أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تامر سلامة - رواية العشق في زمن الرجعية -الرواية الكاملة -















المزيد.....


رواية العشق في زمن الرجعية -الرواية الكاملة -


تامر سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 5197 - 2016 / 6 / 18 - 16:39
المحور: الادب والفن
    


الجزء الأول
"عشق في زمن الرجعية"

ملاحظة : أحداث القصة مأخوذة من واقع عايشه الكاتب إبتداءاً من تاريخ ٢٠٨٢٠١٤ حتى النهاية بتاريخ ١٣٤٢٠١٦ و الكثير الكثير قد تم حذفه من أحداث خاصة...

ثائر ، شابٌ عشريني ،طالبٌ جامعيٌ مثقفٌ و يساري ، أمضى حياته في سبيل قضيته و حب الوطن و التضحية من أجله ، عنيفٌ جداً و عنيد لدرجة غير معقولة و مخيفة، فمزاجه خليطٌ مرعب من وحشية المقاتل السوفيتي و عقلية الثائر الفلسطيني، و لكن كان ذاك مجرد قشرةٍ خارجية لحماية الإنسان الهش بداخله ، لإخفاء ثائر الطيب البسيط المُحب .
ميرا ، صبية ٌ ذات ال١٧ ربيعاً ، ذات الجمال الملائكي ، الناتج عن مزج سحر الروح الفلسطينية البسيطة، بالجمال السوفيتي الغير معتاد ، الطالبة الطموحة لدراسة الطب لتصبح فرداً مفيداً منتجاً في وطنها ، لتكون ملاكَ رحمةٍ للجميع دون إستثناء .

ثائر و ميرا هما أبطال هذه القصة ، و التي يبدو من خلال تفاصيل شخصياتهما أن دروبهم لن تتقاطع ، و لن يلتقيا و لو لمجرد الصدفة ، و لكن هذا ما حصل ، فقد حدث الأمر خلال آخر عدوان قام به الصهاينة على غزة ، حيث سافرت ميرا برفقة والديها لوطنها الأم "روسيا" ، هروباً من ضربات المدافع الشرسة و صواريخ الطائرات العمياء ، التي لا تميز بين عسكريٍ و مدني ولا حجر أو شجر .
ثائر أيضاً خرجت عائلته كما هو حال باقي العائلات الأجنبية عن طريق الإجلاء للعودة ل "روسيا" ، و لكن ثائر رفض الخروج ، أصرّ على البقاء مدافعاً عن تراب فلسطين ، بكل ما أوتي من قوة و إنتماء لهذا الوطن الذي إستنشق هوائه و أكل من خيراته و إستلقى تحت أشجار زيتونه منذ نعومة أظفاره، فكان يعود من أرض المعركة ليومٍ أو يومين يستريح فيهما من إرهاق القتال المستمر ، و يمارس حياته بشكلٍ طبيعي مثله مثل أي شابٍ في عمره، كي لا يكتشف أحد شخصيته كمقاوم في وجه الإحتلال ، فلم يكن أحدٌ يعرف ذلك و يعرف ماهية ثائر الحقيقية .
و في منتصف العدوان الغاشم ، في يومٍ كان ثائر جالساً على أحد مواقع التواصل الإجتماعي ، يطمئن على أصدقاءه و صديقاته الذين غادروا القطاع لينجو بحياتهم ، و كان قد تعرف على ميرا منذ مدة قصيرة، و أُعجبا بأفكار أحدهما الآخر ، و لفارق السن و زيادةً في الدلع كان يناديها يا إبنتي ، و كانت تناديه يا أبي ، و كان يغيب ثائر لأيام دون الدخول و الحديث مع أحد لإنشغاله بعمله ، تنامت العلاقة بشكل سريعٍ جداً ، و حدثت المفاجأة ، لقد وقعا في الغرام ، روحين التقيتا دون إلتقاء الأجساد ، و لكن أخفيا مشاعرهما لإنشغال ثائر الدائم و لخوف ميرا من بدء أول علاقة حب في حياتها .

