|
الى أين نحن سائرون ؟ الجزء الثاني .
صادق محمد عبدالكريم الدبش
الحوار المتمدن-العدد: 5194 - 2016 / 6 / 15 - 21:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الى أين نحن سائرون ؟ هل لبناء دولة المواطنة ؟ .. أم نرسخ نهج الدولة الفاشلة ؟ الجزء الثاني ولكن، أشارت الدراسات إلى أن عدد القتلى هناك قد تجاوز هذه التوقعات بشكل كبير في السنوات الـ 11 التالية لسقوط صدام. وانحدر العراق والمنطقة بأسرها إلى الفوضى، وهو ما مهد الطريق للتطرف الذي ترعاه “الدولة الإسلامية”. وهناك أسباب عديدة للتمتع بنهاية دكتاتور. هذا يعني أن المجرم لم يعد في موقع القوة. ويعني أيضاً أن هناك احتمالاً أن الديمقراطية قد تترسخ في مكانه. وبعض الناس يعتقدون أيضاً أن أي شيء أفضل من الاستبداد. ولكن، هذا الاعتقاد الأخير غير صحيح. ما هو دور الدولة؟ لقد أظهر العقد الماضي أن هناك شيئاً أسوأ من الديكتاتورية، أسوأ من غياب الحرية، وأسوأ من القمع، وهو الحرب الأهلية والفوضى. “الدول الفاشلة”، والتي تمتد حالياً من باكستان إلى مالي، تُبيّن أن البديل عن الديكتاتورية ليس بالضرورة هو الديمقراطية. في كثير من الأحيان، هذا البديل هو الفوضى. وفي السنوات القادمة، لن يتم تعريف السياسة الدولية من خلال الاستقطاب بين الدول الديمقراطية والاستبدادية، بقدر ما سيتم تعريفها من خلال التناقض بين الدول الناجحة (أو القادرة على أداء وظائفها) والدول الفاشلة (أو غير القادرة على أداء وظائفها). الحكم هو النظام بالنسبة لتوماس هوبز، وهو مؤسس العلوم السياسية الحديثة، كانت الوظيفة الجوهرية للدولة هي فرض النظام القانوني من أجل إخضاع “حالة الطبيعة”. وفي “الطاغوت”، الذي كتب في القرن السابع عشر في ظل الحرب الأهلية الإنجليزية، قال هوبز إن احتكار الدولة للعنف كان شرعياً عندما يستخدم لحماية أرواح وممتلكات المواطنين والدولة. وعندما تصبح الدولة غير قادرة على ضمان النظام، يبدأ خطر “نشوب الحرب بين كل إنسان ضد كل إنسان” يلوح في الأفق. وفي مقاله الـ 1525، المعنون “ضد القاتل، سرقة جحافل الفلاحين”، جادل مارتن لوثر أيضاً لصالح الحكم بشدة لوضع حد لحرب الفلاحين الألمان. وكان لوثر متعاطفاً إلى حد كبير مع شكاوى الفلاحين، لكنه عارض العنف والفوضى المستشريين في تمردهم. وكتب لوثر، أنه يجب التعامل مع المتمردين “تماماً كما يجب على المرء أن يقتل كلباً مسعوراً”. وشهدت ألمانيا فترة طويلة أخرى من الفوضى منذ نحو 400 عام خلال حرب الثلاثين عاماً. وخلال فترة طويلة من السلام والاستقرار الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، أصبحنا في الغرب ننظر إلى الاستمرارية السياسية كمعيار . وفي يوغوسلافيا، أصبح فيما بعد واضحاً أيضاً أن إسقاط الطغاة أسهل بكثير من إقامة الديمقراطيات. وعلى الرغم من أن بضعة أسابيع من القصف كانت كافية عموماً لإسقاط الأنظمة الاستبدادية، مثل تلك التي أدارها ميلوسيفيتش، صدام، القذافي، أو الملا عمر، إلا أنه، وحتى في أوروبا، وفي المناطق الصغيرة نسبياً، مثل البوسنة والهرسك وكوسوفو، استغرق الأمر سنوات لإقامة دول نصف مستقرة مع حكومات ديمقراطية بشكل معقول. وكان الجهد لفعل هذا هائلاً، سواءً من حيث المال أو العمل. لسنوات، كانت السيطرة في البوسنة إلى حد كبير في يد الممثل السامي في البوسنة والهرسك، وهو المكتب الذي أنشئ بموجب اتفاق دايتون للسلام. بينما في كوسوفو، أدارت الأمم المتحدة البلاد. أهمية الاستقرار وكل هذا يثير السؤال التالي: هل الاستقرار قيمة في حد ذاته؟ غالباً ما ينظر إلى أولئك الذين يقومون بالإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب على أنهم لا يمنحون أهمية كبيرة للحرية وحقوق الإنسان. ولكن الحقيقة غير المريحة هي أن الديكتاتورية في كثير من الأحيان أفضل من الفوضى. ولو أعطي الناس حق الاختيار بين دكتاتورية تعمل وبين دولة فاشلة، فهم في كثير من الأحيان سوف ينظرون إلى الدكتاتورية باعتبارها أهون الشرين. ومعظم الناس يعتقدون بأن معيشة آمنة وقدر ما من العدالة، هي أكثر أهمية من الحريات الفردية والديمقراطية المشكوك بها. عدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى التوق للنظام، وأحياناً بأي ثمن. وغالباً ما يمهد الطريق للمتطرفين. كان ذلك صحيحاً في ألمانيا في نهاية جمهورية فايمار. وفي أفغانستان، حيث دفعت فترة من الاضطرابات بعد الانسحاب السوفيتي إلى صعود حركة طالبان. والآن ( الدولة الإسلامية ) قد ظهرت في العراق وسوريا. وهذا هو السبب في أن رقعة عدم الاستقرار السياسي التي تمتد من باكستان إلى مالي مربكة للغاية. في العراق وسوريا واليمن وليبيا، فقدت الحكومة المركزية سيطرتها على أجزاء واسعة من أراضيها، وأصبحت بلدان بأكملها غير قابلة للحكم. القبائل والعشائر تتقاتل مع بعضها البعض، في حين يسيطر أمراء الحرب على السلطة الإقليمية، على الأقل حتى يفقدوها مرة أخرى. فشل دمقرطة العراق، وعدم نجاح “الربيع العربي” في سوريا، غذيا صعود “الدولة الإسلامية”. في أي من هاتين الدولتين لا يوجد فرصة واقعية حالياً لنجاح الديمقراطية. غير جذاب ولكنه صائب ؟: هذا النوع من الحجة ليس جذاباً، حيث إن له، كما هو الحال، رائحة السياسة الواقعية الباردة. وهو اعتراف بعجز الغرب، وبمحدودية قدرته على تصدير قيمه ونمط حياته. وهو يبدو وكأنه استغناء عن المثل العليا. وهو أيضاً كثيراً ما يستخدم كحجة لتبرير التعامل مع الحكام المستبدين، وأسوأ من ذلك، يوفر للطغاة مبرراً لسياساتهم القمعية. ولكن هذا لا يجعلها حجة خاطئة. هناك عدد متزايد من الدول الفاشلة في العالم. ووفقاً لمؤشر الدول الهشة من قبل صندوق السلام، ازداد عدد الدول الحائزة على تصنيف “حالة تأهب عالية جداً” أو “حالة تأهب قصوى” من تسعة إلى 16 منذ 2006. وعلى النقيض من ذلك، لم يحرز انتشار الديمقراطية والحرية أي تقدم تقريباً. ووفقاً لبيت الحرية، وبعد حدوث زيادة كبيرة في عدد الدول الحرة في بداية التسعينيات، لم يكن هناك تغيير يذكر منذ عام 1998. يمكن للديمقراطية أن تعمل فقط في بيئة يوجد فيها على الأقل حد أدنى من الاستقرار. ولا يمكن للديمقراطية بالضرورة تأسيس هذا الاستقرار بنفسها. في العراق ومصر، فشلت تلك العملية، على الأقل في الوقت الراهن. دون عملية التعلم الثقافية، مثل تلك التي مرت بها أوروبا على مر القرون، إسقاط دكتاتور وإجراء انتخابات ليست كافية لإقامة الديمقراطية. وعلى هذا النحو، ينبغي أن يثمن الغرب الدول القادرة على أداء وظائفها بدرجة أكبر في المستقبل، يجب أن تدرس البدائل بجدية. وفي الواقع، هذه هي بالضبط حجة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، المستخدمة مؤخراً لتبرير تحفظه بشأن استخدام القوة: “هذا هو الدرس الذي أطبقه في كل مرة نطرح فيها هذا السؤال: هل ينبغي علينا التدخل عسكرياً؟ هل لدينا إجابة لليوم التالي؟” الفوضى مقابل الاستقرار: الدكتاتوريات والفوضى تسير جنباً إلى جنب : (كَتَبَ هذا المقال ( ماثيو فون روهر) كرد على المقال السابق، ونشرته ( دير شبيغل بتاريخ 9 أكتوبر 2014). أصبح القول بأن قيام دولة استبدادية مستقرة خير من واحدة فاشلة، أمر مألوف على نحو متزايد. إلا أن هذا القول يتجاهل حقيقة أن الأنظمة الاستبدادية هي في نهاية المطاف مصدر تلك الفوضى!! . سقوط الطغاة ليس دائماً سبباً للفرح، وفقاً لما كَتَبَتْ زميلتي ( كريستيان هوفمان ) في مقال نُشِرَ أمس على [ دير شبيغل الدولية ] . وإذا كان لدى مواطني أي بلد حق الاختيار بين “ديكتاتورية قادرة على العمل، وفوضى دولة فاشلة”، كما قال، فإن الدكتاتورية غالباً ما ستكون “أهون الشرور”، لأنها تعد باستمرار الاستقرار. وهذه الأطروحة مغرية، واكتسبت زخماً متجدداً منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. الربيع العربي بالغ في أحلام تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط. والآن، بعد أن أصيب المثاليين بخيبة أمل في كل مكان تقريباً، عاد أنصار ما يسمى بالواقعية السياسية لمناقشة مرة أخرى أنه، وعلى الرغم من أن رسالتهم المؤيدة للاستقرار قد تبدو غير شاعرية وربما محطاً للسخرية، إلا أنها واقعية. ولكن هل هي كذلك حقاً؟ الخطأ هنا يكمن حتى في وصف الدكتاتورية على أنها مستقرة. إذا كانت ديكتاتوريات حسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وزين العابدين بن علي في تونس، مستقرة، لما كانت انهارت؟ . ورغم ما قد يعتقده البعض، مسار الانتفاضات العربية لا يدعم حجة أن الدكتاتورية هي البديل الأفضل للفوضى. هذا المسار يروي قصة الأنظمة الاستبدادية، والتي كانت في جزء منها مسنودة من قبل الغرب، وبقيت في السلطة على مدى عقود بالضبط من خلال استخدام هذه الحجة، ثم سقطت في نهاية المطاف بسرعة مذهلة. لقد انهارت أساسات هذه الأنظمة بسبب البطالة بين الشباب، المشاكل الاقتصادية، وتدهور مؤسسات الدولة. جوهر هذه الأنظمة كان فاسداً منذ فترة طويلة. وقد جاءت إلى نهايتها بسبب تناقضاتها الداخلية، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها. تلك الاحتياجات لم تكن بالضرورة حرية التعبير والديمقراطية، حيث غالباً ما كانت هذه المتطلبات ثانوية، ولكنها كانت للحصول على العمل، والطعام، والحق بحياة كريمة. نهاية الجزء الثاني : صادق محمد عبد الكريم الدبش . 15/6/2016 م
#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأيمان بشرعة الله ... وبقيم الدين الحنيف !
-
الى أين نحن سائرون ؟ ..هل لبناء دولة المواطنة ؟ .. أم ترسيخ
...
-
للفاتنة الحسناء .... أصللي !
-
الرثاء في الشعر الجاهلي والقريض .
-
خواطر وحكم وعبر ..
-
العاشر من حزيران .. ودولتنا العتيدة !
-
ناظم حكمت .. 1902 -1963 م .
-
بغداد تعانق الموت !.. وهي واقفة ؟
-
أمرأة من بلادي ...
-
هل أطفالنا سيحتفلون في عيد الطفل العالمي في الأول من يونيو ح
...
-
الى الحكام الفاسدين المتربعين على السلطة في عراق اليوم .
-
هل على الشعب أن يطيع الحاكمين الفاسدين ؟
-
يمكن للجميع التعايش !... والعيش المشترك !
-
رسالة مفتوحة لقوى شعبنا الديمقراطية العراقية !
-
الدولة الديمقراطية العلمانية هي الحل لمعانات العراق !
-
الى وطني الجريح !... البعيد القريب .
-
الظلامييون يرتكبون حماقاتهم بحق معهد الفنون الموسيقية في بغد
...
-
هل سيتحول عراقنا والنهرين الخالدين .. الى أثر بعد عين ؟
-
خبر وتعليق !
-
لماذا الهرولة لشرذمة العراق ؟
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|