|
طل الصبح ولك ميليس
لطيفة الشعلان
الحوار المتمدن-العدد: 1397 - 2005 / 12 / 12 - 11:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"طل الصبح ولك ميليس" يبدو أن الخيارات السورية للرد على (كذب) القاضي الألماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري منوعة إلى درجة أن الغناء الشعبي والطب النفسي اتحدا ليشكلا ردا يحمل من الأصالة و الابتكارية مايتجاوز الردود التقليدية المملة كأن يساق العجزة والمعاقون والتلاميذ إلى تظاهرات عرمرمية. فقد انضم علي الديك إلى نادي الغناء السياسي هاجيا تقرير ميليس يؤازره في ذلك الدكتور محمد أحمد النابلسي الذي هجا القاضي الألماني بشحمه ولحمه زاعما لنفسه منهجية تتجاوز التحليل النفسي إلى مدارس علم النفس مجتمعة. لكن علي الديك على أية حال وهو يقول: "إن كان بدهم منا حروب.. رح نعمل بالجبهة دروب"، لايدعي لنفسه حلف مارسيل خليفة ومحمود درويش الثقافي، ولا حتى اجتهاد جوليا بطرس في (الزمانات)، وقد لايعني لذاته أو لغيره أكثر من أن النسخة السورية من شعبان عبدالرحيم قد شقت طريقها للصفوف الأولى باعتمادها على حس قومي يلعلع، تخطى اعلان الحب على فاروق الشرع تقليدا لشعبولا في اعلانه الحب على عمرو موسى، ليصل إلى مواجهة التحديات الراهنة التي تريد تركيع إحدى جبهات الصمود والتصدي: "بدنا نعيش وإن متنا .. الموته ع الجبهة عرس".
المراد أن لا أحد بامكانه أن يصادر حق صاحبنا السوري لو أراد قبل (الميتة في العرس) أن يسلخ ميليس وتقريره وشهوده ومعهم (العبد المأمور لعبد مأمور)، فهذه السلخانة ستكون مفهومة في إطار واقع الغناء الشعبي وجمهوره والمتوقع منه وامكانات توظيفه، ومعادله الموضوعي وهو الخطاب السياسي الرسمي. لكن بيت القصيد الركيك هو ماكتبه النابلسي أحد أشهر الأطباء النفسيين العرب ورئيس "المركز العربي للدراسات المستقبلية" في هجاء القاضي الألماني. ففي خضم مقالة يقرص فيها مؤسس مجلة "الثقافة النفسية" وليد جنبلاط ومن سماهم بجماعته و المليح سعد الحريري وجبران تويني والسياسة الأميركية والإعلام المتأمرك وتلفزيون المستقبل، ويفترض فيها أنها مقالة هجائية كعشرات المقالات الصحافية التي تطالعنا ويتواضع فيها التحليل السياسي أمام ردح فيفي عبده، نرى النابلسي يزعم أنه قد توصل بـ (العلم) إلى كون ميليس يعاني من جملة من الاضطرابات النفسية منها: الاستعراض الهستيري، والشائعاتية، وعدم ثبات المرجعية الأخلاقية، والميول العدوانية، والإغواء السلطوي، والسادو مازوشية!. هذا يعني ببساطة أن القاضي الألماني قد أخطأ طريقه فبدلا من أن يذهب إلى إحدى مصحات ميونخ قادته خطاه المتعثرة إلى التحقيق الدولي في (مؤامرة) مكشوفة على سوريا. أي أن الطريف هو وصول مختص نفسي مرموق إلى تشخيص هذه الزملة من الاضطرابات العصابية المرعبة من مجرد تحليل هوائي استند إلى حركات ميليس الجسمية وسهام نظراته الفتاكة وبسماته الساحرة ولفتاته وتسريباته. فأي مصداقية بعد ذلك ستكون للطب النفسي أو لعلم النفس الذي اشتهر بتعرضه لقولبة شديدة في وسائل الاعلام والبرامج الكوميدية والقصص والنكات التي يتاولها العامة وكثير من المتعلمين. فصاحبنا لم يكن في سياق تحليل شخصية غازي كنعان مثلا أو رستم غزالة ! حيث يمكن الاعتماد على تاريخ شخصي وسياسي متسق وطويل ومعقد ويمكن تتبعه وكاف للخروج بأبحاث تحليلية (فاخرة) لن تخلو بالمناسبة من الشحنات العاطفية التي سيشار لها في الهامش، من (انتحار) الأول في مكتبه، إلى إهداء حسن نصر الله للثاني بندقية من غنائم "حزب الله"! . كما أن الأمر الطريف الآخر أن دراسة النابلسي تكشف الأواصر المتينة التي تربط (فئة) من اللبنانيين بالسوريين، أو إن لم أكن (مغرضة) فسأقول إنها تربط (علم النفس في لبنان) بـ (الغناء الشعبي في سوريا)، خاصة وعلي الديك يبدو كما لو أنه هو الآخر قد انضم إلى "المركز العربي للدراسات المستقبلية" معلنا الأهداف الخبيثة لذلك الألماني العدواني السلطوي المازوشي الهستيري: " كل تقريريك يا ميليس حقو فرنكين وفلس .. مسيس والغاية منو تشريد وقتل وحبس".
