|
سيرَة أُخرى 35
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5202 - 2016 / 6 / 23 - 03:02
المحور:
الادب والفن
1 كلمة " نذل " باللغة العربية، تلفظ بالدال بالدارجة العامية. والنادل، مستخدمُ المقهى، جديرٌ أحياناً بذلك اللفظ. إنه أكثر سوءاً من سائق التكسي؛ الذي يُعدّ في مراكش مثالاً للغش. فهذا الأخير، على الأقل، يبذل جهداً بدنياً ونفسياً بمقابل بضعة دراهم. كلامي، في واقع الحال، ينطبق فقط على المقاهي المصنَّفة " راقية ". النادل هناك مثلاً، حينما تعطيه ورقة الخمسين درهماً كي يأخذ منها عشريناً ثمن الطلب، يفكّر فوراً أنّ المنطقيّ هو أن يضعها في جيبه بخشيشاً. فبدلاً من أن يعيد إليك الباقي، فإنه يمضي ولا يلبث أن يختفي لدقائق عديدة أملاً في أنك " جنتلمان " وستسامحه بالثلاثين درهماً. هَجْري للمقهى تلوَ الآخر، كان غالباً بسبب مستخدميه المحتالين. وكنتُ قد تحدثت هنا عن مقهى للشيشة ( الأركيلة )، سُعدّت بمعرفته منذ سفرتي السابقة. من سوء الحظ، أنهم أتوا بمشرف جديد على النُدُل. صارَ همّه أن يتلاعب بالفاتورة، طالما أنني غريبٌ ومظهري يدلّ على سعة الرزق. علاوة على أنه كان يُراقب، فيما يبدو، منحي البخشيشَ لعمال الجمر. وقد نال مني، المرة تلو الأخرى، كلاماً جارحاً بسعة معدته الجشعة. بدَوره، صار الأخ يُهمل عمداً خدمة طاولتنا. في آخر أمسية قضيتها مع الأصدقاء، وكان الجوّ حاراً، تقصّد المحتال ألا يجلب لنا زجاجات الماء ( وهيَ مجاناً مع الطلب ). أمس، رأيتني ألِجُ مقهىً جديداً. جلستُ هناك قرابة الساعة، ثم ندهتُ على النادل ومنحته ثمن الشراب. قال لي بلؤم: " عليك أن تدفع عشرة دراهم ثمن قرعة الماء ". فطلبتُ منه أن يأتيني بلائحة الأسعار، مُدركاً أنها لا تحتوي على هكذا طلب. فذهبَ مدمدماً ولم يعُد. وكان عليّ أيضاً أن أغادر المقهى، مصمماً ألا أعود إليه ثانيةً.
2 رمضان مراكش، مختلف نوعاً عما عهدناه في البلاد الأخرى. المغاربة، هم اجمالاً عميقو التديّن ولكن بلا تعصب وتشنج وتطرف. هذا على الرغم من حقيقة، أن السلطات تتعامل بشدّة مع من يفطر علانية. وفي المقابل، يتمّ التخفيف من ساعات دوام الموظفين والمستخدمين. كذلك الأسعار، فإنني منذ بداية تعرّفي على المغرب، قبل ثمانية أعوام، لاحظتُ أنه لم يطرأ عليها سوى ارتفاع بسيط. التكافل الإجتماعي، يبرز بقوة خلال هذا الشهر. حتى ليجوز القول، أنه ما من أسرة فقيرة تقريباً لا تحظى بما يسد رمقها عند الإفطار. كذلك بالنسبة للاجئين السوريين، ممن رمتهم الدولة في شوارع التسوّل على قلة عددهم، فإنهم صاروا يُدعَوْن إلى ما يُسمى " موائد الرحمن ". رمضان هذا العام، جدَّ في أوج موجة حرّ تشهدها مراكش. على ذلك، تجدُ خلال ساعات الظهيرة الدروبَ خالية تقريباً ومعظم المحلات مغلقة. فإذا تجوّلتَ في الحدائق، فإنك ستلتقي بالعديد من المتنزهين، الهاربين من القيظ والسأم. ما أن يُدوّي مدفع الإفطار، إلا ومآذن الجوامع تصدحُ معاً. والعادة، أن يؤدي الصائمُ صلاة المغرب قبل جلوسه على مائدة الإفطار. أما صلاة التراويح، فإنها تستقطبُ عشرات الألوف داخل وخارج مسجد الكتبية الكبير. إنه مشهدٌ مهيب، يجعلُ السواحَ يقفون مذهولين أمامه. بعد الصلاة، تشتعل الموسيقى مجدداً في ساحة جامع الفنا، المجاورة. عندئذٍ، فإن حركة الأسواق تنشط بتدفق الناس، الذين يعمدون إلى شراء حاجيات اليوم التالي. من أسوأ مظاهر رمضان، المشادات المحتدمة خلال النهار والمتنافية مع الهدف من الصوم. ذات ليلة رمضانية، عدّتُ من المقهى على موتور قريبي وذلك عبْر دروب المدينة القديمة. وإذا بنزاع ينشبُ فجأة بين بعض الشبان، فتستلّ السكاكين والمدي على الفور.
