أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد زكريا توفيق - هل نحن نتجه إلى دولة دينية؟















المزيد.....


هل نحن نتجه إلى دولة دينية؟


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 5198 - 2016 / 6 / 19 - 11:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الإجابة على هذا السؤال هي، نعم. إننا فعلا نتجه إلى دولة دينية، لا دولة وطنية علمانية. هذه ليست نكته أو دعابة سخيفة، لكنها الحقيقة المرة التي لا مفر منها. هذه هي الدلائل والبراهين:

شواهد الدولة الدينية ظاهرة للعيان، حتى وإن حاولنا إخفاء هذه الحقيقة البائسة. الدستور المصري بعد ثورتين مجيدتين ينص على أن الدولة المصرية هي دولة دينية رغم أنف الجميع.

الدستور الحالي يضع مؤسسة الأزهر وشيخها الجليل فوق الدستور والقانون. الدستور يسلم رقاب الشعب المصري ومستقبله إلى مؤسسة الأزهر لكي تتحكم فيه ولكي تحدد مصيره ومصير أولاده.

السيد رئيس الجمهورية، لا يؤمن بفصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية. رئيس الدولة، كما يرى سيادته، مسئول عن الناس وعن سلوكهم، ومن واجبه نشر التدين والحفاظ على الفضيلة والأخلاق الحميدة والسلوك القويم.

السيد الرئيس هو ابن المؤسسة العسكرية التي قامت بتسليم مصر، تسليم مفتاح، للإخوان بعد ثورة الشعب في 25 يناير 2011م.

لقد قامت الثورة المصرية، وأطاحت بجلادها وشيخ جزيرتها الذي قبع على أنفاسها مدة 30 سنة بدون رحمة أو هوادة. هو الآن متمارض بشرم الشيخ، يتظاهر بالمرض والوهن كلما اقترب منه أحد.

يجب أن لا ننسى أن الرئيس الحالي من المؤسسة العسكرية التي تركت وظيفتها الأساسية في حماية الوطن وتفرغت للحكم والسلطة. لقد شاهدنا أداءها البارع في السلم والحرب منذ أن تولت مقاليد الحكم بعد ثورة يوليو عام 1952م، وشاهدنا بلاءها أثناء وبعد ثورة 25 يناير عام 2011م.

أول القصيدة كفر. وأد الثورة والتمسك بالدستور القديم ومحاولة ترقيعه بعد أن اتسع الخرق على الراقع. وجىء بطارق البشري وصبحي صالح وعاطف البنا. لا ندري من أين ولا كيف، لكي يعدلوا بنودا بعينها في الدستور الذي سقط بقيام ثورة 25 يناير. رئيس اللجنة ونصف أعضائها متعاطفون مع الإخوان والتيار الإسلامي.

ثم الاستفتاء وغزوة الصناديق، الذي لم يؤخذ به وضرب بنتيجته عرض الحائط. ليعقبه الإعلان الدستوري المكون من 62 مادة. وننتهي بمهزلة الانتخابات أولا قبل الدستور.

لاشك أن المجلس العسكري، قبل الإخوان أو السلفيين، لا يريد عمل دستور جديد، يقود إلى دولة مدنية علمانية عصرية. السبب واضح وجلي. السبب هو حرصهم على عدم خضوع المؤسسة العسكرية بمكاسبها وامتيازاتها لإشراف ومساءلة المدنيين.

تدين الرئيس وتدين المؤسسة العسكرية التي تسانده، يجعله أسير فكرة دولة العلم والإيمان التي كان يؤمن بها الرئيس المؤمن أنور السادات من قبل. غير أن التدين الذي يعنيه الرئيس السيسي يختلف بعض الشئ في الشكل والمضمون عن تدين الإخوان المسلمين. التدين الذي يعنيه الرئيس هو تدين معتدل بمرجعية أزهرية، بعكس تدين الإخوان الذي له مرجعية البنا وسيد قطب، وهو تدين أقرب إلى السلفية منه إلى الوسطية.

اهتمام السيسي بالدين يظهر جليا في ورقة البحث التي قدمها أثناء دراسته العسكرية بالولايات المتحد، والتي جاء بها أن الدولة المدنية العلمانية لا تصلح لشعوب الشرق الأوسط بسبب فقرها وجهلها وتدينها العميق.