ليلة الأربعاء ، الموافق ٢٢٨٢٠١٤ ,في تمام الساعة ١١ ليلاً ، يعود ثائر للمنزل ، يقلع زيَّهُ العسكري الممزق ، يستحم ، يسرع لفتح الإنترنت للإطمئنان على ميرا ، التي أصبح هوساً يلاحقه في صحوته و منامه، في راحته و حتى قتاله في الميدان ، أصبحت دافعه الأقوى للبقاء صامداً في أرض المعركة ، و كان قد إتخذ قراره بالبوح لها بحبه الشديد ، و اذا به يتفاجأ خلال حديثه معها ، بأنها تبدأ الثورة على قلبه ، و أعلنت قلبه ولايتها الخاصة ، و نطقت بكلمات الحب أول مرة ، و هنا توقف قلب ثائر لثواني ، يا إلهي ، ما هذه الفرحة ، هل سيكون حقارةً لو طلبت من الله شيئاً أكثر من هذا ؟ طبعا سيكون حماقةً كذلك ! ، اعترف ثائر تلقائياً بولعه بها ، و أصبحا بذلك حبيبين أبعدتهما الحرب و سيجمعهما الوطن ...

و كما هو متعارف في بلاد الشرق الرجعية ، فإن الحب محرم ، و الغرام مذموم ، و الصداقة بين الجنسين مكروهة ، فقد علم والد ميرا بالعلاقة البريئة التي وُلدت بينهما ، فقام بالتهديد و الوعيد ، و فرق بينهما رغماً عنهما لأول مرة .
بعد مرور ٤ اشهر من المعاناة و لوعة و ألم الإشتياق ، و إحتراقهما بنار الوحدة و الفراق الظالمة ، و في لحظةٍ مثلت لهما عودة الروح للجسد ، رن هاتف ثائر من رقمٍ غريب ، فقام بالرد ، إنها ميرا !
نعم كانت ميرا تبكي فرحاً ، و بكى هو فرحاً كذلك ، يا إلهي كيف يستطيع أثير صوتٍ بسيط ، يخترق المسافات بلحظة ، أن يعيد الفرحة لقلبين إحترقا بفعل الفراق .
بعد أسبوعٍ كان اللقاء في عيد ميلادها ، كانا سيشاهدا بعضهما البعض لأول مرة ، فذهب ثائر مسرعاً نحو مدرستها الثانوية ، و كان يبحث عن الرمز المميز الذي ميزت نفسها به " حقيبة جلدية زهرية اللون ذات زركشات زرقاء بسيطة" ، و يبحث بين مئات الفتيات عن معشوقته سماوية العينين ، فإذا بالعيون تلتقي لترسم البسمة على شفاه العاشقين ، كم إنتظرا هذه اللحظة ، ليس ليتكلما أو ليسيرا سوياً ، أو حتى ليقَبِلا بعضهما البعض كما يحدث في افلام الغرام ، بل انتظرا لحظة اللقاء الأولى ، لينظرا في وجهي بعضهما البعض لدقائق ، و عن بعد مسافةٍ لم تتجاوز المترين ، شعرا كأنها ملايين الأمتار ..