وحقيقة فلاشيء أكثر رداءة من التشريد والحبس سوى عسف العلم أو لوي عنقه ليخدم أهداف الباحث أو مسلماته أو قناعاته المسبقة. فالديك والنابلسي، أو الغناء الشعبي والتحليل النفسي، كانا الصدى الباهت لعنتريات السياسي وحزبه ومؤتمراته.
علم النفس يمتاز بقابليته لخلط اللاعلمي بالعامي بالديوكي (من ديك) بالاعتباطي بغرض توجيه النتائج، أو تعزيز النتائج المحسومة سلفا في رأس الباحث. وإن كان من الطبيعي ألا يتحرر الباحث في العلوم الانسانية بشكل تام من أفكاره وثقافته ومرجعيته مهما حاول، إلا أن البون شاسع بين انتفاء الحياد الكامل في العملية الوصفية والتفسيرية وبين فبركة النتائج أو التدخل فيها لتتواءم مع أفكار الباحث أوثقافته أو أهدافه الشعورية أو اللاشعورية. فغني عن القول أن هدف العلم إماطة اللثام عن الحقيقة لا صناعتها، وفي هذه الحالة فما عليك سوى أن تقرأ في بعض الدراسات العربية التي ادعت تحليل الشخصية اليهودية لترى كيف يمكن أن تأتي النتائج متوافقة مع الصور النمطية الشعبية والهوى الجمعي الذي يلغي أي خصيصة انسانية في الخصم حتى لوكانت مجرد ميزة البقاء مع الملاحقة والتقتيل والتهميش الحاد في أحقاب تاريخية كثيرة.
الخلاصة بعبارة أخرى أن فرويد وكارل يونج وكارين هورني غادروا العالم قبل أن يعرفوا غناوي العربان الشعبية أو عبقرية علي الديك التحليلية التي أوصلته لهذه الخلاصة الخطيرة: "جاي وبدك منا شهود محمل كبريت وبارود .. لعبة محبوكة من زمان الكل ب يعرف من أمس". مع ذلك فإن العقلية الداجنة أو التدخل السفيه سيبقى من أكبر التحديات التي تواجه البحوث الانسانية وتشكك في نتائجها، وقد عرفت شخصيا تجارب لباحثات وباحثين كانوا فيها يعيدون تصميم التجربة أو أدواتها أو ظروف تطبيقها في لعبة محبوكة كما يقول علي الديك ليصلوا إلى تحقيق النتائج التي افترضوها مسبقا ولم يصلوا إليها من المرة الأولى. والأدهى من ذلك أن بعض أحياء وسط الرياض الشعبية مثلا تعرف دهاة في الإحصاء التربوي من إخوتنا العرب المشغولين عن علي الديك وهيفاء وهبي بتفصيل النتائج لمن يطلبها تفصيلا (مايخرش المية). فإذا كان الحال كذلك على صعيد بعض البحوث الجامعية التي يفترض فيها درجة عالية من المصداقية والموثوقية فما بالك بالكتابات الصحافية التي تخسف بالمنهجية إلى مستوى (أمّا نعيمة) خاصة في وضع حرج ودقيق كحال السوريين مع ميليس أو حاله معهم وهو (المريض النفسي) بامتياز.
#لطيفة_الشعلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شجون الجسد
-
عفاف البطاينة: رواية الشرق والغرب
-
تجنيد الأصوليين للنساء: تلك الأحجية
-
قاموس يمشي على قدمين
-
نساء ضد النساء
-
جراح الروح والجسد
-
يا بطلة الراليات السعودية: السكوت من ذهب !
-
الغول والعنقاء و المثقف السعودي
-
لاوقت للتثاؤب
-
جروح ايه اللي انت جاي تقول عليها
-
خلف كل ثائر دمعة سدى
-
عباسيون وعارضات أزياء
-
هيفاء وعالية .. والسجن السياسي
-
الاجتماعي والسياسي
-
خليل حاوي وعروة بن الورد
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|