إنه يعتقد بأن مبدأ فصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، الذي نادى به مونتيسكو من قبل، لا يكفي إذا تم عزل هذه السلطات وفصلها عن الدين والشريعة.

الحل في نظر السيسي حسب ما جاء في بحثه، هو صبغ هذه السلطات الثلاث بالصبغة الدينية ووضع الشريعة الإسلامية فوق الدستور، مع مباركة الأزهر الشريف ورجاله الأشاوس، المدافعون عن البخاري والثعبان الأقرع.

هذا يفسر لنا لماذا تم سجن إسلام بحيري والحكم بالسجن على فاطمة ناعوت والروائي أحمد ناجي وأطفال الصعيد القصر، وملاحقة الفنانين ومقدمي البرامج والراقصات غيرهن بقضايا الحسبة وازدراء الأديان، دون أن يحرك الرئيس السيسي ساكنا، أو يبدي امتعاضا، أو أية إشارة يفهم منها أنه لا يوافق على ما يحدث من خرق واضح وصريح لبنود الدستور المصري الجديد، الذي يؤكد حرية الرأي والعقيدة لجميع المصريين. وهو نفس الدستور الذي أقسم الرئيس السيسي على احترامه وعدم الخروج على أحكامه.

هذا يفسر لنا أيضا لماذ يتم، في نفس الوقت الذي نسجن فيه المفكرين، الإفراج وإطلاق السراح، بالجملة والقطاعي، لقيادات الجماعة الإسلامية أمثال صفوت عبد الغني، علاء أبو النصر، حسن الغرباوي، محمد الظواهري، محمد أبو سمرة ومجدي قرقر، وتعينهم في مناصب بالدولة.

عندما نضع الأزهر بشيخه وعلمائه فوق الدستور، نحن نتجه إلى دولة ثيوقراطية وحكم كنسي إسلامي بكل المقاييس رغم أنف الجميع. نرى الدولة الدينية تقترب قادمة نحونا مثل قطار الشرق السريع لكي تدمر ما تبقى لدينا من عقل وتراث ثقافي وحضاري وأخلاقي ورثناه أبا عن جد. نعض عليه بالنواجذ ونحاول أن نحافظ عليه بكل ما أوتينا من قوة. لكننا نرى هذا التراث ينساب ويضيع من بين أصابع أيدينا أمام أعيننا.

في حديث الرئيس السيسي لمجلة "جون أفريك" الفرنسية، قال، إن الديمقراطية عملية طويلة ومستمرة، يتطلب تحقيقها في مصر فترة تتراوح ما بين 20 و 25 عامًا أو أكثر. أو بمعنى آخر، لسه بدري على الديموقراطية المنشودة في مصر. ثم طرح نماذج للدول الديموقراطية الناجحة التي قد نقتدي بها، دولة باكستان أو دولة ماليزيا أو إندونيسيا.

يخبرنا الرئيس السيسي بأن الإعلام يشكل تحديا للسلطة الحاكمة، ويريد منه أن يكف عن تبني مظاهر العلمانية، وأن يقدم الحياة الدينية المعتدلة التي تتناسب مع قيم الشعب المصري.

يرى السيسي أن الديمقراطية التي تناسب مصر يجب أن تقوم على أساس إسلامي. ويقترح، إما وجود أربع سلطات بدلا من ثلاثة. تنفيذية، تشريعية، قضائية وسلطة رابعة هي السلطة الدينية. أو صبغ السلطات الثلاث الأولى بالصبغة الدينية. يعني بالبلدي المريح، دولة العلم والإيمان التي حاول إقامتها المرحوم السادات سابقا بدون نجاح.

الرئيس السيسي ليس كمال أتاتورك أو جمال عبد الناصر. إنما هو أقرب إلى الرئيس ضياء الحق، الرئيس السابق لباكستان. ضياء الحق، الضابط السابق في الجيش الباكستاني، بعد أن جاء إلى الحكم عن طريق الديموقراطية عام 1977م، بدأ على الفور في أسلمة الدولة الباكستانية.

أدخل ضياء الحق الشريعة في القانون الباكستاني. وقام بدعم المؤسسات الدينية والتعليم الديني. وهذا ما نفعله الآن بالدستور المصري الجديد الذي يصر على أسلمة الدولة ووضع الأزهر فوق الدستور والقانون رغم أنف الجميع.