مر شهرين على خير ، إلى أن إكتشف والدها علاقتهما مجدداً ، ليعيد بسطوته و رجعيته الألم لقلبي العاشقين ، و فرقهما دون رحمة أو أدنى تفاهم ، ليعودا يفترشا السماء أرضاً خصبةً لتأملاتهم ، ليزرعا الأحلام أملاً في اللقاء مجدداً و البقاء سوياً للأبد ...
مرّ شهرين و نصف الشهر ، كأنها مئتين و خمسون عاماً ، كان يذهب ثائر مرةً او مرتين في الشهر ليلقي نظرةً من بعيد على معشوقته الفاتنة ، و عادا للحديث ،و إستمرا معاً و عاشا أسطورة حبٌ شكسبيرية مؤلمة و عذبة ، في أحد الأيام إكتشف والدها للمرة الثالثة أمرهم ، فقام بالتهديد و الوعيد ، فقام ثائر بإخبار والديه بالحقيقة الكاملة، و برغبته الجنونية بالزواج من ميرا و أنه لن يقبل يغير هذا الحل و لن يقبل التأجيل مهما حصل ، فذهب والديه في اليوم التالي لطلب يدها له ، و إتفقا مع والديها على أن تتم خطبتهما رسمياً في الصيف المقبل ، بعد الإنتهاء من الإختبارات الثانوية أي بعد ثلاثة أشهر فقط ...
شعر العاشقين أن كل شيء حلما به قد تحقق ، فها هما سيكونان زوجين كما أرادا منذ سنتين ، سنة و نصف إمتلئتا بالدموع و المخاطرة و الإختباء ، و الآن سيصبحان زوجين أمام الملأ ، و لكن ذلك لم يتم ..

للأسف ،و بشكلٍ صادمٍ و غير متوقع ، قام والدها بشكلٍ مفاجىء بفسخ خطبتهما ، و التراجع عن وعوده بتزويج ميرا لثائر ، دون الإفصاح عن أي سبب ، فلم يستسلم ثائر ، و حاول فعل كل ما يستطيع ، لإرجاع معشوقته الوحيدة ، و لكن دون جدوى .
في ليلة أحد الأيام قرر أن يواجه والدها ، و يحاوره و يحاول إقناعه و معرفة دوافعه لحرمانهما من بعضهما البعض بعد أن كانا شبه مخطوبين . فارسل له رسالة طالباً منه اللقاء ، فما كان الرد سوى بالرفض ! ، لربما كان خوفاً من اللقاء أو لإخفاء الملامح و المشاعر الحقيقية عن ثائر لذلك رفض والدها مقابلته رفضاً تاماً ، و فضّل أن يتحدثا على الهاتف ، فكان له ما يريد ، تحدثا لمدة ربع ساعة ، أحس ثائر فيها أنها ربع قرن ، شرح خلالها والدها أسبابه كاملةً ، رغم عدم إقتناع ثائر بما قاله والدها بتاتاً و لكنه وافقه لإحترامه له ك والده لا أكثر ، كيف يمكن لشخص متعلم و يحمل شهادةً رفيعةً في الطب أن يتحجج بسبب تافه، ذاك السبب الحقير ، الذي لطالما دمر العلاقات الإجتماعية في مجتمعنا ، و ربطه و إيعازه للعادات و التقاليد الحقيرة ، التي إنتهت و لكن ما زال يتمسك بها بعض الرجعيين ، كان سببه أنه " عائلتي بترفض نزوج بنتنا لمهاجر و نطلعها برا المدينة يلي احنا ساكنين فيها و المدينة يلي انتا فيها بعيدة " ، يا لها من حِجة تعيسة ، حاول ثائر أن يقنعه لكنه فشل في ذلك ، فكيف يمكنه أن يُجابه رجعية مستشرية في عقل شخص بعمر والده و يكن له بعض الإحترام ...
صراعه الذي استمر لسنة و نصف مع رفيقته و معشوقته في وجه الرجعية لأجل الحب قد قُتل ، قُتل بسلاحٍ صدىء ، إسمه العادات و التقاليد ، و التمييز بين المواطن و المهاجر ، إنه التعصب الأعمى ، الذي لن يزول عن تلك الفئة الضالة من المجتمع حتى و إن كانوا من حملة شهادات الطب و الهندسة و أعلى المراتب التعليمية ، فالرجعية ستبقى رجعية لطالما لم يتحرر من تحتها بإرادتهم ...


بتاريخ
٢٠٥٢٠١٦
يتبع ...


............................................................................................................


