ادريس الواغيش
الحوار المتمدن-العدد: 5197 - 2016 / 6 / 18 - 22:44
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة: سَمَاءٌ دَاكِنَة
قلم: إدريس الواغيش
لازلت أتذكر أنها بَكَتْ قليلا ومَسَحت عينيها، تنهّدت في حَرَكة استباقيّة لنزول دمع آخر من عينيها، ثم رفعت يديها المُعْرَوْرَقتيْن بالصّبر إلى السماء. تمْتمَت ثم عادت لتبكي بُكاء جافًّا ثانية، وقد استنفذت رصيدَها من الدَّمع، كنّا في الحقيقة ننتظر، كمَا هي، مُعجزة من السَّماء، كي يعود إلينا سالمًا. خرج الطبيب الأول من غرفة العمليات ببذلة خضراء مُلطخة بالأحمر، فقمنا جميعا نُهَرْول نحوه ونسأل.
قال لنا ببرودة و لا مُبالاة:
- انتظروا، سيأتي الدكتور ويُخبركم...!
تأكدنا من أنه لم يكن طبيبًا، فقال كبيرُنا:
- ” أنا متأكد من أنه تفادى قوْلَ الحقيقة رأفة بنا...”
وانتظرنا إلى أن طال الانتظار، كُنّا جَمْعًا من الأطفال والرجال والنساء والشباب وقليلا من الشيوخ، بدأنا ننظر لبعضنا البعض في ريبة وقلق واضحين، فيما انخرطت بعض النساء والفتيات الصغيرات في نوبات من البكاء الفاضح أحيانا.
بعدها بقليل، قدم رجل أصلع، بَدين وقصير القامة، أمال برأسه إلى صدره وسكت قليلا، ثم جمع قفازَتيْه المُلطختين بالدماء خلف ظهره، فيما يشبه الاستسلام للقضاء والقدر، كانت كل العلامات واضحة ولا تحتاج إلى تفسيرآخر.
- البَرَكة فْرَاسْكُم، عَمِلنا كل ما في وُسْعِنا كفريق طبّي من أجل إنقاذ حياته، لكن الأعمار بيد الله !
جرت الدموع وتعالى الصياح والبكاء، وبقيت حائرًا بين أن أرضي نفسي التواقة إلى البكاء أو الاتكاء على رجولة تخونني كلما عولت عليها. لكن، لحظة صبر هاربة مني، جعلتني أنخرط بدوري في البكاء كالنساء. اختلستُ النظر إليها، كانت نحيلة كصفصاف عرصاتنا، تحمل معها كل ما يلزم من عزم وإرادة لخوض ما تبقي لها بعده من سنوات.
رَفعْتُ بدوري رأسي إلى السماء، أملا في أن أجد في زرقتها ما يخفف عني ثقل قدَر مُتواطئ يجثم فوق صدري، لم تكن بدورها صافية، كانت على غير عادَتها داكنَة!!.
#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