في باكستان عام 1977م، قبل إنقلاب الجيش، تم حظر شرب أو بيع الخمور وإغلاق النوادي الليلية وحلبات سباق الخيل، كمحاولة يائسة من رئيسة الوزراء بيناظير بوتو لوقف زحف أسلمة الدولة. لكن ضياء الحق ذهب أبعد من ذلك. لقد أخذ على عاتقه فرض الشريعة الإسلامية وإحلالها مكان كل القوانين العلمانية الموروثة عن البريطانيين.

في خطابه الأول بعد توليه الحكم، قال ضياء الحق: لقد خلقت باكستان دولة إسلامية وسوف تستمر دولة إسلامية، ولن تقوم لها قائمة إلا بتطبيق الشريعة والإلتزام بإلاسلام وتعاليمه.

بدأ ضياء الحق في إقامة المحاكم الشرعية. وقام بتعيين عشرة آلاف ناشط من الجماعة الإسلامية الباكستانية في وظائف حكومية لتنفيذ خطته في أسلمة الدولة.

كانت حجة ضياء الحق أن الأزمات الاقتصادية التي مرت بها باكستان، سببها يرجع لبعدها عن تطبيق الشريعة الإسلامية. عودتنا إلى الإسلام لا خيار لنا فيها، بل هي فرض تحتمه الظروف والحالة المزرية التي وصلنا إليها. لست أنا الذي أفرض الشريعة على الناس، بل ثورة الناس ضد الرئيسة بيناظير بوتو هي التي تحتم ذلك.

لقد قام ضياء الحق باستخدام الشريعة لكي يحكم باكستان حكما مطلقا بقوة الدين، ويقضي على خصومه ومعهم الديموقراطية الوليدة. كذلك فعل جعفر النميري بالسودان.

هذا هو قانون ازدراء الأديان الذي ظهر في باكستان في عهد ضياء الحق:

- نطق أي كلمة أو عمل أي صوت أو بادرة أو وضع أي كائن بهدف جرح المشاعر الدينية لأي شخص، تكون العقوبة سنة سجن أو غرامة مالية أو كلاهما.

- إزدراء الشخصيات المقدسة، عقوبته ثلاث سنوات سجن أو الغرامة أوكلاهما.

- تدنيس أماكن العبادة بقصد إزدراء الدين، عقوبته سنتان سجن أو الغرامة أو كلاهما.

- الأفعال المتعمدة والخبيثة المقصودة والتي تهز المشاعر والمعتقدات الدينية لأي فئة، عقوبتها السجن عشر سنوات أو الغرامة المالية أو كلاهما.

- تدنيس القرآن الكريم، عقوبته السجن مدى الحياة.

- تدنيس اسم النبي محمد، عقوبته الموت والغرامة المالية.

لكن دولة العلم والإيمان التي ينوي الرئيس السيسي بناءها، لن تنجح. مآلها الفشل الذريع. السبب أنك تحاول مزج الخل بالزيت. العلم شئ والإيمان شئ آخر. ولا يمكن مزجهما مع بعض بأي حال من الأحوال. وهذا هو السبب:
التفكير العلمي يصف نوعا معينا من طرق التفكير. طريقة تفكير تستخدم المنطق والتحليل، لتفسير الظواهر والأشياء التي تعتري الإنسان. هذا النوع من التفكير، غالبا يقود إلى الحكمة.

الحكمة باليونانية تعبر عنها كلمة "صوفيا". إذا أضفنا لكلمة صوفيا، كلمة "فيلو" وتعني حب، أصبحت الكلمة المركبة "فيلو صوفيا". وتعني حب الحكمة. من هنا جاءت كلمة فلسفة. التي تعني حرفيا حب الحكمة. إذا كنت محبا للحكمة والمعرفة، فأنت فليسوفا.

ماذا كان يوجد قبل الفلسفة، وقبل طريقة التفكير العلمي؟ كانت توجد الأساطير. لا داعي للتفكير العلمي والتقيد بالمنطق والتجربة ووجع الدماغ. نترك أمر التفكير للكهنة ومشايخنا الكرام وزمرة المفسرين ورجال الدين، ونأخذ نحن المعلومات مشفية ومطبوخة ومعلبة وعلى الجاهز.