(الجزء ٢)
" زيارةٌ مفاجأة تفجر الألم "



ليلة أمس ، في زيارةٍ مفاجئة لثائر ، قام بها صديقه ناجي ، ناجي الذي كان مسافراً منذ أكثر من خمس سنوات ، و لم يعلم ثائر بأنه عاد للوطن ، فتفاجأ بزيارته ، تجاذبا أطراف الحديث بجميع أنواعها و توجهاتها ، و فجأة ، وقعت عين ناجي على مكتبة ثائر ، و جذب إنتباهه ميدالية خشبية معلقة بين رفوف الكتب ، فدار هذا النقاش بين الرفيقين :

ن : يا إلهي ، كم كبرت مكتبتك التي كانت قبل خمس سنوات لا تتعدى السبع كتب ،لكن أخبرني لمن هذه الميدالية الخشبية ؟

ث : لا تريد أن تعرف ، صدقني ، إنها لقصة طويلة جدا و عقيمة و لاأريد أن أشعرك بالصداع بتفاهاتي ..

ن : هيا ، لا تكن خجولاً ، أريد سماعها بل و بكل تفاصيلها يا رفيقي ، هيا إني أسمعك ..

ث : تلك الميدالية ، كانت الهدية الأجمل و الأثمن ، من فتاة أحببتها ، عشقنا بعضنا البعض لسنة و نصف ، كافحنا و ناضلنا لنكون سوياً ، لكن فرقنا أهلها ،أباها و أعمامها الرجعيين ، حطموا قلوبنا بسبب تقاليدهم حقيرة التي لا يتحمل حقارتها سوى أصحابها و مدعيها ، حاولت إسترجاعها و قمت بما هو ممكن و مستحيل لكن دون جدوى ، و إكتشفت مؤخراً إصابتي بمرض حقيرٍ يعادل حقارةً رجعيتهم المقيتة
، آه ٍكم أكره هذا العالم ، كم أكره تلك العادات ، تلك التقاليد البالية ، تلك الأفكار الدينية التي عفا عنها الزمن ..

ن : و هي ؟ هل تبادلك الشعور ؟ هل تعاني مثلك ؟ هل ناضلت معك ؟ كيف تصرفت ؟

يصمت ثائر لحظات ، محدقاً في تلك الميدالية الخشبية ، يأخذ نفساً طويلاً و يخرجه بزفرةٍ عميقة ، تنم عن ألمٍ و ضيق في الصدر ، و يذهب بخياله ليتذكر لحظات جميلة ، جمعته بمعشوقته ، بكل تلك اللحظات ، الإبتسامات ، الضحكات و الدموع التي ذرفاها سوية ، بتلك القبلة المسروقة من فكي الرجعية ...

ن : لماذا سكتت ، أين تسرح ؟ أكمل حديثك ، أجبني و لا تنظر لي نظرة المهزومين ، هيا ..

ث: أتتعجب أن أصمت ؟ لقد شُلَّ لساني يا رفيقي العزيز ، نعم عانينا سوية ، و حسب ما تقوله هي ، فقد عانت كثيراً و بكت كثيراً ، وحاولت محاولاتٍ ضعيفة أن ترجعنا سوية ، لكنها إستسلمت ، قبلت الهزيمة بكل صدر رحب ، و لم تعد تحادثني حتى !

ن: لا تنفعل ، ربما لا تتصفح الأنترنت في الأساس ، ما أدراك !؟

ث: كفاك مهزلة يا رفيقي ، هل نسيت بأنني كنت أحد "الهاكرز" و من الشباب الذين شنوا الهجمات الإلكترونية على دولة الصهاينة تحت لواء "الأنونيموس" ، صحيح أنها قد قامت بحظري من جميع حساباتها ، خاصة من حسابها الجديد الذي لا يعرفه أهلها حتى ، تخيل أنها في الوقت الذي يجب عليها أن تستثمره في دراستها لاختبارات
الثانوية العامة ، تتصفح الأنترنت يومياً ! في ساعات النهار و حتى بعد منتصف الليل !

