى سنة 1456 ق.م ، أو غداة سلسلة الحملات المظفرة التى شنها ملك مصر (تحوت – موس الثالث) عندما كانت كنعان بأسرها جزءًا من ممتلكات مصر (ص393) وبلغة العلم عقــّـبَ (ريد فورد) على حكاية يوسف (النبى العبرى) وعلاقته بالهكسوس فكتب : وإذا كان المرء لايزال مبهورًا (أو مُـنبهرًا حسب ما يروق لكهنة اللغة العربية) أمام التطابقات (التوراتية) التى تسمح ليوسف بالصعود فى مدارج السلطة تحت حكم الهكسوس الذين كانوا ينظرون إليه بعين العطف ، نظرًا لقرابته لهم بصفته ساميـًـا مثلهم (مع إنّ قصة يوسف التوراتية تــُـميـّـز وتــُـفرّق بوضوح بينه وبين ملك مصر وبلاطه بصفتهم مصريين) ثم ماذا لو أسقطنا اعتراضاتنا على السنوات ال 430 وقبلناها حرفيا ؟ عندئذ سيكون (يوسف) قد دخل مصر حوالى 1680 ، أى فى الوقت (بالضبط) الذى كان الهكسوس فيه يستولون على الحكم. مثل هذا التناول (الخشن) للأدلة ينضح بالشعوذة ، ومع ذلك فقد أدى إلى إرساء الأسس الهشة التى كتب مؤلفون استنادًا إليها عددًا مؤسفــًـا من (التواريخ) لإسرائيل.. حيث تتسم بقدر هائل من السذاجة.. إلخ (ص394، 395) وبناءً على ما تقدم فقد تورّط الباحثون فى تاريخ التوراة بالإقرار، بعدد من المفاهيم المُـسبقة والزائفة التى عجزتْ عن حيازة قبول صريح.. ومن أمثلة ذلك فإنّ المرء يستطيع أنْ يذكر الرأى الذى يشيع قبوله على نطاق واسع (بين العلماء) بأنّ التاريخ المشهود لإسرائيل القديمة ليس سوى قضاء الإله (العبرى) على البشرية. وأنّ إسرائيل فى العصورالقديمة لم تــُـنصف أهم حضارتيْن نهريتيْن عظيمتيْن : أى الحضارة المصرية والحضارة البابلية. بالإضافة (كما ورد فى كتاب بنى إسرائيل المقدس) قتل كل بكر فى مصر وبابل.. ومما يـُـورث الحزن أنّ اتجاهات الكتاب (المقدس) ومن روّجوا له من (الباحثين) لاتعكس تفكيرًا علميـًـا ولا أمانة عقلية مبدئية.. وعلى نفس المنوال يكون المرء مُـفتقرًا لمبررات كافية ، إذا نسب النزعة الربوبية الراقية التى ظهرتْ فى اللاهوت المنفى (نسبة إلى منف فى الديانة المصرية (ص396، 397) وعن غزو بنى إسرائيل لكنعان وللمدن الفلسيطينية (كما جاء قى العهد القديم) فإنّ (ريدفورد) بتحليله لكتاب اليهود (المقدس) ومقارنته بالسجلات التاريخية المُـوثقة والرحالة (غير اليهود) رأى أنّ رواية العهد القديم ((كفيلة بإثارة الشكوك)) والسبب أنّ المدن التى تتمتع بتحصينات هائلة تسقط بسهولة، أمام بدو بسطاء خرجوا للتو من الصحراء.. ولعلّ اختلاق الأسباب (التى ساقها من كتبوا العهد القديم) يؤدى إلى تقويض تاريخية تلك القصص المزعومة بشكل كامل.. بالإضافة إلى ذلك فأسماء الأعلام (وتحديدًا أسماء المصريين) يـُـساء فهمها. كما أنّ المُـقارنة التفصيلية للرواية العبرية للاستيلاء على فلسطين ، بالأدلة المستقاة من مصادر خارج نطاق العهد القديم ، تــُـكذّب رواية بنى إسرائيل جملة وتفصيلا.. وإذا كانت التوراة تزعم أنه تمـّـتْ إبادة مصر، وقتل شعبها ، فلماذا لم تذكر البرديات والجداريات المصرية (تاريخ تلك الإبادة) ؟ رغم أنّ المصريين سجلوا وقائع أقل أهمية منها بكثير (ص401) وذكر (ريد فورد) أنه ليس بوسع أحد أنْ يـُـبرهن (أو يفند لهذا السبب أو ذاك) أنّ بنى إسرائيل أنشأوا دولة على أرض فلسطين.. بينما كل الحقائق التاريخية أثبتتْ أنه فى وقت ما خلال الربع الرابع من القرن الثالث عشر، عرفتْ مصر مجموعة أو كيانــًـا سياسيـًـا يـُـسمى (إسرائيل) ويحتل جزءًا من أرض كنعان.. وكل ما فى الأمر أنّ اللغة العبرية وطيدة الصلة (وبنفس الدرجة) مع لهجات سكان الضفة الغربية.. كما أنّ إصرار البعض على أنّ (إسرائيل) فى العصر القديم كانت تقوم على اقتصاد زراعى ، عوضـًـا عن الاقتصاد الرعوى، يـُـعد رسمًـا لخط حدودى زائف (403) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (3)
-
مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (2)
-
المسرح فى الحضارة المصرية
-
لماذا تجاهل جذر الغش المجتمعى ؟
-
لماذا يخالف المسلمون النص القرآنى ؟
-
هل سنفاجأ بجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟
-
مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (1)
-
لماذا يكون مدير آثار (مصرى) عبرانى الهوى؟
-
دولة بنى أيوب وما فعله صلاح الدين
-
رمضان (المصرى) ورمضان (العربى)
-
هل يجرؤ النظام على الغاء قانون (تطوير الأزهر) ؟
-
متوالية لصق اسم (الله) بالحاكم
-
ما جذر العداء لغير المسلمين ؟
-
مغزى لصق اسم (الله) كصفة للحاكم
-
هل النظام الحالى اختلف عن الأنظمة السابقة ؟
-
أليستْ المعاهد الأزهرية معامل لتخريج الإرهابيين ؟
-
قتل الحرية الفردية فى مسرحية الزومبى
-
مصر دائما مغلقة لاستقبال (الغزاة) الفاتحين
-
شكسبير والغوص فى النفس البشرية
-
2- مصر المنكوبة بخيراتها
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|