الأساطير والقصص الموروثة عن الأجداد تفسر لنا كل شئ. البرق والرعد سببهما مقرعة كبير الآلهة "زيوس" على قمة جبل الأولومب. الكرة الأرضية يحملها الحوت بهموت. عندما يشعر بالتعب أو يصيبه الغرور، ، تحدث الزلازل. الأمراض والأوبئة بسبب غضب الآلهة. وهكذا.

معظم الأساطير لها علاقة بالدين وحياة الآلهة. لذلك كانت لها صفة القداسة. حافظ عليها الأجداد وعضوا عليها بالنواجذ. كان يسلمها كل جيل إلى الجيل الذي يليه.

أستخدمت هذه الأساطير في خلق نظام إجتماعي متكامل. يفسر كل شئ ويجيب على كل سؤال. لكن عيب هذه الأساطير المقدسة، أنها تخلق مجتمعات ساكنة راكدة تقاوم التقدم والتغيير.

العصور المظلمة، استمرت أكثر من 1000 سنة في أوروبا بسبب سيطرة الكنيسة الكاثوليكية. وعشنا نحن في ظلمات الجب منذ قفل باب الاجتهاد وتكبيل العقل وانتصار الفكر السلفي على فكر ابن رشد منذ أكثر من ألف عام.

المدن الإغريقية هي مهد الفلسفة الغربية. إن لم يكن الإغريق قد نقلوها عن المصريين، ثم طوروها وأبعدوها عن الفكر الديني، لكي تصبح فكرا مستقلا.

لماذا الإغريق وليس غيرهم من الشعوب؟ لسبب بسيط. لأنهم لم يكن لديهم نظام كهنوتي ديني مسيطر، يحجر على الرأي ويمنع التفكير المستقل.

الفكر المستقل دفعهم للبحث عن الحقائق والأسباب بعيدا عن التفسيرات الدينية. هنا نرى العقل البشري يعمل مستقلا، دون قيود تمنع إنطلاقه إلى آفاق بعيدة.

قبل حلول القرن الثامن عشر، كانت الليبرالية مجرد مواقف ثقافية لبعض المفكرين، أمثال إراسموس ، هس، اسبينوزا، وغيرهم. لكن بقدوم عصر الأنوار الفرنسي، أصبحت الليبرالية حركة واضحة اجتماعية.

قامت الليبرالية الفرنسية على الفور، بالهجوم على عدة جبهات في آن واحد. سياسيا: طالبت بسيادة الشعب وحكومة تمثله. اقتصاديا: تبنت حرية التجارة وعدم التدخل في الصناعة.

بالنسبة للدين، قامت بنشر التسامح والمساواة والحرية والمعرفة وفصل الدين عن الدولة. من الناحية الفلسفية، أكدت مبدأ الحرية الشخصية وحرية المجتمع والتعليم المدني وحرية البحث وحرية طلب الحقيقة.

مواجهة الفكر الديني، كان متوقعا في عصر النهضة، أثناء التقدم العلمي في القرن السابع عشر. التجربة والمنطق ومعرفة القوانين الطبيعية، كلها كانت في مواجهة الفكر الدوجماتي المطلق. بمعنى أن الماضي ليس بالضرورة بأفضل من الحاضر، وأن الإنسان لم يسقط من عليائه ونقائه إلى أسفل سافلين.

وجد فلاسفة القرن الثامن عشر أن التقدم الاجتماعي والثقافي، تقع مسؤوليته في يد الإنسان نفسه، وفي قدراته وثقافته. وليس بالدين والاعتقاد بأن الرب سوف يتدخل لكي يحل مشاكل الإنسان اليومية، كي يعيده إلى مدينة الله.

فكر الأنوار هو بداية العالم الحديث. لأن معظم أفكار اليوم، قد أتت من هذه الفترة. الديموقراطية، العقلانية، التجربة، الحقوق الطبيعية، المنهج العلمي، التعليم العلماني، الحرية، التقدم، إلخ.