ن: يا إلهي ! كيف تفكر هذه الفتاة ! هل تنوي خسارة مستقبلها أيضاً أم ماذا ! أتسائل هل هي تقوم بالتصفح الآن ؟ هل لك أن تعرف ؟

ث: حسناً ، إنتظر ثواني ، مممم ، نعم إنظر ، الآن الساعة شارفت على منتصف الليل ، وها هي "متصلة" ، هل صدقتني الآن ؟ و غداً لديها إختبار في مادة الفيزياء صعب للغاية ..

ن: لا أعلم ماذا أقول ، لقد صُدمت من لا مبالاتها القاتلة ، لكن أجبني ، هل ما زلت تحبها ، هل تشتاق لها ؟ بكل صدق أريد أن اعلم ..

ث: سؤالك ، كخنجرٍ مسموم غرسته في قلبي يا رفيقي ، بالطبع ما زلت أحبها ، و سأظل أحبها ما دمت أتنفس ، فهذا ما وعدتها به ، فلن أسمح لفتاة أخرى بالدخول لقلبي ، ولن أسمح لنفسي بالزواج من غيرها ، فأنا أعتبر ذلك خيانةً في دستور العشق ، خيانةً لمبادئي الثورية ، و خيانة لقلبي الذي سلبته قاتلتي زرقاء العينين ، و لكن أصبحت أشك بأنها ستفي بوعدها لي ، أشك بذلك ..

ن: كفاك تشاؤماً ، هل تشتاقها ؟

ث: أشتاقها ، كإشتياق الصغير لأمه المتوفية ، كإشتياق شجرةٍ في الصحراء لنقطةِ ماءٍ يتيمة ، كإشتياق الأسير للحرية من خلف قضبان السجون ، و إشتياق الصوفي الزاهد للقاء ربه .. و لكن ، أتعلم ما هو الأصعب على الإطلاق ؟

ن: ماذا ؟

ث: أن ترى معشوقتك تبعد أمتار حقيرة عنك ولا تستطيع أن تنبس ببنت شفة ، مخفياً نفسك ، كي لا تراك ، فأنا أصبحت كما كتبت " أخيراً تخلصنا من سبب أوجاعنا " في إحدى كتاباتها لصديقتنا "ديانا" ، فأراها تبتسم ، تضحك ، فأفرح و إن لم أكن أنا سبب فرحتها ، فلا أظهر نفسي كي لا أعكر مزاجها ..

ن: ألا تظن أنها لربما تشتاقك أيضاً ؟ و تتمنى أن تراك ؟

ث: ههههه أضحكتني رغم ألمي ، لا أظن ذلك يا رفيقي، فإن إشتاقت ، لحاولت طمئنتي على نفسها على الأقل ، لكن يبدو العكس ، أصبح لدي شعورٌ حقير بأنها بدأت تنساني أو تكرهني!

ن: دائماً أفكارك سوداوية ، كفاك حزناً رفيقي ، لربما المستقبل سيكون أكثر إشراقاً ، و تجتمعان سوية ..

ث: لا أعتقد ، ألم أقل لك ، لقد إستسلَمَت ! إستسلَمَت و تخلت عن كل شيء كان بيننا ! حتى قلادتي "حنظلة" التي أهديتها لها ، لا أعلم لماذا و لكنني أشعر أنها تخلصت منها و لم تعد ترتديها كما وعدتني دائماً أنها ستبقيها على رقبتها، و كتاب غسان كنفاني ، الذي لربما حرقته لتنساني و تخلصت من جميع الهدايا ، لا أعلم يا رفيقي ، فأنا في دوامةٍ قاتلة من الجنون و الوسواس الغير عقلاني المتنامي كهلوسات مريضٍ نفسيٍ مصابٍ بالشيزوفرينية و الوسواس القهري !

ن: هوِّن عليك ، ووكل أمرك لربك ..

ث: أعتقد علينا أن نقف هنا ، لقد وصلنا لطريق مسدود للغاية ههههههه ، و كما قال أحد الكتاب الروس الذي لا أذكره " الله للأغنياء و الدين للفقراء و الدعاء مهنة رجال الدين الفقهاء " ! لقد تأخر الوقت ألا تظن أن عليك العودة لمنزلك ؟ لقت قاربت الساعة أن تصبح الواحدة بعد منتصف الليل ..