3 شارع البرنس prince، هو بمثابة بوابة الصالحية بدمشق. إلا أن هذه الأخيرة، أكبر مساحة وأكثر أناقة. ربما أن سبب تحوّل هذا الشارع إلى مقصدٍ أثير للناس، إنما لكونه ينفتح على أهم معالم مراكش؛ ساحة جامع الفنا. البرنس، مثل كل الأمكنة في المدينة القديمة، يتّسمُ بالطابع الشعبي لمحلاته ومطاعمه ومقاهيه. أغلب ألعاب الأطفال، التي كنتُ أهديها لابني أو أنداده من الأقارب، كنت أشتريها من البائعين ثمة، الماهرين في غش الغريب. ها هنا يوجد أقدم صالة سينما في المدينة، والتي يبدو أنها ما تفتأ تعيش على ذكريات الأفلام الهندية. كذلك الأمر، فالشارع يحتوي على سوق الصاغة الرئيس؛ وهوَ السوق ذو الذكريات الأليمة، لديّ على الأقل! كل يوم تقريباً، حينما يسألني سائق التكسي عن وجهتي، فإنني أجيبه " البرنس ". من هنا إذاً، كانت جولتي تنطلق عبْرَ المدينة القديمة. وأحياناً عند المساء، كان هذا السوق يشهدُ اجتماعي مع الأصدقاء أو الأهل. الأصدقاء، كان كلّ منهم يركن دراجته النارية في مدخل السوق قبل موافاة الآخرين إلى الموعد. الأضواء الساطعة، المنهمرة من الأعمدة الكهربائية الأنتيكية، تتماهى هنا مع أصوات الموسيقى والغناء، المنطلقة من الستيريوهات، علاوة على عبق الأطعمة، المتصاعدة من محلات بيع الشاورما. في هذه الأيام من رمضان، سدّ اللاجئون السوريون مدخل البرنس من ناحية الساحة. حوالي عشر عائلات، تتناثر في المكان مع أطفالها. إنهم عادةً لا يمدون أيديهم لأحد، ولا حتى يرفعون أصواتهم بالسؤال، بل يطرقون برؤوسهم أو يتشاغلون بالحديث مع أولادهم. يقول لي أحد الأصدقاء: " يا الله ما أجملهم، وكيف تتسم مظاهرهم بمحاولة الحفاظ على الكرامة! ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تخلَّ عن الأمل: 7
-
تخلَّ عن الأمل: 6
-
تخلَّ عن الأمل: 5
-
تخلَّ عن الأمل: 4
-
تخلَّ عن الأمل: 3
-
تخلَّ عن الأمل: 2
-
تخلَّ عن الأمل: 1
-
الرواية: استهلال
-
سيرَة أُخرى 34
-
احتضار الرواية
-
فاتن حمامة والزمن الجميل
-
أقوال غير مأثورة 6
-
سيرَة أُخرى 33
-
الهلفوت والأهبل
-
سيرَة أُخرى 32
-
بسمة مسمومة
-
الغموض والوضوح
-
عَرَبة العُمْر
-
اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق
-
أحلى من الشرف مفيش !
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|