الرعب من عذاب النار، وجلد الذات والشعور بالذنب، وعدم الثقة في النفس، والاتكال على القوى الخارقة للطبيعة، والامتثال للسلطة، والتضحية بالحياة الدنيا واحتقارها لأجل الحياة الأخرى، وكل الأمور التي جاءت من العصور الوسطى، قد تم التغلب عليها بالفكر العلماني.

أصبح الإنسان الآن يواجه الحياة وكله ثقة بالنفس. أضحى يعرف قدراته، ويأمل في غد أفضل، يتغلب فيه على مشاكله وآلامه.

عصر الأنوار، قام بتحطيم فكرة الحق الإلهي للحاكم أو الخليفة، وجاء بالحكم الدستوري. وقام بتحجيم الدين وحصره فقط في وجود الخالق والقيم الخلقية. عصر الأنوار والعلمانية، أعطت للإنسان الأمل، وقدمت له من المساعدة، أكثر من أي دين آخر ظهر على وجه هذه البسيطة.

المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات، والمساواة بين الرجل والمرأة. إلغاء الرق والعبودية واحترام حقوق الإنسان الطبيعية، وحقه في الحياة والحرية، وحقه في إبداء الرأي مهما كان متواضعا. كلها أمور قد أتت من الفكر العلماني، لا الفكر الدين.

لكن الفكر الديني، الذي أعطانا إسرائيل وداعش وأخواتها، كان ولايزال يقر العبودية وينظمها. وهو الآن يقف حجر عثرة في سبيل تحرير المرأة وإعطائها حقوقها كاملة ومساواتها بالرجل. ويبارك العنصرية ويغذي الكره والحقد بين الفئات والشعوب المختلفة. "شعب الله المختار"، "خير أمة أخرجت للناس"، إلخ. كلها شعارات دينية عنصرية، ليس لها نصيب من الصحة.

فلاسفة المقاهي، كانوا معارضين لديانات الوحي وتدخلها السافر في السياسة. وكانوا يحاربون الفكر المطلق الدوجماتي. قاموا بإشعال الحرب على الطبقية ومزايا رجال الدين والكنيسة. الكنيسة كانت تحوز ممتلكات وعقارات ضخمة، وكانت معفاة من الضرائب.

قاموا أيضا بتحويل فكر الناس من اللاهوت إلى المنطق، ومن الغيبيات إلى علوم الفيزياء. النظرية السياسية التي ولدت مع عصر الأنوار، هي نظرية الحقوق الطبيعية. بمعنى أن كل إنسان، هوموسيبيان، له حقوق طبيعية مقدسة لا تنتهك في شخصه أوممتلكاته.

هذه الحقوق، التي تضمن حياة الإنسان وحريته، والتي توفر السعادة للجميع، باتت هي الأساس الذي بنى عليه الآباء المؤسسون للولايات الأمريكية أفكارهم. ثم وجدت هذه الأفكار، طريقها لوثيقة الحقوق، ودستور الولايات المتحدة.

عندما كتب جيفرسون: "إن جميع بني البشر خُلقوا متساوين، وإن خالقهم منحهم حقوقا معينة لا يمكن التصرف بها، إلخ..."، كان يذكر مبادئ ولدت في عصر الأنوار الفرنسي. مصدر نظرية الحقوق الطبيعية للإنسان، هو الفيلسوف جون لوك (1632-1704م). الذي ساهمت كتاباته في ثورة إنجلترا عام 1688م.

كان لوك يعتقد بأن وظيفة الدولة، هي الحفاظ على حقوق المواطنين، وهي حقوق أساسية. منها حق الملكية الفردية. الدولة بمقتضى العقد الاجتماعي، تحمي أرواح الناس وأملاكها وحريتها، وتصدر القوانين لخدمة الجميع.

تأثير لوك في فرنسا كان خطيرا. جاء عن طريق كتابات فولتير وروسو. اللذان أدت مناهضتهما للحكم المطلق، إلى قيام الثورة الفرنسية.

بالنسبة للجانب العقلي، كان لوك هو أول الفلاسفة التجريبيين المحدثين. العقل، كما يقول لوك، ليس به شئ موروث. صفحة بيضة مثل صدغ اللفت أو مثل قلب المؤمن. ولو إن قلب المؤمن، لم يعد أبيضا كما كنا نعتقد. على هذه الصفحة البيضاء، يقوم الشخص بتسجيل نتائج التجارب التي يمر بها.