ن: ههههههههههههه ، صدقت يا رفيقي ، حسناً ، ألقاك غداً ، موافق ؟

ث: موافق ، لا مشكلة لدي ، نلتقي غداً إذاً في منزلك ، فهذا أفضل ..

ن: حسناً ، تصبح على خير رفيقي ..

ث: تصبح على وطن ..


يعود ثائر لغرفته ، يأخذ الميدالية و يحتضنها بكف يديه ، يطفىء النور ثم يستلقي متألماً ، يستحضر جميع ذكرياته ، يستحضر صوتها ، ضحكاتها ، يتمنى أن يعود الزمن ، ليعطيه ساعتين فقط ، مع معشوقته الوحيدة و الأبدية ، فيغط في نومٍ عميق ليدخل عالم أحلامه الخاص البعيد كل البعد عن رجعية و قذارة واقع بلده المرير ...

يتبع ...

...........................................................................................................

(الجزء الثالث)
" رحلةٌ أخيرة عبر الذكريات "


عاد ثائر للمنزل بعد خيبة أمل كبيرة ، لعدم مقدرته على رؤيتها ، بعد المسافة الطويلة التي قطعها ليراها ، إستلقى على سريره محاولاً النوم بعد أن أنهكه التعب ، فتباغته الأفكار مباشرةً دون سابق إنذار ، تحتل عقله دون إستئذان ، لماذا يفكر فيها ؟ و هي قد تخلت عنه بمحض إرادتها ، فقط لكونها ضعيفة ، فالحب لم يخلق للضعفاء ، فكما قال نزار قباني " الحب للشجعان ، فالجبناء تزوجهم أمهاتهم " ، يشعل سيجارته ، رغم أنه لم يدخن منذ ثلاثة أسابيع بسبب الآلام المبرحة ، التي يسببها له مرضه المشؤوم في صدره ، يشهق أول أنفساه من دخانها ، يتألم ، و لكنه يستمر ..
ينفث الدخان نصب عينيه محدقاً في سقف غرفته ، يغمض عينيه قليلاً ليجدها تتربص له بإبتساماتها و عينيها الزرقاوين ،يطفىء الموسيقى لعله ينام فيسمع صوت ضحكاتها في كل مكان !
" هل جُن جنوني أم ماذا !! " ، يسأل ثائر نفسه ، يبدأ الحوار مع نفسه كعادته ، لربما قد جَن جنونه فعلاً ، فالإنسان حين يكون وحيداً ، قد يصل به الحال ليتحدث و يشكوا همومه للأثاث ، ليس ضرباً من الجنون بل غبطةٌ عميقة في النفس و جرحاً غير قابل للإلتئام في القلب ، ووحدةٌ قاتلة قد تؤدي الجنون ..
يفتح هاتفه اللوحي ، يشاهد صورتها ، تنحدر دمعةٌ يتيمة من عينه ، و يبدأ الذكريات محاوراً نفسه ، كأنه أصبح شخصان ، فيتحاوران بشغف و عاطفية و الموضوع المطروح هو "ذكريات ثائر مع معشوقته ميرا "...

# : ما بك ؟ علامَ تبكي ؟ هل هي مؤلمةٌ تلك الذكريات لهذه الدرجة ؟

ث : أجل ، مؤلمة حقاً ، بقدر جمالها في وقتها ، بقدر الحب المغمور في إنبعاثها من الذاكرة ، بالجنون المشحون في لحظات وقوعها ..

# : شوقتني لسماعها ، هيا أخبرنا يا أنا ، أو بالأحرى ، دعنا نتذكر سوياً ..

ث : أتتذكر ، أول النظرات ، حين مشينا سوياً ، من مدرستها و حتى الشارع الذي يوصلها لمنزلها ، يوم أن تحدينا خوفنا و رأينا بعضنا لأول مرة ..

# : نعم ، أتذكر ذلك ، كان ذلك هدية عيد ميلادها ال١٦ أليس كذلك ؟ و كانت تشترط أن تشغل أغنيةً "كاتيوشا " الروسية على هاتفك لتنتبه إليك حين تسمعها بين جموع الفتيات ؟

ث : تماماً ، يا لها من لحظة مخيفة و عميقة ، كان أول لقائاتنا رهبة ، أتتذكر ، حين إتفقنا مع مجموعة من أصدقائنا ، على الذهاب سوية ، مباشرةً بعد رأس السنة ب إسبوعين ،الى مدينة الملاهي الأشهر في قطاع غزة ؟

# : ياااه يا صديقي ، ذاك كان أول موعد غرامي لكما ، أتذكره جيداً ، يا إلهي ما أجمله من شعور حينما مسكت ميرا يديك ، في لعبة "القطار الروسي " ، حين شعرت بالخوف ، و تمسكت بك بشدة ، و لم تفلتا يداكما حتى نزلتما ، و حين أطعمتك بيدها و أطعمتها بيدك ، دون مبالاة للموجودين حولكما ، فقط عشتما لحظاتكما ، لم تفارقا بعضكما لما يقارب الخمس ساعات و التي لم تكن ك خمس ثواني لكما ..

ث : ذكريات ، لا أكثر ، أتتذكر حين قررنا الإلتقاء في تلك الجمعية الثقافية الأجنبية ؟ كم ضحكنا ، و كان لقائي الأول بوالدتها ، التي أرادت أن تكون معاً منذ ذاك اليوم ، بل و شجعتني على التقدم الرسمي لزوجها ، و الذي للأسف لم يكن رجلاً بما يكفي ، ليكون صاحب قرارٍ في زواجي من إبنته التي كنت على إستعدادٍ للتضحية بحياتي لأجلها.

# : نعم ، أتذكر ، حين قمت بتقبيل يدها بعد الإنحناء لها حباً و غراما ..

ث : تلك كل ذكرياتي كما أعتقد ، هل نسيت شيئاً يا ترى ؟ ذاكرتك أقوى مني فأنت مجرد صوتٍ لعقلي الباطني ، أخبرني ، هي تتذكر شيئاً آخر؟

# : كم أنت سخيف ، هل نسيت قبلتك الأولى ؟ قبلتك الأولى في حياتك ! الفتاة الوحيدة التي قبلتها رغم أنك أحبب قبلها ، لكن لم تكن تعشق سواها ، فكانت حبك الأول ، و الأفضل ، فتبادلتما القُبل ، فكانت قبلتك الأولى و قبلتها الأولى ...

ث : يا إلهي ، كانت أسعد لحظة في حياتي ، التي طالما إنتظرتُها ، حين تحدينا الواقع ، كسرنا حواجز خوفنا ، و قلنا " تباً للجميع " ، و تبادلنا القبلات ، و لكن لا شيء يضاهي شفتاها ، سوى إحتضانها لي ، حين جعلتني أشعر بأنني الوحيد و الأوحد ، أنني قلعتها الحصينة ، أنني درعها الواقي الذي لن يخذلها ، أنني بكل بساطة ، رجُلُها ، حين قالت لي هامسةً " أنت حُبي الأول و الأخير ، لن أسمح لأحد أن يمسني غيرك ، هذا وعدي لك ما دمت حية ، يا حبيبي و زوجي الأروع " ، هل يا ترى نسيت وعدها الآن بعد مرور ثلاث أشهر فقط!

# : يا لها من ذكريات يا صديقي ، تتذكر كم مرة إتصلت باكيةً ، حين كان والدها الذي إدّعى حبها ، يُبكيها لأتفه الأسباب ؟ لم يكن لديها ملجأً سواك ، لم يكن لديها من يسمعها غيرك ، حين تخلى عنها حتى أقرب صديقاتها ، فكنت أنت الأب و الأم و الأخ و الحبيب و الزوج و الرفيق و الصديق ؟

ث : نعم ، لقد كنتُ أمثل لها كل شيء ، لكن للأسف أصبحت الآن بالنسبة لها لا شيء ، فقد إنتهى دوري في مسرحية حياتها ذات الطابع الدرامي ذو النهاية الشيكسبيرية المؤلمة المعتادة ..