ليس هناك مبادئ عامة أو أخلاق، يمكن أن نعتبرها قد جاءت بالغريزة أو الفطرة. العقل لا يعرف شيئا إلا عن طريق الحواس. الذاكرة ومزج المعلومات وتصنيفها، يولد الأفكار المعقدة ومفهومنا للأخلاق.

الوحي والكتب المقدسة، هي أسوأ مصادر الأخلاق التي يمكن أن يطبقها الإنسان. العصور الوسطى ومحاربة العلم والعلماء واتهام الناس بممارسة السحر، وحملات صيد الساحرات وحرقهن في الميادين العامة، بتهمة تسخير الجان والشياطين خير دليل على ذلك.

فلسفة لوك التجريبية، كان لها تأثير كبير على العقيدة الدينية. ما يقبل من العقيدة الدينية، هو ما يتوافق مع التجربة الإنسانية. لهذا، قلبت الفلسفة التجريبية ل"لوك" فكر القرون الوسطى. واستبدلته بفكر القرن التاسع عشر البراجماتيكي، الذي لا يحترم سوى الشواهد والنتائج.

لكن أن تثق الحكومة في عمرو خالد، وتختاره ضمن لجنة نشر الأخلاق الحميدة، وتثق في مشيخة الأزهر بعد أن عششت داخله الأفكار السلفية والوهابية، وبعد أن ناصب الأزهر العداء للحركة العلمانية والمدنية، وقام باختطاف ثورتي 25 يناير و30 يونية، فهو أمر مثير للريبة والتساؤل.

إننا نقف الآن على شفا حفرة من النار. نقف جميعا في نفق مظلم ولا نرى سوى ضوء قطار الدولة الدينية يقترب شيئا فشيئا لكي يقضي علينا وعلى حضارتنا بالكامل.

نقوم الآن بالإطاحة بمفكرين يدعون للإصلاح الديني أمثال اسلام بحيري وفاطمة ناعوت، ونتربص بسيد القمني وابراهيم عيسى ووحيد حامد وغيرهم. ونحاكم ونسجن بأحكام قاسية كل شباب ثورتي 25 يناير و30 يونية.

نقوم بسجن نقيب الصحفيين، يحى القلاش، وزميليه، والمحامي الحقوقي مالك عدلي والناشط عبد العظيم أحمد فهمي، وكل من تظاهر تحت شعار "الأرض هي العرض"، بينما لم يقترب أحد من رافعي أعلام السعودية عاليا في السماء المصرية، أو التي نأمل أن تبقى مصرية.

بالطبع ملاحقة الراقصات بالقضايا والسجن، ورفع قضايا الحسبة على 11 مسلسلا من مسلسلات رمضان، والقبض على أطفال قصر بتهمة ازدراء الأديان، والتسامح في حوادث الفتنة الطائفية وحرق الكنائس، والقبض على رواد المقاهي بتهمة الافطار في رمضان.

كلها أحداث تكمل اللوحة التأثيرية، فتظهر بوضوح للرائي وللعين المدربة صورة الحكم الحالي واتجاهه، التي يحرص أولي الأمر كل الحرص على إخفائها. حتى لو ادعوا ونادوا في كل وادي أنهم ليسوا سلفيين أو إخوانجية.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإلياذة: القتال بين باريس ومينلاوس
- الإلياذة لهوميروس 1
- القرية المصرية في الزمن الجميل
- فاطمة ناعوت وازدراء الأديان
- ما هكذا يا سيسي تورد الإبل
- هل الديمقراطية شئ ضروري؟
- تطور الأخلاق
- تطور الفكر الديني في القرن التاسع عشر
- طيور لا تبني عشوشا
- طيور تبني حضانات للبيض
- نعم مصر دولة علمانية بالفطرة يا شيخ برهامي
- هيكوبا - ليوريبيديس
- ثلاث قطع نقود - بلاوتوس
- أساطير السماء – برج الدجاجة
- أساطير السماء – برج العذراء
- أساطير السماء – برج الدلو
- أساطير السماء – برج الدلفين
- أساطير السماء – برج الحمل
- أساطير السماء – برج الأسد
- ماذا نفعل مع داعش؟


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد زكريا توفيق - هل نحن نتجه إلى دولة دينية؟