# : كفاك ، لقد ذهبت و تركتك وحيداً ، إختارت من كانوا سبباً دائماً لدموعها ، لتكون معهم بدلاً عنك ! كفاك تفكيراً بها ! كفاك حماقة ، فقد ذهبت و تركتك لك بضع ذكريات ، و علامات إستفهامٍ هزيلة لا أكثر ..

يرن هاتف ثائر ، ليقطع تفكيره فجأةً ، إنه المنبه الذي وضعه منذ ما يقارب الثلاثة ساعات ! يا إلهي ، هل إستغرق في خياله ، و سفره عبر أجمل ذكرياته ، ثلاث ساعات كاملة ! بدلاً من أن ينام كعادته وقت الظهيرة ؟
فعلاً ، لا يغير الإنسان سوى ثلاث أشياء " الحب و الفقدان و الألم " ، فهي تغير مفهوم الشخص للحياة ، فالحب يمنحك نظرةً تفاؤلية سعيدة للحياة ، و الفقدان يمنحك التشاؤم الكافي للإنتحار ، بينما الألم ، فهو يعطيك الدروس التي لن تجنيها سوى من خلاله ، كي لا تقع في نفس الخطأ مرتين ...

نهض ثائر ، قام بحذف صورها من هاتفه ، رغم الألم الذي إنتابه كأن يده لم تكن تتجرأ لفعل ذلك ، و قرر نسيان ذكرياته معها ، إحتفظ لنفسه بصورةٍ تجمعهما معاً ، للذكرى فقط ..
و قال في نفسه " إن كانت ستتزوج غيرك و قد نسيتك و قررت عدم الحديث معك بتاتاً ، لماذا تتعب نفسك بالتفكير فيها ؟ و الإطمئنان عليها بالسفر نحو ١٠ كيلومترات يوماً بعد يوم ، فقط لتراها ثم تعود لمنزلك ؟ " فلم يجد جواباً سوى " العشق يفعل ما هو أكثر من ذلك " .

ينهض ثائر نحو مكتبه ، يأخذ ورقةً و قلم ، يبدأ بكتابة هذا الجزء الثالث و الأخير من روايته أو قصته القصيرة إن صح التعبير ، و يقوم بنشر حزنه و آلامه ، ليشارك بها العالم دون تفكير في العواقب ، لعدم إهتمامه حتى بما قد يحصل ، فهي ستقرأها ، ربما سيقرأ والدها أيضاً ، ربما صديقاتها ، بل و ربما العالم أجمع ، لا أحد يدري ما قد يحصل ، فغسان كنفاني لم يعلم و لم يتوقع قيام عشيقته غادة السمان بنشر رسائله الخاصة التي كان يرسلها لها ك عمل أدبي ، لا أحد يعلم ما ستكون النهاية ، فقد يموت الشخص فجأةً ، دون سابق إنذار ، ليكون قد ترك على الأقل بصمته الخاصة في هذه الحياة البائسة ، الخالية من الحُب و الإخلاص و الأمل !

...... النهاية ......

بقلم :
تامر سلامة
أبو جيفارا



#تامر_سلامة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصة القصيرة - لقاءٌ مصيري غير متوقع -
- فجوة و إشراقة الفن في قطاع غزة
- تشابه الدور بين رأس النعامة واليسار الفلسطيني


المزيد.....




- بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية ...
- -أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة
- فنانون روس يتصدرون قائمة الأكثر رواجا في أوكرانيا (فيديو)
- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...
- -حرب إسرائيل على المعالم الأثرية- محاولة لإبادة هوية غزة الث ...
- سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
- نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تامر سلامة - رواية العشق في زمن الرجعية -الرواية الكاملة -